رضا البطاوى
عضو فعال
- المشاركات
- 2,709
- الإقامة
- مصر
نقد كتاب أحكام اللمس في الطهارة
مؤلف الكتاب هو عبد الله بن معتق السهلي من المعاصرين وموضوع الكتاب كما قال :
"الله لم يخلق الخلق عبثا بل خلقهم لتحقيق أسمى الغايات وهي العبادة ولا يتحقق ذلك إلا بالتفقه في الدين ألا وإن من الأمور التي ينبغي للمرء معرفتها وفقهها أحكام اللمس ما تنتقض به الطهارة فلا تصح معه العبادة وما لا تنتقض به"
واستهل الكتاب بتعريف اللمس من كتب اللغة وهو كلام منقول لا يفيد فى الأحكام بشىء ثم ثنى ذلك بتعريف اللمس عن الفقهاء فقال :
"تعريف اللمس في اصطلاح الفقهاء:
هو: قوة منبثقة في جميع البدن تدرك بها الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، ونحو ذلك عند التماس الاتصال به
وقيل هو: إلصاق الجارحة بالشيء وهو عرف باليد؛ لأنها آلته الغالبة،ويستعمل كناية عن الجماع وقيل هو: أن يلمس الرجل بشرة المرأة والمرأة بشرة الرجل بلا حائل بينهما وقيل: حقيقة اللمس ملاقاة البشرتين وكما هو واضح من هذه التعاريف كلها تدل على أن المراد من اللمس ملاقاة البشرتين"
ومما سبق يتبين أن اللمس هو تلاقى جلد فرد بجلد فرد أخر
ثم ذكر السهلى الفرق بين اللمس والمس فقال:
"ذكرت بعض الفروق بين اللمس والمس ومن ذلك:
أن مطلق التقاء الجسمين يسمى مسا، فإن كان بالجسد سمي مباشرة، وإن كان باليد سمي مسا، وإن كان بالفم على وجه مخصوص سمي قبلة
أن المس كاللمس لكن اللمس قد يقال لطلب شيء وإن لم يوجد والمس يقال فيما يكون معه إدراك بحاسة اللمس
أن اللمس لصوق بإحساس، والمس أقل تمكنا من الإصابة وهو أقل درجاتها
أنه يكنى بالمس عن النكاح والجنون، ويقال في كل ما ينال الإنسان من أذى مس، ولا اختصاص له باليد لأنه لصوق فقط، وهذا بخلاف اللمس فإنه يكون باليد
أن اللمس أخص من المس إذ لا يطلق إلا على مس لطلب معنى من حرارة مثلا
أن المس لا يكون إلا بباطن الكف، واللمس يكون بأي جزء من البدن
أن المس يكون من شخص واحد بخلاف اللمس فإنه لا يكون إلا بين اثنين
أن المس يختص بالفرج بخلاف اللمس فلا يختص به"
الفروق التى ذكر السهلى فروق بها تناقضات فكما قال"المراد من اللمس ملاقاة البشرتين"وهو ما يعنى تلامس أى أجزاء من الجسدين وهو ما يناقض قوله أنه باليد فقط فى قوله "وهذا بخلاف اللمس فإنه يكون باليد"
وكذلك قوله فى المس " أن مطلق التقاء الجسمين يسمى مسا"فالمس يكون بأى جزء من الجسمين وهو ما يناقض كونه مس الفرج فقط فى قوله "أن المس يختص بالفرج"
والحقيقة أن لا يوجد فرق بينهما إلا نادرا إذا أضيف شىء لهما
ثم تحدث عن معنى اللمس القرآنى فقال :
"مفهوم اللمس في القرآن الكريم:
ورد ذكر اللمس والمس في عدة آيات من القرآن الكريم:
- قول الله تعالى: {أو لامستم النساء …}
- قول الله تعالى: {ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم}
- قول الله تعالى: {قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا }
- قول الله تعالى: {وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا}
واللمس في القرآن الكريم ليس مقصورا على معنى واحد أو مفهوم واحد فإنه يكنى به عن النكاح حيث يقال مسها وماسها ومن ذلك قوله تعالى: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن} والمسيس كناية عن النكاح
ويكنى به عن المس بالجنون قال تعالى: {الذي يتخبطه الشيطان من المس}
والمس يقال في كل ما ينال من أذى كقوله تعالى: {وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة} وكقوله تعالى: {مستهم البأساء والضراء}
وكقوله تعالى: {ذوقوا مس سقر}
ويكنى باللمس عن الجس باليد كقوله تعالى: {ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم}
ويكنى باللمس عن الطلب كقوله تعالى: {وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا}
ويطلق اللمس والمس على المباشرة في الفرج ومنه قوله تعالى: {ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد} "
ما سبق لا علاقة له باللمس السدى عدا اول آية والآية الأخيرة ليس فيها ذكر للمس ولا للمس وقد تناول الآية الأولى فقال :
"أما قوله تعالى: {أو لامستم النساء} وقريء: {أو لمستم النساء} فاختلف المفسرون والأئمة في معنى ذلك على قولين:
أحدهما: أن ذلك كناية عن الجماع
الثاني: أن المراد بذلك: كل لمس بيد كان أو بغيرها من أعضاء الإنسان
قال ابن جرير: "وأولى القولين بالصواب قول من قال عنى الله بقوله: {أو لامستم النساء} الجماع دون غيره من معاني اللمس لصحة الخبر عن رسول الله (ص): "أنه قبل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ"
وفسره بذلك حبر الأمة ابن عباس الذي علمه الله تأويل كتابه واستجاب فيه دعوة رسوله (ص) وتفسيره أولى من تفسير غيره لتلك المزية وبناء على هذا الاختلاف في مفهوم اللمس اختلف الفقهاء في أثر هذا اللمس هل ينتقض به الوضوء أو لا؟ "
وتفسير اللمس بالجماع فى الجملة هو مخالف للآية فالآية أقول أن نتيجة اللمس الوضوء بالماء أو التيمم بالتراب وفى هذا قال تعالى " وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم"
بينما نتيجة الجماع الغسل كما قال تعالى" وإن كنتم جنبا فاطهروا"
ثم ذكر الروايات فى الموضوع فقال :
"مفهوم اللمس في السنة:
ورد ذكر اللمس في عدة أحاديث من ذلك:
-حديث أبي سعيد الخدري أن رسول (ص) نهى عن المنابذة: وهي طرح الرجل ثوبه إلى رجل قبل أن يقلبه أو ينظر إليه؛ ونهى عن الملامسة والملامسة لمس الثوب لا ينظر إليه قال ابن الأثير: "هو أن يقول: إذا لمست ثوبي أو لمست ثوبك فقد وجب البيع"
الملامسة هنا لا علاقة لها بالملامسة الجسدية وإنما ملامسة الأثواب
وقال"-حديث ابن عباس قال: لما أتى ماعز بن مالك النبي (ص) قال له: "لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت؟ "
-ما جاء عن عائشة في حديث البيعة أنها قالت: "ولا والله ما مست يده امرأة قط في المبايعة ما يبايعهن إلا بقوله قد بايعتك على ذلك"
ويظهر من هذه الأحاديث أن اللمس الوارد فيها هو اللمس باليد وهو ليس مقصورا على ذلك"
وكلام الرجل خاطىء عن كون اللمس باليد فملامسة الأثواب ليست ملامسة الجلد للجلد والرواية الثانية ليس فيها لمس باليد وإنما لمس بالفم وهو القبلة ثم قال :
"بل ورد اللمس بمعنى البحث والتحري ومنه:
-حديث عائشة قالت: "فقدت رسول الله (ص) ليلة من الفراش فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان"
