رضا البطاوى
عضو فعال
- المشاركات
- 2,709
- الإقامة
- مصر
نقد كتاب موسى والتوحيد
الكتاب من تأليف سيجموند فرويد والكتاب مبنى على عدة أمور:
الأول أن موسى(ص) لم يكن إسرائيليا أى ليس من ذرية إبراهيم (ص) وإسحق(ص) ويعقوب الذى هو إسرائيل (ص) وإنما كان أميرا من قوم فرعون أو بتعبير فرويد مصريا خالصا وفى هذا قال :
"لقد بات فى وسعى ألان أن أختم هذا البحث الذى كان غرضى الوحيد منه أن ادخل وجه موسى المصرى فى إطار التاريخ اليهودى وحتى نصوغ نتائج عملنا فى أوجز صيغة فسنقول أننا أضغنا إلى ثنائيات التاريخ اليهودى المعروفة شعبين ينصهران ليؤلفا أمة واحدة مملكتين تتفرعان من انقسام هذه الأمة إله يحمل اسمين اثنين فى التوراة أضفنا إلى هذه الثنائيات ثنائيتين أخريين تأسيس ديانتين جديدتين دحرت ثانيتهما أولاهما فى البداية ولكن الأولى لا تتأخر فى انتزاع لواء النصر من جديد ثم مؤسسى ديانة اثنين كل منهما موسى ولكن لا مفر لنا من التمييز بين شخصيتهما وجميع هذه الثنائيات تتفرع بالضرورة عن الثنائية الثانية كون شطر من الشعب عانى من حدث مفجع لم يعان منه الشطر الأخر ص72
وهو يستدل على كون موسى مصرى وليس اسرائيليا يهوديا بأن لسانه كان أجنبيا مع اليهود فيقول:
"ثمة سمة أخرى تنسب إلى موسى جديرة هى كذلك بأن نحظى منا باهتمام خاص فالنبى على ما يبدو كان ثقيل اللسان أى أنه كان يشكو ولابد من علة فى التعبير أو من عيب فى النطق وهذا ما اضطره إلى أن يستعين بهارون الذى يقال أنه كان أخاه فى مناقشاته المزعومة مع فرعون... أفلا تشير القصة عن هذا الطريق الملتوى إلى أن موسى كان أجنبيا يعجز على الأقل فى بدء علاقاته مع المصريين الجدد عن الاتصال بهم بدون معونة مترجم إن لفى ذلك تأييدا للأطروحة أن موسى كان مصريا" ص44
ويخالف الأساطير التى يبنى عليها أبحاثه النفسية ومنها أسطورة الابن الضائع الذى يكون دوما أميرا ملكيا وتتبناه أسرة فقيرة فيجعل موسى أميرا مصريا وأسرته الحقيقية ليست أسرته فيقول:
"والمفروض بالأسرة المتواضعة بوجه عام أن تكون هى الأسرة الحقيقية وبالأسرة النبيلة أن تكون هى الخيالية ولكن حالة موسى تبدو مختلفة بعض الشىء وهنا بالتحديد تتيح لنا وجهة نظرنا الجديدة أن تقر بان الأسرة الأولى الأسرة التى هجرت الطفل هى بكل تأكيد خيالية وبأن الأسرة الثانية الأسرة التى تولت تربية الطفل هى الحقيقية وإذا كنا نملك الجرأة على التسليم بأن هذه حقيقة ذات صفة عامة تنطبق على أسطورة موسى مثلما تنطبق على سائر الأساطير فسيتجلى لنا فجأة أن موسى كان فعلا مصريا وفى غالب الظن مصريا نبيل الأصل وقد جعلت الأسطورة من هذا المصرى يهوديا هذا ما سيكونه استنتاجنا "ص17
ويستدل فرويد على صحة فرضيته بكون موسى مصريا بأن الختان اليهودى مأخوذ من الختان المصرى فيقول:
"ولكن من الصحيح أيضا إذا تساءلنا من أين جاءت اليهود عادة الختان ما أمكننا أن نجيب إلا بالقول من مصر وينبئنا أبو التاريخ هيرودتس أن الختان كان يطبق فى مصر من قديم الأزمان "ص36
الثانى أن موسى(ص) لم ينزل عليه وحى وإنما اقتبس دينه من مذهب آتون أو اخناتون التوحيدى وأنه دين اليهود هو إحدى ديانات المصريين وفى هذا قال :
"إن نقطة انطلاقنا والفرضية التى اتبعناها بها تتناقضان إلى درجة يحق لنا معها أن نستخلص من تناقضهما النتيجة التالية إذا كان موسى قد وهب اليهود لا ديانة جديدة فحسب بل شريعة الختان أيضا فهذا لأنه كان مصريا ولم يكن يهوديا الأمر الذى يترتب عليه أن الدين الموسوى كان فى ارجح الظن ديانة مصرية لا ديانة الشعب العظيمة الاختلاف بل ديانة آتون التى تتفق معها الديانة اليهودية فى العديد من النقاط الهامة" ص37
الثالث أن الدين هو مرض عصابى ومن ثم فهو أذى وضرر على الناس وفى هذا قال :
"فحين تقودنا أبحاثنا إلى الاستنتاج بأن الدين ما هو إلا عصاب ص78تشكو منه الإنسانية وحين تبين لنا أن قوته الهائلة تجد تفسيرها على نفس النحو الذى نفسر به الوسواس العصابى لدى بعض مرضانا "ص79
ويقرر الرجل المجنون أن أصل الأخلاق هو الحقد على الله ويعيدنا مرة أخرى للعصاب الوسواسى فيقول "ومسعانا هنا منصب على بيان ارتباط هذه المطامح بالفكرة الأولى بتصور إله واحد فمما لا مرية فيه أن أصل هذه الأخلاق يرجع إلى شعور بالذنب يرتد بدوره إلى شعور مكبوت بالحقد على الإله والصفة الثابتة لهذه الأخلاق أنها لا تكتمل ولا يمكن أن تكتمل أبدا مثلها مثل التكوينات الارتكاسية التى نلاحظها فى ضروب العصاب الوسواسى ولا يعسر علينا أن نتكهن أيضا بأن هذه الأخلاق قامت سرا مقام قصاص وعقاب ص186
موسى لا وجود له فى التاريخ :
فى البداية يوضح فرويد فرضية اتفق عليها المؤرخون والآثاريون وهو أن لا وجود لموسى(ص) فى كتب التاريخ ووثائقه وآثاره فيقول :
"ونحن لا نملك عنه من معلومات سوى تلك التى تقدمها لنا كتب المقدسة والمأثورات اليهودية المكتوبة " ص7
ويحدثنا فرويد عن اسم موسى فيقول أن الاسم لا يعنى فى العبرية من انتشل من الماء كما هو شائع وأقصى معنى لموشى هو الساحب ثانية وفى هذا قال :
"فأحد واضعى المعجم اليهودى يؤكد أن التأويل التوراتى لاسم من انتشل من الماء هو اشتقاق شعبى للكلمة يتعارض أصلا مع الصيغة العبرانية المتعدية موشى التى يمكن أن تعنى على أبعد تقدير الساحب ثانية ص8
وينقل عن المؤرخ بريستد أن اسم موسى مصرى يعنى طفل فيقول:
"من المهم أن نلاحظ أن اسمه موسى كان مصريا فالكلمة المصرية موسى تعنى طفل " ص9
مقتل موسى:
يفترض فرويد افتراضا بأن رواية بعض الأحبار عن قتل موسى(ص) على يد شعبه حقيقة فيقول:
"وجاء وقت ندم فيه الشعب على قتل موسى وسعى إلى نسيان هذه المأثمة ولقد تم ذلك بالتأكيد فى زمن اجتماع قادش وبالفعل إن تقريب المسافة الزمنية بين الخروج وبين تأسيس الديانة فى الواحة واستبدال المؤسس الأخر بهذه الديانة بموسى ما كان ترضية لأتباع موسى بل كان فى الوقت نفسه علامة النجاح فى نفى واقعة التصفية العنيفة للنبى ص66
ويكرر المقولة فى قوله:
"الأولى ومكتشفها سيلن هى أن اليهود حتى بحسب أقوال التوراة أبوا انصياعا وامتثالا لمشرعهم وتمردوا ذات يوم وقتلوه وألغوا ديانة آتون تماما كما فعل المصريون "ص86
