رضا البطاوى
عضو فعال
- المشاركات
- 2,709
- الإقامة
- مصر
نقد كتاب الحبل الوثيق في نصرة الصديق
الكتاب هو سؤال عن سبب نزول وسيجنبها الأتقى واجابته وقد قال المؤلف في مستهل الكتاب أن أحدهم سأله عن سبب النزول وهو عام أم خاص فقال:
"وبعد فقد رفع إلى سؤال في قوله تعالى (لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى) إلى آخر السورة هل نزل ذلك في رجلين معينين وما سبب نزوله وهل المراد بالأتقى أبو بكر الصديق أو الآية عامة فيه وفي غيره، وذكر السائل أن السبب في هذا السؤال أن الأمير ازدمر حاجب الحجاب والأمير خاير بك من حديد وقع بينهما تنازع في أبي بكر رضي الله عنه هل هو أفضل الصحابة وأن خاير بك قائل بذلك وأن ازدمر ينكر ذلك وأنه طالب خاير بك بدليل من القرآن على أن أبا بكر أفضل وأن خاير بك استدل عليه بقوله تعالى وسيجنبها الأتقى فإنها نزلت في حق أبي بكر وقد قال الله تعالى (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) وأن ازدمر قال الأتقى عام في أبي بكر وغيره وطالب كل منهما الآخر بشهادة العلماء له بنصره قوله وأن الشيخ شمس الدين الجوجري كتب على سؤال نظير هذا السؤال فقلت أرني ما كتب فأرانيه فإذا فيه أن الآية وإن نزلت في أبي بكر فإنها عامة المعنى إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فقلت هذا شأن من يلقي نفسه في كل واد والرجل فقيه فما له يتكلم في غير فنه "
الكاتب هنا بين اختلاف القوم وأن السؤال طرح وأجاب عليه البعض وأن أصل المسألة هو أفضلية أبو بكر على جميع الصحابة
واما الكاتب فقد أجاب حيث قال :
"وهذه المسألة تفسيرية حديثية أصولية كلامية نحوية فمن لم يكن متبحرا في هذه العلوم الخمسة لم يحسن التكلم في هذه المسألة وأنا أوضح الكلام عليها في فصلين:
(الفصل الأول): في تقرير أنها نزلت في حق أبي بكر رضي الله عنه، قال البزار في مسنده حدثنا بعض أصحابنا عن بشر ابن السري ثنا مصعب بن ثابت عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال نزلت هذه الآية (وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى) إلى آخر السورة في أبي بكر الصديق، وقال ابن جرير في تفسيره: حدثني محمد ابن إبراهيم الأنماطي ثنا هرون بن معروف ثنا بشر بن السرى به وقال ابن المنذر في تفسيره حدثنا موسى بن هرون ثنا هرون بن معروف ثنا بشر بن السري به وقال الآجري في الشريعة ثنا أبو بكر بن أبي داود ثنا محمود بن آدم المروزي ثنا بشر بن السري به، وقال ابن أبي حاتم في تفسيره ثنا أبي ثنا محمد بن أبي عمر العدني ثنا سفيان ثنا هشام بن عروة عن أبيه أن أبا بكر الصديق أعتق سبعة كلهم يعذب في الله منهم بلال وعامر بن فهيرة وفيه نزلت (وسيجنبها الأتقى) إلى آخر السورة، وقال ابن جرير حدثنا ابن عبد الأعلى ثنا ابن ثور عن معمر قال أخبرني عن سعيد في قوله (وسيجنبها الأتقى) قال نزلت في أبي بكر أعتق ناسا لم يلتمس منهم جزاءا ولا شكورا ستة أو سبعة منهم بلال وعامر بن فهيرة، وقال ابن إسحاق حدثني محمد ابن أبي عتيق عن عامر بن عبد الله عن أبيه قال قال أبو قحافة لأبي بكر أراك تعتق رقابا ضعافا فلو أنك إذ فعلت ما فعلت اعتقت رجالا جلدا يمنعونك ويقوموني دونك فقال يا أبة إني إنما أريد ما أريد ثم نزلت هذه الآيات فيه (وسيجنبها الأتقى الذي يؤتى ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى) أخرجه الحاكم في المستدرك من طريق زياد البكائي عن ابن إسحاق، وقال صحيح على وجه مسلم، وقال ابن جرير حدثني هرون بن إدريس الأصم ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ثنا محمد بن إسحاق عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن ابن أبي بكر الصديق عن عامر بن عبد الله بن الزبير قال كان أبو بكر الصديق يعتق على الاسلام بمكة فكان يعتق عجائز ونساء إذا أسلمن فقال له أبوه أي بني أراك تعتق أناسا ضعفاء فلو أنك أعتقت رجالا جلدا يقومون معك ويمنعونك ويدفعون عنك فقال أي أبت إنما أريد ما عند الله قال فحدثني بعض أهل بيتي أن هذه الآية أنزلت فيه (فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى) إلى قوله (وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى) وقال ابن أبي حاتم ثنا أبي ثنا منصور ابن أبي مزاحم ثنا ابن أبي الوضاح عن يونس بن أبي إسحاق عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه اشترى بلالا من أمية بن خلف وأبى بن خلف ببردة وعشرة أواق فأعتقه لله فأنزل الله (والليل إذا يغشى) إلى آخرها في أبي بكر وأمية بن خلف، وقال الآجري في الشريعة ثنا حامد بن شعيب أبو العباس البلخي ثنا منصور بن أبي مزاحم ثنا أبو سعيد المؤدب عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عن عبد الله بن مسعود قال إن أبا بكر اشترى بلالا من أمية بن خلف وأبى بن خلف ببردة وعشرة أواق فاعتقه لله فأنزل الله (والليل إذا يغشى) إلى قوله (وسيجنبها الأتقى الذي يؤتى ماله يتزكى) يعني أبا بكر (وما لأحد عنده من نعمة تجزى) قال لم يصنع ذلك أبو بكر ليد كانت منه إليه فيكافئه بها (إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى) وفي تفسيره البغوي قال سعيد بن المسيب بلغني أن أمية ابن خلف قال لأبي بكر الصديق في بلال حين قال أتبيعنيه قال نعم أبيعه بقسطاس عبد لأبي بكر صاحب عشرة آلاف دينار وغلمان وجوار ومواش وكان مشركا يأبى الإسلام فاشتراه أبو بكر به فقال المشركون ما فعل ذلك أبو بكر ببلال إلا ليد كانت لبلال عنده فأنزل الله (وما لأحد عنده من نعمة تجزى) وفي تفسير القرطبي روى عطاء أو الضحاك عن ابن عباس قال عذب المشركون بلالا فاشتراه أبو بكر برطل من ذهب من أمية بن خلف وأعتقه فقال المشركون ما أعتقه أبو بكر إلا ليد كانت له عنده فنزلت (وما لأحد عنده من نعمة تجزى) قال الآجري: هذا وما قدمناه من الأحاديث يدل على أن الله خص أبا بكر بأشياء فضله بها على جميع الصحابة رضي الله تعالى عنهم فهذا ما يتعلق بنزول الآية وهو من علم الحديث ويأتي في الفصل بعد هذا ما يتعلق بها من العلوم الأربعة التفسير والكلام وأصول الفقه والنحو وقد تواردت خلائق من المفسرين لا يحصون على أنها نزلت في حق أبي بكر رضي الله عنه وكذا أصحاب الكتب المؤلفة في المبهمات."
