رضا البطاوى
عضو فعال
- المشاركات
- 2,709
- الإقامة
- مصر
نظرات في مقال عالم الجنون
صاحب المقال حيدر خالد وهو يدور حول الجنون وقد استهل بذكر قدم الجنون مع البشرية وأنهم حتى الآن لم يستطيعوا وضع تعريف محدد للجنون فقال:
"منذ أن وجد الإنسان على الأرض وجد معه الجنون في الحقيقة ما زال الكثير من علماء النفس وطب الأعصاب لا يستطيعون وضع تعريف حقيقي للجنون ما هو ما سببه وما هي صفات من يجب أن يدعى مجنون"
وقدم حيدر وجهة نظر طبيب نفسى عن كون الطب العقلى هو علم زائف بلا أساس فقال :
"يقول الدكتور توماس زاز أستاذ الطب العقلي في جامعة سيراكيوز نيويورك: " يعرف الطب العقلي عادة بوصفه اختصاصا طبيا يعنى بتشخيص الأمراض العقلية وعلاجها. أما أنا فأؤكد أن هذا التعريف الذي ما زال قائما ومقبولا يلحق الطب العقلي بمبحثي الكيمياء القديمة والتنجيم ويعينه بذلك علما زائفا. والسبب وراء ذلك واضح وجلي إذ لا وجود لما يسمى بـ " المرض العقلي "
هذه وجهة نظر لا تنفى وجود الجنون فالجنون على نوعين :
الأول الجنون وهو السفاهة الذى يطلق على مخالفى الناس في الدين ومنهم الرسل فقد تم اتهامهم جميعا بتلك التهمة كما قال تعالى :
"كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ"
الثانى الجنون وهو نفسه السفاهة بمعنى :
عدم القدرة على التصرف المالى الصحيح والتصرفات التى لا يختلف فيها البشر مثل تغطية العورة والتبول والتبرز في مكان خفى وليس أمام الناس كما قال تعالى :
"وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ"
وذكر الرجل أن الناس يظنون أن الجنون عقوبة أو ابتلاء كمن الله فقال :
"وللبشر تاريخ طويل في التعامل مع الجنون حيث عثر على العديد من الجماجم المثقوبة وذلك للسماح للشياطين بالخروج يعود تاريخها القرن الخامس قبل الميلاد.
فسر الجنون على مدى تاريخ الإنسان الطويل على انه عقوبة من الآلهة أو ابتلاء"
وذكر نصوصا من بعض الكتب المقدسة على ذلك فقال :
"ورد في التوراة في سفر التثنية (لقد كتب أن الله سوف يبتليك بالجنون) وقد وصف هوميروس ملك الفرس بالمجنون لأنه كان يحط من شأن الدين قائلا ((من يستطيع الحط من قدر الآلهة غير المجنون)).
وكذلك عزيت جميع اضطرابات السلوك والكلام إلى الشياطين والآلهة.
لدى الهندوسية شيطانه خاصة تدعى "غراي" ينسب إليها التسبب بالتشنجات الصرعية."
قطعا الجنون ليس عقابا وإنما ابتلاء وهو ليس ابتلاء للمجنون وإنما ابتلاء لمن حوله عائلته بالذات ومن يعيش بينهم كما قال تعالى :
" ونبلوكم بالشر والخير فتنة "
وتحدث عن ان البعض يجعلون سبب الجنون تلبس شياطين الجن حيث قال :
"كان الجنون ينسب الى تلبس الشياطين ..
كما سرد نص أشوري عوارض لمرض الصرع المسبب من قبل شيطان وجاء فيه ((إذا اتفق لحظة التلبس أن يكون المرء جالسا وتحركت عينه إلى الناحية الأخرى وتغظنت شفته وتدفق اللعاب من فمه واختلج الجانب الأيسر من جسده مثل نعجة مذبوحة فذلك هوالشيطان "ميغتو" وإذا كان عقل المرء الموسوس واعيا لحظة التلبس فمن الممكن طرد الشيطان من جسده. أما إذا لم يكن واعيا فمن المستحيل طرده))."