وقطعا موسى لم يقتل وإنما توفى وفاة طبيعية
اعترافات فرويد بكون البحث فاشل :
اعترف فرويد بأن البحث كله خطأ ولا نفع منه فقال:
"وإنى لعلى علم أكيد بأن هذه الطريقة فى تقديم موضوع ما من المواضيع غير ذات جدوى وغير ذات طابع فنى فى آن معا وأنى لمستهجن لها بلا تحفظ فلم إذن لم أتفاد هذا الخطأ ؟ص142جوابى جاهز مقدما وإن كان يتطلب اقرارا شاقا وصعبا على النفس فأنا لم أتوصل إلى محو الآثار التى خلقتها الطريقة الغريبة فعلا التى تم بها تأليف هذا الكتاب ص143
ويعترف بأن كل ما قاله فى البحث هو احتمالات فيقول:
"ولا شك فى أن كل ما افترضناه لا يعدو أن يكون احتمالات ص177
ويقر بأن البحث ملىء بالثغرات التى لا تسد مع أن غزارة المادة التى قدمها فيقول:
"لا مندوحة من التسليم بأن هذه اللمحة التاريخية مليئة بالثغرات تحفها الريب والشكوك من أكثر من ناحية ومع هذا لا يسع أحدا أن ينعت طريقتنا فى فهم التاريخ البدائى وتصوره بأنها تشط فى الخيال إلا إذا استهان عظيم الاستهانة بغنى المادة التى تستند إليها وبقوتها على الاقناع" ص117
ويقرر وجود جوانب ضعف وجوانب قوة فى البحث فيقول:
"وإنى لأعلم حق العلم أن عملنا فى إعادة البناء ينطوى على جوانب ضعف ولكنه يشتمل أيضا على جوانب قوة "ص56
ويقرر أن ما يقوله والفرضية فيها تناقض فيقول:
"إن نقطة انطلاقنا والفرضية التى اتبعناها بها تتناقضان إلى درجة يحق لنا معها أن نستخلص من تناقضهما النتيجة التالية إذا كان موسى قد وهب اليهود لا ديانة جديدة فحسب بل شريعة الختان أيضا فهذا لأنه كان مصريا ولم يكن يهوديا الأمر الذى يترتب عليه أن الدين الموسوى كان فى ارجح الظن ديانة مصرية لا ديانة الشعب العظيمة الاختلاف بل ديانة آتون التى تتفق معها الديانة اليهودية فى العديد من النقاط الهامة" ص37
ويقرر أن ما توصل له هو استدلال نفسى لا علاقة به بصحة التاريخ فيقول :
"وسأبدأ بتلخيص دراستى الثانية عن موسى أعنى تلك التى لها طابع تاريخى صرف ولم أنبرى هنا لنقدها لأن جميع النتائج التى تم الوصول إليها ما هى إلا استدلالات سيكولوجية تتفرع عنها وترجع إليها باستمرار "ص83
ويقرر أن طول المدة بين حدوث الحكاية وكتابتها يجعلنا لا نرتكز على شىء حقيقى وأننا نجهل دوما المدة الفاصلة بين الحادث وكتابته فى التاريخ فيقول:
"وأغلب الظن أن قصة الملك داود وعهده من كتابة أحد معاصريه وهى قصة تاريخية حقيقية متقدمة بخمسمائة سنة على هيرودوتس أبى التاريخ ... وغنى عن البيان أننا لا نعرف البتة مدى استناد قصص الأزمنة القديمة إلى روايات مكتوبة أو إلى مأثورات شفهية كما أننا نجهل مقدار الفاصل الزمنى بين الحدث وبين روايته المكتوبة "ص58
ويقرر أن فرضيته لا يعرف إن كانت تصح أو لا فيقول:
"وإذا صحت فرضيتنا فإن الخروج قد حدث بين1358 و1350 ق م أى بعد وفاة إخناتون وقبل أن يعيد حور محب توطيد سلطان الدولة فإلى هذه البلاد كانت عشائر من الآراميين المحبين للحرب قد تسللت غازية ناهبة بعد تقوض الهيمنة المصرية مشيرة إلى المكان الذى يمكن فيه لشعب مقتدر أن يتملك أراضى جديدة ونحن نعرف أخبار هؤلاء المحاربين من الرسائل المكتشفة عام1887م فى سجلات مدينة العمارنة المتهدمة فهى اسميهم باسم عابيرو وقد أطلق هذا الاسم فيما بعد بسنا ندرى كيف على الغزاة الجدد اليهود العبرانيين الذين ما كتم فى مستطاع رسائل العمارنة أن تسميهم لأنهم قدموا فى زمن لاحق وفى جنوبى فلسطين فى كنعان كانت تعيش بعض قبائل تمت بصلة حميمة إلى اليهود القادمين من مصر ص39
ويبين أن ما قام به لا يبين سوى القشرة السطحية فقط فيقول:
"ومن المحتمل أن مجمل الأبحاث التى قمنا بها حتى الآن لا تمكننا بعد من إماطة اللثام إلا عن شطر سطحى من تلك الدوافع والحوافز لا عنها جميعا ص171
وبعد أن يناقش فى صفحات عدة مسالة الرجل العظيم يعود فيقرر أنه لا نفع من مناقشة المسألة فيقول:
"هكذا نجد أنفسنا منقادين إلى الافتراض بأنه لا جدوى ولا نفع من تحديد دقيق بمفهوم الرجل العظيم ص151
هذه الاعترافات تبين أن الكتاب لو كان كاتبه عاقلا ما نشره لأنه يعرف أنه لا توجد أدلة على صحة ما ذهب إليه فى الكتاب من فرضيات
الخروج من مصر:
بناء على فرضية فرويد أن موسى(ص) كان مصريا من أتباع اخناتون فالرجل يجعل خروج بنى إسرائيل من مصر فى التاريخ المزعوم قبل حور محب مستدلا بورود اسم عابيرو فى رسائل تل العمارنة فيقول:
"وإذا صحت فرضيتنا فإن الخروج قد حدث بين1358 و1350 ق م أى بعد وفاة إخناتون وقبل أن يعيد حور محب توطيد سلطان الدولة فإلى هذه البلاد كانت عشائر من الآراميين المحبين للحرب قد تسللت غازية ناهبة بعد تقوض الهيمنة المصرية مشيرة إلى المكان الذى يمكن فيه لشعب مقتدر أن يتملك أراضى جديدة ونحن نعرف أخبار هؤلاء المحاربين من الرسائل المكتشفة عام1887م فى سجلات مدينة العمارنة المتهدمة فهى اسمتهم باسم عابيرو وقد أطلق هذا الاسم فيما بعد لسنا ندرى كيف على الغزاة الجدد اليهود العبرانيين الذين ما كتم فى مستطاع رسائل العمارنة أن تسميهم لأنهم قدموا فى زمن لاحق وفى جنوبى فلسطين فى كنعان كانت تعيش بعض قبائل تمت بصلة حميمة إلى اليهود القادمين من مصر " ص39
وبالقطع الاسم عابيرو لا يدل على العبرانيين كما أن اسمهم فى الوحى ومن ثم التاريخ هو بنو إسرائيل أو حتى اليهود ويقول أن مسلة منفتاح تتحدث عن انتصاره على إيسراعال مفسرا الاسم بإسرائيل وهو احتمال بعيد فيقول:
"وتقدم لنا بعد ذلك مسلة منفتاح (1225-1215) المعلومات التاريخية الوحيدة التى نملكها فمنفتاح يتباهى بانتصاره على إيسراعال (اسرائيل) وبتدميره لمحاصيل هذه الأخيرة ونحن لسنا متأكدين مع الأسف من القيمة التى يمكن أن نعزوها إلى هذا النقش "ص66
ويخبرنا فرويد مناقضا نفسه أن الخروج كان بعد عام1350 بينما قال قال أنه تم فى الفترة بين1358 و1350 ق م فى الفقرة قبل السابقة فيقول:
"ونحن نفترض أن الخروج تم فى فترة خلو العرش بعد عام1350 أما المراحل التالية حتى الاستقرار فى كنعان فيحيط بها غموض شديد ... الأولى ومكتشفها سيلن هى أن اليهود حتى بحسب أقوال التوراة أبوا انصياعا وامتثالا لمشرعهم وتمردوا ذات يوم وقتلوه وألغوا ديانة آتون نماما كما فعل المصريون والواقعة الثانية ومكتشفها ماير هى أن اليهود العائدين من مصر انصهروا فيما بعد مع قبائل أخرى نسبية تقطن البلاد الواقعة بين فلسطين وشبه جزيرة سيناء وشبه الجزيرة العربية ص86
