رضا البطاوى
عضو فعال
- المشاركات
- 2,709
- الإقامة
- مصر
نظرات في كتاب حكم التجسيم والمجسمة في المذاهب الأربعة
المؤلف عبد الفتاح بن صالح قديش اليافعي وهو يدور حول نفى أن الله جسم وهو ما أجمع عليه الناس إلا بعض الفرق القليلة وفى مقدمته قال اليافعى:
فهذا مقال عن حكم التجسيم والمجسمة في المذاهب الأربعة, ..وقد اجتمع على تنزيه الله تعالى عن الجسمية كل المذاهب العقدية الإسلامية (من أهل الحديث والأشاعرة والماتردية والمعتزلة والخوارج والإباضية والزيدية والإمامية وغيرهم) إلا ما نسبت إلى بعض متقدمي الشيعة والكرامية ومن تأثر بهم من القول بالتجسيم تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا"
والبحث يدور حول حكم من قال بالتجسيم عند أهل المذاهب الأربعة السنية وقد استهله بكلام الحنفية فقال :
"المبحث الأول
حكم التجسيم والمجسمة عند الحنفية
للحنفية تفصيل في من قال إن الله جسم:
- فمن قال هو جسم كالأجسام أو أطلق فقال جسم فقد وقع في بدعة مكفرة
- ومن قال إن الله جسم لا كالأجسام فقد وقع في بدعة مفسقة غير مكفرة وقيل مكفرة
وهذه بعض نصوص الحنفية في الحكم على التجسيم والمجسمة:
*في تبيين الحقائق للزيلعي: 1/ 135: (والمشبه إذا قال له تعالى يد ورجل كما للعباد فهو كافر ملعون وإن قال جسم لا كالأجسام فهو مبتدع ; لأنه ليس فيه إلا إطلاق لفظ الجسم عليه وهو موهم للنقص فرفعه بقوله لا كالأجسام فلم يبق إلا مجرد الإطلاق وذلك معصية تنتهض سببا للعقاب لما قلنا من الإيهام بخلاف ما لو قاله على التشبيه فإنه كافر وقيل يكفر بمجرد الإطلاق أيضا وهو حسن بل أولى بالتكفير ... بخلاف مطلق اسم الجسم مع نفي التشبيه فإنه يكفر لاختياره إطلاق ما هو موهم النقص بعد علمه بذلك ولو نفى التشبيه فلم يبق منه إلا التساهل والاستخفاف بذلك)
وانظر نحو ذلك أيضا في فتح القدير 1/ 350 وكنز الدقائق 1/ 370
*وقال ابن نجيم في البحر الرائق 5/ 151 أما لو كان مؤديا إلى الكفر فلا يجوز أصلا كالغلاة من الروافض ... والقدرية والمشبهة القائلين بأنه تعالى جسم كالأجسام ..وكذا من يقول أنه تعالى جسم لا كالأجسام ومن قال أنه تعالى لا يرى لجلاله وعظمته)
*وقال الخادمي (ت 1168) في بريقة محمودية 1/ 95: (وبعضها ليست به) أي بكفر كإنكار سؤال القبر واعتقاد أنه جسم لا كالأجسام
(ولكنها أكبر من كل كبيرة في العمل) .. (وليس فوقها) أي البدعة في الاعتقاد (إلا الكفر)
ولكن ما هو المراد بقولهم جسم لا كالأجسام؟
المراد أن القائل يطلق على الله لفظ الجسم دون حقيقته ولوازمه فهو عنده بمعنى الموجود والقائم بنفسه ولا يريد ما يمكن فرض الأبعاد فيه فيكون الخلاف معه حينئذ في إطلاق اللفظ
أما إذا قال إن الله جسم بمعنى أنه يمكن فرض الأبعاد فيه وأن له مقدار وحدا ونهاية وجرم وكثافة فهذا داخل في قولهم (جسم كالأجسام) وإن قال صاحبه لا كالأجسام فهو لذر الرماد على العيون فهو في الحقيقة جعله كالأجسام.
*يبين هذا الخادمي في بريقة محمودية 1/ 225 بقوله: (وفيها (أي التترخانية) (إن) (اعتقد أن لله تعالى رجلا) (وهي الجارحة) المستلزمة للجسمية قيد بهذا الاعتقاد , إذ ورد في الحديث الصحيح إطلاق القدم عليه تعالى وهو قوله صلى الله تعالى عليه وسلم: {تطلب النار الزيادة حتى يضع الجبار فيها قدمه} فقيل للتعظيم وقيل وقيل.
(يكفر وفيها ومن) (قال بأن الله تعالى جسم لا كالأجسام) التي تتركب من الأجزاء وكان لها طول وعرض وعمق (فهو مبتدع) لعدم ورود الشرع ولإيهامه الجسم المنفي (وليس بكافر) ; لأنه حينئذ يكون بمعنى الذات أو النفس أو الشيء وإطلاقها عليه تعالى جائز وهذا إنما لا يكون كفرا إذا لم يثبت شيء من خواص الجسم كالحيز , والجهة إلى أن لا يبقى إلا اسم الجسم وإلا فكفر أيضا)
*وقال أيضا في بريقة محمودية 1/ 228: (وفيها) (رجل وصف الله تعالى بالفوق أو بالتحت) (فهذا تشبيه) أي بالأجسام فتجسيم (وكفر) لعله إن كان مراده من الفوق هو العلو , والرفعة , والقهر , والغلبة فلا يكفر بل ينبغي إجراء التفصيل السابق من إرادة حكاية ما في الأخبار كقوله تعالى {يد الله فوق أيديهم} {وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله})
*وفي حاشية ابن عابدين 1/ 562: (قوله كقوله جسم كالأجسام) وكذا لو لم يقل كالأجسام , وأما لو قال لا كالأجسام فلا يكفر لأنه ليس فيه إلا إطلاق لفظ الجسم الموهم للنقص فرفعه بقوله لا كالأجسام , فلم يبق إلا مجرد الإطلاق وذلك معصية)
* وفي التقرير والتحبير (لابن أمير الحاج حنفي) 3/ 319 ولا تقبل شهادة المجسمة ; لأنهم كفرة)
*وقال الملا علي القاري في شرح الفقه الأكبر ص271: (من اعتقد أن الله لا يعلم الأشياء قبل وقوعها فهو كافر وإن عد قائله من أهل البدعة، وكذا من قال: بأنه سبحانه جسم وله مكان ويمر عليه زمان ونحو ذلك كافر، حيث لم تثبت له حقيقة الإيمان)"
وفى المبحث الثانى نقل من كتب المالكية رأيهم في المجسمة فقال :