-حديث ابن عباس في شأن ليلة القدر: أن النبي (ص) قال: "التمسوها في العشر الأواخر من رمضان"
والرواية الولى تتعلق باللمس الجسدى والثانية لا علاقة لها به
المبحث الأول: في لمس الفرج
1-في لمس الرجل فرجه:
اتفق الفقهاء على أن من لمس فرجه بغير يده من أعضائه أنه لا ينتقض وضوءه واختلفوا فيمن مس فرجه بيده على قولين:
القول الأول: أن من لمس ذكره انتقض وضوءه، وهو مروي عن عمر ابن الخطاب، وسعد بن أبي وقاص، وأبي هريرة، وابن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأبي أيوب الأنصاري، وزيد بن ثابت، وجابر بن عبد الله، وعائشة، وأم حبيبة، وبسرة بنت صفوان، وبه قال مكحول، وسعيد بن المسيب، وعطاء، ومجاهد، وعروة، وسليمان بن يسار، والزهري، ويحيى بن أبي كثير، والشعبي، وأبو العالية، والأوزاعي، والليث وهو المشهور من مذهب الإمام مالك والشافعي إذا كان اللمس بباطن الكف، وأحمد في المذهب، وداود وابن حزم
القول الثاني: أن من لمس ذكره لا ينتقض وضوءه، وهو مروي عن علي، وابن مسعود، وعمار بن ياسر، وابن عباس، وحذيفة، وعمران بن حصين، وأبيالدرداء، وهو قول سعيد بن جبير، وطاووس والنخعي، والحسن بن حيي، وشريك، وابن المبارك، ويحيى بن معين، والحسن البصري، وقتادة، والثوري وإليه ذهب أبو حنيفة، ومالك في قول، وأحمد في رواية، واختاره ابن المنذر، وابن تيمية
الأدلة:
استدل أصحاب القول الأول بالأدلة التالية:
-حديث بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله (ص) يقول: "من مس ذكره فليتوضأ"
-حديث أم حبيبة عن النبي (ص) أنه قال: "من مس فرجه فليتوضأ"
-حديث أبي هريرة أن النبي (ص) قال: "إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره ليس بينهما شيء فليتوضأ وضوءه للصلاة"
-ولأنه لمس يفضي إلى خروج المذي فأشبه مس الفرج بالفرج
-أن الذكر يختلف عن سائر الجسد لأنه تتعلق به أحكام ينفرد بها من وجوب الغسل بإيلاجه والحد والمهر وغير ذلك
وقد اعترض على هذه الأدلة بما يأتي:
حديث بسرة اعترض عليه بعدة اعتراضات أهمها:
-رواه عنها مروان بن الحكم وهو كان يحدث في زمانه مناكير ولذلك لم يقبل عروة منه
-أن ربيعه شيخ مالك قال: "ويحكم مثل هذا يأخذ به أحد ويعمل بحديث بسرة؟ والله لو أن بسرة شهدت على هذا النعل لما أجزت شهادتها، وإنما قوام الدين الصلاة، وإنما قوام الصلاة الطهور، فلم يكن في صحابة رسول الله (ص) من يقيم هذا الدين إلا بسرة"
-قال ابن معين: لم يصح في مس الذكر حديث
-رواية ابن وهب عن مالك أن الوضوء من مس الذكر سنة فكيف يصح عنده هذا الحديث ثم يستجيز هذا القول؟
-أن الرجل أولى بنقله من بسرة
-أنه مما تعم به البلوى فينبغي أن ينقل مستفيضا ولما لم يكن كذلك دل على ضعفه
-إنكار كبار الصحابة لحكمه كعلي وابن مسعود وغيرهما كما تقدم في القول الثاني
-أنه مخالف لإجماع الصحابة
-لو سلم بصحته يحمل على غسل اليد لأنهم كانوا يستجمرون ثم يعرقون ثم يؤمر من مس موضع الحدث بالوضوء الذي هو النظافة
-أنه معارض بحديث طلق، والقياس على سائر الأعضاء
وقد أجيب على هذه الاعتراضات بما يأتي:
-أن مروان كان عدلا ولذلك كانت الصحابة تأتم به وتغشى طعامه وما فعل شيئا إلا عن اجتهاد، وإنكار عروة لعدم اطلاعه
-أن عدم استقلال المرأة في الشهادة لا يدل على عدم قبول روايتها وإلا لما قبلت رواية كثير من الصحابيات
قال الشافعي: "والذي يعيب علينا الرواية عن بسرة يروي عن عائشة بنت عجرد وأم خداش وعدة من النساء لسن بمعروفات ويحتج بروايتهن ويضعف بسرة مع سابقتها وقديم هجرتها وصحبتها النبي (ص) وقد حدثت بهذا في دار المهاجرين والأنصار وهم متوافرون ولم يدفعه
منهم أحد بل علمنا بعضهم صار إليه منهم عروة بن الزبير"
- إذا لم يصح الحديث عند ابن معين فقد صح عند غيره فقد صححه الجماهير من الأئمة الحفاظ واحتج به الأوزاعي والشافعي وأحمد وهم أعلام الحديث والفقه فلو كان باطلا لم يحتجوا به، لكنه مع هذا لم يثبت عند ابن معين كما قال الحافظ ابن حجر وابن الجوزي
-أن مالكا لم يطعن في الصحة وإنما تردد في دلالة اللفظ هل هي للوجوب أم للندب؟
-أن بسرة لم تنفرد بروايته بل رواه نحو خمسة عشر من الرجال والنساء فإن في الباب عن أم حبيبة وأبي هريرة وأروى بنت أنس وعائشة وجابر وزيد بن خالد وعبد الله بن عمرو وسعد بن أبي وقاص وأم سلمة وابن عباس وابن عمر والنعمان بن بشير وأنس وأبي بن كعب ومعاوية بن حيدة وقبيصة رضي الله عنه
-أن الخبر نقل مستفيضا
-أن الحديث لم يثبت عندهم أو لم يبلغهم، وقد بلغهم حديث طلق ولم يبلغهم ما ينسخه ولو بلغهم لقالوا به ولا يجب على الصحابي أن يطلع على سائر الأحاديث
-أنه لم ينعقد في هذه المسألة إجماع وإلا لما ساغ الخلاف فيها ومن أراد الاطلاع على معرفة قدر اختلاف الصحابة فيها فليراجع المصادر التي ذكرتها عند عرض الأقوال في أول المسألة
-أن حديث طلق الذي استدل به أصحاب القول الثاني لا يصح والقياس الذي ذكروه في قبالة النص فيكون فاسدا
-أن الألفاظ الشرعية الأصل فيها أن تحمل على الحقيقة إلا إذا ورد دليل يصرفها عنها ولم يرد بل ورد هنا ما يخالفه كما تقدم في حديث أبي هريرة أن النبي (ص) قال: "إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره - ليس بينهما شيء - فليتوضأ وضوءه للصلاة"
قال البيهقي وغيره: "ويكفي في ترجيح حديث بسرة على حديث طلق أن حديث طلق لم يحتج الشيخان بأحد من رواته، وحديث بسرة قد احتجا بسائر رواة حديثها، وهذا وجه رجحان حديثها على حديث طلق من طريق الإسناد؛ لأن الرجحان إنما يقع بوجود شرائط الصحة والعدالة في حق هؤلاء الرواة دون من خالفهم"
واستدل أصحاب القول الثاني بالأدلة الآتية:
-حديث قيس بن طلق، عن أبيه قال: "قدمنا على نبي الله (ص) فجاء رجل كأنه بدوي فقال: يا نبي الله، ما ترى في مس الرجل ذكره بعدما يتوضأ؟ فقال: "هل هو إلا مضغة منه؟ أو قال: بضعة منه"
-ما روى جعفر بن الزبير عن القاسم، عن أبي أمامه أن رجلا سأل النبي (ص) فقال: إني مسست ذكري وأنا أصلي، فقال: "لا بأس إنما هو حذية منك"
-إجماع أهل العلم على أن لا وضوء على من مس بولا أو غائطا أو دما فمس الذكر أولى أن لا يوجب وضوءا
وقد اعترض على هذه الأدلة بما يأتي:
-أن حديث طلق ضعيف باتفاق المحدثين وقد بين البيهقي وجوها من ضعفه
-أنه منسوخ بحديث بسرة لأن أبا هريرة قد رواه وهو متأخر الإسلام ووفادة طلق على النبي (ص) كانت في السنة الأولى من الهجرة ورسول الله (ص) يبني مسجده وقدوم أبي هريرة وإسلامه كان في السنة السابعة من الهجرة