قطعا الجن لا يتلبسون البشر لأنهم لا يظهرون إطلاقا في عالم لأن سليمان(ص) طلب من الله ألا يعطى تلك المعجزات لحد بعد وفاته فقال :
" رب اغفر لى وهب لى ملكا لا ينبغى لأحد من بعدى "
وتحدث عن تلبس أخر من الملائكة فقال :
"وكذلك هناك جانب آخر في النظرة إلى الجنون وهو الجنون الناتج عن تلبس قوى خيرة حيث يسبب رؤى دينية وملائكية كما في حالات المجذوبين المعروفة لدينا وكذلك في بعض قصص القديسين."
قطعا تلبس الملائكة أمر محال لأنهم لا ينزلون ألرض كما قال تعالى :
"قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا "
وتحدث عن أن المجتمعات عندها قناعة بأن المجانين لهم مظهر معين فقال :
"افترض المجتمع صورة نمطية للجنون تتعلق بالمظهر وقد صورت بطريقة قياسية في النكت والقصص الشعبية على هيئة كائن غريب أشعث الشعر متسخ الملابس هائم على وجهه يستجدي الطعام."
وهذه الصورة يقال عنها نمطية ولكنها ليست صحيحة في كل الأحوال إلا في حالات تم ادخالها المصحات وتم تعذيبها بالكهرباء والطرق الأخرى ومن ثم كان الغرض من المصحات هو اظهار تلك الصورة النمطية للمجانين وحتى الأفلام والمسلسلات تظهر نفس الصورة
وتحدث عن أن المجتمعات تعتبر المجانين خطر عليها فقال :
"كما تعامل المجتمع مع المجانين على أنهم مرضى خطرين مهددين للحياة وللصحة حيث افترضوا أن الشياطين ممكن أن تصيب من يقترب منهم أو يلامسهم وبالتالي يجب احتجازهم ومنعهم من الاختلاط مع الأصحاء فرضت القوانين الرومانية على عائلة المجنون ضبط تصرفه أو حتى حبسه يقول أفلاطون (إذا كان المرء مجنونا فلا ينبغي أن يترك له الحبل على الغارب فيتجول في المدينة كيف يشاء بل يتوجب على عائلته أن تتعهده وتتحفظ عليه بشتى السبل).
وكذلك كانت العائلة في أوروبا العصور الوسطى مسئولة عن أبنائها المجانين أو البلهاء الذين غالبا ما كان يتم احتجازهم في الغرف الضيقة وعرضه للإهمال والقسوة.
ومع نهايات القرون الوسطى بدأت تظهر العديد من المصحات والدور المخصصة لرعاية المجانين بعضها كان يتقاضى أجرا ويدار لغرض الربح وأخرى كانت تدار من قبل أطباء وراهبات متطوعين. ومن هذه المستشفيات كانت المستشفى الأشهر في انجلترا والأسوأ سمعة وهي مستشفى بيثلام الملكي ( Bethlem Royal Hospital) أوكما دعيت لاحقا بمستشفى بيدلام.
تأسست المستشفى عام 1247 تحت اسم مستشفى سانت ماري وبعد حريق لندن عام 1666 تم إعادة بناء المستشفى وزيادة مساحته وتحت طراز معماري رفيع يذكر بالقصور الملكية الانكليزية تناوب على إدارة المستشفى العديد من الأطباء ويقال أن احدهم كان يعاني هو أيضا من الجنون وكعادة المؤسسات الحكومية في ذلك الوقت فقد عانت المستشفى من سوء الإدارة وشح النقود...
كانت أساليب العلاج في المستشفى عنيفة في الحقيقة كانت اقرب إلى التعذيب منها إلى العلاج حيث كان المرضى يغمرون في الماء المثلج على نحو مفاجئ في ما يسمى العلاج بالصدمة كما كان يتم تقييدهم بالسلاسل الحديدة لساعات طويلة قد تصل لأيام متواصلة وبوضعيات غير مريحة إضافة إلى إجلاس المريض على كرسي معلق بالسقف بحبال مشدودة ويتم إدارة الكرسي لمرات ومرات متتالية حتى يفقد المريض وعيه من شدة الدوار.