الروايات متناقضة في قيمة بلاب ففى رواية بعبد اسمه قسطاس عبد لأبي بكر صاحب عشرة آلاف دينار وغلمان وجوار ومواش وفى رواية برطل من ذهب وفى رواية ببردة وعشرة أواق
كما تناقض في الباعة فهما في رواية اثنين" اشترى بلالا من أمية بن خلف وأبى بن خلف" ومرة واحد في رواية فاشتراه أبو بكر برطل من ذهب من أمية بن خلف
وبنا على هذه التناقضات لا يصح شىء من تلك الروايات كما لا يصح وجود سبب لنزول ألايات
ورد الكاتب على الجوجرى مضعفا رأيه حيث قال:
"(الفصل الثاني):
في تضعيف ما أفتى به الجوجري وذلك من أربعة وجوه ثلاثة جدلية وواحد من طريق التحقيق فأما الثلاثة الأولى فأحدها أن نقول لا شك انه لو جاز لأحد أن يفتي في مسألة بمجرد نظره لها في كتاب أو كتابين من غير أن يكون متقنا لذلك الفن بجميع أطرافه ماهرا فيه متبحرا فيه لجاز لآحاد الطلبة أن يفتوا بل العوام والسوقة لا يعدم أحد منهم أن يكون عارفا بعدة من المسائل تعلمها من عالم أو رآها في كتاب ولا ريب في أنه لا يجوز لأحد منهم أن يفتي وقد نص العلماء على أن العامي لو تعلم مسائل وعرفها لم يكن له أن يفتي بها إنما يفتي المتبحر في العلم العارف بتنزيل الوقائع الجزئية على الكلية الكليات المقررة في الكتب وما شرطوا في المفتي أن يكون مجتهدا إلا لهذا المعنى وأمثاله والمدار الآن على التبحر فمن تبحر في فن أفتى به وليس له أن يتعدى إلى فن لم يتبحر فيه ويطلق قلمه فيه وهو لم يقف على متفرقات كلام أرباب ذلك الفن فلعله يعتمد على مقالة مرجوحة وهو يظنها عندهم صحيحة وهذه المسألة من ذلك كما سنبينه، وكذلك ليس لأحد أن يفتي في العربية وقصارى أمره النظر في ابن المصنف والتوضيح ونحو ذلك بل حتى يحيط بالفن خبرة ويقف على غرائبه وغوامضه ونوادره فضلا عن ظواهره ومشاهيره، وما مثل من يفتي في النحو وقصارى أمره ما ذكر إلا مثل ما قرأ المنهاج واقتصر عليه وأراد أن يفتي في الفقه فلو جاءته مسألة من الروضة مثلا فإن كان دينا قال هذه لم أقف عليها وإن كان غير ذلك أنكرها بالكلية وقال هذا شيء لم يقله أحد بل ولا والله لا يكتفي في إباحة الفتوى بحفظ الروضة وحدها فماذا يصنع في المسائل التي اختلف فيها الترجيح، ماذا يصنع في المسائل ذات الصور والأقسام، ولم يذكر في الروضة بقية صورها وأقسامها، ماذا يصنع في مسائل لها قيود ومحال تركت من الروضة وهي مفرقة في شرح المهذب وغيره من الكتب، ماذا يصنع في مسائل خلت عنها الروضة بالكلية بل لابد في المفتى من أن يضم إلى الروضة حمل كتب فإن لم ينهض إلى ذلك وعسر عليه النظر في كتاب الشافعي رضي الله عنه وأصحابه المتقدمين فلا أقل من استيعاب كتب المتأخرين وقد قال ابن بلبان الحنفي في كتابه زلة القارئ قال الشيخ أبو عبد الله الجرجاني في خزانة الأكمل لا يجوز لأحد أن يفتي في هذا الباب يعني باب اللحن في القراءة إلا بعد معرفة ثلاثة أشياء حقيقة النحو والقراءات الشواذ وأقاويل المتقدمين والمتأخرين من أصحابنا في هذا الباب، الوجه الثاني أن يقول لا شك في أن القرآن الكريم حاو لجميع العلوم وأئمة المفسرين وأصناف شتى كل صنف منهم غلب عليه فن من العلوم فكان تفسيره في غاية الاتقان من حيث ذلك الفن الغالب عليه فينبغي لمن أراد التكلم على آية من حيثية أن ينظر تفسير من غلب عليه ذلك الفن الذي تلك الحيثية منه فمن أراد التكلم على آية من حيث التفسير الذي هو نقل محض ومعرفة الأرجح فيه فالأولى أن ينظر عليها تفاسير أئمة النقل والأثر وأجلها تفسير ابن جرير الطبري فقد قال النووي في تهذيب الأسماء واللغات: كتاب ابن جرير في التفسير لم يصنف أحد مثله وقريب منه من تفاسير المتأخرين تفسير الحافظ عماد الدين ابن كثير وكذلك من أراد التكلم على آية تتعلق بالأخبار السابقة أو الآتية كاشراط الساعة وأحوال البرزخ والبعث والملكوت ونحو ذلك مما لا مجال للرأي فيه فالأولى أخذها من التفسيرين المذكورين وسائر تفاسير المحدثين المسندة كسعيد بن منصور والقرباني وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ ومن جرى مجراهم ومن أراد التكلم على آية من حيث علم الكلام فالأولى أن ينظر عليها تفسير من غلب عليه الكلام واشتهر بالبراعة فيه كابن فورك والباقلاني وإمام الحرمين والإمام فخر الدين والاصبهاني ونحوهم، ومن أراد التكلم عليها من حيث الأعراب فالأولى أن ينظر عليها تفسير أئمة النحو المتبحرين فيه كأبي حيان، ومن أراد التكلم عليها من حيث البلاغة فالأولى أن ينظر عليها الكشاف وتفسير الطيبي ونحو ذلك"
وما سوده الكاتب من الصفحات السابقة هو كلام فارغ من المعنى ليس فيه رد حقيقى وإنما هو اتهام له بقلة العلم
وتناول وجوب ما كان على الجوجرى فعله وهو أن يعود لكتابات السابقين في المسألة حيث قال :