-أنه محمول على المس من فوق حائل لأنه قال: سألته عن مس الذكر في الصلاة، والظاهر أن الإنسان لا يمس ذكره في الصلاة بدون حائل
-أن حديث بسرة أكثر رواة من حديث طلق كما تقدم
-أن حديث بسرة فيه احتياط للعبادة
-أن حديث جعفر بن الزبير حديث ضعيف كما تقدم في تخريجه
-أن القياس الذي ذكروه قياس في مقابل النص فيكون فاسدا
وقد أجيب عن هذه الاعتراضات بما يلي:
-القول بأن حديث طلق حديث ضعيف باتفاق المحدثين غير مسلم فقد صححه كما سبق في تخريجه الطحاوي، وابن حبان، وابن حزم وغيرهم
-دعوى النسخ لا تقبل إذ ليس في حديث بسرة ما يدل على النسخ
-أن كثرة الرواة لا أثر لها في باب الترجيحات لأن طريق كل واحد منهما غلبه الظن فصار كشهادة شاهدين مع شهادة أربعة
الراجح:
أطال أهل العلم النقاش حول هذه المسألة وأكثروا الاحتجاج لها وذهب كل فريق يرجح حديثه الذي احتج به بمرجحات ومبررات وقد اختار شيخ الإسلام ابن تيمية الجمع بين الأدلة فحمل الأمر بالوضوء من مس الذكر على الاستحباب وأخذ به الشيخ محمد ابن عثيمين - رحمه الله - للقرينة الصارفة في حديث طلق السابق ذكره وهي: "وهل هو إلا بضعة منك" وليس فيه نسخ، وحمل الأمر على الاستحباب أولى من النسخ
وأما دعوى أن حديث طلق منسوخ لأنه قدم على النبي (ص) وهو يبني المسجد أول الهجرة، ولم يعد إليه بعد، فهذا غير مسلم لما يأتي:
-أنه لا يصار إلى النسخ إلا إذا تعذر الجمع، والجمع هنا ممكن ومن أوجه الجمع:
أ-حمل حديث بسرة وما شابهه على ما كان لشهوة، وحديث طلق على ما إذا كان لغير شهوة
ب-أن يكون الأمر في حديث بسرة للاستحباب، وحديث طلق السؤال فيه للوجوب، فهو سأل عن الواجب "أعليه" وكلمة "على" ظاهرة في الوجوب
-أن في حديث طلق علة لا يمكن أن تزول، وإذا ربط الحكم بعلة لا يمكن أن تزول، فإن الحكم لا يمكن أن يزول لأن الحكم يدور مع علته، والعلة قوله: "إنماهو بضعة منك" ولا يمكن في يوم من الأيام أن يكون ذكر الإنسان ليس بضعة منه، فلا يمكن النسخ
-أن أهل العلم قالوا: إن التاريخ لا يعلم بتقدم إسلام الراوي أو تقدم أخذه، لجواز أن يكون الراوي حدث به عن غيره
وخلاصة القول في المسألة كما ذكر الشيخ محمد العثيمين: "أن الإنسان إذا مس ذكره استحب له الوضوء مطلقا سواء مس بشهوة أو بغير شهوة وإذا مسه لشهوة فالقول بالوجوب قوي جدا وهو الأحوط" والله تعالى أعلم"
كل هذه المناقشات العقيمة بسبب الروايات المتناقضة ولو أنهم قرئوا قوله تعالى "أو لا مستم النساء" لعلموا أن اللمس الناقض هو تلامس النوعين أى لمس الرجل للمرأة وليس لمس الرجل لنفسه
ثم قال :
2- في لمس الرجل فرج غيره
بينت في المطلب السابق حكم انتقاض وضوء الإنسان بمس ذكره وفي هذا المطلب أذكر حكم مس الإنسان لذكر غيره والكلام في هذه المسألة مبني على الكلام في مسألة من مس ذكره فذهب الفقهاء القائلون بنقض الوضوء من مس الإنسان ذكره إلى أنه لا فرق بين مس الإنسان ذكره وذكر غيره وذهب داود وابن حزم إلى أن من مس ذكر غيره لا ينتقض وضوءه
استدل أصحاب القول الأول بالأدلة الآتية:
-حديث بسرة فقد ورد في بعض ألفاظه أن النبي (ص) قال: "من مس الذكر فليتوضأ"
وجه الدلالة: أن الحديث على عمومه يدخل تحت عمومه ذكره وذكر غيره
-أن مس ذكر غيره معصية، وأدعى إلى الشهوة، وخروج الخارج، وحاجة الإنسان تدعو إلى مس ذكر نفسه، فإذا انتقض بمس ذكر نفسه فمس ذكر غيره أولى وهذا تنبيه يقدم على الدليل
-ولأن من مس فرج غيره أغلظ من مس فرجه لما يتعلق به من هتك حرمة الغير فكان بالنقض أحق
واستدل أصحاب القول الثاني بالآتي:
أنه لا نص فيه، والأخبار إنما وردت في ذكر نفسه، فيقتصر عليه واعترض على هذا الاستدلال:
أن ادعاء أنه لا نص فيه غير صحيح فقد ورد في بعض ألفاظ حديث بسرة كما سبق قوله (ص): "من مس الذكر فليتوضأ"
والراجح في المسألة:
هو كما تقدم في المسألة السابقة أن الإنسان إذا مس ذكره استحب له الوضوء مطلقا سواء مس بشهوة أو بغير شهوة، وإذا مس بشهوة فالقول بالوجوب قوي جدا وهو الأحوط فإذا كان هذا في مس ذكره ففي مس ذكر غيره من باب أولى، والله تعالى أعلم"
نفس الكلام اللمس الناقض هو لمس الرجل المرأة لقوله تعالى "أو لامستم النساء" فليس بنا حاجة للروايات المتناقضة
3-لمس المرأة فرجها:
اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أن لمس المرأة فرجها ينتقض به الوضوء، وهو قول مالك في المشهور عنه، والشافعي إذا كان المس بباطن الكف، وأحمد في الصحيح من المذاهب
القول الثاني: أن لمس المرأة فرجها لا ينقض الوضوء، وهو قول أبي حنيفة ومالك في رواية، وأحمد في رواية الأدلة:
-حديث أم حبيبة أنها سمعت رسول الله (ص) يقول: "من مس فرجه فليتوضأ"
وجه الدلالة: أن الفرج هنا اسم جنس فيدخل فيه قبل المرأة لأن الفرج في اللغة الفرج بين الشيئين ويطلق على القبل والدبر من الرجل والمرأة وكثر استعماله في العرف في القبل، فعلى هذا ينتقض وضوء المرأة بلمسها فرجها
-حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عن النبي (ص) قال: "أيما رجل مس فرجه فليتوضأ، وأيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ"
-حديث عائشة أن النبي (ص) قال: "ويل للذين يمسون ذكورهم ويصلون ولا يتوضئون" قالت عائشة: "فهذا للرجال فما بال النساء قال (ص) "إذا مست إحداكن فرجها توضأت "
ولأن المرأة آدمي مس فرجه فانتقض وضوءه كالرجل
واستدل أصحاب القول الثاني بما يأتي:
-أن الأصل عدم ورود دليل يدل على النقض
-أن الحديث المشهور في مس الذكر وليس مس المرأة فرجها في معناه
-أن مس الفرج لا يدعو إلى خروج خارج فلا ينقض الوضوء
-أنه عضو منها فأشبه لمسه لمس سائر بدنها
وقد أجابوا عن حديث أم حبيبة بأن فيه انقطاعا، وحديث عمرو بن شعيب قالوا: إن الإمام أحمد سئل عنه فقال: ليس بذاك وقد أجاب أصحاب القول الأول عن ذلك بأن حديث أم حبيبة حديث صحيح كما سبق تخريجه، وأن حديث عمرو بن شعيب حسن الإسناد صحيح المتن بما قبله كما سبق تخريجه
والراجح في المسألة: أن المرأة إذا مست فرجها استحب لها الوضوء مطلقا سواء مست بشهوة أم بغير شهوة، وإذا مست بشهوة فالقول بالوجوب قوي جدا وهو الأحوط"
قوله تعالى "أو لا مستم النساء" حدد اللمس الناقض بتلامس النوعين أى لمس الرجل للمرأة وليس لمس المرأة لنفسها
وتعرض فى الفصل الثانى إلى لمس غير الفرج من العورة فقال :
"في لمس الدبر