كان الفقراء والمعاقين يرمون في المستشفى احيانا .. لكن هل كان كل نزلاء بيدلام مجانين؟
.. كلا .. فالتشريعات كانت تفرض على الحكومة حجز المجانين المتجولين في الشوارع وهكذا فقد تم القبض على الكثير من الفقراء أو ممن يعانون من اختلالات بسيطة أو حتى تشوهات خلقية من الذين تم وصمهم بالجنون حسب الصورة الشائعة للمجنون وقتئذ إضافة إلى من اختاروا دخول المستشفى هربا من بطش الحكومة يروي لنا احد صحفي تلك الفترة المدعو نيد ورد اثر زيارته للمستشفى عن احد نزلائها يقول: ((لما تحدث مطولا وبحدة ضد حكومة جلالة الملك. قلت له: انه يستحق أن يؤخذ بتهمة الخيانة فيعدم فقال: لا انك امرؤ أحمق فنحن المجانين نمتلك حرية التعبير عما يعتمل في أنفسنا ... فيقول المرء منا ما يشاء دون أن يسأله احد فالحقيقة مضطهدة في خارج رواق هذا المكان وهي تزأر إليه بحثا عن ملاذ تكون فيه آمنة على نفسها كما يأمن الفاسق في الكنيسة أو المومس في دير الراهبات وأنا استطيع أن استغل هذا المكان كما أشاء وبصورة تتعدى ما تجرؤ أنت على فعله)).
لكن مهلا ما الذي كان يفعله صحفي في مستشفى للمجانين وما كانت زيارته هذه؟.
كانت المستشفى مكانا للترفيه عن الاغنياء والطبقات العليا! .. في الحقيقة عزيزي القارئ إنها كانت زيارة عادية لغرض الترفيه!!!! .. نعم لغرض الترفيه ففي محاولة من السلطات الانجليزية لتعريف المجتمع بمخاطر الموبقات وما تتسبب به من ضياع للعقل تم افتتاح المستشفى للعامة عام 1598 مع حرية التجول فيه حاله حال الكثير من معارض لندن آنذاك وكحديقة الحيوان حيث تدفع عند الباب مبلغ (10 شلن) لتدخل أنت وعائلتك إلى معرض المجانين هذا!! حيث تم عرض المجانين للعامة كما تعرض الحيوانات وكانت العائلات الانجليزية المتوسطة والارستقراطية تصطف في طوابير أيام الأحد وأعياد الفصح للتفرج على نزلاء المستشفى يصف لنا احد زوار المستشفى كيف أن سيدتين أنيقتين يبدو إنهن من الطبقات العليا تسمرتا ولساعات طويلة أمام مجنون يجلس على كرسي ويزعم انه ملك بريطانيا فمن تراه المجنون عزيزي القارئ؟!.
في عام 1770 تم تقليص الزيارات العامة للمستشفى واقتصرت الزيارات على الشخصيات العامة والذين يدفعون بشكل جيد. ويبدو أن الجنون لم ينتهي عند هذا الحد عزيزي القارئ فبسبب قلة الطعام في المستشفى راح المجانين يذرعون الطرق العامة ليتسولوا كانت القوانين في انجلترا تمنع التسول لكن تم استثناء نزلاء بيدلام وإلباسهم زي خاص بهم ليستطيعوا ممارسة التسول وكان كثير من فقراء لندن يلبسون ملابس النزلاء ويدعون الجنون ليتسولوا لخبز ... فيا له من عالم مجنون احتاج فيه الفقير إلى أن يدعي الجنون ليتحصل على كسرة خبز."
قطعا هذه نظرة المجتمعات الكافرة التى تعتبر المجانين خطر داهم بينما الخطر الداهم بالفعل هم المجرمون وفى الإسلام لا تقام مشافى للمجانين ولا مصحات لأن المجانين وهم غير أولى الإربة يعيشون في البيوت مع النساء الذين ذكرهم الله في قوله تعالى :
"وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ"
وأنهى حيدر حديثه بقولة لأحدهم فقال :
"في النهاية ألا يعتبر قول توماس تريون المعمداني الذي يقول :
((إن العالم عبارة عن مستشفى مجانين كبير حيث يقوم الناس الأكثر جنونا باحتجاز من هم اقل جنونا)) .. ألا يبدو قوله حقيقة؟!."