"ومسألة تفضيل أبي بكر من علم الكلام وكونه هو المراد بالآية من علم التفسير فكان الأولى للجوجري قبل الكتابة أن ينظر عليها كتاب ابن جرير ونحوه لأجل معرفة الأرجح في التفسير وكتاب الإمام فخر الدين ونحوه لأجل معرفة التقرير الكلامي ثم ينهض إلى مراجعة كتب أئمة الكلام لينظر كيف قرر والاستدلال بها على أفضلية الصديق ككتب الشيخ أبي الحسن الأشعري وابن فورك والباقلاني والشهرستاني وإمام الحرمين والغزالي ومن جرى مجراهم ويتعب كل التعب ويجد كل الجد ويعتزل الراحة والشغل ولا يسأم ولا يضجر يدع الفتيا تمكث عنده الشهر والشهرين والعام والعامين فإذا وقف على متفرقات كلام الناس في المسألة ونظر وحقق وأورد على نفسه كل أشكال وأعد له الجواب المقبول حطم حينئذ على الكتابة وحكم بين الأمراء وفصل بين العلماء، وأما الاستعجال في الجواب والكتابة بمجرد ما يخطر بباله ويظهر فيه بادئ الرأي مع الراحة والاتكال على الشهرة وعدم التضلع بذلك الفن وما يحتاج إليه فيه فإنه لا يليق ولهذا تجد الواحد ممن كان بهذه المثابة يكتب ويرجع ويتزلزل بأدنى زلزلة ويضطرب قوله في المسألة الواحدة مرات ويبحث معه أدنى الطلبة فيشككه وأكثر ما يحتج به الواحد منهم إذا صمم على قوله أن يقول الظاهر كذا أو كذا أو هذا الذي ظهر لي من غير اعتماد على مستند بيده أو حجة يظهرها كأنه الشيخ أبو الحسن الشاذلي إمام أرباب القلوب في زمانه الذي كان يسأل معتمدا على الإلهام الواقع في قلبه ذاك إلهامه صواب لا يخطئ وبعد موتات ماتها في الله،"
وهذا الكلام هو نفسه الكلام السابق فلا يوجد رد فيه
واستمر الكاتب في التقليل من شأن وعلم الجوجرى حيث قال:
"الوجه الثالث أن نقول لا شك أن المفتي حكمه حكم الطبيب ينظر في الواقعة ويذكر فيها ما يليق بها بحسب مقتضى الحال والشخص والزمان فالمفتي طبيب الأديان وذلك طبيب الأبدان وقد قال عمر بن عبد العزيز يحدث للناس أحكام بحسب ما أحدثوا من الفجور قال السبكي ليس مراده أن الأحكام الشرعية تتغير بتغير الزمان بل باختلاف الصور الحادثة فإنه قد يحصل بمجموع أمور حكم لا يحصل لكل واحد منها فإذا حدثت صورة على صفة خاصة علينا أن ننظر فيها فقد يكون مجموعها يقتضي الشرع له حكما خاصا هذا كلام السبكي قرره في كتاب ألفه في شأن رافضي حكم بقتله وسماه غيرة الإيمان الجلى لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وقال السبكي أيضا في فتاويه ما معناه يوجد في فتاوى المتقدمين من أصحابنا أشياء لا يمكن الحكم عليها بأنها المذهب في كل صورة لأنها وردت على وقائع فلعلهم رأوا أن تلك الوقائع يستحق أن يفتي بها بذلك ولا يلزم اطراد ذلك واستمراره وهذه الواقعة المسؤول عنها تتعلق برافضي وليته رافضي فقط بل زنديق جاهل من كبار الجهلة ولقد اجتمعت به مرة فرأيت منه العجب من إنكاره الاحتجاج بحديث رسول الله (ص)ورد أقواله الشريفة ويقول لعنه الله وفض فاه النبي واسطى ما قاله وهو في القرآن فصحيح وما قاله وليس في القرآن وذكر كلمة لا أستطيع ذكرها فرجعت من عنده ولم أجتمع به إلى الآن وألفت مؤلفا سميته مفتاح الجنة في الاعتصام بالسنة وكان من جملة أقواله في ذلك المجلس على عنده العلم والشجاعة وأبو بكر ليس عنده ذلك وإنما زوجه بابنته وأنفق عليه ماله فكافأه بالخلافة بعده فقلت له وردت الأحاديث بأن أبا بكر أعلم الصحابة وأشجعهم فقال هذه الأحاديث كذب ثم أعاد الآن الكلام في ذلك مع خاير بك وطلب منه الاستدلال على أفضلية أبي بكر بآية من القرآن لأنه لا يرى الحديث حجة فذكر له خاير بك هذه الآية ولم يقلها من عند نفسه بل رآها في بعض كتب الكلام فذكرها فكان لا يليق بالجوجري في مثل هذه الواقعة أن يفتي بأن الآية ليست خاصة بأبي بكر ولا دالة على أفضليته فيؤيد مقالة الرافضي ويثبته على معتقده الخبيث ويدحض حجة قررها أئمة كل فرد منهم أعلم بالتفسير والكلام وأصول الفقه من مائة ألف من مثل الجوجري والله لو كان هذا القول في الآية هو المرجوح لكان اللائق في مثل هذه الواقعة أن يفتي به فكيف وهو الراجح والذي أفتى به الجوجري قول مرجوح، هذه الوجوه الثلاثة الجدلية"
المسألة إذا ليس فيها رد ولا اعتبار للعلم فهم الكاتب هو ألا ينصر الجوجرى او غيره شيعى بإجابته حتى ولو كانت صحيحة وهو كلام يؤخذ على الكاتب بأنه لا يسعى لرضا الله وإنما يسعى لنصر مذهب معين باخفاء علم
وأخيرا نقل الكاتب من كتب المتقدمين التالى:
"وأما الوجه الذي يرد به عليه من جهة التحقيق فأقول قال البغوي في معالم التنزيل يريد بالأتقى الذي يؤتى ماله يتزكى يطلب أن يكون عند الله زكيا لا رياء ولا سمعة يعني أبا بكر الصديق في قول الجميع وقال ابن الخازن في تفسيره الأتقى هنا أبو بكر الصديق في قول جميع المفسرين وقال الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره أجمع المفسرون هنا على أن المراد بالأتقى أبو بكر وذهبت الشيعة إلى أن المراد به علي فانظر إلى نقل هؤلاء الأئمة الثلاثة إجماع المفسرين على أن المراد بالأتقى أبو بكر لا كل تقى، وقال الأصبهاني في تفسيره خص الصلى بالأشقى والتجنب بالأتقى وقد علم أن كل شقي يصلاها وكل تقي يجنبها لا يختص بالصلى أشقى الأشقياء ولا بالنجاة أتقى الأتقياء لأن الآية واردة في الموازنة بين حالتي عظيم من المشركين وعظيم من المؤمنين فأريد أن يبالغ في صفتيهما المتناقضتين فقيل الأشقى وجعل مختصا بال صلى كأن النار لم تخلق إلا له وقيل الأتقى وجعل مختصا بالنجاة كأن الجنة لم تخلق إلا له. انتهى، وهذا صريح في أن المراد بالأتقى أتقى الأتقياء على الاطلاق لا مطلق التقى وأتقى الأتقياء على الإطلاق بعد النبيين أبو بكر الصديق ، وقال النسفي في تفسيره الأتقى الأكمل تقوى وهو صفة أبي بكر الصديق وقال ودل على فضله على جميع الأمة قال تعالى (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) انتهى. وقال القرطبي في تفسيره قال ابن عباس الأتقى أبو بكر الصديق وقال بعض أهل المعاني أراد بالأشقى والأتقى الشقي والتقي كقول طرفة:
تمنى رجال أن أموت وإن أمت * فتلك سبيل لست فيها بأوحد
أي واحد ووحيد فوضع أفعل موضع فعيل انتهى. وهذا الذي نقله عن بعض أهل المعاني هو الذي أفتى به الجوجري عادلا عن قول جميع المفسرين إلى قول بعض أهل النحو قال ابن الصلاح حيث رأيت في كتب التفسير قال أهل المعاني فالمراد به مصنفو الكتب في معاني القرآن كالزجاج والفراء والأخفش وابن الأنباري انتهى. وكذا نقل ابن جرير في تفسيره هذه المقالة عن بعض أهل العربية ثم قال والصحيح الذي جاءت به الآثار عن أهل التأويل أنها في أبي بكر بعتقه من أعتق من المماليك ابتغاء وجه الله فأنت ترى هذه النقول تنادي على أن الذي أفتى به الجوجري مقالة في الآية لبعض النحويين مشى عليها بعض المصنفين في التفسير وأن الذي وردت به الآثار وقاله المفسرون من السلف وصححه الخلف اختصاصها بأبي بكر ابقاء للصيغة على بابها هذا بيان رجحان ذلك من حيث التفسير وأما من حيث أصول الفقه والعربية فأقول قول الجوجري إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فرع أن يكون في اللفظ عموم حتى يكون العبرة به والآية لا عموم فيها أصلا ورأسا بل هي نص في الخصوص وبيان ذلك من وجهين: أحدهما أن العموم إنما يستفاد في مثل هذه الصيغة من أل الموصولة والتعريفية وليست أل هذه موصولة قطعا لأن الأتقى أفعل تفضيل وأل الموصولة لا توصل بأفعل التفضيل بإجماع النحاة وإنما توصل باسم الفاعل والمفعول وفي الصفة المشبهة خلاف وأما أفعل التفضيل فلا توصل به بلا خلاف وأما التعريفية فإنما تفيد العموم إذا دخلت على الجمع فإن دخلت على مفرد لم تفده كما اختار الإمام فخر الدين ومن قال إنها تفيده فيه قيده بأن لا يكون هناك عهد فإن كان لم تفده قطعا هذا هو المقرر في علم الأصول والأتقى مفرد لا جمع
والعهد فيه موجود فلا عموم فيه قطعا فعلم بذلك أنه لا عموم في الأتقى فتأمل فإنه نفيس فتح الله به علي تأييدا للجناب الصديقي، الوجه الثاني أن الأتقى أفعل تفضيل وأفعل التفضيل لا عموم فيه بل وضعه للخصوص فإنه لتفرد الموصوف بالصفة وأنه لا مساوى له فيها كما تقول زيد أفضل الناس أو الأفضل فإنها صيغة خصوص قطعا عقلا ونقلا ولا يجوز أن تتناول غيره أبدا فبان بذلك أنه لا عموم في الأتقى وإلى ذلك يشير تقرير الاصبهاني حيث قال فإن قلت كيف قال لا يصلاها إلا الأشقى وسيجنبها الأتقى وقد علم أن كل شقي يصلاها وكل تقي يجنبها لا يختص بالصلى أشقى الأشقياء ولا بالنجاة أتقى الأتقياء وإن زعمت أنه نكر النار فأراد نارا بعينها مخصوصة بالأشقى فما تصنع بقوله وسيجنبها الأتقى فقد علم أن أفسق المسلمين يجنب تلك النار المخصوصة لا الأتقى منهم خاصة قلت الآية واردة في الموازنة بين حالتي عظيم من المشركين وعظيم من المؤمنين فأريد أن يبالغ في صفتهما المتناقضتين فقيل الأشقي وجعل مختصا بالصلى كأن النار لم تخلق إلا له وقيل الأتقى وجعل مختصا بالنجاة كأن الجنة لم تخلق إلا له هذه عبارة وهي صريحة في إرادة الخصوص أخذا من صيغة أفعل التفضيل ومن جنح من أهل العربية إلى أنها للعموم احتاج إلى تأويل الأتقى بالتقى ليخرج عن التفضيل وهذا مجاز قطعا والمجاز خلاف الأصل ولا يصار إليه إلا بدليل ولا دليل يساعده بل الدليل يعارضه وهو الأحاديث الواردة في سبب النزول وإجماع المفسرين كما نقله من تقدم فثبت بهذا كله أن الكلام على حقيقته للتفضيل وأن اللام للعهد وأنه لا عموم فيه أصلا فإن قلت: لم يؤخذ العموم من لفظ الأتقى بل من لفظ الذي يؤتى فإن الذي من صيغ العموم قلت: هذه غفلة منك وجهل بالعربية فإن الذي وصف للأتقى وقد تبين أن الأتقى خاص فيجب أن تكون صفته كذلك لما تقرر في العربية أن الوصف لا يكون أعم من الموصوف بل مساويا له أو أخص منه فاشدد بهذا الكلام يديك وعض عليه بناجذيك على أن في قوله (وما لأحد عنده من نعمة تجزى) وقوله (ولسوف يرضى) ما يشير إلى التنصيص على التخصيص وقد قرر الإمام فخر الدين اختصاص الآية بأبي بكر والاستدلال بها على أفضليته بطريق آخر فقال أجمع المفسرون منا على أن المراد بالأتقى أبو بكر وذهب الشيعة إلى أن المراد به علي والدلالة النقلية ترد ذلك وتؤيد الأول وبيان ذلك أن المراد من هذا الأتقى أفضل الخلق لقوله تعالى (إن أكرمكم عند الله أتقيكم) والأكرم هو الأفضل فالأتقى المذكور هنا هو أفضل الخلق عند الله والأمة مجمعة على أن أفضل الخلق بعد رسول الله (ص)إما أبو بكر وإما علي ولا يمكن حمل الآية على علي فتعين حملها على أبي بكر وإنما لم يكن حملها على علي لأنه قال عقيب صفة هذا الأتقى وما لأحد عنده من نعمة تجزي وهذا والوصف لا يصدق على علي لأنه كان في تربية النبي (ص)لأنه أخذه من أبيه فكان يطعمه ويسقيه ويكسوه ويربيه فكان الرسول (ص)منعما عليه نعمة يجب جزاؤها أما أبو بكر فلم يكن للنبي (ص)عليه نعمة دنيوية بل أبو بكر كان ينفق على الرسول وإنما كان للرسول عليه نعمة الهداية والإرشاد إلى الدين وهذه النعمة ولا تجزي لقوله تعالى (لا أسألكم عليه أجرا) والمذكور هنا ليس مطلق النعمة بل نعمة تجزي فعلم أن هذه الآية لا تصلح لعلي وإذا ثبت أن المراد بهذه الآية من كان أفضل الخلق وثبت أن ذلك الأفضل من الآية إما أبو بكر وإما علي وثبت أن الآية غير صالحة لعلي تعين حملها على أبي بكر وثبت دلالة الآية أيضا على أن أبا بكر أفضل الأمة انتهى كلام الإمام."