تقدم في المبحث الأول الكلام على حكم لمس الفرج ولما كان الدبر يدخل في مسمى الفرج فقد يتبادر إلى الذهن أنه يأخذ حكم القبل وحيث إن الدبر يختلف في بعض الصفات عن القبل كالشهوة وخروج المذي والمني فهل يأخذ حكم القبل أو لا؟
اختلف العلماء في لمس الدبر على قولين:
القول الأول: أن الوضوء لا ينتقض بلمس الدبر وهو مروي عن قتادة وسفيان الثوري وهو قول أبي حنيفة، ومالك، والشافعي في القديم وأحمد في رواية، وداود
القول الثاني: أن الوضوء ينتقض بلمس الدبر وهو مروي عن عطاء والزهري، والأوزاعي، والشافعي في الجديد وهو الصحيح، وأحمد في الصحيح من المذهب، وإسحاق
الأدلة:
استدل أصحاب القول الأول بالأدلة الآتية:
-حديث بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله (ص) يقول: " من مس ذكره فليتوضأ"
وجه الدلالة: أنه خص الذكر بالحكم وهذا ليس في معناه لأنه لا يقصد مسه
-أن مس القبل إذا كان على سبيل الشهوة يفضي إلى خروج المذي وغيره فأقيم مسه مقام خروج الخارج بخلاف الدبر
-أنه لا يلتذ بمسه كالقبل فأشبه سائر الأعضاء
واستدل أصحاب القول الثاني بالأدلة الآتية:
-حديث أم حبيبة أنها سمعت رسول الله (ص) يقول: "من مس فرجه فليتوضأ"
وجه الدلالة: أن اسم الفرج يطلق على القبل والدبر جميعا
-أنه أحد سبيلي الحدث فوجب أن يكون مسه حدثا كالقبل
واعترض على هذين الدليلين بما يأتي:
-حديث أم حبيبة اعترض عليه بأن بعض الأحاديث أطلق فيها الفرج وبعضها صرح فيها بالذكر فتحمل الأحاديث التي جاءت بلفظ الفرج أنه يراد به الذكر الذي صرح به في بعض الأحاديث ويحمل الفرج الذي أمرت المرأة بالوضوء إذا هي مسته على ما يقابل ذكر الرجل وهو القبل منها
-دليلهم الثاني اعترض عليه بوجود الفارق بين القبل والدبر حيث إن الدبر ليس محلا للشهوة بخلاف القبل فإن الشهوة تثور بلمسه غالبا ومن أجل هذا أمر بالوضوء من مسه، أما الدبر فهو كأي جزء آخر من البدن لا تثور الشهوة بمسه فلا يلزم من مسه الوضوء
الراجح:
هو القول بعدم انتقاض الوضوء بمس الدبر لأن الأحاديث التي جاء فيها ذكر الفرج مطلقا تحمل على الفرج المصرح به في حديث بسرة ولأن القبل يختلف عن الدبر في كثير من الأحكام وهو المراد في كثير من النصوص كقول تعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم} خطاب للرجال بحفظ فروجهم من الزنا والمراد الذكر وقوله تعالى: {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن} خطاب للنساء بحفظ فروجهن من الزنا والمراد القبل، وقوله تعالى: {والذين هم لفروجهم حافظون} بيان لحال المؤمنين الذين حصنوا فروجهم من الزنا، والمراد الرجال بدلالة قوله تعالى بعد ذلك: {إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين} فعلى هذا فإن المراد بالفرج في النصوص هو القبل الذي هو محل الشهوة دون الدبر، والله أعلم"
نلاحظ هنا ان القوم يقولون الكلام ما ليس فيه فيجعلون الذكر دال على القبل والدبر معا ونلاحظ أن قوله تعالى "أو لا مستم النساء" حدد اللمس الناقض بتلامس النوعين أى لمس الرجل للمرأة وليس لمس المرأة لنفسها أو الرجل لنفسه فى أى منطقة
وقال الرجل :
"2-في لمس الأنثيين والألية والعانة
عامة أهل العلم يرون أن الوضوء لا ينتقض بلمس الأنثيين والألية والعانة وروى عن عروة أن الوضوء ينتقض بلمسها، وقال الزهري: "أحب إلي أن يتوضأ"، وقال عكرمة: "من مس ما بين الفرجين فليتوضأ"
استدل عامة أهل العلم بما يأتي:
-أنه لا نص في هذا ولا هو في معنى المنصوص عليه فلا يثبت الحكم فيه
-ولأنها مواضع من البدن لا لذة في مسها فأشبهت سائر الأعضاء
واستدل من رأى انتقاض الوضوء بلمسها:
بما روي عن بسرة بنت صفوان قالت: سمعت رسول الله (ص) يقول "من مس ذكره أو أنثييه أو رفغيه فليتوضأ"
وقد اعترض على هذا بأنه من قول عروة غير مرفوع، كذلك رواه الثقات، عن هشام منهم: أيوب السختياني، وحماد بن زيد وغيرهما وكلا الطريقين صحيح
وقال البيهقي: "القياس أن لا وضوء في المس، وإنما اتبعنا السنة في إيجابه بمس الفرج فلا يجب بغيره"
وقال النووي: "وهذا حديث باطل موضوع إنما هو من كلام عروة كذا قاله أهل الحديث والأصل أن لا نقض إلا بدليل"
بل نقل ابن هبيرة الإجماع على عدم النقض فقال: "وأجمعوا على أنه لا وضوء على من مس أنثييه سواء كان من وراء حائل أو من غير وراء حائل"وعلى هذا فيكون الراجح هو قول عامة العلماء أن الوضوء لا ينتقض بلمس الأنثيين والألية والعانة"
نفس ما قيل فى السابقين يقال هنا طبقا لقوله تعالى "أو لا مستم النساء" الذى حدد اللمس الناقض بتلامس النوعين أى لمس الرجل للمرأة وليس لمس المرأة لنفسها فى أماكن أخرى أو الرجل لنفسه فى أماكن أخرى ثم قال :
"3-في لمس فرج البهيمة
جمهور العلماء على أن لمس فرج البهيمة لا ينقض الوضوء وذهب الليث إلى أن لمس فرج البهيمة ينقض الوضوء، وفرق عطاء بين لمس البهيمة مأكولة اللحم وغير مأكولة اللحم فقال بالوضوء من مس مأكولة اللحم ولم يقل بالوضوء من لمس غير مأكولة اللحم
الأدلة:
استدل أصحاب القول الأول بما يأتي:
-أن لمس فرج البهيمة ليس بمنصوص على النقض به، ولا هو في معنى المنصوص عليه
-أنه لا حرمة لها ولا تعبد عليها أي لا حرمة لها في وجوب ستر فرجها وتحريم النظر إليه ولا تعبد عليها أي أن الخارج من فرجها لا ينقض طهرا ولا يوجب وضوءا
-أنه لمس لا لذة فيه فأشبه لمس الجماد
واستدل للقول الثاني بما يأتي:
قياس لمس فرج البهيمة على لمس فرج الآدمي واعترض على هذا الدليل:
أن نقض الوضوء بلمس فرج الآدمي قد ورد فيه نص بخلاف لمس فرج البهيمة
والراجح قول جمهور العلماء، لأن لمس فرج البهيمة مما لم يرد النص على النقض به وقياسه على فرج الآدمي قياس مردود"
المسألة هنا مختلفة فلمس فرج البهيمة يعتمد على التالى :
إن كان عند لمسه يوجد بقايا بول أو بقايا خرء فالوضوء ينتقض لكونه غائط
إن كان الفرج جافا لا يوجد به بقايا أيا من النوعين فلا ينتقض الوضوء
بقيت كلمة فى اللمس وهى :
اللمس النفسى والمراد لمس الرجل لجسده وهو غرجه ولمس المرأة لفرجها لا ينقض الوضوء إلا فى حالة واحدة وهى اللمس بقصد الشهوة أى نصب القضيب أو اللعب فى المهبل استعدادا للجماع أو الاستمناء
اللمس هرشا بسبب مرض أو عرق أو غيره أو اللمس لعدل العضو فى الملابس أو اللمس لدعك منطقة الوجع او القرص أو اللدغ أو اللمس لوضع مرهم أو اللمس لوضع حقنة أو بسبب أخر ليس الشهوة مباح
اللمس الناقض للوضوء يكون بين البالغين سن النكاح وأما لمس الأطفال حتى وإن اختلف النوع لا ينقض الوضوء لكون الأطفال لا يدخلون تحت مسمى رجل أو امرأة وهى مفرد النساء