"المبحث الثاني حكم التجسيم والمجسمة عند المالكية:
لا يختلف حكم التجسيم والمجسمة عند المالكية عنه عند الحنفية فلهم نفس التفصيل في من قال إن الله جسم:
- فمن قال هو جسم كالأجسام أو أطلق فقال جسم فقد وقع في بدعة مكفرة
- ومن قال إن الله جسم لا كالأجسام فقد وقع في بدعة مفسقة غير مكفرة وقيل مكفرة
وهذه بعض نصوص المالكية في الحكم على التجسيم والمجسمة:
*في أحكام القران لابن العربي 2/ 475: (..وذلك كالقول في التشبيه والتجسيم والجهة , أو الخوض في إنكار العلم والقدرة , والإرادة والكلام والحياة , فهذه الأصول يكفر جاحدها بلا إشكال)
*وفي الفواكه الدواني 1/ 94: (وقع نزاع في تكفير المجسم قال ابن عرفة: الأقرب كفره , واختيار العز عدم كفره لعسر فهم العوام برهان نفي الجسمية)
*وفي شرح الخرشي على خليل 8/ 62 مثال اللفظ المقتضي للكفر أن يجحد ما علم من الدين بالضرورة كوجوب الصلاة , ولو جزءا منها , وكذا إذا قال: الله جسم متحيز)
وفي حاشية العدوي على على شرح الخرشي: (قوله: وكذا إذا قال: الله جسم متحيز) أي: آخذ قدرا من الفراغ , والمراد أنه قال: جسم كالأجسام هذا هو الذي يكفر قائله , أو معتقده , وأما من قال: جسم لا كالأجسام فهو مبتدع على الصحيح)
*وفي حاشية العدوي على كفاية الطالب 1/ 102: (فالذنب المخل بالإيمان يكفر به ; لأنه حينئذ ليس بمسلم أي كرمي مصحف بقذر وكمن يعتقد أن الله جسم كالأجسام , وأما من يعتقد أنه جسم لا كالأجسام فلا يكفر إلا أنه عاص ; لأن المولى سبحانه وتعالى ليس بجسم)
* وفي حاشية الصاوى على الشرح الصغير 4/ 432 قوله: [أي يقتضي الكفر]: أي يدل عليه دلالة التزامية كقوله جسم متحيز أو كالأجسام , وأما لو قال: جسم لا كالأجسام فهو فاسق , وفي كفره قولان رجح عدم كفره)
*و في منح الجليل شرح مختصر خليل 9/ 206: قال الشيخ محمد بن أحمد عليش المالكي (ت 1299) عند ذكر ما يوقع في الكفر والعياذ بالله ما نصه:
(باب الردة كفر المسلم بقول صريح أو بلفظ يقتضيه) أي يستلزم اللفظ الكفر استلزاما بينا كجحد مشروعية شيء مجمع عليه معلوم من الدين ضرورة , فإنه يستلزم تكذيب القرآن أو الرسول , وكاعتقاد جسمية الله وتحيزه , فإنه يستلزم حدوثه واحتياجه لمحدث ونفي صفات الألوهية عنه جل جلاله وعظم شأنه) كلام عليش
*وقال محمد بن علي بن حسين مفتي المالكية في مكة (1367هـ) في تهذيبه للفروق المسمى (تهذيب الفروق والقواعد السنية في الأسرار الفقهية) 4/ 266:
(والقسم الثاني) ..واعلم أن من قال جسم [لا] كالأجسام فاسق ولا يعول على استظهار بعض أشياخنا كفره كيف وقد صح وجه لا كالوجوه ويد لا كالأيدي نعم لم ترد عبارة جسم فليتأمل
قلت [القائل هو المالكي]: ومن هذا القسم قول القائل إنه تعالى في مكان ليس كمكان الحوادث لأنه قد صح استواء على العرش لا كالاستواء على السرير نعم لم ترد عبارة مكان)ـ"
وفى المبحث الثالث نقل بعض أقوال الشافعية في المسألة فقال :
"المبحث الثالث حكم التجسيم والمجسمة عند الشافعية
للشافعية في حكم التجسيم والمجسمة ثلاثة أقول:
- الأول: أن التجسيم كفر بإطلاق
- والثاني: أن التجسيم ليس بكفر بإطلاق
- والثالث: التفصيل فالتجسيم الصريح كفر والتجسيم غير الصريح ليس بكفر والمراد بالتجسيم الصريح هو التصريح بأن الله جسم ذو أبعاد وغير الصريح هو إثبات ما يلزم منه التجسيم , أو القول بأنه جسم لا كالأجسام
وهذه بعض نصوص الشافعية في ذلك:
*قال العز بن عبد السلام في قواعده 1/ 202: (..فإن قيل: يلزم من الاختلاف في كونه سبحانه " وتعالى " في جهة كونه حادثا قلنا: لازم المذهب ليس بمذهب لأن المجسمة جازمون بأنه في جهة وجازمون بأنه قديم أزلي ليس بمحدث)
*وفي قواعد العز بن عبد السلام 1/ 202 وكل ذلك مما لا يمكن تصويب للمجتهدين فيه بل الحق مع واحد منهم , والباقون مخطئون خطأ معفوا عنه لمشقة الخروج منه والانفكاك عنه , ولا سيما قول معتقد الجهة فإن اعتقاد موجود ليس بمتحرك ولا ساكن ولا منفصل عن العالم ولا متصل به , ولا داخل فيه ولا خارج عنه لا يهتدي إليه أحد بأصل الخلقة في العادة , ولا يهتدي إليه أحد إلا بعد الوقوف على أدلة صعبة المدرك عسرة الفهم فلأجل هذه المشقة عفا الله عنها في حق العادي [كذا ولعله العامي]
..ومن زعم أن الإله يحل في شيء من أجساد الناس أو غيرهم فهو كافر لأن الشرع إنما عفا عن المجسمة لغلبة التجسم على الناس فإنهم لا يفهمون موجودا في غير جهة بخلاف الحلول فإنه لا يعم الابتلاء به ولا يخطر على قلب عاقل ولا يعفى عنه)
*وفي المجموع للنووي 4/ 150 فرع) ..فممن يكفر من يجسم تجسيما صريحا , ومن ينكر العلم بالجزئيات)
*وفي روضة الطالبين للنووي 10/ 64: (..وأما التفصيل فقال المتولي من اعتقد قدم العالم أو حدوث الصانع أو نفى ما هو ثابت للقديم بالإجماع ككونه عالما قادرا أو أثبت ما هو منفي عنه بالإجماع كالألوان أو أثبت له الاتصال والانفصال كان كافرا)