والحقيقة أن العبارة صحيحة بمعنى أن الناس الأكثر اجراما هم من يعذبون شعوبهم
صاحب المقال حيدر خالد وهو يدور حول الجنون وقد استهل بذكر قدم الجنون مع البشرية وأنهم حتى الآن لم يستطيعوا وضع تعريف محدد للجنون فقال:
"منذ أن وجد الإنسان على الأرض وجد معه الجنون في الحقيقة ما زال الكثير من علماء النفس وطب الأعصاب لا يستطيعون وضع تعريف حقيقي للجنون ما هو ما سببه وما هي صفات من يجب أن يدعى مجنون"
وقدم حيدر وجهة نظر طبيب نفسى عن كون الطب العقلى هو علم زائف بلا أساس فقال :
"يقول الدكتور توماس زاز أستاذ الطب العقلي في جامعة سيراكيوز نيويورك: " يعرف الطب العقلي عادة بوصفه اختصاصا طبيا يعنى بتشخيص الأمراض العقلية وعلاجها. أما أنا فأؤكد أن هذا التعريف الذي ما زال قائما ومقبولا يلحق الطب العقلي بمبحثي الكيمياء القديمة والتنجيم ويعينه بذلك علما زائفا. والسبب وراء ذلك واضح وجلي إذ لا وجود لما يسمى بـ " المرض العقلي "
هذه وجهة نظر لا تنفى وجود الجنون فالجنون على نوعين :
الأول الجنون وهو السفاهة الذى يطلق على مخالفى الناس في الدين ومنهم الرسل فقد تم اتهامهم جميعا بتلك التهمة كما قال تعالى :
"كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ"
الثانى الجنون وهو نفسه السفاهة بمعنى :
عدم القدرة على التصرف المالى الصحيح والتصرفات التى لا يختلف فيها البشر مثل تغطية العورة والتبول والتبرز في مكان خفى وليس أمام الناس كما قال تعالى :
"وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ"
وذكر الرجل أن الناس يظنون أن الجنون عقوبة أو ابتلاء كمن الله فقال :
"وللبشر تاريخ طويل في التعامل مع الجنون حيث عثر على العديد من الجماجم المثقوبة وذلك للسماح للشياطين بالخروج يعود تاريخها القرن الخامس قبل الميلاد.
فسر الجنون على مدى تاريخ الإنسان الطويل على انه عقوبة من الآلهة أو ابتلاء"
وذكر نصوصا من بعض الكتب المقدسة على ذلك فقال :
"ورد في التوراة في سفر التثنية (لقد كتب أن الله سوف يبتليك بالجنون) وقد وصف هوميروس ملك الفرس بالمجنون لأنه كان يحط من شأن الدين قائلا ((من يستطيع الحط من قدر الآلهة غير المجنون)).
وكذلك عزيت جميع اضطرابات السلوك والكلام إلى الشياطين والآلهة.
لدى الهندوسية شيطانه خاصة تدعى "غراي" ينسب إليها التسبب بالتشنجات الصرعية."
قطعا الجنون ليس عقابا وإنما ابتلاء وهو ليس ابتلاء للمجنون وإنما ابتلاء لمن حوله عائلته بالذات ومن يعيش بينهم كما قال تعالى :
" ونبلوكم بالشر والخير فتنة "
وتحدث عن ان البعض يجعلون سبب الجنون تلبس شياطين الجن حيث قال :
"كان الجنون ينسب الى تلبس الشياطين ..
كما سرد نص أشوري عوارض لمرض الصرع المسبب من قبل شيطان وجاء فيه ((إذا اتفق لحظة التلبس أن يكون المرء جالسا وتحركت عينه إلى الناحية الأخرى وتغظنت شفته وتدفق اللعاب من فمه واختلج الجانب الأيسر من جسده مثل نعجة مذبوحة فذلك هوالشيطان "ميغتو" وإذا كان عقل المرء الموسوس واعيا لحظة التلبس فمن الممكن طرد الشيطان من جسده. أما إذا لم يكن واعيا فمن المستحيل طرده))."