وكل ما ذكره الكاتب لا يوجد فيه دليل واحد على اختصاص أبو بكر بالآية و‘نما هى آية عامة ليس فيها اسم أحد
وأما مسألة من هو الأفضل أبو بكر أو على أم غيرهم فمسألة لا يعلمها نبى ولا غيره وإنما الله وحده من يعلمها لقوله سبحانه:
" هو أعلم بمن اتقى"
والأفضلية لكى تكون موجودة لابد من نص إلهى يذكر فيه الاسم صريحا وهو ما لا وجود له في أبو بكر أو على او غيرهم
بل إن الرسل (ص) لم يذكر فيه نص صريح يقول أن فلان افضل من فلان وعلان والعقيدة هى :
" لا نفرق بين أحد من رسله"
الكتاب هو سؤال عن سبب نزول وسيجنبها الأتقى واجابته وقد قال المؤلف في مستهل الكتاب أن أحدهم سأله عن سبب النزول وهو عام أم خاص فقال:
"وبعد فقد رفع إلى سؤال في قوله تعالى (لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى) إلى آخر السورة هل نزل ذلك في رجلين معينين وما سبب نزوله وهل المراد بالأتقى أبو بكر الصديق أو الآية عامة فيه وفي غيره، وذكر السائل أن السبب في هذا السؤال أن الأمير ازدمر حاجب الحجاب والأمير خاير بك من حديد وقع بينهما تنازع في أبي بكر رضي الله عنه هل هو أفضل الصحابة وأن خاير بك قائل بذلك وأن ازدمر ينكر ذلك وأنه طالب خاير بك بدليل من القرآن على أن أبا بكر أفضل وأن خاير بك استدل عليه بقوله تعالى وسيجنبها الأتقى فإنها نزلت في حق أبي بكر وقد قال الله تعالى (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) وأن ازدمر قال الأتقى عام في أبي بكر وغيره وطالب كل منهما الآخر بشهادة العلماء له بنصره قوله وأن الشيخ شمس الدين الجوجري كتب على سؤال نظير هذا السؤال فقلت أرني ما كتب فأرانيه فإذا فيه أن الآية وإن نزلت في أبي بكر فإنها عامة المعنى إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فقلت هذا شأن من يلقي نفسه في كل واد والرجل فقيه فما له يتكلم في غير فنه "
الكاتب هنا بين اختلاف القوم وأن السؤال طرح وأجاب عليه البعض وأن أصل المسألة هو أفضلية أبو بكر على جميع الصحابة
واما الكاتب فقد أجاب حيث قال :
"وهذه المسألة تفسيرية حديثية أصولية كلامية نحوية فمن لم يكن متبحرا في هذه العلوم الخمسة لم يحسن التكلم في هذه المسألة وأنا أوضح الكلام عليها في فصلين:
(الفصل الأول): في تقرير أنها نزلت في حق أبي بكر رضي الله عنه، قال البزار في مسنده حدثنا بعض أصحابنا عن بشر ابن السري ثنا مصعب بن ثابت عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال نزلت هذه الآية (وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى) إلى آخر السورة في أبي بكر الصديق، وقال ابن جرير في تفسيره: حدثني محمد ابن إبراهيم الأنماطي ثنا هرون بن معروف ثنا بشر بن السرى به وقال ابن المنذر في تفسيره حدثنا موسى بن هرون ثنا هرون بن معروف ثنا بشر بن السري به وقال الآجري في الشريعة ثنا أبو بكر بن أبي داود ثنا محمود بن آدم المروزي ثنا بشر بن السري به، وقال ابن أبي حاتم في تفسيره ثنا أبي ثنا محمد بن أبي عمر العدني ثنا سفيان ثنا هشام بن عروة عن أبيه أن أبا بكر الصديق أعتق سبعة كلهم يعذب في الله منهم بلال وعامر بن فهيرة وفيه نزلت (وسيجنبها الأتقى) إلى آخر السورة، وقال ابن جرير حدثنا ابن عبد الأعلى ثنا ابن ثور عن معمر قال أخبرني عن سعيد في قوله (وسيجنبها الأتقى) قال نزلت في أبي بكر أعتق ناسا لم يلتمس منهم جزاءا ولا شكورا ستة أو سبعة منهم بلال وعامر بن فهيرة، وقال ابن إسحاق حدثني محمد ابن أبي عتيق عن عامر بن عبد الله عن أبيه قال قال أبو قحافة لأبي بكر أراك تعتق رقابا ضعافا فلو أنك إذ فعلت ما فعلت اعتقت رجالا جلدا يمنعونك ويقوموني دونك فقال يا أبة إني إنما أريد ما أريد ثم نزلت هذه الآيات فيه (وسيجنبها الأتقى الذي يؤتى ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى) أخرجه الحاكم في المستدرك من طريق زياد البكائي عن ابن إسحاق، وقال صحيح على وجه مسلم، وقال ابن جرير حدثني هرون بن إدريس الأصم ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ثنا محمد بن إسحاق عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن ابن أبي بكر الصديق عن عامر بن عبد الله بن الزبير قال كان أبو بكر الصديق يعتق على الاسلام بمكة فكان يعتق عجائز ونساء إذا أسلمن فقال له أبوه أي بني أراك تعتق أناسا ضعفاء فلو أنك أعتقت رجالا جلدا يقومون معك ويمنعونك ويدفعون عنك فقال أي أبت إنما أريد ما عند الله قال فحدثني بعض أهل بيتي أن هذه الآية أنزلت فيه (فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى) إلى قوله (وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى) وقال ابن أبي حاتم ثنا أبي ثنا منصور ابن أبي مزاحم ثنا ابن أبي الوضاح عن يونس بن أبي إسحاق عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه اشترى بلالا من أمية بن خلف وأبى بن خلف ببردة وعشرة أواق فأعتقه لله فأنزل الله (والليل إذا يغشى) إلى آخرها في أبي بكر وأمية بن خلف، وقال الآجري في الشريعة ثنا حامد بن شعيب أبو العباس البلخي ثنا منصور بن أبي مزاحم ثنا أبو سعيد المؤدب عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عن عبد الله بن مسعود قال إن أبا بكر اشترى بلالا من أمية بن خلف وأبى بن خلف ببردة وعشرة أواق فاعتقه لله فأنزل الله (والليل إذا يغشى) إلى قوله (وسيجنبها الأتقى الذي يؤتى ماله يتزكى) يعني أبا بكر (وما لأحد عنده من نعمة تجزى) قال لم يصنع ذلك أبو بكر ليد كانت منه إليه فيكافئه بها (إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى) وفي تفسيره البغوي قال سعيد بن المسيب بلغني أن أمية ابن خلف قال لأبي بكر الصديق في بلال حين قال أتبيعنيه قال نعم أبيعه بقسطاس عبد لأبي بكر صاحب عشرة آلاف دينار وغلمان وجوار ومواش وكان مشركا يأبى الإسلام فاشتراه أبو بكر به فقال المشركون ما فعل ذلك أبو بكر ببلال إلا ليد كانت لبلال عنده فأنزل الله (وما لأحد عنده من نعمة تجزى) وفي تفسير القرطبي روى عطاء أو الضحاك عن ابن عباس قال عذب المشركون بلالا فاشتراه أبو بكر برطل من ذهب من أمية بن خلف وأعتقه فقال المشركون ما أعتقه أبو بكر إلا ليد كانت له عنده فنزلت (وما لأحد عنده من نعمة تجزى) قال الآجري: هذا وما قدمناه من الأحاديث يدل على أن الله خص أبا بكر بأشياء فضله بها على جميع الصحابة رضي الله تعالى عنهم فهذا ما يتعلق بنزول الآية وهو من علم الحديث ويأتي في الفصل بعد هذا ما يتعلق بها من العلوم الأربعة التفسير والكلام وأصول الفقه والنحو وقد تواردت خلائق من المفسرين لا يحصون على أنها نزلت في حق أبي بكر رضي الله عنه وكذا أصحاب الكتب المؤلفة في المبهمات."