*وفي أسنى المطالب لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري 4/ 117: (وأورد في المهمات على الأخير أن المجسمة ملتزمون بالألوان مع أنا لا نكفرهم على المشهور كما سيأتي في الشهادات قال لكن في شرح المهذب في صفة الأئمة الجزم بتكفيرهم)
*وفي حاشية الرملي عليه: (قوله: مع أنا لا نكفرهم على المشهور) , وهو الراجح (قوله: قال لكن في شرح المهذب في صفة الأئمة إلخ) , قال شيخنا الأصح الأول)
*وفي حاشية الرملي على أسنى المطالب 1/ 220: (قوله: (وما في المجموع من تكفير من يصرح بالتجسيم) أشار إلى تضعيفه وكتب أيضا كأنه احترز بالتصريح عمن يثبت الجهة فإنه لا يكفر كما قاله الغزالي في كتاب التفرقة بين الإسلام , والزندقة
*وفي فتاوى الرملي 4/ 20 سئل (عمن قال إن الله في جهة هل هو مسلم , وإن لزمه التجسيم ; لأن لازم المذهب ليس بمذهب أم لا؟
(فأجاب) بأن القائل المذكور مسلم , وإن كان مبتدعا)
*وفي تحفة المحتاج 9/ 86: (من ثم قيل أخذا من حديث الجارية يغتفر نحو التجسيم والجهة في حق العوام ; لأنهم مع ذلك على غاية من اعتقاد التنزيه والكمال المطلق)
*وفي البحر المحيط للزركشي 8/ 280: (وأما المخطئ في الأصول والمجسمة:
فلا شك في تأثيمه وتفسيقه وتضليله. واختلف في تكفيره:
وللأشعري قولان. قال إمام الحرمين وابن القشيري وغيرهما: وأظهر مذهبيه ترك التكفير , وهو اختيار القاضي في كتاب " إكفار المتأولين "
وقال ابن عبد السلام: رجع الأشعري عند موته عن تكفير أهل القبلة , لأن الجهل بالصفات ليس جهلا بالموصوفات. وقال: اختلفنا في العبارة والمشار إليه واحد)
*وفي مغني المحتاج للشربيني 4/ 133 في الروضة:
لو قال فلان في عيني كاليهودي والنصراني في عين الله أو بين يدي الله فمنهم من قال كفر ومنهم من قال إن أراد الجارحة كفر وإلا فلا
قال الأذرعي: والظاهر أنه لا يكفر مطلقا لأنه ظهر منه ما يدل على التجسم والمشهور أنا لا نكفر المجسمة)
*وفي كفاية الأخيار للحصني ص647: (لكن هنا تنبيه هو أن المجسمة ملتزمون بالألوان والاتصال والانفصال وكلام الرافعي في كتاب الشهادات يقتضي أن المشهور أنا لا نكفرهم وتبعه النووي على ذلك إلا أن النووي جزم في صفة الصلاة من شرح المهذب بتكفير المجسمة)
*وفي الأشباه والنظائر للسيوطي 488 قاعدة: قال الشافعي: لا يكفر أحد من أهل القبلة , واستثني من ذلك: المجسم , ومنكر علم الجزئيات.
وقال بعضهم: المبتدعة أقسام:
الأول: ما نكفره قطعا , كقاذف عائشة رضي الله عنها ومنكر علم الجزئيات , وحشر الأجساد , والمجسمة , والقائل بقدم العالم.
الثاني: ما لا نكفره قطعا , كالقائل بتفضيل الملائكة على الأنبياء)
* وقال ابن حجر الهيتمي (ت 974) في (المنهاج القويم ص:224): (واعلم أن القرافي وغيره حكوا عن الشافعي ومالك وأحمد وأبي حنيفة رضي الله عنهم القول بكفر القائلين بالجهة والتجسيم، وهم حقيقون بذلك)
* و في حاشية الجمل 1/ 531 قوله لا نكفره) أي ببدعته خرج من نكفره ببدعته كالمجسمة ومنكري البعث وحشر الأجساد)
* وفي حاشية العبادي على الغرر البهية 1/ 450: (قوله كالمجسمة) كذا في شرح المهذب وغيره ويتعين حمله على من يزعم أنه تعالى جسم كالأجسام , أو يعتقد لزوم شيء من لوازم الجسمية للذات المقدس. حجر)
*وفي مغني المحتاج للشربيني 5/ 429 تنبيه: اختلف في كفر المجسمة. قال في المهمات: المشهور عدم كفرهم , وجزم في شرح المهذب في صفة الأئمة بكفرهم. ...)
*وفي حاشية البجيرمي على الخطيب 2/ 138: (قوله: (الذي لا يكفر ببدعته) كالمجسم والرافضي ..وأما من يكفر ببدعته كالمجسم صريحا ومنكر العلم بالجزئيات فلا يصح أن يكون إماما بحال كما قاله في التحرير.
قوله: كالمجسم هذا مرجوح وعدم تكفيره هو الراجح )
وكتب الشوبري
قوله: كالمجسم صريحا , قال حج: وهو الذي يتجه ترجيحه من تناقض ما وقع في الروضة و المجموع لكن محله فيمن اعتقد أنه تعالى جسم كالأجسام , وعليه يحمل إطلاق المجموع أنه يكفر. أما من اعتقد أنه جسم لا كالأجسام فلا يكفر , وعليه يحمل إطلاق الروضة وغيرها بل المشهور عند أئمتنا أنه ليس بكفر ا هـ.
وجمع في الإيعاب بينهما بأن ما هنا محله إن صرح بشيء من لوازم الجسمية كالبياض والسواد وما هناك فيما إذا لم يصرح بشيء من ذلك لأن الأصح عند الأصوليين أن لازم المذهب ليس بمذهب. وقوله: ليس بمذهب وإن كان كفرا ما لم يلتزمه صاحبه "
وذكر حج في فتاويه الحديثية نقلا عن الأذرعي وغيره أن المشهور عدم تكفير المجسمة وإن قالوا له جسم كالأجسام لأنهم مع ذلك قد لا يعتقدون لوازم الأجسام ... وعبارة العناني قوله: كالمجسم صريحا أي المعتقد كونه تعالى كالأجسام , بخلاف ما إذا اعتقد أنه جسم لا كالأجسام , والمعتمد أنه لا يكفر مطلقا سواء كان اعتقاده مطلق التجسم أو أنه كالأجسام فالمجسم من يثبت لله جسما , تعالى الله سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا. واحترز بالتصريح عمن يقول بالجهة , يعني أنه تعالى في جهة ويلزم منه أنه جسم لكنه ليس صريحا فلا يكفر ا هـ بالحرف وأصله للزيادي.