قطعا الجن لا يتلبسون البشر لأنهم لا يظهرون إطلاقا في عالم لأن سليمان(ص) طلب من الله ألا يعطى تلك المعجزات لحد بعد وفاته فقال :
" رب اغفر لى وهب لى ملكا لا ينبغى لأحد من بعدى "
وتحدث عن تلبس أخر من الملائكة فقال :
"وكذلك هناك جانب آخر في النظرة إلى الجنون وهو الجنون الناتج عن تلبس قوى خيرة حيث يسبب رؤى دينية وملائكية كما في حالات المجذوبين المعروفة لدينا وكذلك في بعض قصص القديسين."
قطعا تلبس الملائكة أمر محال لأنهم لا ينزلون ألرض كما قال تعالى :
"قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا "
وتحدث عن أن المجتمعات عندها قناعة بأن المجانين لهم مظهر معين فقال :
"افترض المجتمع صورة نمطية للجنون تتعلق بالمظهر وقد صورت بطريقة قياسية في النكت والقصص الشعبية على هيئة كائن غريب أشعث الشعر متسخ الملابس هائم على وجهه يستجدي الطعام."
وهذه الصورة يقال عنها نمطية ولكنها ليست صحيحة في كل الأحوال إلا في حالات تم ادخالها المصحات وتم تعذيبها بالكهرباء والطرق الأخرى ومن ثم كان الغرض من المصحات هو اظهار تلك الصورة النمطية للمجانين وحتى الأفلام والمسلسلات تظهر نفس الصورة
وتحدث عن أن المجتمعات تعتبر المجانين خطر عليها فقال :
"كما تعامل المجتمع مع المجانين على أنهم مرضى خطرين مهددين للحياة وللصحة حيث افترضوا أن الشياطين ممكن أن تصيب من يقترب منهم أو يلامسهم وبالتالي يجب احتجازهم ومنعهم من الاختلاط مع الأصحاء فرضت القوانين الرومانية على عائلة المجنون ضبط تصرفه أو حتى حبسه يقول أفلاطون (إذا كان المرء مجنونا فلا ينبغي أن يترك له الحبل على الغارب فيتجول في المدينة كيف يشاء بل يتوجب على عائلته أن تتعهده وتتحفظ عليه بشتى السبل).
وكذلك كانت العائلة في أوروبا العصور الوسطى مسئولة عن أبنائها المجانين أو البلهاء الذين غالبا ما كان يتم احتجازهم في الغرف الضيقة وعرضه للإهمال والقسوة.
ومع نهايات القرون الوسطى بدأت تظهر العديد من المصحات والدور المخصصة لرعاية المجانين بعضها كان يتقاضى أجرا ويدار لغرض الربح وأخرى كانت تدار من قبل أطباء وراهبات متطوعين. ومن هذه المستشفيات كانت المستشفى الأشهر في انجلترا والأسوأ سمعة وهي مستشفى بيثلام الملكي ( Bethlem Royal Hospital) أوكما دعيت لاحقا بمستشفى بيدلام.
تأسست المستشفى عام 1247 تحت اسم مستشفى سانت ماري وبعد حريق لندن عام 1666 تم إعادة بناء المستشفى وزيادة مساحته وتحت طراز معماري رفيع يذكر بالقصور الملكية الانكليزية تناوب على إدارة المستشفى العديد من الأطباء ويقال أن احدهم كان يعاني هو أيضا من الجنون وكعادة المؤسسات الحكومية في ذلك الوقت فقد عانت المستشفى من سوء الإدارة وشح النقود...
كانت أساليب العلاج في المستشفى عنيفة في الحقيقة كانت اقرب إلى التعذيب منها إلى العلاج حيث كان المرضى يغمرون في الماء المثلج على نحو مفاجئ في ما يسمى العلاج بالصدمة كما كان يتم تقييدهم بالسلاسل الحديدة لساعات طويلة قد تصل لأيام متواصلة وبوضعيات غير مريحة إضافة إلى إجلاس المريض على كرسي معلق بالسقف بحبال مشدودة ويتم إدارة الكرسي لمرات ومرات متتالية حتى يفقد المريض وعيه من شدة الدوار.