الروايات متناقضة في قيمة بلاب ففى رواية بعبد اسمه قسطاس عبد لأبي بكر صاحب عشرة آلاف دينار وغلمان وجوار ومواش وفى رواية برطل من ذهب وفى رواية ببردة وعشرة أواق
كما تناقض في الباعة فهما في رواية اثنين" اشترى بلالا من أمية بن خلف وأبى بن خلف" ومرة واحد في رواية فاشتراه أبو بكر برطل من ذهب من أمية بن خلف
وبنا على هذه التناقضات لا يصح شىء من تلك الروايات كما لا يصح وجود سبب لنزول ألايات
ورد الكاتب على الجوجرى مضعفا رأيه حيث قال:
"(الفصل الثاني):
في تضعيف ما أفتى به الجوجري وذلك من أربعة وجوه ثلاثة جدلية وواحد من طريق التحقيق فأما الثلاثة الأولى فأحدها أن نقول لا شك انه لو جاز لأحد أن يفتي في مسألة بمجرد نظره لها في كتاب أو كتابين من غير أن يكون متقنا لذلك الفن بجميع أطرافه ماهرا فيه متبحرا فيه لجاز لآحاد الطلبة أن يفتوا بل العوام والسوقة لا يعدم أحد منهم أن يكون عارفا بعدة من المسائل تعلمها من عالم أو رآها في كتاب ولا ريب في أنه لا يجوز لأحد منهم أن يفتي وقد نص العلماء على أن العامي لو تعلم مسائل وعرفها لم يكن له أن يفتي بها إنما يفتي المتبحر في العلم العارف بتنزيل الوقائع الجزئية على الكلية الكليات المقررة في الكتب وما شرطوا في المفتي أن يكون مجتهدا إلا لهذا المعنى وأمثاله والمدار الآن على التبحر فمن تبحر في فن أفتى به وليس له أن يتعدى إلى فن لم يتبحر فيه ويطلق قلمه فيه وهو لم يقف على متفرقات كلام أرباب ذلك الفن فلعله يعتمد على مقالة مرجوحة وهو يظنها عندهم صحيحة وهذه المسألة من ذلك كما سنبينه، وكذلك ليس لأحد أن يفتي في العربية وقصارى أمره النظر في ابن المصنف والتوضيح ونحو ذلك بل حتى يحيط بالفن خبرة ويقف على غرائبه وغوامضه ونوادره فضلا عن ظواهره ومشاهيره، وما مثل من يفتي في النحو وقصارى أمره ما ذكر إلا مثل ما قرأ المنهاج واقتصر عليه وأراد أن يفتي في الفقه فلو جاءته مسألة من الروضة مثلا فإن كان دينا قال هذه لم أقف عليها وإن كان غير ذلك أنكرها بالكلية وقال هذا شيء لم يقله أحد بل ولا والله لا يكتفي في إباحة الفتوى بحفظ الروضة وحدها فماذا يصنع في المسائل التي اختلف فيها الترجيح، ماذا يصنع في المسائل ذات الصور والأقسام، ولم يذكر في الروضة بقية صورها وأقسامها، ماذا يصنع في مسائل لها قيود ومحال تركت من الروضة وهي مفرقة في شرح المهذب وغيره من الكتب، ماذا يصنع في مسائل خلت عنها الروضة بالكلية بل لابد في المفتى من أن يضم إلى الروضة حمل كتب فإن لم ينهض إلى ذلك وعسر عليه النظر في كتاب الشافعي رضي الله عنه وأصحابه المتقدمين فلا أقل من استيعاب كتب المتأخرين وقد قال ابن بلبان الحنفي في كتابه زلة القارئ قال الشيخ أبو عبد الله الجرجاني في خزانة الأكمل لا يجوز لأحد أن يفتي في هذا الباب يعني باب اللحن في القراءة إلا بعد معرفة ثلاثة أشياء حقيقة النحو والقراءات الشواذ وأقاويل المتقدمين والمتأخرين من أصحابنا في هذا الباب، الوجه الثاني أن يقول لا شك في أن القرآن الكريم حاو لجميع العلوم وأئمة المفسرين وأصناف شتى كل صنف منهم غلب عليه فن من العلوم فكان تفسيره في غاية الاتقان من حيث ذلك الفن الغالب عليه فينبغي لمن أراد التكلم على آية من حيثية أن ينظر تفسير من غلب عليه ذلك الفن الذي تلك الحيثية منه فمن أراد التكلم على آية من حيث التفسير الذي هو نقل محض ومعرفة الأرجح فيه فالأولى أن ينظر عليها تفاسير أئمة النقل والأثر وأجلها تفسير ابن جرير الطبري فقد قال النووي في تهذيب الأسماء واللغات: كتاب ابن جرير في التفسير لم يصنف أحد مثله وقريب منه من تفاسير المتأخرين تفسير الحافظ عماد الدين ابن كثير وكذلك من أراد التكلم على آية تتعلق بالأخبار السابقة أو الآتية كاشراط الساعة وأحوال البرزخ والبعث والملكوت ونحو ذلك مما لا مجال للرأي فيه فالأولى أخذها من التفسيرين المذكورين وسائر تفاسير المحدثين المسندة كسعيد بن منصور والقرباني وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ ومن جرى مجراهم ومن أراد التكلم على آية من حيث علم الكلام فالأولى أن ينظر عليها تفسير من غلب عليه الكلام واشتهر بالبراعة فيه كابن فورك والباقلاني وإمام الحرمين والإمام فخر الدين والاصبهاني ونحوهم، ومن أراد التكلم عليها من حيث الأعراب فالأولى أن ينظر عليها تفسير أئمة النحو المتبحرين فيه كأبي حيان، ومن أراد التكلم عليها من حيث البلاغة فالأولى أن ينظر عليها الكشاف وتفسير الطيبي ونحو ذلك"
وما سوده الكاتب من الصفحات السابقة هو كلام فارغ من المعنى ليس فيه رد حقيقى وإنما هو اتهام له بقلة العلم
وتناول وجوب ما كان على الجوجرى فعله وهو أن يعود لكتابات السابقين في المسألة حيث قال :
"ومسألة تفضيل أبي بكر من علم الكلام وكونه هو المراد بالآية من علم التفسير فكان الأولى للجوجري قبل الكتابة أن ينظر عليها كتاب ابن جرير ونحوه لأجل معرفة الأرجح في التفسير وكتاب الإمام فخر الدين ونحوه لأجل معرفة التقرير الكلامي ثم ينهض إلى مراجعة كتب أئمة الكلام لينظر كيف قرر والاستدلال بها على أفضلية الصديق ككتب الشيخ أبي الحسن الأشعري وابن فورك والباقلاني والشهرستاني وإمام الحرمين والغزالي ومن جرى مجراهم ويتعب كل التعب ويجد كل الجد ويعتزل الراحة والشغل ولا يسأم ولا يضجر يدع الفتيا تمكث عنده الشهر والشهرين والعام والعامين فإذا وقف على متفرقات كلام الناس في المسألة ونظر وحقق وأورد على نفسه كل أشكال وأعد له الجواب المقبول حطم حينئذ على الكتابة وحكم بين الأمراء وفصل بين العلماء، وأما الاستعجال في الجواب والكتابة بمجرد ما يخطر بباله ويظهر فيه بادئ الرأي مع الراحة والاتكال على الشهرة وعدم التضلع بذلك الفن وما يحتاج إليه فيه فإنه لا يليق ولهذا تجد الواحد ممن كان بهذه المثابة يكتب ويرجع ويتزلزل بأدنى زلزلة ويضطرب قوله في المسألة الواحدة مرات ويبحث معه أدنى الطلبة فيشككه وأكثر ما يحتج به الواحد منهم إذا صمم على قوله أن يقول الظاهر كذا أو كذا أو هذا الذي ظهر لي من غير اعتماد على مستند بيده أو حجة يظهرها كأنه الشيخ أبو الحسن الشاذلي إمام أرباب القلوب في زمانه الذي كان يسأل معتمدا على الإلهام الواقع في قلبه ذاك إلهامه صواب لا يخطئ وبعد موتات ماتها في الله،"