وكل الكتابات التاريخية والوثائق مشبوهة ويبدو أنها مصطنعة فمصر التى تتحدث عنها كتب التاريخ ليست مصر فى القرآن فكل ما فى القرآن من أدلة جغرافية يتحدث عن منطقة أخرى وهى تشبه العراق الحالى فالأنهار التى تحت فرعون موجودة فيه ومجمع البحرين أى النهرين فى العراق وجبل طوروس أو الطور موجود على خريطة العراق
أسطورة الأمير الضائع:
يستخرج فرويد من كتب علم الاجتماع والنفس والتاريخ خرافات منها خرافة البطل الذى رفض والده مجيئه للحياة ومن ثم يحارب الولد ضد والده فيقتله وفى هذا قال :
"وقد أتاحت لنا أبحاث رانك أن نعرف مصدر هذه الأسطورة ومنحاها ويكفينى أن اشير إليها باختصار فالبطل هو من يتصدى لوالده بشجاعة ويتغلب عليه فى خاتمة المطاف والأسطورة التى تحظى باهتمامنا هنا تحكى قصة هذا الصراع مرجعة إياه إلى ما قبل تاريخ البطل ما دام الطفل قد رأى النور ضد مشيئة أبيه ونحا من مكائد هذا الأخير ص13
ومع هذا يقوم بهدم نظرية هذا البطل حيث لا يوجد مفهوم متفق عليه لهذا البطل فيقول :
"هكذا نجد أنفسنا منقادين إلى الافتراض بأنه لا جدوى ولا نفع من تحديد دقيق بمفهوم الرجل العظيم ص151
ومع هذا يظل يحدثنا عن النظرية فيقول:
"لا مفر إذن من التسليم بأن الرجل العظيم يمارس تأثيره على معاصريه بطريقتين مختلفتين بشخصيته وبالفكرة التى يحامى عنها وهذه الفكرة إما أن تداهن وتتملق أمنية قديمة من أمانى الجماهير وإما أن تعين هدفا لهذه الجماهير هدفا جديدا وإما أن تجتذبها أخيرا بصورة من الصور وفى بعض الأحيان وفى الأحوال الأكثر بدائية لا يكون من تأثير سوى للشخصية وحدها أما الفكرة فلا يكون لها سوى دور ثانوى محض "ص151
ويبين الرجل أن أسطورة الابن الضائع عمدا تنطبق على موسى(ص) مع بعض التحريف فيقول:
"لنمعن النظر أولا فى الأسرتين اللتين يتقرر بينهما طبقا للخرافة مصير الطفل فهاتان الأسرتان تتداخلان وتختلطان تبعا للتأويل التحليلى النفسى فلا تفترقان إلا فى التسلسل الزمنى ولأولى هاتين الأسرتين أى الأسرة التى يولد فيها الطفل طبقا للخرافة النمطية أسرة نبيلة وعلى العموم ملكية أما الأسرة الثانية التى تحتضن الطفل فوضيعة أو ساقطة تبعا للظروف التى يستند إليها التأويل وأسطورة أوديب وحدها التى تشذ لأن الطفل المهجور من أسرته الملكية يحتضنه بيت ملكى أخر وليس من قبيل المصادفة بلا شك فى هذه الحالة أن الهوية البدائية لكلا الأسرتين تظهر حتى فى الخرافة والتباين الاجتماعى بين الأسرتين يجنح كما نعلم إلى إبراز الطبيعة البطولية للرجل العظيم"ص14
ويدلل على النظرية المزعومة قائلا:
"ويختلف وضع موسى عظيم الاختلاف فأولى الأسرتين هنا متضعة جدا مع أنها فى القاعدة العامة نبيلة فموسى سليل لاويين يهود وبالمقابل فإن الأسرة الثانية التى يفترض بها أن تكون متواضعة الحال والتى تحتضن الطفل تتمثل هنا فى البيت الملكى المصرى والأميرة التى تربى الطفل كما لو أنه ابنها حقا هذه الخرافة تختلف إذا عن الخرافة النمطية وهذا ما أثار دهشة العديد من الباحثين ص15
اعتقاد فرويد أن موسى رجل للأكاذيب:
رغم يهودية فرويد فالرجل يقول أن اليهودية دين أسطورة اخترعه وألفه موسى فهو من خلق اليهود ودينهم وهو سبب عداوة الشعوب لهم فيقول :
والحال أننا نعلم أنه تستتر وراء الإله الذى اصطفى اليهود وأنقذهم من مصر شخصية موسى الذى فعل الشىء ذاته زاعما أنه إنما فعله باسم الرب ولهذا كان من حقنا أن نفترض أن رجلا بعينه موسى هو الذى خلق اليهود فهذا الشعب لا يدين له بإضراره على الاستمرار فى الحياة فقط بل يدين له أيضا بقدر كبير من الضغينة التى أجج نارها وما يزال يؤججها إلى اليوم فى نقوس الآخرين ص148
وموسى هو من خلق فكرة الإله الواحد من ركام الماضى وفى هذا قال :
"فحين أعطى موسى الشعب فكرة إله واحد لم يأته فى الواقع بجديد وإنما نفخ روح الحياة الفانية فى حدث قديم يرجع إلى الأزمنة البدائية من تاريخ الأسرة البشرية" ص179
ويزعم فرويد أن ديانة موسى(ص) ليست من الله وإنما ديانة أخذها من المصريين فيقول:
"بل شريعة الختان أيضا فهذا لأنه كان مصريا ولم يكن يهوديا الأمر الذى يترتب عليه أن الدين الموسوى كان فى ارجح الظن ديانة مصرية لا ديانة الشعب العظيمة الاختلاف بل ديانة آتون التى تتفق معها الديانة اليهودية فى العديد من النقاط الهامة" ص37
ويزعم وجود قائدين باسم موسى هما من أسسا الدين فيقول:
" مؤسسى ديانة اثنين كل منهما موسى ولكن لا مفر لنا من التمييز بين شخصيتهما "ص72
وكلامه متناقض ومع هذا يرفض أن يكون لموسى أو الاثنين موسى وجود فيقول أن موسى أسطورة أى خرافة فى الفقرة التالية:
"وإذا كنا نملك الجرأة على التسليم بأن هذه حقيقة ذات صفة عامة تنطبق على أسطورة موسى مثلما تنطبق على سائر الأساطير "ص17
نظرية الشعور بالذنب واختراع الأديان:
يبين فرويد أن شعور البشر بالذنب تجاه قتل الأب وهو يقصد قتل اليهود لموسى(ص) كما أشار فى أول الكتاب لرواية فتله عن بعض الأحبار والتى تم اخفاءها أدى إلى قيام دين جديد هو المسيحية يتم التكفير فيها عن قتل الأب وهو موسى بقتل الابن وهو المسيح وفى هذا قال :
"ويبدو أن شعورا متعاظما بالذنب قد استولى على الشعب اليهودى وربما أيضا على العالم المتمدين بأسره فى ذلك العصر ...ولقد سارت الأمور على هذا المنوال إلى أن قام فرد من أفراد هذا الشعب عقب انحيازه إلى جانب محرض سياسى دينى بتأسيس ديانة جديدة هى الديانة المسيحية التى استقلت عن الديانة اليهودية فقد بادر بولس الطرسوسى وهو رومانى يهودى إلى الاجاع الشعور بالذنب لحق وعدل إلى منبعه ما قبل التاريخى مطلقا عليه اسم الخطيئة الأصلية تلك الجريمة التى اقترفت بحق الذات الإلهية والتى لا سبيل للتكفير عنها إلا بالموت والموت وحده ومع الخطيئة الأصلية دخل الموت إلى العالم والواقع أن تلك الجريمة تستتبع الموت هى جريمة قتل الأب البدائى الذى جرى تأليهه فيما بعد بيد أن جريمة القتل لم يأت لها ذكر وإنما جاء فقط ذكر استيهام التكفير عنها ولهذا جرى الترحيب بهذا الاستيهام باعتباره رسالة خلاص الانجيل فابن الله البرىء من كل خطيئة ضحى بنفسه واخذ على عاتقه وزر الجميع وذنبهم ص120