كان الفقراء والمعاقين يرمون في المستشفى احيانا .. لكن هل كان كل نزلاء بيدلام مجانين؟
.. كلا .. فالتشريعات كانت تفرض على الحكومة حجز المجانين المتجولين في الشوارع وهكذا فقد تم القبض على الكثير من الفقراء أو ممن يعانون من اختلالات بسيطة أو حتى تشوهات خلقية من الذين تم وصمهم بالجنون حسب الصورة الشائعة للمجنون وقتئذ إضافة إلى من اختاروا دخول المستشفى هربا من بطش الحكومة يروي لنا احد صحفي تلك الفترة المدعو نيد ورد اثر زيارته للمستشفى عن احد نزلائها يقول: ((لما تحدث مطولا وبحدة ضد حكومة جلالة الملك. قلت له: انه يستحق أن يؤخذ بتهمة الخيانة فيعدم فقال: لا انك امرؤ أحمق فنحن المجانين نمتلك حرية التعبير عما يعتمل في أنفسنا ... فيقول المرء منا ما يشاء دون أن يسأله احد فالحقيقة مضطهدة في خارج رواق هذا المكان وهي تزأر إليه بحثا عن ملاذ تكون فيه آمنة على نفسها كما يأمن الفاسق في الكنيسة أو المومس في دير الراهبات وأنا استطيع أن استغل هذا المكان كما أشاء وبصورة تتعدى ما تجرؤ أنت على فعله)).
لكن مهلا ما الذي كان يفعله صحفي في مستشفى للمجانين وما كانت زيارته هذه؟.
كانت المستشفى مكانا للترفيه عن الاغنياء والطبقات العليا! .. في الحقيقة عزيزي القارئ إنها كانت زيارة عادية لغرض الترفيه!!!! .. نعم لغرض الترفيه ففي محاولة من السلطات الانجليزية لتعريف المجتمع بمخاطر الموبقات وما تتسبب به من ضياع للعقل تم افتتاح المستشفى للعامة عام 1598 مع حرية التجول فيه حاله حال الكثير من معارض لندن آنذاك وكحديقة الحيوان حيث تدفع عند الباب مبلغ (10 شلن) لتدخل أنت وعائلتك إلى معرض المجانين هذا!! حيث تم عرض المجانين للعامة كما تعرض الحيوانات وكانت العائلات الانجليزية المتوسطة والارستقراطية تصطف في طوابير أيام الأحد وأعياد الفصح للتفرج على نزلاء المستشفى يصف لنا احد زوار المستشفى كيف أن سيدتين أنيقتين يبدو إنهن من الطبقات العليا تسمرتا ولساعات طويلة أمام مجنون يجلس على كرسي ويزعم انه ملك بريطانيا فمن تراه المجنون عزيزي القارئ؟!.
في عام 1770 تم تقليص الزيارات العامة للمستشفى واقتصرت الزيارات على الشخصيات العامة والذين يدفعون بشكل جيد. ويبدو أن الجنون لم ينتهي عند هذا الحد عزيزي القارئ فبسبب قلة الطعام في المستشفى راح المجانين يذرعون الطرق العامة ليتسولوا كانت القوانين في انجلترا تمنع التسول لكن تم استثناء نزلاء بيدلام وإلباسهم زي خاص بهم ليستطيعوا ممارسة التسول وكان كثير من فقراء لندن يلبسون ملابس النزلاء ويدعون الجنون ليتسولوا لخبز ... فيا له من عالم مجنون احتاج فيه الفقير إلى أن يدعي الجنون ليتحصل على كسرة خبز."
قطعا هذه نظرة المجتمعات الكافرة التى تعتبر المجانين خطر داهم بينما الخطر الداهم بالفعل هم المجرمون وفى الإسلام لا تقام مشافى للمجانين ولا مصحات لأن المجانين وهم غير أولى الإربة يعيشون في البيوت مع النساء الذين ذكرهم الله في قوله تعالى :
"وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ"
وأنهى حيدر حديثه بقولة لأحدهم فقال :
"في النهاية ألا يعتبر قول توماس تريون المعمداني الذي يقول :
((إن العالم عبارة عن مستشفى مجانين كبير حيث يقوم الناس الأكثر جنونا باحتجاز من هم اقل جنونا)) .. ألا يبدو قوله حقيقة؟!."
والحقيقة أن العبارة صحيحة بمعنى أن الناس الأكثر اجراما هم من يعذبون شعوبهم