مؤلف الكتاب هو عبد الله بن معتق السهلي من المعاصرين وموضوع الكتاب كما قال :
"الله لم يخلق الخلق عبثا بل خلقهم لتحقيق أسمى الغايات وهي العبادة ولا يتحقق ذلك إلا بالتفقه في الدين ألا وإن من الأمور التي ينبغي للمرء معرفتها وفقهها أحكام اللمس ما تنتقض به الطهارة فلا تصح معه العبادة وما لا تنتقض به"
واستهل الكتاب بتعريف اللمس من كتب اللغة وهو كلام منقول لا يفيد فى الأحكام بشىء ثم ثنى ذلك بتعريف اللمس عن الفقهاء فقال :
"تعريف اللمس في اصطلاح الفقهاء:
هو: قوة منبثقة في جميع البدن تدرك بها الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، ونحو ذلك عند التماس الاتصال به
وقيل هو: إلصاق الجارحة بالشيء وهو عرف باليد؛ لأنها آلته الغالبة،ويستعمل كناية عن الجماع وقيل هو: أن يلمس الرجل بشرة المرأة والمرأة بشرة الرجل بلا حائل بينهما وقيل: حقيقة اللمس ملاقاة البشرتين وكما هو واضح من هذه التعاريف كلها تدل على أن المراد من اللمس ملاقاة البشرتين"
ومما سبق يتبين أن اللمس هو تلاقى جلد فرد بجلد فرد أخر
ثم ذكر السهلى الفرق بين اللمس والمس فقال:
"ذكرت بعض الفروق بين اللمس والمس ومن ذلك:
أن مطلق التقاء الجسمين يسمى مسا، فإن كان بالجسد سمي مباشرة، وإن كان باليد سمي مسا، وإن كان بالفم على وجه مخصوص سمي قبلة
أن المس كاللمس لكن اللمس قد يقال لطلب شيء وإن لم يوجد والمس يقال فيما يكون معه إدراك بحاسة اللمس
أن اللمس لصوق بإحساس، والمس أقل تمكنا من الإصابة وهو أقل درجاتها
أنه يكنى بالمس عن النكاح والجنون، ويقال في كل ما ينال الإنسان من أذى مس، ولا اختصاص له باليد لأنه لصوق فقط، وهذا بخلاف اللمس فإنه يكون باليد
أن اللمس أخص من المس إذ لا يطلق إلا على مس لطلب معنى من حرارة مثلا
أن المس لا يكون إلا بباطن الكف، واللمس يكون بأي جزء من البدن
أن المس يكون من شخص واحد بخلاف اللمس فإنه لا يكون إلا بين اثنين
أن المس يختص بالفرج بخلاف اللمس فلا يختص به"
الفروق التى ذكر السهلى فروق بها تناقضات فكما قال"المراد من اللمس ملاقاة البشرتين"وهو ما يعنى تلامس أى أجزاء من الجسدين وهو ما يناقض قوله أنه باليد فقط فى قوله "وهذا بخلاف اللمس فإنه يكون باليد"
وكذلك قوله فى المس " أن مطلق التقاء الجسمين يسمى مسا"فالمس يكون بأى جزء من الجسمين وهو ما يناقض كونه مس الفرج فقط فى قوله "أن المس يختص بالفرج"
والحقيقة أن لا يوجد فرق بينهما إلا نادرا إذا أضيف شىء لهما
ثم تحدث عن معنى اللمس القرآنى فقال :
"مفهوم اللمس في القرآن الكريم:
ورد ذكر اللمس والمس في عدة آيات من القرآن الكريم:
- قول الله تعالى: {أو لامستم النساء …}
- قول الله تعالى: {ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم}
- قول الله تعالى: {قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا }
- قول الله تعالى: {وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا}
واللمس في القرآن الكريم ليس مقصورا على معنى واحد أو مفهوم واحد فإنه يكنى به عن النكاح حيث يقال مسها وماسها ومن ذلك قوله تعالى: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن} والمسيس كناية عن النكاح
ويكنى به عن المس بالجنون قال تعالى: {الذي يتخبطه الشيطان من المس}
والمس يقال في كل ما ينال من أذى كقوله تعالى: {وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة} وكقوله تعالى: {مستهم البأساء والضراء}
وكقوله تعالى: {ذوقوا مس سقر}
ويكنى باللمس عن الجس باليد كقوله تعالى: {ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم}
ويكنى باللمس عن الطلب كقوله تعالى: {وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا}
ويطلق اللمس والمس على المباشرة في الفرج ومنه قوله تعالى: {ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد} "
ما سبق لا علاقة له باللمس السدى عدا اول آية والآية الأخيرة ليس فيها ذكر للمس ولا للمس وقد تناول الآية الأولى فقال :
"أما قوله تعالى: {أو لامستم النساء} وقريء: {أو لمستم النساء} فاختلف المفسرون والأئمة في معنى ذلك على قولين:
أحدهما: أن ذلك كناية عن الجماع
الثاني: أن المراد بذلك: كل لمس بيد كان أو بغيرها من أعضاء الإنسان
قال ابن جرير: "وأولى القولين بالصواب قول من قال عنى الله بقوله: {أو لامستم النساء} الجماع دون غيره من معاني اللمس لصحة الخبر عن رسول الله (ص): "أنه قبل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ"
وفسره بذلك حبر الأمة ابن عباس الذي علمه الله تأويل كتابه واستجاب فيه دعوة رسوله (ص) وتفسيره أولى من تفسير غيره لتلك المزية وبناء على هذا الاختلاف في مفهوم اللمس اختلف الفقهاء في أثر هذا اللمس هل ينتقض به الوضوء أو لا؟ "
وتفسير اللمس بالجماع فى الجملة هو مخالف للآية فالآية أقول أن نتيجة اللمس الوضوء بالماء أو التيمم بالتراب وفى هذا قال تعالى " وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم"
بينما نتيجة الجماع الغسل كما قال تعالى" وإن كنتم جنبا فاطهروا"
ثم ذكر الروايات فى الموضوع فقال :
"مفهوم اللمس في السنة:
ورد ذكر اللمس في عدة أحاديث من ذلك:
-حديث أبي سعيد الخدري أن رسول (ص) نهى عن المنابذة: وهي طرح الرجل ثوبه إلى رجل قبل أن يقلبه أو ينظر إليه؛ ونهى عن الملامسة والملامسة لمس الثوب لا ينظر إليه قال ابن الأثير: "هو أن يقول: إذا لمست ثوبي أو لمست ثوبك فقد وجب البيع"
الملامسة هنا لا علاقة لها بالملامسة الجسدية وإنما ملامسة الأثواب
وقال"-حديث ابن عباس قال: لما أتى ماعز بن مالك النبي (ص) قال له: "لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت؟ "
-ما جاء عن عائشة في حديث البيعة أنها قالت: "ولا والله ما مست يده امرأة قط في المبايعة ما يبايعهن إلا بقوله قد بايعتك على ذلك"
ويظهر من هذه الأحاديث أن اللمس الوارد فيها هو اللمس باليد وهو ليس مقصورا على ذلك"
وكلام الرجل خاطىء عن كون اللمس باليد فملامسة الأثواب ليست ملامسة الجلد للجلد والرواية الثانية ليس فيها لمس باليد وإنما لمس بالفم وهو القبلة ثم قال :
"بل ورد اللمس بمعنى البحث والتحري ومنه:
-حديث عائشة قالت: "فقدت رسول الله (ص) ليلة من الفراش فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان"
-حديث ابن عباس في شأن ليلة القدر: أن النبي (ص) قال: "التمسوها في العشر الأواخر من رمضان"