ومع إثباته أن بولس مؤسس المسيحية يعود وينقض الكلام مبينا أنه قد يكون شخصية أسطورية أخرى لا وجود لها اخترعوها لتعظيمها فيقول:
"الخطيئة الأصلية وافتداء البشر بالتضحية بحياة هذان هما الأساسان اللذان قامت عليهما الديانة الجديدة التى أسسها بولس هل وجد حقا وفعلا داخل عشيرة الإخوة المتمردين داعية إلى القتل ومحرض عليه أم أن هذه الشخصية قد جرى اختراعها فيما بعد وأدرجها الشعراء فى المأثور تعظيما ص187
ولا ينفك فرويد يكرر مقولة مقتل الأب على يد أولاده فيقول :
"وبناء على ما تقدم لا أتردد البتة فى التوكيد بأن البشر عرفوا على الدوام أنه كان لهم فى يوم من الأيام أب بدائى وأنهم قتلوه غيلة ص140
والأب كما يقول قد يكون الإله نفسه أو أن الأب رفعه الأبناء لمرتبة الألوهية كالمسيح وموسى فيتكلم عن الطوطمية المزعومة التى لا وجود لها إلا فى خياله هو وأمثاله من المجانين :
"فالطوطمية أول شكل معروف من أشكال الدين تشتمل على مجموعة كاملة من النواهى والأوامر التى تشكل القاعدة التى لا غنى عنها للنظام بأسره وما هذه الأوامر وهذه النواهى إلى إنكارات لدوافع غريزية ذلكم هو على سبيل المثال حال تبجيل الطوطم وتوقيره وتحريم قتله أو إنزال الأذى به وذلكم هو أيضا حال الزواج الخارجى أى النكوص عن الأم وعن الأخوات فى العشيرة وهن اللائى كن موضع طمع واشتهاء والاعتراف بحقوق متساوية لجميع أعضاء عشيرة الاخوة وما يترتب على هذا الاعتراف من عدول عن كل صراع عنيف بين المتنافسين ولا يغرب عن بالنا أن ثمة حافزين يلعبان دورهما هنا فالناهيان الأولان مطابقان لما كان الأب المخلوع قد أراده ورغب فيه وهما بالتالى استمرار لإرادته ومشيئته أما الناهى الثالث المتعلق بالمساواة فى الحقوق بين الإخوة فإنه يتجاهل هذه المشيئة ويجنح إلى الابقاء على سلامة النظام الجديد الذى أرسيت أسسه بعد مقتل الأب "ص165
ويبين أن الختان والخصى وغيره هو تكفير عن جريمة قتل الأب المزعوم فيقول:
"وحين نقرأ بعدئذ أن موسى قدس شعبه حين فرض عليه فريضة الختان نفهم للحال المعنى العميق لهذا الزعم فالختان بديل رمزى عن الخصى الذى كان الأب البدائى والكلى القدرة قد عاقب به أبنائه فيما غبر من الزمن وكل من كان يقبل بهذا الرمز كان يدلل بذلك على استعداده للامتثال للمشيئة الأبوية حتى لو كان سيترتب على ذلك أوجع التضحيات وآلمها بالنسبة إليه ص169
ويظل الرجل على معتقده فى الإله الواحد المقتول فيبين المراحل المزعومة لتطور المقولة فيقول:
"ويبدو أن فكرة إله أعلى قد رأت النور باكرا ولكن فى صورة مبهمة غامضة فى البداية ودونما صلة بمشاغل الإنسان اليومية وحين اجتمعت القبائل والشعوب فى وحدات أوسع نطاقا نظمت الآلهة نفسها فى أسر وفى مراتب متسلسلة وفى أحيان كثيرة كان أحد الآلهة يعظم شأنا فيغدو سيد الآلهة والبشر أما المرحلة التالية التى أفضت إلى عبادة إله واحد فلم يتم اجتيازها إلا بتردد وفى خاتمة المطاف توصلت البشرية إلى عبادة هذا الإله الواحد فنسبت إليه كلية القدرة ولم تقبل إلى جانبه بأى إله أخر وعندئذ فقط عادت لأبى العشيرة البدائية عظمته كلها وبات فى الإمكان أن تتكرر الانفعالات التى كان يثيرها"ص184
وكل ما سبق يؤكد على مقولة واحدة وهى أن الأديان عند فرويد هى اختراعات بشرية فلا وجود لمقولة الإله الواحد لأنه فى الأصل كما يزعم هو مخلوق نتيجة علو شأنه جعلوه الإله الأوحد وهو تأكيد على خرافة فرعون " أنا ربكم الأعلى"
زواج المحارم:
يؤكد فرويد على خرافة أخرى وهى :
أن زواج المحارم أمهات وأخوات كان دوما شرع الأسر الحاكمة عبر التاريخ فهم يحلونه لأنفسهم ويحرمونه على العامة فيقول:
"البرهان على ذلك أى قيمة فما يقال أنه يجرح مشاعرنا كان فيما غبر من الأيام دائما فى أوساط الأسر المالكة فى مصر القديمة كما لدى شعوب أخرى من العهد القديم بل يسعنا القول أنه كان تقليدا مقدسا فقد كان من المنبع والطبيعى أن يجد الفرعون فى شخص أخته زوجته الأولى والرئيسية ولم يتوان خلفاء الفراعنة البطالسة عن أن يحذو حذوهم هكذا نجد أنفسنا ميالين إلى الافتراض بأن حب المحارم وفى مثالنا بين الأخ والأخت كان امتيازا موقوفا على الملوك ممثلى الآلهة على الأرض محظرا غلى عامة الناس ....وإننا لنلاحظ أن الرءوس المتوجة فى أوربا فى الوقت الحاضر تنتمى كلها إلى أسرة أو أسرتين لا غير وذلك نتيجة لزيجات العصب الواحد من جهة الأب ص167
ما قاله لو صح فهو يؤكد وجود مقولة المؤامرة العالمية فتلك الأسر القليلة هى التى هدمت دولة العدل وحلت محلها وهم لا يريدون أن تخرج أسرار تحكمهم فى العالم للوجود من خلال هذا الزواج وهو ما أكده ديفيد أيكيه فى كتابه السر الأكبر أو الأعظم حيث زاد أن الرؤساء فى دول الغرب ومنه روسيا ينتمون جميعا على اختلافهم لأسرتين فقط
متفرقات:
قال فرويد مقولة غبية وهى :
"ليس بيننا من لا يعلم أن وقائع السنوات الخمس الأولى من الحياة تمارس على وجودنا تأثيرا حاسما لا يستطيع أى شىء أن يبطل مفعوله فيما بعد "ص174
كلام بلا دليل فلا أحد يتذكر غالبا أى ذكريات من تلك السن من نفسه إلا أن يذكره الآخرون الذين كانوا حوله فإذا كان الإنسان لا يعلم ماضيه فى تلك السنوات فكيف يكون له أى تأثير؟
مثال بسيط من يغيرون أديانهم فى الكبر كيف يكون لتلك الفترة أى تأثير فيهم والطفل أساسا لا يعنى معنى الدين فى تلك السن
وقال عن اليهود:
"فنحن نعلم أن الشعب اليهودى ربما كان على الأرجح الشعب الوحيد دون سائر الشعوب القديمة التى عاشت فى حوض البحر الأبيض المتوسط الذى حافظ على اسمه وربما أيضا على طبيعته "ص145
مقولة ثبات الشعب على طبيعته تتناقض مع الكتاب نفسه فكيف يكون هذا الشعب محافظا على طبيعته وقد غير أديانه عدة مرات كما يقول فرويد عندما اعتنق دين موسى المصرى وعندما اخترع ابن أخر منه الدين المسيحى
الكتاب هو ضرب تحت الحزام للمقولة الأساسية فى الوجود الإله الواحد و نزول الوحى من عنده فالأديان اختراعات بشرية ولا وجود لهذا الإله إلا فى صورة مخلوقات رفعتها شعوبها أو نفسها لمرتبة هذا الإله