قلت: والقلب إلى التفصيل أميل , فقد قال حج في الأعلام:
والمشهور من المذهب كما قاله جمع متأخرون أن المجسمة لا يكفرون , لكن أطلق في المجموع تكفيرهم ...فتلخص في المجسمة ثلاثة أقوال:
التكفير مطلقا , وعدمه مطلقا , والتفصيل
*وفي التجريد حاشية البجيرمي على المنهج:1/ 311 قوله: (لا نكفره) أي ببدعته خرج من نكفره ببدعته كالمجسمة ومنكري البعث للأجسام وعلم الله تعالى بالمعدوم أو بالجزئيات لإنكارهم ما علم مجيء الرسول به ضرورة فلا يجوز الاقتداء به لكفره , والمعتمد في المجسمة عدم التكفير.)"
واستعرض في المبحث الرابع رأى الحنابلة في المسألة حيث قال :
"المبحث الرابع حكم التجسيم والمجسمة عند الحنابلة:
للحنابلة في حكم التجسيم والمجسمة تفصيل:
- فعلماء ومجتهدي المجسمة عندهم كفار
- وعامتهم ومقلديهم ليسوا بكفار
- ومن الحنابلة من يطلق التكفير على المجسمة من غير تفصيل
- ومنهم من يطلق عدم التكفير
وهذه بعض نصوص الحنابلة في ذلك:
*نقل ابن حمدان في نهاية المبتدئين ص30 عن أحمد (تكفير من قال عن الله جسم لا كالأجسام) ونقله صاحب الخصال من الحنابلة انظر كتاب تشنيف المسامع ص 346
*في دقائق أولي النهى للرحيباني 3/ 590: (فلا تقبل شهادة فاسق بفعل كزان وديوث أو باعتقاد ..(ونحوه) كمقلد في التجسيم وما يعتقده الخوارج والقدرية ونحوهم , (ويكفر مجتهدهم)..)
قال في الفصول في الكفاءة في جهمية وواقفية وحرورية وقدرية ورافضية: إن ناظر ودعا كفر وإلا لم يفسق , لأن أحمد قال: يسمع حديثه ويصلى خلفه.
قال: وعندي أن عامة المبتدعة فسقة كعامة أهل الكتابين كفار مع جهلهم , والصحيح لا كفر ; لأن أحمد أجاز الرواية عن الحرورية والخوارج)
*وفي كشاف القناع للبهوتي 6/ 420: (فلا تقبل شهادة فاسق من جهة الأفعال) كالزاني واللائط والقاتل ونحوه (أو) من جهة (الاعتقاد) وهم أهل البدع (ولو تدين به) أي اعتقد أنه دين حق فترد شهادته لعموم النصوص (فلو قلد) في القول (بخلق القرآن أو نفى الرؤية) أي رؤية الله تعالى في الآخرة (أو الرفض أو التجهم) بتشديد الهاء (ونحوه) كالتجسيم وخلق العبد أفعاله (فسق ويكفر مجتهدهم الداعية)
قال المجد: الصحيح أن كل بدعة كفرنا فيها الداعية فإنا نفسق المقلد فيها كمن يقول بخلق القرآن ..)
واختار الموفق: لا يكفر مجتهدهم الداعية في رسالته إلى صاحب التلخيص لقول أحمد للمعتصم: يا أمير المؤمنين (ومن أخذ بالرخص فسق) قال القاضي غير متأول ولا مقلد).
*وفي طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى ص 499: (قال الوالد السعيد: فمن اعتقد أن الله سبحانه جسم من الأجسام وأعطاه حقيقة الجسم من التأليف والانتقال: فهو كافر لأنه غير عارف بالله عز وجل لأن الله سبحانه يستحيل وصفه بهذه الصفات وإذا لم يعرف الله سبحانه: وجب أن يكون كافرا.)
* وفي الاعتقاد لابن أبي يعلى ص16: (فإن اعتقد معتقد في هذه الصفات ونظائرها مما وردت به الآثار الصحيحة التشبيه في الجسم والنوع والشكل والطول- فهو كافر.
وإن تأولها على مقتضى اللغة وعلى المجاز فهو جهمي وإن أمرها كما جاءت، من غير تأويل، ولا تفسير، ولا تجسيم، ولا تشبيه، كما فعلت الصحابة والتابعون فهو الواجب عليه)
*وفي مجموع فتاوى ابن تيمية 6/ 356: (إذ لا يختلف أهل السنة أن الله تعالى ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله بل أكثر أهل السنة من أصحابنا وغيرهم يكفرون المشبهة والمجسمة)
*وفي أقاويل الثقات لمرعي الكرمي ص 64: (ومن العجب أن أئمتنا الحنابلة يقولون بمذهب السلف ويصفون الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل ومع ذلك فتجد من لا يحتاط في دينه ينسبهم للتجسيم ومذهبهم أن المجسم كافر بخلاف مذهب الشافعية فإن المجسم عندهم لا يكفر فقوم يكفرون المجسمة فكيف يقولون بالتجسيم)"
وبعد استعراض بعض آراء فقهاء المذاهب الأربعة خلص اليافعى إلى التالى :
الخلاصة:
أن لأهل العلم قولين في تكفير المجسمة والقول بعدم التكفير هو الذي ينبغي أشاعته بين الناس حتى يسود بين المسلمين التسامح خصوصا وأن المسألة دقيقة كما تقدم عن العز بن عبد السلام , ونحن في زمن أكثر ما نحتاج فيه إلى الوحدة والائتلاف لا إلى الفرقة والاختلاف "
وبعد أن انتهى الرجل من استعراض الآراء عمل على بيان معنى الجسم والتجسيم فقال :
"تنبيه:
ما سبق هو الكلام عن حكم التجسيم والمجسمة أما الكلام عن حقيقة التجسيم لغة واصطلاحا ...