والرواية الولى تتعلق باللمس الجسدى والثانية لا علاقة لها به
المبحث الأول: في لمس الفرج
1-في لمس الرجل فرجه:
اتفق الفقهاء على أن من لمس فرجه بغير يده من أعضائه أنه لا ينتقض وضوءه واختلفوا فيمن مس فرجه بيده على قولين:
القول الأول: أن من لمس ذكره انتقض وضوءه، وهو مروي عن عمر ابن الخطاب، وسعد بن أبي وقاص، وأبي هريرة، وابن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأبي أيوب الأنصاري، وزيد بن ثابت، وجابر بن عبد الله، وعائشة، وأم حبيبة، وبسرة بنت صفوان، وبه قال مكحول، وسعيد بن المسيب، وعطاء، ومجاهد، وعروة، وسليمان بن يسار، والزهري، ويحيى بن أبي كثير، والشعبي، وأبو العالية، والأوزاعي، والليث وهو المشهور من مذهب الإمام مالك والشافعي إذا كان اللمس بباطن الكف، وأحمد في المذهب، وداود وابن حزم
القول الثاني: أن من لمس ذكره لا ينتقض وضوءه، وهو مروي عن علي، وابن مسعود، وعمار بن ياسر، وابن عباس، وحذيفة، وعمران بن حصين، وأبيالدرداء، وهو قول سعيد بن جبير، وطاووس والنخعي، والحسن بن حيي، وشريك، وابن المبارك، ويحيى بن معين، والحسن البصري، وقتادة، والثوري وإليه ذهب أبو حنيفة، ومالك في قول، وأحمد في رواية، واختاره ابن المنذر، وابن تيمية
الأدلة:
استدل أصحاب القول الأول بالأدلة التالية:
-حديث بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله (ص) يقول: "من مس ذكره فليتوضأ"
-حديث أم حبيبة عن النبي (ص) أنه قال: "من مس فرجه فليتوضأ"
-حديث أبي هريرة أن النبي (ص) قال: "إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره ليس بينهما شيء فليتوضأ وضوءه للصلاة"
-ولأنه لمس يفضي إلى خروج المذي فأشبه مس الفرج بالفرج
-أن الذكر يختلف عن سائر الجسد لأنه تتعلق به أحكام ينفرد بها من وجوب الغسل بإيلاجه والحد والمهر وغير ذلك
وقد اعترض على هذه الأدلة بما يأتي:
حديث بسرة اعترض عليه بعدة اعتراضات أهمها:
-رواه عنها مروان بن الحكم وهو كان يحدث في زمانه مناكير ولذلك لم يقبل عروة منه
-أن ربيعه شيخ مالك قال: "ويحكم مثل هذا يأخذ به أحد ويعمل بحديث بسرة؟ والله لو أن بسرة شهدت على هذا النعل لما أجزت شهادتها، وإنما قوام الدين الصلاة، وإنما قوام الصلاة الطهور، فلم يكن في صحابة رسول الله (ص) من يقيم هذا الدين إلا بسرة"
-قال ابن معين: لم يصح في مس الذكر حديث
-رواية ابن وهب عن مالك أن الوضوء من مس الذكر سنة فكيف يصح عنده هذا الحديث ثم يستجيز هذا القول؟
-أن الرجل أولى بنقله من بسرة
-أنه مما تعم به البلوى فينبغي أن ينقل مستفيضا ولما لم يكن كذلك دل على ضعفه
-إنكار كبار الصحابة لحكمه كعلي وابن مسعود وغيرهما كما تقدم في القول الثاني
-أنه مخالف لإجماع الصحابة
-لو سلم بصحته يحمل على غسل اليد لأنهم كانوا يستجمرون ثم يعرقون ثم يؤمر من مس موضع الحدث بالوضوء الذي هو النظافة
-أنه معارض بحديث طلق، والقياس على سائر الأعضاء
وقد أجيب على هذه الاعتراضات بما يأتي:
-أن مروان كان عدلا ولذلك كانت الصحابة تأتم به وتغشى طعامه وما فعل شيئا إلا عن اجتهاد، وإنكار عروة لعدم اطلاعه
-أن عدم استقلال المرأة في الشهادة لا يدل على عدم قبول روايتها وإلا لما قبلت رواية كثير من الصحابيات
قال الشافعي: "والذي يعيب علينا الرواية عن بسرة يروي عن عائشة بنت عجرد وأم خداش وعدة من النساء لسن بمعروفات ويحتج بروايتهن ويضعف بسرة مع سابقتها وقديم هجرتها وصحبتها النبي (ص) وقد حدثت بهذا في دار المهاجرين والأنصار وهم متوافرون ولم يدفعه
منهم أحد بل علمنا بعضهم صار إليه منهم عروة بن الزبير"
- إذا لم يصح الحديث عند ابن معين فقد صح عند غيره فقد صححه الجماهير من الأئمة الحفاظ واحتج به الأوزاعي والشافعي وأحمد وهم أعلام الحديث والفقه فلو كان باطلا لم يحتجوا به، لكنه مع هذا لم يثبت عند ابن معين كما قال الحافظ ابن حجر وابن الجوزي
-أن مالكا لم يطعن في الصحة وإنما تردد في دلالة اللفظ هل هي للوجوب أم للندب؟
-أن بسرة لم تنفرد بروايته بل رواه نحو خمسة عشر من الرجال والنساء فإن في الباب عن أم حبيبة وأبي هريرة وأروى بنت أنس وعائشة وجابر وزيد بن خالد وعبد الله بن عمرو وسعد بن أبي وقاص وأم سلمة وابن عباس وابن عمر والنعمان بن بشير وأنس وأبي بن كعب ومعاوية بن حيدة وقبيصة رضي الله عنه
-أن الخبر نقل مستفيضا
-أن الحديث لم يثبت عندهم أو لم يبلغهم، وقد بلغهم حديث طلق ولم يبلغهم ما ينسخه ولو بلغهم لقالوا به ولا يجب على الصحابي أن يطلع على سائر الأحاديث
-أنه لم ينعقد في هذه المسألة إجماع وإلا لما ساغ الخلاف فيها ومن أراد الاطلاع على معرفة قدر اختلاف الصحابة فيها فليراجع المصادر التي ذكرتها عند عرض الأقوال في أول المسألة
-أن حديث طلق الذي استدل به أصحاب القول الثاني لا يصح والقياس الذي ذكروه في قبالة النص فيكون فاسدا
-أن الألفاظ الشرعية الأصل فيها أن تحمل على الحقيقة إلا إذا ورد دليل يصرفها عنها ولم يرد بل ورد هنا ما يخالفه كما تقدم في حديث أبي هريرة أن النبي (ص) قال: "إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره - ليس بينهما شيء - فليتوضأ وضوءه للصلاة"
قال البيهقي وغيره: "ويكفي في ترجيح حديث بسرة على حديث طلق أن حديث طلق لم يحتج الشيخان بأحد من رواته، وحديث بسرة قد احتجا بسائر رواة حديثها، وهذا وجه رجحان حديثها على حديث طلق من طريق الإسناد؛ لأن الرجحان إنما يقع بوجود شرائط الصحة والعدالة في حق هؤلاء الرواة دون من خالفهم"
واستدل أصحاب القول الثاني بالأدلة الآتية:
-حديث قيس بن طلق، عن أبيه قال: "قدمنا على نبي الله (ص) فجاء رجل كأنه بدوي فقال: يا نبي الله، ما ترى في مس الرجل ذكره بعدما يتوضأ؟ فقال: "هل هو إلا مضغة منه؟ أو قال: بضعة منه"
-ما روى جعفر بن الزبير عن القاسم، عن أبي أمامه أن رجلا سأل النبي (ص) فقال: إني مسست ذكري وأنا أصلي، فقال: "لا بأس إنما هو حذية منك"
-إجماع أهل العلم على أن لا وضوء على من مس بولا أو غائطا أو دما فمس الذكر أولى أن لا يوجب وضوءا
وقد اعترض على هذه الأدلة بما يأتي:
-أن حديث طلق ضعيف باتفاق المحدثين وقد بين البيهقي وجوها من ضعفه
-أنه منسوخ بحديث بسرة لأن أبا هريرة قد رواه وهو متأخر الإسلام ووفادة طلق على النبي (ص) كانت في السنة الأولى من الهجرة ورسول الله (ص) يبني مسجده وقدوم أبي هريرة وإسلامه كان في السنة السابعة من الهجرة