الكتاب من تأليف سيجموند فرويد والكتاب مبنى على عدة أمور:
الأول أن موسى(ص) لم يكن إسرائيليا أى ليس من ذرية إبراهيم (ص) وإسحق(ص) ويعقوب الذى هو إسرائيل (ص) وإنما كان أميرا من قوم فرعون أو بتعبير فرويد مصريا خالصا وفى هذا قال :
"لقد بات فى وسعى ألان أن أختم هذا البحث الذى كان غرضى الوحيد منه أن ادخل وجه موسى المصرى فى إطار التاريخ اليهودى وحتى نصوغ نتائج عملنا فى أوجز صيغة فسنقول أننا أضغنا إلى ثنائيات التاريخ اليهودى المعروفة شعبين ينصهران ليؤلفا أمة واحدة مملكتين تتفرعان من انقسام هذه الأمة إله يحمل اسمين اثنين فى التوراة أضفنا إلى هذه الثنائيات ثنائيتين أخريين تأسيس ديانتين جديدتين دحرت ثانيتهما أولاهما فى البداية ولكن الأولى لا تتأخر فى انتزاع لواء النصر من جديد ثم مؤسسى ديانة اثنين كل منهما موسى ولكن لا مفر لنا من التمييز بين شخصيتهما وجميع هذه الثنائيات تتفرع بالضرورة عن الثنائية الثانية كون شطر من الشعب عانى من حدث مفجع لم يعان منه الشطر الأخر ص72
وهو يستدل على كون موسى مصرى وليس اسرائيليا يهوديا بأن لسانه كان أجنبيا مع اليهود فيقول:
"ثمة سمة أخرى تنسب إلى موسى جديرة هى كذلك بأن نحظى منا باهتمام خاص فالنبى على ما يبدو كان ثقيل اللسان أى أنه كان يشكو ولابد من علة فى التعبير أو من عيب فى النطق وهذا ما اضطره إلى أن يستعين بهارون الذى يقال أنه كان أخاه فى مناقشاته المزعومة مع فرعون... أفلا تشير القصة عن هذا الطريق الملتوى إلى أن موسى كان أجنبيا يعجز على الأقل فى بدء علاقاته مع المصريين الجدد عن الاتصال بهم بدون معونة مترجم إن لفى ذلك تأييدا للأطروحة أن موسى كان مصريا" ص44
ويخالف الأساطير التى يبنى عليها أبحاثه النفسية ومنها أسطورة الابن الضائع الذى يكون دوما أميرا ملكيا وتتبناه أسرة فقيرة فيجعل موسى أميرا مصريا وأسرته الحقيقية ليست أسرته فيقول:
"والمفروض بالأسرة المتواضعة بوجه عام أن تكون هى الأسرة الحقيقية وبالأسرة النبيلة أن تكون هى الخيالية ولكن حالة موسى تبدو مختلفة بعض الشىء وهنا بالتحديد تتيح لنا وجهة نظرنا الجديدة أن تقر بان الأسرة الأولى الأسرة التى هجرت الطفل هى بكل تأكيد خيالية وبأن الأسرة الثانية الأسرة التى تولت تربية الطفل هى الحقيقية وإذا كنا نملك الجرأة على التسليم بأن هذه حقيقة ذات صفة عامة تنطبق على أسطورة موسى مثلما تنطبق على سائر الأساطير فسيتجلى لنا فجأة أن موسى كان فعلا مصريا وفى غالب الظن مصريا نبيل الأصل وقد جعلت الأسطورة من هذا المصرى يهوديا هذا ما سيكونه استنتاجنا "ص17
ويستدل فرويد على صحة فرضيته بكون موسى مصريا بأن الختان اليهودى مأخوذ من الختان المصرى فيقول:
"ولكن من الصحيح أيضا إذا تساءلنا من أين جاءت اليهود عادة الختان ما أمكننا أن نجيب إلا بالقول من مصر وينبئنا أبو التاريخ هيرودتس أن الختان كان يطبق فى مصر من قديم الأزمان "ص36
الثانى أن موسى(ص) لم ينزل عليه وحى وإنما اقتبس دينه من مذهب آتون أو اخناتون التوحيدى وأنه دين اليهود هو إحدى ديانات المصريين وفى هذا قال :
"إن نقطة انطلاقنا والفرضية التى اتبعناها بها تتناقضان إلى درجة يحق لنا معها أن نستخلص من تناقضهما النتيجة التالية إذا كان موسى قد وهب اليهود لا ديانة جديدة فحسب بل شريعة الختان أيضا فهذا لأنه كان مصريا ولم يكن يهوديا الأمر الذى يترتب عليه أن الدين الموسوى كان فى ارجح الظن ديانة مصرية لا ديانة الشعب العظيمة الاختلاف بل ديانة آتون التى تتفق معها الديانة اليهودية فى العديد من النقاط الهامة" ص37
الثالث أن الدين هو مرض عصابى ومن ثم فهو أذى وضرر على الناس وفى هذا قال :
"فحين تقودنا أبحاثنا إلى الاستنتاج بأن الدين ما هو إلا عصاب ص78تشكو منه الإنسانية وحين تبين لنا أن قوته الهائلة تجد تفسيرها على نفس النحو الذى نفسر به الوسواس العصابى لدى بعض مرضانا "ص79
ويقرر الرجل المجنون أن أصل الأخلاق هو الحقد على الله ويعيدنا مرة أخرى للعصاب الوسواسى فيقول "ومسعانا هنا منصب على بيان ارتباط هذه المطامح بالفكرة الأولى بتصور إله واحد فمما لا مرية فيه أن أصل هذه الأخلاق يرجع إلى شعور بالذنب يرتد بدوره إلى شعور مكبوت بالحقد على الإله والصفة الثابتة لهذه الأخلاق أنها لا تكتمل ولا يمكن أن تكتمل أبدا مثلها مثل التكوينات الارتكاسية التى نلاحظها فى ضروب العصاب الوسواسى ولا يعسر علينا أن نتكهن أيضا بأن هذه الأخلاق قامت سرا مقام قصاص وعقاب ص186
موسى لا وجود له فى التاريخ :
فى البداية يوضح فرويد فرضية اتفق عليها المؤرخون والآثاريون وهو أن لا وجود لموسى(ص) فى كتب التاريخ ووثائقه وآثاره فيقول :
"ونحن لا نملك عنه من معلومات سوى تلك التى تقدمها لنا كتب المقدسة والمأثورات اليهودية المكتوبة " ص7
ويحدثنا فرويد عن اسم موسى فيقول أن الاسم لا يعنى فى العبرية من انتشل من الماء كما هو شائع وأقصى معنى لموشى هو الساحب ثانية وفى هذا قال :
"فأحد واضعى المعجم اليهودى يؤكد أن التأويل التوراتى لاسم من انتشل من الماء هو اشتقاق شعبى للكلمة يتعارض أصلا مع الصيغة العبرانية المتعدية موشى التى يمكن أن تعنى على أبعد تقدير الساحب ثانية ص8
وينقل عن المؤرخ بريستد أن اسم موسى مصرى يعنى طفل فيقول:
"من المهم أن نلاحظ أن اسمه موسى كان مصريا فالكلمة المصرية موسى تعنى طفل " ص9
مقتل موسى:
يفترض فرويد افتراضا بأن رواية بعض الأحبار عن قتل موسى(ص) على يد شعبه حقيقة فيقول:
"وجاء وقت ندم فيه الشعب على قتل موسى وسعى إلى نسيان هذه المأثمة ولقد تم ذلك بالتأكيد فى زمن اجتماع قادش وبالفعل إن تقريب المسافة الزمنية بين الخروج وبين تأسيس الديانة فى الواحة واستبدال المؤسس الأخر بهذه الديانة بموسى ما كان ترضية لأتباع موسى بل كان فى الوقت نفسه علامة النجاح فى نفى واقعة التصفية العنيفة للنبى ص66
ويكرر المقولة فى قوله:
"الأولى ومكتشفها سيلن هى أن اليهود حتى بحسب أقوال التوراة أبوا انصياعا وامتثالا لمشرعهم وتمردوا ذات يوم وقتلوه وألغوا ديانة آتون تماما كما فعل المصريون "ص86
وقطعا موسى لم يقتل وإنما توفى وفاة طبيعية