لغة واصطلاحا حتى يعرف القارئ ما هو هذا التجسيم الذي سبق حكمه
التجسيم: هو اعتقاد أن الله جسم , والجسم لغة: يدل على التجمع والتشخص والتركيب قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة 1/ 457: (الجيم والسين والميم يدل على تجمع الشيء. فالجسم كل شخص مدرك كذا قال ابن دريد، والجسيم: العظيم الجسم، وكذلك الجسام. والجسمان: الشخص)
والجسم اصطلاحا: ما يقبل فرض الأبعاد (الطول والعرض والعمق) قال الإمام أحمد في عقيدته التي حكاها عنه عامة الحنابلة: إنما الأسماء مأخوذة بالشريعة واللغة، وأهل اللغة وضعوا هذا الاسم على كل ذي طول وعرض وسمك وتركيب وصورة وتأليف والله تعالى خارج عن ذلك كله فلم يجز أن يسمى جسما لخروجه عن معنى الجسمية، ولم يجئ في الشريعة ذلك فبطل) انظر كتاب اعتقاد الإمام المبجل أبي عبد الله أحمد بن حنبل للتميمي ص 298 وطبقات الحنابلة لابن أبي يعلى 2/ 298"
ورغم آراء الفقهاء في المسألة فإن أرائهم الفقهية تخالف هذا المعتقد فالكل يرفض التجسيم ومع هذا تجد في مباحث الدعاء في كتبهم ايمانهم بوجود جهة الفوقية لله وهناك عشرات الكتب في مسألة الفوقية ألفها الفقهاء مثل رسالة في إثبات الاستواء والفوقية لعبد الله بن يوسف الجويني وهى رسالة نفى أن يكون الرجل قد كتبها ولكن كتب القوم طافحة من خلال تصديقهم لروايات الدعاء برفع أليدى لأعلى أو جهة السماء وتصديقهم حديث الجارية أين الله قالت في السماء
وينبغى لكل من ينفى التجسيم أن يكذب كل الروايات التى تثبت جهة لله كما نفوها في تلك الكتب واعتبروا من يقول بها كافر في الغالب
المؤلف عبد الفتاح بن صالح قديش اليافعي وهو يدور حول نفى أن الله جسم وهو ما أجمع عليه الناس إلا بعض الفرق القليلة وفى مقدمته قال اليافعى:
فهذا مقال عن حكم التجسيم والمجسمة في المذاهب الأربعة, ..وقد اجتمع على تنزيه الله تعالى عن الجسمية كل المذاهب العقدية الإسلامية (من أهل الحديث والأشاعرة والماتردية والمعتزلة والخوارج والإباضية والزيدية والإمامية وغيرهم) إلا ما نسبت إلى بعض متقدمي الشيعة والكرامية ومن تأثر بهم من القول بالتجسيم تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا"
والبحث يدور حول حكم من قال بالتجسيم عند أهل المذاهب الأربعة السنية وقد استهله بكلام الحنفية فقال :
"المبحث الأول
حكم التجسيم والمجسمة عند الحنفية
للحنفية تفصيل في من قال إن الله جسم:
- فمن قال هو جسم كالأجسام أو أطلق فقال جسم فقد وقع في بدعة مكفرة
- ومن قال إن الله جسم لا كالأجسام فقد وقع في بدعة مفسقة غير مكفرة وقيل مكفرة
وهذه بعض نصوص الحنفية في الحكم على التجسيم والمجسمة:
*في تبيين الحقائق للزيلعي: 1/ 135: (والمشبه إذا قال له تعالى يد ورجل كما للعباد فهو كافر ملعون وإن قال جسم لا كالأجسام فهو مبتدع ; لأنه ليس فيه إلا إطلاق لفظ الجسم عليه وهو موهم للنقص فرفعه بقوله لا كالأجسام فلم يبق إلا مجرد الإطلاق وذلك معصية تنتهض سببا للعقاب لما قلنا من الإيهام بخلاف ما لو قاله على التشبيه فإنه كافر وقيل يكفر بمجرد الإطلاق أيضا وهو حسن بل أولى بالتكفير ... بخلاف مطلق اسم الجسم مع نفي التشبيه فإنه يكفر لاختياره إطلاق ما هو موهم النقص بعد علمه بذلك ولو نفى التشبيه فلم يبق منه إلا التساهل والاستخفاف بذلك)
وانظر نحو ذلك أيضا في فتح القدير 1/ 350 وكنز الدقائق 1/ 370
*وقال ابن نجيم في البحر الرائق 5/ 151 أما لو كان مؤديا إلى الكفر فلا يجوز أصلا كالغلاة من الروافض ... والقدرية والمشبهة القائلين بأنه تعالى جسم كالأجسام ..وكذا من يقول أنه تعالى جسم لا كالأجسام ومن قال أنه تعالى لا يرى لجلاله وعظمته)
*وقال الخادمي (ت 1168) في بريقة محمودية 1/ 95: (وبعضها ليست به) أي بكفر كإنكار سؤال القبر واعتقاد أنه جسم لا كالأجسام
(ولكنها أكبر من كل كبيرة في العمل) .. (وليس فوقها) أي البدعة في الاعتقاد (إلا الكفر)
ولكن ما هو المراد بقولهم جسم لا كالأجسام؟
المراد أن القائل يطلق على الله لفظ الجسم دون حقيقته ولوازمه فهو عنده بمعنى الموجود والقائم بنفسه ولا يريد ما يمكن فرض الأبعاد فيه فيكون الخلاف معه حينئذ في إطلاق اللفظ
أما إذا قال إن الله جسم بمعنى أنه يمكن فرض الأبعاد فيه وأن له مقدار وحدا ونهاية وجرم وكثافة فهذا داخل في قولهم (جسم كالأجسام) وإن قال صاحبه لا كالأجسام فهو لذر الرماد على العيون فهو في الحقيقة جعله كالأجسام.
*يبين هذا الخادمي في بريقة محمودية 1/ 225 بقوله: (وفيها (أي التترخانية) (إن) (اعتقد أن لله تعالى رجلا) (وهي الجارحة) المستلزمة للجسمية قيد بهذا الاعتقاد , إذ ورد في الحديث الصحيح إطلاق القدم عليه تعالى وهو قوله صلى الله تعالى عليه وسلم: {تطلب النار الزيادة حتى يضع الجبار فيها قدمه} فقيل للتعظيم وقيل وقيل.