وهذا الكلام هو نفسه الكلام السابق فلا يوجد رد فيه
واستمر الكاتب في التقليل من شأن وعلم الجوجرى حيث قال:
"الوجه الثالث أن نقول لا شك أن المفتي حكمه حكم الطبيب ينظر في الواقعة ويذكر فيها ما يليق بها بحسب مقتضى الحال والشخص والزمان فالمفتي طبيب الأديان وذلك طبيب الأبدان وقد قال عمر بن عبد العزيز يحدث للناس أحكام بحسب ما أحدثوا من الفجور قال السبكي ليس مراده أن الأحكام الشرعية تتغير بتغير الزمان بل باختلاف الصور الحادثة فإنه قد يحصل بمجموع أمور حكم لا يحصل لكل واحد منها فإذا حدثت صورة على صفة خاصة علينا أن ننظر فيها فقد يكون مجموعها يقتضي الشرع له حكما خاصا هذا كلام السبكي قرره في كتاب ألفه في شأن رافضي حكم بقتله وسماه غيرة الإيمان الجلى لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وقال السبكي أيضا في فتاويه ما معناه يوجد في فتاوى المتقدمين من أصحابنا أشياء لا يمكن الحكم عليها بأنها المذهب في كل صورة لأنها وردت على وقائع فلعلهم رأوا أن تلك الوقائع يستحق أن يفتي بها بذلك ولا يلزم اطراد ذلك واستمراره وهذه الواقعة المسؤول عنها تتعلق برافضي وليته رافضي فقط بل زنديق جاهل من كبار الجهلة ولقد اجتمعت به مرة فرأيت منه العجب من إنكاره الاحتجاج بحديث رسول الله (ص)ورد أقواله الشريفة ويقول لعنه الله وفض فاه النبي واسطى ما قاله وهو في القرآن فصحيح وما قاله وليس في القرآن وذكر كلمة لا أستطيع ذكرها فرجعت من عنده ولم أجتمع به إلى الآن وألفت مؤلفا سميته مفتاح الجنة في الاعتصام بالسنة وكان من جملة أقواله في ذلك المجلس على عنده العلم والشجاعة وأبو بكر ليس عنده ذلك وإنما زوجه بابنته وأنفق عليه ماله فكافأه بالخلافة بعده فقلت له وردت الأحاديث بأن أبا بكر أعلم الصحابة وأشجعهم فقال هذه الأحاديث كذب ثم أعاد الآن الكلام في ذلك مع خاير بك وطلب منه الاستدلال على أفضلية أبي بكر بآية من القرآن لأنه لا يرى الحديث حجة فذكر له خاير بك هذه الآية ولم يقلها من عند نفسه بل رآها في بعض كتب الكلام فذكرها فكان لا يليق بالجوجري في مثل هذه الواقعة أن يفتي بأن الآية ليست خاصة بأبي بكر ولا دالة على أفضليته فيؤيد مقالة الرافضي ويثبته على معتقده الخبيث ويدحض حجة قررها أئمة كل فرد منهم أعلم بالتفسير والكلام وأصول الفقه من مائة ألف من مثل الجوجري والله لو كان هذا القول في الآية هو المرجوح لكان اللائق في مثل هذه الواقعة أن يفتي به فكيف وهو الراجح والذي أفتى به الجوجري قول مرجوح، هذه الوجوه الثلاثة الجدلية"
المسألة إذا ليس فيها رد ولا اعتبار للعلم فهم الكاتب هو ألا ينصر الجوجرى او غيره شيعى بإجابته حتى ولو كانت صحيحة وهو كلام يؤخذ على الكاتب بأنه لا يسعى لرضا الله وإنما يسعى لنصر مذهب معين باخفاء علم
وأخيرا نقل الكاتب من كتب المتقدمين التالى:
"وأما الوجه الذي يرد به عليه من جهة التحقيق فأقول قال البغوي في معالم التنزيل يريد بالأتقى الذي يؤتى ماله يتزكى يطلب أن يكون عند الله زكيا لا رياء ولا سمعة يعني أبا بكر الصديق في قول الجميع وقال ابن الخازن في تفسيره الأتقى هنا أبو بكر الصديق في قول جميع المفسرين وقال الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره أجمع المفسرون هنا على أن المراد بالأتقى أبو بكر وذهبت الشيعة إلى أن المراد به علي فانظر إلى نقل هؤلاء الأئمة الثلاثة إجماع المفسرين على أن المراد بالأتقى أبو بكر لا كل تقى، وقال الأصبهاني في تفسيره خص الصلى بالأشقى والتجنب بالأتقى وقد علم أن كل شقي يصلاها وكل تقي يجنبها لا يختص بالصلى أشقى الأشقياء ولا بالنجاة أتقى الأتقياء لأن الآية واردة في الموازنة بين حالتي عظيم من المشركين وعظيم من المؤمنين فأريد أن يبالغ في صفتيهما المتناقضتين فقيل الأشقى وجعل مختصا بال صلى كأن النار لم تخلق إلا له وقيل الأتقى وجعل مختصا بالنجاة كأن الجنة لم تخلق إلا له. انتهى، وهذا صريح في أن المراد بالأتقى أتقى الأتقياء على الاطلاق لا مطلق التقى وأتقى الأتقياء على الإطلاق بعد النبيين أبو بكر الصديق ، وقال النسفي في تفسيره الأتقى الأكمل تقوى وهو صفة أبي بكر الصديق وقال ودل على فضله على جميع الأمة قال تعالى (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) انتهى. وقال القرطبي في تفسيره قال ابن عباس الأتقى أبو بكر الصديق وقال بعض أهل المعاني أراد بالأشقى والأتقى الشقي والتقي كقول طرفة:
تمنى رجال أن أموت وإن أمت * فتلك سبيل لست فيها بأوحد