-أنه محمول على المس من فوق حائل لأنه قال: سألته عن مس الذكر في الصلاة، والظاهر أن الإنسان لا يمس ذكره في الصلاة بدون حائل
-أن حديث بسرة أكثر رواة من حديث طلق كما تقدم
-أن حديث بسرة فيه احتياط للعبادة
-أن حديث جعفر بن الزبير حديث ضعيف كما تقدم في تخريجه
-أن القياس الذي ذكروه قياس في مقابل النص فيكون فاسدا
وقد أجيب عن هذه الاعتراضات بما يلي:
-القول بأن حديث طلق حديث ضعيف باتفاق المحدثين غير مسلم فقد صححه كما سبق في تخريجه الطحاوي، وابن حبان، وابن حزم وغيرهم
-دعوى النسخ لا تقبل إذ ليس في حديث بسرة ما يدل على النسخ
-أن كثرة الرواة لا أثر لها في باب الترجيحات لأن طريق كل واحد منهما غلبه الظن فصار كشهادة شاهدين مع شهادة أربعة
الراجح:
أطال أهل العلم النقاش حول هذه المسألة وأكثروا الاحتجاج لها وذهب كل فريق يرجح حديثه الذي احتج به بمرجحات ومبررات وقد اختار شيخ الإسلام ابن تيمية الجمع بين الأدلة فحمل الأمر بالوضوء من مس الذكر على الاستحباب وأخذ به الشيخ محمد ابن عثيمين - رحمه الله - للقرينة الصارفة في حديث طلق السابق ذكره وهي: "وهل هو إلا بضعة منك" وليس فيه نسخ، وحمل الأمر على الاستحباب أولى من النسخ
وأما دعوى أن حديث طلق منسوخ لأنه قدم على النبي (ص) وهو يبني المسجد أول الهجرة، ولم يعد إليه بعد، فهذا غير مسلم لما يأتي:
-أنه لا يصار إلى النسخ إلا إذا تعذر الجمع، والجمع هنا ممكن ومن أوجه الجمع:
أ-حمل حديث بسرة وما شابهه على ما كان لشهوة، وحديث طلق على ما إذا كان لغير شهوة
ب-أن يكون الأمر في حديث بسرة للاستحباب، وحديث طلق السؤال فيه للوجوب، فهو سأل عن الواجب "أعليه" وكلمة "على" ظاهرة في الوجوب
-أن في حديث طلق علة لا يمكن أن تزول، وإذا ربط الحكم بعلة لا يمكن أن تزول، فإن الحكم لا يمكن أن يزول لأن الحكم يدور مع علته، والعلة قوله: "إنماهو بضعة منك" ولا يمكن في يوم من الأيام أن يكون ذكر الإنسان ليس بضعة منه، فلا يمكن النسخ
-أن أهل العلم قالوا: إن التاريخ لا يعلم بتقدم إسلام الراوي أو تقدم أخذه، لجواز أن يكون الراوي حدث به عن غيره
وخلاصة القول في المسألة كما ذكر الشيخ محمد العثيمين: "أن الإنسان إذا مس ذكره استحب له الوضوء مطلقا سواء مس بشهوة أو بغير شهوة وإذا مسه لشهوة فالقول بالوجوب قوي جدا وهو الأحوط" والله تعالى أعلم"
كل هذه المناقشات العقيمة بسبب الروايات المتناقضة ولو أنهم قرئوا قوله تعالى "أو لا مستم النساء" لعلموا أن اللمس الناقض هو تلامس النوعين أى لمس الرجل للمرأة وليس لمس الرجل لنفسه
ثم قال :
2- في لمس الرجل فرج غيره
بينت في المطلب السابق حكم انتقاض وضوء الإنسان بمس ذكره وفي هذا المطلب أذكر حكم مس الإنسان لذكر غيره والكلام في هذه المسألة مبني على الكلام في مسألة من مس ذكره فذهب الفقهاء القائلون بنقض الوضوء من مس الإنسان ذكره إلى أنه لا فرق بين مس الإنسان ذكره وذكر غيره وذهب داود وابن حزم إلى أن من مس ذكر غيره لا ينتقض وضوءه
استدل أصحاب القول الأول بالأدلة الآتية:
-حديث بسرة فقد ورد في بعض ألفاظه أن النبي (ص) قال: "من مس الذكر فليتوضأ"
وجه الدلالة: أن الحديث على عمومه يدخل تحت عمومه ذكره وذكر غيره
-أن مس ذكر غيره معصية، وأدعى إلى الشهوة، وخروج الخارج، وحاجة الإنسان تدعو إلى مس ذكر نفسه، فإذا انتقض بمس ذكر نفسه فمس ذكر غيره أولى وهذا تنبيه يقدم على الدليل
-ولأن من مس فرج غيره أغلظ من مس فرجه لما يتعلق به من هتك حرمة الغير فكان بالنقض أحق
واستدل أصحاب القول الثاني بالآتي:
أنه لا نص فيه، والأخبار إنما وردت في ذكر نفسه، فيقتصر عليه واعترض على هذا الاستدلال:
أن ادعاء أنه لا نص فيه غير صحيح فقد ورد في بعض ألفاظ حديث بسرة كما سبق قوله (ص): "من مس الذكر فليتوضأ"
والراجح في المسألة:
هو كما تقدم في المسألة السابقة أن الإنسان إذا مس ذكره استحب له الوضوء مطلقا سواء مس بشهوة أو بغير شهوة، وإذا مس بشهوة فالقول بالوجوب قوي جدا وهو الأحوط فإذا كان هذا في مس ذكره ففي مس ذكر غيره من باب أولى، والله تعالى أعلم"
نفس الكلام اللمس الناقض هو لمس الرجل المرأة لقوله تعالى "أو لامستم النساء" فليس بنا حاجة للروايات المتناقضة
3-لمس المرأة فرجها:
اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أن لمس المرأة فرجها ينتقض به الوضوء، وهو قول مالك في المشهور عنه، والشافعي إذا كان المس بباطن الكف، وأحمد في الصحيح من المذاهب
القول الثاني: أن لمس المرأة فرجها لا ينقض الوضوء، وهو قول أبي حنيفة ومالك في رواية، وأحمد في رواية الأدلة:
-حديث أم حبيبة أنها سمعت رسول الله (ص) يقول: "من مس فرجه فليتوضأ"
وجه الدلالة: أن الفرج هنا اسم جنس فيدخل فيه قبل المرأة لأن الفرج في اللغة الفرج بين الشيئين ويطلق على القبل والدبر من الرجل والمرأة وكثر استعماله في العرف في القبل، فعلى هذا ينتقض وضوء المرأة بلمسها فرجها
-حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عن النبي (ص) قال: "أيما رجل مس فرجه فليتوضأ، وأيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ"
-حديث عائشة أن النبي (ص) قال: "ويل للذين يمسون ذكورهم ويصلون ولا يتوضئون" قالت عائشة: "فهذا للرجال فما بال النساء قال (ص) "إذا مست إحداكن فرجها توضأت "
ولأن المرأة آدمي مس فرجه فانتقض وضوءه كالرجل
واستدل أصحاب القول الثاني بما يأتي:
-أن الأصل عدم ورود دليل يدل على النقض
-أن الحديث المشهور في مس الذكر وليس مس المرأة فرجها في معناه
-أن مس الفرج لا يدعو إلى خروج خارج فلا ينقض الوضوء
-أنه عضو منها فأشبه لمسه لمس سائر بدنها
وقد أجابوا عن حديث أم حبيبة بأن فيه انقطاعا، وحديث عمرو بن شعيب قالوا: إن الإمام أحمد سئل عنه فقال: ليس بذاك وقد أجاب أصحاب القول الأول عن ذلك بأن حديث أم حبيبة حديث صحيح كما سبق تخريجه، وأن حديث عمرو بن شعيب حسن الإسناد صحيح المتن بما قبله كما سبق تخريجه
والراجح في المسألة: أن المرأة إذا مست فرجها استحب لها الوضوء مطلقا سواء مست بشهوة أم بغير شهوة، وإذا مست بشهوة فالقول بالوجوب قوي جدا وهو الأحوط"
قوله تعالى "أو لا مستم النساء" حدد اللمس الناقض بتلامس النوعين أى لمس الرجل للمرأة وليس لمس المرأة لنفسها
وتعرض فى الفصل الثانى إلى لمس غير الفرج من العورة فقال :
"في لمس الدبر