(يكفر وفيها ومن) (قال بأن الله تعالى جسم لا كالأجسام) التي تتركب من الأجزاء وكان لها طول وعرض وعمق (فهو مبتدع) لعدم ورود الشرع ولإيهامه الجسم المنفي (وليس بكافر) ; لأنه حينئذ يكون بمعنى الذات أو النفس أو الشيء وإطلاقها عليه تعالى جائز وهذا إنما لا يكون كفرا إذا لم يثبت شيء من خواص الجسم كالحيز , والجهة إلى أن لا يبقى إلا اسم الجسم وإلا فكفر أيضا)
*وقال أيضا في بريقة محمودية 1/ 228: (وفيها) (رجل وصف الله تعالى بالفوق أو بالتحت) (فهذا تشبيه) أي بالأجسام فتجسيم (وكفر) لعله إن كان مراده من الفوق هو العلو , والرفعة , والقهر , والغلبة فلا يكفر بل ينبغي إجراء التفصيل السابق من إرادة حكاية ما في الأخبار كقوله تعالى {يد الله فوق أيديهم} {وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله})
*وفي حاشية ابن عابدين 1/ 562: (قوله كقوله جسم كالأجسام) وكذا لو لم يقل كالأجسام , وأما لو قال لا كالأجسام فلا يكفر لأنه ليس فيه إلا إطلاق لفظ الجسم الموهم للنقص فرفعه بقوله لا كالأجسام , فلم يبق إلا مجرد الإطلاق وذلك معصية)
* وفي التقرير والتحبير (لابن أمير الحاج حنفي) 3/ 319 ولا تقبل شهادة المجسمة ; لأنهم كفرة)
*وقال الملا علي القاري في شرح الفقه الأكبر ص271: (من اعتقد أن الله لا يعلم الأشياء قبل وقوعها فهو كافر وإن عد قائله من أهل البدعة، وكذا من قال: بأنه سبحانه جسم وله مكان ويمر عليه زمان ونحو ذلك كافر، حيث لم تثبت له حقيقة الإيمان)"
وفى المبحث الثانى نقل من كتب المالكية رأيهم في المجسمة فقال :
"المبحث الثاني حكم التجسيم والمجسمة عند المالكية:
لا يختلف حكم التجسيم والمجسمة عند المالكية عنه عند الحنفية فلهم نفس التفصيل في من قال إن الله جسم:
- فمن قال هو جسم كالأجسام أو أطلق فقال جسم فقد وقع في بدعة مكفرة
- ومن قال إن الله جسم لا كالأجسام فقد وقع في بدعة مفسقة غير مكفرة وقيل مكفرة
وهذه بعض نصوص المالكية في الحكم على التجسيم والمجسمة:
*في أحكام القران لابن العربي 2/ 475: (..وذلك كالقول في التشبيه والتجسيم والجهة , أو الخوض في إنكار العلم والقدرة , والإرادة والكلام والحياة , فهذه الأصول يكفر جاحدها بلا إشكال)
*وفي الفواكه الدواني 1/ 94: (وقع نزاع في تكفير المجسم قال ابن عرفة: الأقرب كفره , واختيار العز عدم كفره لعسر فهم العوام برهان نفي الجسمية)
*وفي شرح الخرشي على خليل 8/ 62 مثال اللفظ المقتضي للكفر أن يجحد ما علم من الدين بالضرورة كوجوب الصلاة , ولو جزءا منها , وكذا إذا قال: الله جسم متحيز)
وفي حاشية العدوي على على شرح الخرشي: (قوله: وكذا إذا قال: الله جسم متحيز) أي: آخذ قدرا من الفراغ , والمراد أنه قال: جسم كالأجسام هذا هو الذي يكفر قائله , أو معتقده , وأما من قال: جسم لا كالأجسام فهو مبتدع على الصحيح)
*وفي حاشية العدوي على كفاية الطالب 1/ 102: (فالذنب المخل بالإيمان يكفر به ; لأنه حينئذ ليس بمسلم أي كرمي مصحف بقذر وكمن يعتقد أن الله جسم كالأجسام , وأما من يعتقد أنه جسم لا كالأجسام فلا يكفر إلا أنه عاص ; لأن المولى سبحانه وتعالى ليس بجسم)
* وفي حاشية الصاوى على الشرح الصغير 4/ 432 قوله: [أي يقتضي الكفر]: أي يدل عليه دلالة التزامية كقوله جسم متحيز أو كالأجسام , وأما لو قال: جسم لا كالأجسام فهو فاسق , وفي كفره قولان رجح عدم كفره)
*و في منح الجليل شرح مختصر خليل 9/ 206: قال الشيخ محمد بن أحمد عليش المالكي (ت 1299) عند ذكر ما يوقع في الكفر والعياذ بالله ما نصه:
(باب الردة كفر المسلم بقول صريح أو بلفظ يقتضيه) أي يستلزم اللفظ الكفر استلزاما بينا كجحد مشروعية شيء مجمع عليه معلوم من الدين ضرورة , فإنه يستلزم تكذيب القرآن أو الرسول , وكاعتقاد جسمية الله وتحيزه , فإنه يستلزم حدوثه واحتياجه لمحدث ونفي صفات الألوهية عنه جل جلاله وعظم شأنه) كلام عليش
*وقال محمد بن علي بن حسين مفتي المالكية في مكة (1367هـ) في تهذيبه للفروق المسمى (تهذيب الفروق والقواعد السنية في الأسرار الفقهية) 4/ 266:
(والقسم الثاني) ..واعلم أن من قال جسم [لا] كالأجسام فاسق ولا يعول على استظهار بعض أشياخنا كفره كيف وقد صح وجه لا كالوجوه ويد لا كالأيدي نعم لم ترد عبارة جسم فليتأمل
قلت [القائل هو المالكي]: ومن هذا القسم قول القائل إنه تعالى في مكان ليس كمكان الحوادث لأنه قد صح استواء على العرش لا كالاستواء على السرير نعم لم ترد عبارة مكان)ـ"
وفى المبحث الثالث نقل بعض أقوال الشافعية في المسألة فقال :
"المبحث الثالث حكم التجسيم والمجسمة عند الشافعية
للشافعية في حكم التجسيم والمجسمة ثلاثة أقول:
- الأول: أن التجسيم كفر بإطلاق
- والثاني: أن التجسيم ليس بكفر بإطلاق
- والثالث: التفصيل فالتجسيم الصريح كفر والتجسيم غير الصريح ليس بكفر والمراد بالتجسيم الصريح هو التصريح بأن الله جسم ذو أبعاد وغير الصريح هو إثبات ما يلزم منه التجسيم , أو القول بأنه جسم لا كالأجسام