اعترافات فرويد بكون البحث فاشل :
اعترف فرويد بأن البحث كله خطأ ولا نفع منه فقال:
"وإنى لعلى علم أكيد بأن هذه الطريقة فى تقديم موضوع ما من المواضيع غير ذات جدوى وغير ذات طابع فنى فى آن معا وأنى لمستهجن لها بلا تحفظ فلم إذن لم أتفاد هذا الخطأ ؟ص142جوابى جاهز مقدما وإن كان يتطلب اقرارا شاقا وصعبا على النفس فأنا لم أتوصل إلى محو الآثار التى خلقتها الطريقة الغريبة فعلا التى تم بها تأليف هذا الكتاب ص143
ويعترف بأن كل ما قاله فى البحث هو احتمالات فيقول:
"ولا شك فى أن كل ما افترضناه لا يعدو أن يكون احتمالات ص177
ويقر بأن البحث ملىء بالثغرات التى لا تسد مع أن غزارة المادة التى قدمها فيقول:
"لا مندوحة من التسليم بأن هذه اللمحة التاريخية مليئة بالثغرات تحفها الريب والشكوك من أكثر من ناحية ومع هذا لا يسع أحدا أن ينعت طريقتنا فى فهم التاريخ البدائى وتصوره بأنها تشط فى الخيال إلا إذا استهان عظيم الاستهانة بغنى المادة التى تستند إليها وبقوتها على الاقناع" ص117
ويقرر وجود جوانب ضعف وجوانب قوة فى البحث فيقول:
"وإنى لأعلم حق العلم أن عملنا فى إعادة البناء ينطوى على جوانب ضعف ولكنه يشتمل أيضا على جوانب قوة "ص56
ويقرر أن ما يقوله والفرضية فيها تناقض فيقول:
"إن نقطة انطلاقنا والفرضية التى اتبعناها بها تتناقضان إلى درجة يحق لنا معها أن نستخلص من تناقضهما النتيجة التالية إذا كان موسى قد وهب اليهود لا ديانة جديدة فحسب بل شريعة الختان أيضا فهذا لأنه كان مصريا ولم يكن يهوديا الأمر الذى يترتب عليه أن الدين الموسوى كان فى ارجح الظن ديانة مصرية لا ديانة الشعب العظيمة الاختلاف بل ديانة آتون التى تتفق معها الديانة اليهودية فى العديد من النقاط الهامة" ص37
ويقرر أن ما توصل له هو استدلال نفسى لا علاقة به بصحة التاريخ فيقول :
"وسأبدأ بتلخيص دراستى الثانية عن موسى أعنى تلك التى لها طابع تاريخى صرف ولم أنبرى هنا لنقدها لأن جميع النتائج التى تم الوصول إليها ما هى إلا استدلالات سيكولوجية تتفرع عنها وترجع إليها باستمرار "ص83
ويقرر أن طول المدة بين حدوث الحكاية وكتابتها يجعلنا لا نرتكز على شىء حقيقى وأننا نجهل دوما المدة الفاصلة بين الحادث وكتابته فى التاريخ فيقول:
"وأغلب الظن أن قصة الملك داود وعهده من كتابة أحد معاصريه وهى قصة تاريخية حقيقية متقدمة بخمسمائة سنة على هيرودوتس أبى التاريخ ... وغنى عن البيان أننا لا نعرف البتة مدى استناد قصص الأزمنة القديمة إلى روايات مكتوبة أو إلى مأثورات شفهية كما أننا نجهل مقدار الفاصل الزمنى بين الحدث وبين روايته المكتوبة "ص58
ويقرر أن فرضيته لا يعرف إن كانت تصح أو لا فيقول:
"وإذا صحت فرضيتنا فإن الخروج قد حدث بين1358 و1350 ق م أى بعد وفاة إخناتون وقبل أن يعيد حور محب توطيد سلطان الدولة فإلى هذه البلاد كانت عشائر من الآراميين المحبين للحرب قد تسللت غازية ناهبة بعد تقوض الهيمنة المصرية مشيرة إلى المكان الذى يمكن فيه لشعب مقتدر أن يتملك أراضى جديدة ونحن نعرف أخبار هؤلاء المحاربين من الرسائل المكتشفة عام1887م فى سجلات مدينة العمارنة المتهدمة فهى اسميهم باسم عابيرو وقد أطلق هذا الاسم فيما بعد بسنا ندرى كيف على الغزاة الجدد اليهود العبرانيين الذين ما كتم فى مستطاع رسائل العمارنة أن تسميهم لأنهم قدموا فى زمن لاحق وفى جنوبى فلسطين فى كنعان كانت تعيش بعض قبائل تمت بصلة حميمة إلى اليهود القادمين من مصر ص39
ويبين أن ما قام به لا يبين سوى القشرة السطحية فقط فيقول:
"ومن المحتمل أن مجمل الأبحاث التى قمنا بها حتى الآن لا تمكننا بعد من إماطة اللثام إلا عن شطر سطحى من تلك الدوافع والحوافز لا عنها جميعا ص171
وبعد أن يناقش فى صفحات عدة مسالة الرجل العظيم يعود فيقرر أنه لا نفع من مناقشة المسألة فيقول:
"هكذا نجد أنفسنا منقادين إلى الافتراض بأنه لا جدوى ولا نفع من تحديد دقيق بمفهوم الرجل العظيم ص151
هذه الاعترافات تبين أن الكتاب لو كان كاتبه عاقلا ما نشره لأنه يعرف أنه لا توجد أدلة على صحة ما ذهب إليه فى الكتاب من فرضيات
الخروج من مصر:
بناء على فرضية فرويد أن موسى(ص) كان مصريا من أتباع اخناتون فالرجل يجعل خروج بنى إسرائيل من مصر فى التاريخ المزعوم قبل حور محب مستدلا بورود اسم عابيرو فى رسائل تل العمارنة فيقول:
"وإذا صحت فرضيتنا فإن الخروج قد حدث بين1358 و1350 ق م أى بعد وفاة إخناتون وقبل أن يعيد حور محب توطيد سلطان الدولة فإلى هذه البلاد كانت عشائر من الآراميين المحبين للحرب قد تسللت غازية ناهبة بعد تقوض الهيمنة المصرية مشيرة إلى المكان الذى يمكن فيه لشعب مقتدر أن يتملك أراضى جديدة ونحن نعرف أخبار هؤلاء المحاربين من الرسائل المكتشفة عام1887م فى سجلات مدينة العمارنة المتهدمة فهى اسمتهم باسم عابيرو وقد أطلق هذا الاسم فيما بعد لسنا ندرى كيف على الغزاة الجدد اليهود العبرانيين الذين ما كتم فى مستطاع رسائل العمارنة أن تسميهم لأنهم قدموا فى زمن لاحق وفى جنوبى فلسطين فى كنعان كانت تعيش بعض قبائل تمت بصلة حميمة إلى اليهود القادمين من مصر " ص39
وبالقطع الاسم عابيرو لا يدل على العبرانيين كما أن اسمهم فى الوحى ومن ثم التاريخ هو بنو إسرائيل أو حتى اليهود ويقول أن مسلة منفتاح تتحدث عن انتصاره على إيسراعال مفسرا الاسم بإسرائيل وهو احتمال بعيد فيقول:
"وتقدم لنا بعد ذلك مسلة منفتاح (1225-1215) المعلومات التاريخية الوحيدة التى نملكها فمنفتاح يتباهى بانتصاره على إيسراعال (اسرائيل) وبتدميره لمحاصيل هذه الأخيرة ونحن لسنا متأكدين مع الأسف من القيمة التى يمكن أن نعزوها إلى هذا النقش "ص66
ويخبرنا فرويد مناقضا نفسه أن الخروج كان بعد عام1350 بينما قال قال أنه تم فى الفترة بين1358 و1350 ق م فى الفقرة قبل السابقة فيقول:
"ونحن نفترض أن الخروج تم فى فترة خلو العرش بعد عام1350 أما المراحل التالية حتى الاستقرار فى كنعان فيحيط بها غموض شديد ... الأولى ومكتشفها سيلن هى أن اليهود حتى بحسب أقوال التوراة أبوا انصياعا وامتثالا لمشرعهم وتمردوا ذات يوم وقتلوه وألغوا ديانة آتون نماما كما فعل المصريون والواقعة الثانية ومكتشفها ماير هى أن اليهود العائدين من مصر انصهروا فيما بعد مع قبائل أخرى نسبية تقطن البلاد الواقعة بين فلسطين وشبه جزيرة سيناء وشبه الجزيرة العربية ص86