أي واحد ووحيد فوضع أفعل موضع فعيل انتهى. وهذا الذي نقله عن بعض أهل المعاني هو الذي أفتى به الجوجري عادلا عن قول جميع المفسرين إلى قول بعض أهل النحو قال ابن الصلاح حيث رأيت في كتب التفسير قال أهل المعاني فالمراد به مصنفو الكتب في معاني القرآن كالزجاج والفراء والأخفش وابن الأنباري انتهى. وكذا نقل ابن جرير في تفسيره هذه المقالة عن بعض أهل العربية ثم قال والصحيح الذي جاءت به الآثار عن أهل التأويل أنها في أبي بكر بعتقه من أعتق من المماليك ابتغاء وجه الله فأنت ترى هذه النقول تنادي على أن الذي أفتى به الجوجري مقالة في الآية لبعض النحويين مشى عليها بعض المصنفين في التفسير وأن الذي وردت به الآثار وقاله المفسرون من السلف وصححه الخلف اختصاصها بأبي بكر ابقاء للصيغة على بابها هذا بيان رجحان ذلك من حيث التفسير وأما من حيث أصول الفقه والعربية فأقول قول الجوجري إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فرع أن يكون في اللفظ عموم حتى يكون العبرة به والآية لا عموم فيها أصلا ورأسا بل هي نص في الخصوص وبيان ذلك من وجهين: أحدهما أن العموم إنما يستفاد في مثل هذه الصيغة من أل الموصولة والتعريفية وليست أل هذه موصولة قطعا لأن الأتقى أفعل تفضيل وأل الموصولة لا توصل بأفعل التفضيل بإجماع النحاة وإنما توصل باسم الفاعل والمفعول وفي الصفة المشبهة خلاف وأما أفعل التفضيل فلا توصل به بلا خلاف وأما التعريفية فإنما تفيد العموم إذا دخلت على الجمع فإن دخلت على مفرد لم تفده كما اختار الإمام فخر الدين ومن قال إنها تفيده فيه قيده بأن لا يكون هناك عهد فإن كان لم تفده قطعا هذا هو المقرر في علم الأصول والأتقى مفرد لا جمع
والعهد فيه موجود فلا عموم فيه قطعا فعلم بذلك أنه لا عموم في الأتقى فتأمل فإنه نفيس فتح الله به علي تأييدا للجناب الصديقي، الوجه الثاني أن الأتقى أفعل تفضيل وأفعل التفضيل لا عموم فيه بل وضعه للخصوص فإنه لتفرد الموصوف بالصفة وأنه لا مساوى له فيها كما تقول زيد أفضل الناس أو الأفضل فإنها صيغة خصوص قطعا عقلا ونقلا ولا يجوز أن تتناول غيره أبدا فبان بذلك أنه لا عموم في الأتقى وإلى ذلك يشير تقرير الاصبهاني حيث قال فإن قلت كيف قال لا يصلاها إلا الأشقى وسيجنبها الأتقى وقد علم أن كل شقي يصلاها وكل تقي يجنبها لا يختص بالصلى أشقى الأشقياء ولا بالنجاة أتقى الأتقياء وإن زعمت أنه نكر النار فأراد نارا بعينها مخصوصة بالأشقى فما تصنع بقوله وسيجنبها الأتقى فقد علم أن أفسق المسلمين يجنب تلك النار المخصوصة لا الأتقى منهم خاصة قلت الآية واردة في الموازنة بين حالتي عظيم من المشركين وعظيم من المؤمنين فأريد أن يبالغ في صفتهما المتناقضتين فقيل الأشقي وجعل مختصا بالصلى كأن النار لم تخلق إلا له وقيل الأتقى وجعل مختصا بالنجاة كأن الجنة لم تخلق إلا له هذه عبارة وهي صريحة في إرادة الخصوص أخذا من صيغة أفعل التفضيل ومن جنح من أهل العربية إلى أنها للعموم احتاج إلى تأويل الأتقى بالتقى ليخرج عن التفضيل وهذا مجاز قطعا والمجاز خلاف الأصل ولا يصار إليه إلا بدليل ولا دليل يساعده بل الدليل يعارضه وهو الأحاديث الواردة في سبب النزول وإجماع المفسرين كما نقله من تقدم فثبت بهذا كله أن الكلام على حقيقته للتفضيل وأن اللام للعهد وأنه لا عموم فيه أصلا فإن قلت: لم يؤخذ العموم من لفظ الأتقى بل من لفظ الذي يؤتى فإن الذي من صيغ العموم قلت: هذه غفلة منك وجهل بالعربية فإن الذي وصف للأتقى وقد تبين أن الأتقى خاص فيجب أن تكون صفته كذلك لما تقرر في العربية أن الوصف لا يكون أعم من الموصوف بل مساويا له أو أخص منه فاشدد بهذا الكلام يديك وعض عليه بناجذيك على أن في قوله (وما لأحد عنده من نعمة تجزى) وقوله (ولسوف يرضى) ما يشير إلى التنصيص على التخصيص وقد قرر الإمام فخر الدين اختصاص الآية بأبي بكر والاستدلال بها على أفضليته بطريق آخر فقال أجمع المفسرون منا على أن المراد بالأتقى أبو بكر وذهب الشيعة إلى أن المراد به علي والدلالة النقلية ترد ذلك وتؤيد الأول وبيان ذلك أن المراد من هذا الأتقى أفضل الخلق لقوله تعالى (إن أكرمكم عند الله أتقيكم) والأكرم هو الأفضل فالأتقى المذكور هنا هو أفضل الخلق عند الله والأمة مجمعة على أن أفضل الخلق بعد رسول الله (ص)إما أبو بكر وإما علي ولا يمكن حمل الآية على علي فتعين حملها على أبي بكر وإنما لم يكن حملها على علي لأنه قال عقيب صفة هذا الأتقى وما لأحد عنده من نعمة تجزي وهذا والوصف لا يصدق على علي لأنه كان في تربية النبي (ص)لأنه أخذه من أبيه فكان يطعمه ويسقيه ويكسوه ويربيه فكان الرسول (ص)منعما عليه نعمة يجب جزاؤها أما أبو بكر فلم يكن للنبي (ص)عليه نعمة دنيوية بل أبو بكر كان ينفق على الرسول وإنما كان للرسول عليه نعمة الهداية والإرشاد إلى الدين وهذه النعمة ولا تجزي لقوله تعالى (لا أسألكم عليه أجرا) والمذكور هنا ليس مطلق النعمة بل نعمة تجزي فعلم أن هذه الآية لا تصلح لعلي وإذا ثبت أن المراد بهذه الآية من كان أفضل الخلق وثبت أن ذلك الأفضل من الآية إما أبو بكر وإما علي وثبت أن الآية غير صالحة لعلي تعين حملها على أبي بكر وثبت دلالة الآية أيضا على أن أبا بكر أفضل الأمة انتهى كلام الإمام."
وكل ما ذكره الكاتب لا يوجد فيه دليل واحد على اختصاص أبو بكر بالآية و‘نما هى آية عامة ليس فيها اسم أحد
وأما مسألة من هو الأفضل أبو بكر أو على أم غيرهم فمسألة لا يعلمها نبى ولا غيره وإنما الله وحده من يعلمها لقوله سبحانه:
" هو أعلم بمن اتقى"
والأفضلية لكى تكون موجودة لابد من نص إلهى يذكر فيه الاسم صريحا وهو ما لا وجود له في أبو بكر أو على او غيرهم
بل إن الرسل (ص) لم يذكر فيه نص صريح يقول أن فلان افضل من فلان وعلان والعقيدة هى :
" لا نفرق بين أحد من رسله"