وهذه بعض نصوص الشافعية في ذلك:
*قال العز بن عبد السلام في قواعده 1/ 202: (..فإن قيل: يلزم من الاختلاف في كونه سبحانه " وتعالى " في جهة كونه حادثا قلنا: لازم المذهب ليس بمذهب لأن المجسمة جازمون بأنه في جهة وجازمون بأنه قديم أزلي ليس بمحدث)
*وفي قواعد العز بن عبد السلام 1/ 202 وكل ذلك مما لا يمكن تصويب للمجتهدين فيه بل الحق مع واحد منهم , والباقون مخطئون خطأ معفوا عنه لمشقة الخروج منه والانفكاك عنه , ولا سيما قول معتقد الجهة فإن اعتقاد موجود ليس بمتحرك ولا ساكن ولا منفصل عن العالم ولا متصل به , ولا داخل فيه ولا خارج عنه لا يهتدي إليه أحد بأصل الخلقة في العادة , ولا يهتدي إليه أحد إلا بعد الوقوف على أدلة صعبة المدرك عسرة الفهم فلأجل هذه المشقة عفا الله عنها في حق العادي [كذا ولعله العامي]
..ومن زعم أن الإله يحل في شيء من أجساد الناس أو غيرهم فهو كافر لأن الشرع إنما عفا عن المجسمة لغلبة التجسم على الناس فإنهم لا يفهمون موجودا في غير جهة بخلاف الحلول فإنه لا يعم الابتلاء به ولا يخطر على قلب عاقل ولا يعفى عنه)
*وفي المجموع للنووي 4/ 150 فرع) ..فممن يكفر من يجسم تجسيما صريحا , ومن ينكر العلم بالجزئيات)
*وفي روضة الطالبين للنووي 10/ 64: (..وأما التفصيل فقال المتولي من اعتقد قدم العالم أو حدوث الصانع أو نفى ما هو ثابت للقديم بالإجماع ككونه عالما قادرا أو أثبت ما هو منفي عنه بالإجماع كالألوان أو أثبت له الاتصال والانفصال كان كافرا)
*وفي أسنى المطالب لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري 4/ 117: (وأورد في المهمات على الأخير أن المجسمة ملتزمون بالألوان مع أنا لا نكفرهم على المشهور كما سيأتي في الشهادات قال لكن في شرح المهذب في صفة الأئمة الجزم بتكفيرهم)
*وفي حاشية الرملي عليه: (قوله: مع أنا لا نكفرهم على المشهور) , وهو الراجح (قوله: قال لكن في شرح المهذب في صفة الأئمة إلخ) , قال شيخنا الأصح الأول)
*وفي حاشية الرملي على أسنى المطالب 1/ 220: (قوله: (وما في المجموع من تكفير من يصرح بالتجسيم) أشار إلى تضعيفه وكتب أيضا كأنه احترز بالتصريح عمن يثبت الجهة فإنه لا يكفر كما قاله الغزالي في كتاب التفرقة بين الإسلام , والزندقة
*وفي فتاوى الرملي 4/ 20 سئل (عمن قال إن الله في جهة هل هو مسلم , وإن لزمه التجسيم ; لأن لازم المذهب ليس بمذهب أم لا؟
(فأجاب) بأن القائل المذكور مسلم , وإن كان مبتدعا)
*وفي تحفة المحتاج 9/ 86: (من ثم قيل أخذا من حديث الجارية يغتفر نحو التجسيم والجهة في حق العوام ; لأنهم مع ذلك على غاية من اعتقاد التنزيه والكمال المطلق)
*وفي البحر المحيط للزركشي 8/ 280: (وأما المخطئ في الأصول والمجسمة:
فلا شك في تأثيمه وتفسيقه وتضليله. واختلف في تكفيره:
وللأشعري قولان. قال إمام الحرمين وابن القشيري وغيرهما: وأظهر مذهبيه ترك التكفير , وهو اختيار القاضي في كتاب " إكفار المتأولين "
وقال ابن عبد السلام: رجع الأشعري عند موته عن تكفير أهل القبلة , لأن الجهل بالصفات ليس جهلا بالموصوفات. وقال: اختلفنا في العبارة والمشار إليه واحد)
*وفي مغني المحتاج للشربيني 4/ 133 في الروضة:
لو قال فلان في عيني كاليهودي والنصراني في عين الله أو بين يدي الله فمنهم من قال كفر ومنهم من قال إن أراد الجارحة كفر وإلا فلا
قال الأذرعي: والظاهر أنه لا يكفر مطلقا لأنه ظهر منه ما يدل على التجسم والمشهور أنا لا نكفر المجسمة)
*وفي كفاية الأخيار للحصني ص647: (لكن هنا تنبيه هو أن المجسمة ملتزمون بالألوان والاتصال والانفصال وكلام الرافعي في كتاب الشهادات يقتضي أن المشهور أنا لا نكفرهم وتبعه النووي على ذلك إلا أن النووي جزم في صفة الصلاة من شرح المهذب بتكفير المجسمة)
*وفي الأشباه والنظائر للسيوطي 488 قاعدة: قال الشافعي: لا يكفر أحد من أهل القبلة , واستثني من ذلك: المجسم , ومنكر علم الجزئيات.
وقال بعضهم: المبتدعة أقسام:
الأول: ما نكفره قطعا , كقاذف عائشة رضي الله عنها ومنكر علم الجزئيات , وحشر الأجساد , والمجسمة , والقائل بقدم العالم.
الثاني: ما لا نكفره قطعا , كالقائل بتفضيل الملائكة على الأنبياء)
* وقال ابن حجر الهيتمي (ت 974) في (المنهاج القويم ص:224): (واعلم أن القرافي وغيره حكوا عن الشافعي ومالك وأحمد وأبي حنيفة رضي الله عنهم القول بكفر القائلين بالجهة والتجسيم، وهم حقيقون بذلك)
* و في حاشية الجمل 1/ 531 قوله لا نكفره) أي ببدعته خرج من نكفره ببدعته كالمجسمة ومنكري البعث وحشر الأجساد)
* وفي حاشية العبادي على الغرر البهية 1/ 450: (قوله كالمجسمة) كذا في شرح المهذب وغيره ويتعين حمله على من يزعم أنه تعالى جسم كالأجسام , أو يعتقد لزوم شيء من لوازم الجسمية للذات المقدس. حجر)
*وفي مغني المحتاج للشربيني 5/ 429 تنبيه: اختلف في كفر المجسمة. قال في المهمات: المشهور عدم كفرهم , وجزم في شرح المهذب في صفة الأئمة بكفرهم. ...)