وكل الكتابات التاريخية والوثائق مشبوهة ويبدو أنها مصطنعة فمصر التى تتحدث عنها كتب التاريخ ليست مصر فى القرآن فكل ما فى القرآن من أدلة جغرافية يتحدث عن منطقة أخرى وهى تشبه العراق الحالى فالأنهار التى تحت فرعون موجودة فيه ومجمع البحرين أى النهرين فى العراق وجبل طوروس أو الطور موجود على خريطة العراق
أسطورة الأمير الضائع:
يستخرج فرويد من كتب علم الاجتماع والنفس والتاريخ خرافات منها خرافة البطل الذى رفض والده مجيئه للحياة ومن ثم يحارب الولد ضد والده فيقتله وفى هذا قال :
"وقد أتاحت لنا أبحاث رانك أن نعرف مصدر هذه الأسطورة ومنحاها ويكفينى أن اشير إليها باختصار فالبطل هو من يتصدى لوالده بشجاعة ويتغلب عليه فى خاتمة المطاف والأسطورة التى تحظى باهتمامنا هنا تحكى قصة هذا الصراع مرجعة إياه إلى ما قبل تاريخ البطل ما دام الطفل قد رأى النور ضد مشيئة أبيه ونحا من مكائد هذا الأخير ص13
ومع هذا يقوم بهدم نظرية هذا البطل حيث لا يوجد مفهوم متفق عليه لهذا البطل فيقول :
"هكذا نجد أنفسنا منقادين إلى الافتراض بأنه لا جدوى ولا نفع من تحديد دقيق بمفهوم الرجل العظيم ص151
ومع هذا يظل يحدثنا عن النظرية فيقول:
"لا مفر إذن من التسليم بأن الرجل العظيم يمارس تأثيره على معاصريه بطريقتين مختلفتين بشخصيته وبالفكرة التى يحامى عنها وهذه الفكرة إما أن تداهن وتتملق أمنية قديمة من أمانى الجماهير وإما أن تعين هدفا لهذه الجماهير هدفا جديدا وإما أن تجتذبها أخيرا بصورة من الصور وفى بعض الأحيان وفى الأحوال الأكثر بدائية لا يكون من تأثير سوى للشخصية وحدها أما الفكرة فلا يكون لها سوى دور ثانوى محض "ص151
ويبين الرجل أن أسطورة الابن الضائع عمدا تنطبق على موسى(ص) مع بعض التحريف فيقول:
"لنمعن النظر أولا فى الأسرتين اللتين يتقرر بينهما طبقا للخرافة مصير الطفل فهاتان الأسرتان تتداخلان وتختلطان تبعا للتأويل التحليلى النفسى فلا تفترقان إلا فى التسلسل الزمنى ولأولى هاتين الأسرتين أى الأسرة التى يولد فيها الطفل طبقا للخرافة النمطية أسرة نبيلة وعلى العموم ملكية أما الأسرة الثانية التى تحتضن الطفل فوضيعة أو ساقطة تبعا للظروف التى يستند إليها التأويل وأسطورة أوديب وحدها التى تشذ لأن الطفل المهجور من أسرته الملكية يحتضنه بيت ملكى أخر وليس من قبيل المصادفة بلا شك فى هذه الحالة أن الهوية البدائية لكلا الأسرتين تظهر حتى فى الخرافة والتباين الاجتماعى بين الأسرتين يجنح كما نعلم إلى إبراز الطبيعة البطولية للرجل العظيم"ص14
ويدلل على النظرية المزعومة قائلا:
"ويختلف وضع موسى عظيم الاختلاف فأولى الأسرتين هنا متضعة جدا مع أنها فى القاعدة العامة نبيلة فموسى سليل لاويين يهود وبالمقابل فإن الأسرة الثانية التى يفترض بها أن تكون متواضعة الحال والتى تحتضن الطفل تتمثل هنا فى البيت الملكى المصرى والأميرة التى تربى الطفل كما لو أنه ابنها حقا هذه الخرافة تختلف إذا عن الخرافة النمطية وهذا ما أثار دهشة العديد من الباحثين ص15
اعتقاد فرويد أن موسى رجل للأكاذيب:
رغم يهودية فرويد فالرجل يقول أن اليهودية دين أسطورة اخترعه وألفه موسى فهو من خلق اليهود ودينهم وهو سبب عداوة الشعوب لهم فيقول :
والحال أننا نعلم أنه تستتر وراء الإله الذى اصطفى اليهود وأنقذهم من مصر شخصية موسى الذى فعل الشىء ذاته زاعما أنه إنما فعله باسم الرب ولهذا كان من حقنا أن نفترض أن رجلا بعينه موسى هو الذى خلق اليهود فهذا الشعب لا يدين له بإضراره على الاستمرار فى الحياة فقط بل يدين له أيضا بقدر كبير من الضغينة التى أجج نارها وما يزال يؤججها إلى اليوم فى نقوس الآخرين ص148
وموسى هو من خلق فكرة الإله الواحد من ركام الماضى وفى هذا قال :
"فحين أعطى موسى الشعب فكرة إله واحد لم يأته فى الواقع بجديد وإنما نفخ روح الحياة الفانية فى حدث قديم يرجع إلى الأزمنة البدائية من تاريخ الأسرة البشرية" ص179
ويزعم فرويد أن ديانة موسى(ص) ليست من الله وإنما ديانة أخذها من المصريين فيقول:
"بل شريعة الختان أيضا فهذا لأنه كان مصريا ولم يكن يهوديا الأمر الذى يترتب عليه أن الدين الموسوى كان فى ارجح الظن ديانة مصرية لا ديانة الشعب العظيمة الاختلاف بل ديانة آتون التى تتفق معها الديانة اليهودية فى العديد من النقاط الهامة" ص37
ويزعم وجود قائدين باسم موسى هما من أسسا الدين فيقول:
" مؤسسى ديانة اثنين كل منهما موسى ولكن لا مفر لنا من التمييز بين شخصيتهما "ص72
وكلامه متناقض ومع هذا يرفض أن يكون لموسى أو الاثنين موسى وجود فيقول أن موسى أسطورة أى خرافة فى الفقرة التالية:
"وإذا كنا نملك الجرأة على التسليم بأن هذه حقيقة ذات صفة عامة تنطبق على أسطورة موسى مثلما تنطبق على سائر الأساطير "ص17
نظرية الشعور بالذنب واختراع الأديان:
يبين فرويد أن شعور البشر بالذنب تجاه قتل الأب وهو يقصد قتل اليهود لموسى(ص) كما أشار فى أول الكتاب لرواية فتله عن بعض الأحبار والتى تم اخفاءها أدى إلى قيام دين جديد هو المسيحية يتم التكفير فيها عن قتل الأب وهو موسى بقتل الابن وهو المسيح وفى هذا قال :
"ويبدو أن شعورا متعاظما بالذنب قد استولى على الشعب اليهودى وربما أيضا على العالم المتمدين بأسره فى ذلك العصر ...ولقد سارت الأمور على هذا المنوال إلى أن قام فرد من أفراد هذا الشعب عقب انحيازه إلى جانب محرض سياسى دينى بتأسيس ديانة جديدة هى الديانة المسيحية التى استقلت عن الديانة اليهودية فقد بادر بولس الطرسوسى وهو رومانى يهودى إلى الاجاع الشعور بالذنب لحق وعدل إلى منبعه ما قبل التاريخى مطلقا عليه اسم الخطيئة الأصلية تلك الجريمة التى اقترفت بحق الذات الإلهية والتى لا سبيل للتكفير عنها إلا بالموت والموت وحده ومع الخطيئة الأصلية دخل الموت إلى العالم والواقع أن تلك الجريمة تستتبع الموت هى جريمة قتل الأب البدائى الذى جرى تأليهه فيما بعد بيد أن جريمة القتل لم يأت لها ذكر وإنما جاء فقط ذكر استيهام التكفير عنها ولهذا جرى الترحيب بهذا الاستيهام باعتباره رسالة خلاص الانجيل فابن الله البرىء من كل خطيئة ضحى بنفسه واخذ على عاتقه وزر الجميع وذنبهم ص120