تقدم في المبحث الأول الكلام على حكم لمس الفرج ولما كان الدبر يدخل في مسمى الفرج فقد يتبادر إلى الذهن أنه يأخذ حكم القبل وحيث إن الدبر يختلف في بعض الصفات عن القبل كالشهوة وخروج المذي والمني فهل يأخذ حكم القبل أو لا؟
اختلف العلماء في لمس الدبر على قولين:
القول الأول: أن الوضوء لا ينتقض بلمس الدبر وهو مروي عن قتادة وسفيان الثوري وهو قول أبي حنيفة، ومالك، والشافعي في القديم وأحمد في رواية، وداود
القول الثاني: أن الوضوء ينتقض بلمس الدبر وهو مروي عن عطاء والزهري، والأوزاعي، والشافعي في الجديد وهو الصحيح، وأحمد في الصحيح من المذهب، وإسحاق
الأدلة:
استدل أصحاب القول الأول بالأدلة الآتية:
-حديث بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله (ص) يقول: " من مس ذكره فليتوضأ"
وجه الدلالة: أنه خص الذكر بالحكم وهذا ليس في معناه لأنه لا يقصد مسه
-أن مس القبل إذا كان على سبيل الشهوة يفضي إلى خروج المذي وغيره فأقيم مسه مقام خروج الخارج بخلاف الدبر
-أنه لا يلتذ بمسه كالقبل فأشبه سائر الأعضاء
واستدل أصحاب القول الثاني بالأدلة الآتية:
-حديث أم حبيبة أنها سمعت رسول الله (ص) يقول: "من مس فرجه فليتوضأ"
وجه الدلالة: أن اسم الفرج يطلق على القبل والدبر جميعا
-أنه أحد سبيلي الحدث فوجب أن يكون مسه حدثا كالقبل
واعترض على هذين الدليلين بما يأتي:
-حديث أم حبيبة اعترض عليه بأن بعض الأحاديث أطلق فيها الفرج وبعضها صرح فيها بالذكر فتحمل الأحاديث التي جاءت بلفظ الفرج أنه يراد به الذكر الذي صرح به في بعض الأحاديث ويحمل الفرج الذي أمرت المرأة بالوضوء إذا هي مسته على ما يقابل ذكر الرجل وهو القبل منها
-دليلهم الثاني اعترض عليه بوجود الفارق بين القبل والدبر حيث إن الدبر ليس محلا للشهوة بخلاف القبل فإن الشهوة تثور بلمسه غالبا ومن أجل هذا أمر بالوضوء من مسه، أما الدبر فهو كأي جزء آخر من البدن لا تثور الشهوة بمسه فلا يلزم من مسه الوضوء
الراجح:
هو القول بعدم انتقاض الوضوء بمس الدبر لأن الأحاديث التي جاء فيها ذكر الفرج مطلقا تحمل على الفرج المصرح به في حديث بسرة ولأن القبل يختلف عن الدبر في كثير من الأحكام وهو المراد في كثير من النصوص كقول تعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم} خطاب للرجال بحفظ فروجهم من الزنا والمراد الذكر وقوله تعالى: {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن} خطاب للنساء بحفظ فروجهن من الزنا والمراد القبل، وقوله تعالى: {والذين هم لفروجهم حافظون} بيان لحال المؤمنين الذين حصنوا فروجهم من الزنا، والمراد الرجال بدلالة قوله تعالى بعد ذلك: {إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين} فعلى هذا فإن المراد بالفرج في النصوص هو القبل الذي هو محل الشهوة دون الدبر، والله أعلم"
نلاحظ هنا ان القوم يقولون الكلام ما ليس فيه فيجعلون الذكر دال على القبل والدبر معا ونلاحظ أن قوله تعالى "أو لا مستم النساء" حدد اللمس الناقض بتلامس النوعين أى لمس الرجل للمرأة وليس لمس المرأة لنفسها أو الرجل لنفسه فى أى منطقة
وقال الرجل :
"2-في لمس الأنثيين والألية والعانة
عامة أهل العلم يرون أن الوضوء لا ينتقض بلمس الأنثيين والألية والعانة وروى عن عروة أن الوضوء ينتقض بلمسها، وقال الزهري: "أحب إلي أن يتوضأ"، وقال عكرمة: "من مس ما بين الفرجين فليتوضأ"
استدل عامة أهل العلم بما يأتي:
-أنه لا نص في هذا ولا هو في معنى المنصوص عليه فلا يثبت الحكم فيه
-ولأنها مواضع من البدن لا لذة في مسها فأشبهت سائر الأعضاء
واستدل من رأى انتقاض الوضوء بلمسها:
بما روي عن بسرة بنت صفوان قالت: سمعت رسول الله (ص) يقول "من مس ذكره أو أنثييه أو رفغيه فليتوضأ"
وقد اعترض على هذا بأنه من قول عروة غير مرفوع، كذلك رواه الثقات، عن هشام منهم: أيوب السختياني، وحماد بن زيد وغيرهما وكلا الطريقين صحيح
وقال البيهقي: "القياس أن لا وضوء في المس، وإنما اتبعنا السنة في إيجابه بمس الفرج فلا يجب بغيره"
وقال النووي: "وهذا حديث باطل موضوع إنما هو من كلام عروة كذا قاله أهل الحديث والأصل أن لا نقض إلا بدليل"
بل نقل ابن هبيرة الإجماع على عدم النقض فقال: "وأجمعوا على أنه لا وضوء على من مس أنثييه سواء كان من وراء حائل أو من غير وراء حائل"وعلى هذا فيكون الراجح هو قول عامة العلماء أن الوضوء لا ينتقض بلمس الأنثيين والألية والعانة"
نفس ما قيل فى السابقين يقال هنا طبقا لقوله تعالى "أو لا مستم النساء" الذى حدد اللمس الناقض بتلامس النوعين أى لمس الرجل للمرأة وليس لمس المرأة لنفسها فى أماكن أخرى أو الرجل لنفسه فى أماكن أخرى ثم قال :
"3-في لمس فرج البهيمة
جمهور العلماء على أن لمس فرج البهيمة لا ينقض الوضوء وذهب الليث إلى أن لمس فرج البهيمة ينقض الوضوء، وفرق عطاء بين لمس البهيمة مأكولة اللحم وغير مأكولة اللحم فقال بالوضوء من مس مأكولة اللحم ولم يقل بالوضوء من لمس غير مأكولة اللحم
الأدلة:
استدل أصحاب القول الأول بما يأتي:
-أن لمس فرج البهيمة ليس بمنصوص على النقض به، ولا هو في معنى المنصوص عليه
-أنه لا حرمة لها ولا تعبد عليها أي لا حرمة لها في وجوب ستر فرجها وتحريم النظر إليه ولا تعبد عليها أي أن الخارج من فرجها لا ينقض طهرا ولا يوجب وضوءا
-أنه لمس لا لذة فيه فأشبه لمس الجماد
واستدل للقول الثاني بما يأتي:
قياس لمس فرج البهيمة على لمس فرج الآدمي واعترض على هذا الدليل:
أن نقض الوضوء بلمس فرج الآدمي قد ورد فيه نص بخلاف لمس فرج البهيمة
والراجح قول جمهور العلماء، لأن لمس فرج البهيمة مما لم يرد النص على النقض به وقياسه على فرج الآدمي قياس مردود"
المسألة هنا مختلفة فلمس فرج البهيمة يعتمد على التالى :
إن كان عند لمسه يوجد بقايا بول أو بقايا خرء فالوضوء ينتقض لكونه غائط
إن كان الفرج جافا لا يوجد به بقايا أيا من النوعين فلا ينتقض الوضوء
بقيت كلمة فى اللمس وهى :
اللمس النفسى والمراد لمس الرجل لجسده وهو غرجه ولمس المرأة لفرجها لا ينقض الوضوء إلا فى حالة واحدة وهى اللمس بقصد الشهوة أى نصب القضيب أو اللعب فى المهبل استعدادا للجماع أو الاستمناء
اللمس هرشا بسبب مرض أو عرق أو غيره أو اللمس لعدل العضو فى الملابس أو اللمس لدعك منطقة الوجع او القرص أو اللدغ أو اللمس لوضع مرهم أو اللمس لوضع حقنة أو بسبب أخر ليس الشهوة مباح
اللمس الناقض للوضوء يكون بين البالغين سن النكاح وأما لمس الأطفال حتى وإن اختلف النوع لا ينقض الوضوء لكون الأطفال لا يدخلون تحت مسمى رجل أو امرأة وهى مفرد النساء