ومع إثباته أن بولس مؤسس المسيحية يعود وينقض الكلام مبينا أنه قد يكون شخصية أسطورية أخرى لا وجود لها اخترعوها لتعظيمها فيقول:
"الخطيئة الأصلية وافتداء البشر بالتضحية بحياة هذان هما الأساسان اللذان قامت عليهما الديانة الجديدة التى أسسها بولس هل وجد حقا وفعلا داخل عشيرة الإخوة المتمردين داعية إلى القتل ومحرض عليه أم أن هذه الشخصية قد جرى اختراعها فيما بعد وأدرجها الشعراء فى المأثور تعظيما ص187
ولا ينفك فرويد يكرر مقولة مقتل الأب على يد أولاده فيقول :
"وبناء على ما تقدم لا أتردد البتة فى التوكيد بأن البشر عرفوا على الدوام أنه كان لهم فى يوم من الأيام أب بدائى وأنهم قتلوه غيلة ص140
والأب كما يقول قد يكون الإله نفسه أو أن الأب رفعه الأبناء لمرتبة الألوهية كالمسيح وموسى فيتكلم عن الطوطمية المزعومة التى لا وجود لها إلا فى خياله هو وأمثاله من المجانين :
"فالطوطمية أول شكل معروف من أشكال الدين تشتمل على مجموعة كاملة من النواهى والأوامر التى تشكل القاعدة التى لا غنى عنها للنظام بأسره وما هذه الأوامر وهذه النواهى إلى إنكارات لدوافع غريزية ذلكم هو على سبيل المثال حال تبجيل الطوطم وتوقيره وتحريم قتله أو إنزال الأذى به وذلكم هو أيضا حال الزواج الخارجى أى النكوص عن الأم وعن الأخوات فى العشيرة وهن اللائى كن موضع طمع واشتهاء والاعتراف بحقوق متساوية لجميع أعضاء عشيرة الاخوة وما يترتب على هذا الاعتراف من عدول عن كل صراع عنيف بين المتنافسين ولا يغرب عن بالنا أن ثمة حافزين يلعبان دورهما هنا فالناهيان الأولان مطابقان لما كان الأب المخلوع قد أراده ورغب فيه وهما بالتالى استمرار لإرادته ومشيئته أما الناهى الثالث المتعلق بالمساواة فى الحقوق بين الإخوة فإنه يتجاهل هذه المشيئة ويجنح إلى الابقاء على سلامة النظام الجديد الذى أرسيت أسسه بعد مقتل الأب "ص165
ويبين أن الختان والخصى وغيره هو تكفير عن جريمة قتل الأب المزعوم فيقول:
"وحين نقرأ بعدئذ أن موسى قدس شعبه حين فرض عليه فريضة الختان نفهم للحال المعنى العميق لهذا الزعم فالختان بديل رمزى عن الخصى الذى كان الأب البدائى والكلى القدرة قد عاقب به أبنائه فيما غبر من الزمن وكل من كان يقبل بهذا الرمز كان يدلل بذلك على استعداده للامتثال للمشيئة الأبوية حتى لو كان سيترتب على ذلك أوجع التضحيات وآلمها بالنسبة إليه ص169
ويظل الرجل على معتقده فى الإله الواحد المقتول فيبين المراحل المزعومة لتطور المقولة فيقول:
"ويبدو أن فكرة إله أعلى قد رأت النور باكرا ولكن فى صورة مبهمة غامضة فى البداية ودونما صلة بمشاغل الإنسان اليومية وحين اجتمعت القبائل والشعوب فى وحدات أوسع نطاقا نظمت الآلهة نفسها فى أسر وفى مراتب متسلسلة وفى أحيان كثيرة كان أحد الآلهة يعظم شأنا فيغدو سيد الآلهة والبشر أما المرحلة التالية التى أفضت إلى عبادة إله واحد فلم يتم اجتيازها إلا بتردد وفى خاتمة المطاف توصلت البشرية إلى عبادة هذا الإله الواحد فنسبت إليه كلية القدرة ولم تقبل إلى جانبه بأى إله أخر وعندئذ فقط عادت لأبى العشيرة البدائية عظمته كلها وبات فى الإمكان أن تتكرر الانفعالات التى كان يثيرها"ص184
وكل ما سبق يؤكد على مقولة واحدة وهى أن الأديان عند فرويد هى اختراعات بشرية فلا وجود لمقولة الإله الواحد لأنه فى الأصل كما يزعم هو مخلوق نتيجة علو شأنه جعلوه الإله الأوحد وهو تأكيد على خرافة فرعون " أنا ربكم الأعلى"
زواج المحارم:
يؤكد فرويد على خرافة أخرى وهى :
أن زواج المحارم أمهات وأخوات كان دوما شرع الأسر الحاكمة عبر التاريخ فهم يحلونه لأنفسهم ويحرمونه على العامة فيقول:
"البرهان على ذلك أى قيمة فما يقال أنه يجرح مشاعرنا كان فيما غبر من الأيام دائما فى أوساط الأسر المالكة فى مصر القديمة كما لدى شعوب أخرى من العهد القديم بل يسعنا القول أنه كان تقليدا مقدسا فقد كان من المنبع والطبيعى أن يجد الفرعون فى شخص أخته زوجته الأولى والرئيسية ولم يتوان خلفاء الفراعنة البطالسة عن أن يحذو حذوهم هكذا نجد أنفسنا ميالين إلى الافتراض بأن حب المحارم وفى مثالنا بين الأخ والأخت كان امتيازا موقوفا على الملوك ممثلى الآلهة على الأرض محظرا غلى عامة الناس ....وإننا لنلاحظ أن الرءوس المتوجة فى أوربا فى الوقت الحاضر تنتمى كلها إلى أسرة أو أسرتين لا غير وذلك نتيجة لزيجات العصب الواحد من جهة الأب ص167
ما قاله لو صح فهو يؤكد وجود مقولة المؤامرة العالمية فتلك الأسر القليلة هى التى هدمت دولة العدل وحلت محلها وهم لا يريدون أن تخرج أسرار تحكمهم فى العالم للوجود من خلال هذا الزواج وهو ما أكده ديفيد أيكيه فى كتابه السر الأكبر أو الأعظم حيث زاد أن الرؤساء فى دول الغرب ومنه روسيا ينتمون جميعا على اختلافهم لأسرتين فقط
متفرقات:
قال فرويد مقولة غبية وهى :
"ليس بيننا من لا يعلم أن وقائع السنوات الخمس الأولى من الحياة تمارس على وجودنا تأثيرا حاسما لا يستطيع أى شىء أن يبطل مفعوله فيما بعد "ص174
كلام بلا دليل فلا أحد يتذكر غالبا أى ذكريات من تلك السن من نفسه إلا أن يذكره الآخرون الذين كانوا حوله فإذا كان الإنسان لا يعلم ماضيه فى تلك السنوات فكيف يكون له أى تأثير؟
مثال بسيط من يغيرون أديانهم فى الكبر كيف يكون لتلك الفترة أى تأثير فيهم والطفل أساسا لا يعنى معنى الدين فى تلك السن
وقال عن اليهود:
"فنحن نعلم أن الشعب اليهودى ربما كان على الأرجح الشعب الوحيد دون سائر الشعوب القديمة التى عاشت فى حوض البحر الأبيض المتوسط الذى حافظ على اسمه وربما أيضا على طبيعته "ص145
مقولة ثبات الشعب على طبيعته تتناقض مع الكتاب نفسه فكيف يكون هذا الشعب محافظا على طبيعته وقد غير أديانه عدة مرات كما يقول فرويد عندما اعتنق دين موسى المصرى وعندما اخترع ابن أخر منه الدين المسيحى
الكتاب هو ضرب تحت الحزام للمقولة الأساسية فى الوجود الإله الواحد و نزول الوحى من عنده فالأديان اختراعات بشرية ولا وجود لهذا الإله إلا فى صورة مخلوقات رفعتها شعوبها أو نفسها لمرتبة هذا الإله