*وفي حاشية البجيرمي على الخطيب 2/ 138: (قوله: (الذي لا يكفر ببدعته) كالمجسم والرافضي ..وأما من يكفر ببدعته كالمجسم صريحا ومنكر العلم بالجزئيات فلا يصح أن يكون إماما بحال كما قاله في التحرير.
قوله: كالمجسم هذا مرجوح وعدم تكفيره هو الراجح )
وكتب الشوبري
قوله: كالمجسم صريحا , قال حج: وهو الذي يتجه ترجيحه من تناقض ما وقع في الروضة و المجموع لكن محله فيمن اعتقد أنه تعالى جسم كالأجسام , وعليه يحمل إطلاق المجموع أنه يكفر. أما من اعتقد أنه جسم لا كالأجسام فلا يكفر , وعليه يحمل إطلاق الروضة وغيرها بل المشهور عند أئمتنا أنه ليس بكفر ا هـ.
وجمع في الإيعاب بينهما بأن ما هنا محله إن صرح بشيء من لوازم الجسمية كالبياض والسواد وما هناك فيما إذا لم يصرح بشيء من ذلك لأن الأصح عند الأصوليين أن لازم المذهب ليس بمذهب. وقوله: ليس بمذهب وإن كان كفرا ما لم يلتزمه صاحبه "
وذكر حج في فتاويه الحديثية نقلا عن الأذرعي وغيره أن المشهور عدم تكفير المجسمة وإن قالوا له جسم كالأجسام لأنهم مع ذلك قد لا يعتقدون لوازم الأجسام ... وعبارة العناني قوله: كالمجسم صريحا أي المعتقد كونه تعالى كالأجسام , بخلاف ما إذا اعتقد أنه جسم لا كالأجسام , والمعتمد أنه لا يكفر مطلقا سواء كان اعتقاده مطلق التجسم أو أنه كالأجسام فالمجسم من يثبت لله جسما , تعالى الله سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا. واحترز بالتصريح عمن يقول بالجهة , يعني أنه تعالى في جهة ويلزم منه أنه جسم لكنه ليس صريحا فلا يكفر ا هـ بالحرف وأصله للزيادي.
قلت: والقلب إلى التفصيل أميل , فقد قال حج في الأعلام:
والمشهور من المذهب كما قاله جمع متأخرون أن المجسمة لا يكفرون , لكن أطلق في المجموع تكفيرهم ...فتلخص في المجسمة ثلاثة أقوال:
التكفير مطلقا , وعدمه مطلقا , والتفصيل
*وفي التجريد حاشية البجيرمي على المنهج:1/ 311 قوله: (لا نكفره) أي ببدعته خرج من نكفره ببدعته كالمجسمة ومنكري البعث للأجسام وعلم الله تعالى بالمعدوم أو بالجزئيات لإنكارهم ما علم مجيء الرسول به ضرورة فلا يجوز الاقتداء به لكفره , والمعتمد في المجسمة عدم التكفير.)"
واستعرض في المبحث الرابع رأى الحنابلة في المسألة حيث قال :
"المبحث الرابع حكم التجسيم والمجسمة عند الحنابلة:
للحنابلة في حكم التجسيم والمجسمة تفصيل:
- فعلماء ومجتهدي المجسمة عندهم كفار
- وعامتهم ومقلديهم ليسوا بكفار
- ومن الحنابلة من يطلق التكفير على المجسمة من غير تفصيل
- ومنهم من يطلق عدم التكفير
وهذه بعض نصوص الحنابلة في ذلك:
*نقل ابن حمدان في نهاية المبتدئين ص30 عن أحمد (تكفير من قال عن الله جسم لا كالأجسام) ونقله صاحب الخصال من الحنابلة انظر كتاب تشنيف المسامع ص 346
*في دقائق أولي النهى للرحيباني 3/ 590: (فلا تقبل شهادة فاسق بفعل كزان وديوث أو باعتقاد ..(ونحوه) كمقلد في التجسيم وما يعتقده الخوارج والقدرية ونحوهم , (ويكفر مجتهدهم)..)
قال في الفصول في الكفاءة في جهمية وواقفية وحرورية وقدرية ورافضية: إن ناظر ودعا كفر وإلا لم يفسق , لأن أحمد قال: يسمع حديثه ويصلى خلفه.
قال: وعندي أن عامة المبتدعة فسقة كعامة أهل الكتابين كفار مع جهلهم , والصحيح لا كفر ; لأن أحمد أجاز الرواية عن الحرورية والخوارج)
*وفي كشاف القناع للبهوتي 6/ 420: (فلا تقبل شهادة فاسق من جهة الأفعال) كالزاني واللائط والقاتل ونحوه (أو) من جهة (الاعتقاد) وهم أهل البدع (ولو تدين به) أي اعتقد أنه دين حق فترد شهادته لعموم النصوص (فلو قلد) في القول (بخلق القرآن أو نفى الرؤية) أي رؤية الله تعالى في الآخرة (أو الرفض أو التجهم) بتشديد الهاء (ونحوه) كالتجسيم وخلق العبد أفعاله (فسق ويكفر مجتهدهم الداعية)
قال المجد: الصحيح أن كل بدعة كفرنا فيها الداعية فإنا نفسق المقلد فيها كمن يقول بخلق القرآن ..)
واختار الموفق: لا يكفر مجتهدهم الداعية في رسالته إلى صاحب التلخيص لقول أحمد للمعتصم: يا أمير المؤمنين (ومن أخذ بالرخص فسق) قال القاضي غير متأول ولا مقلد).
*وفي طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى ص 499: (قال الوالد السعيد: فمن اعتقد أن الله سبحانه جسم من الأجسام وأعطاه حقيقة الجسم من التأليف والانتقال: فهو كافر لأنه غير عارف بالله عز وجل لأن الله سبحانه يستحيل وصفه بهذه الصفات وإذا لم يعرف الله سبحانه: وجب أن يكون كافرا.)
* وفي الاعتقاد لابن أبي يعلى ص16: (فإن اعتقد معتقد في هذه الصفات ونظائرها مما وردت به الآثار الصحيحة التشبيه في الجسم والنوع والشكل والطول- فهو كافر.
وإن تأولها على مقتضى اللغة وعلى المجاز فهو جهمي وإن أمرها كما جاءت، من غير تأويل، ولا تفسير، ولا تجسيم، ولا تشبيه، كما فعلت الصحابة والتابعون فهو الواجب عليه)
*وفي مجموع فتاوى ابن تيمية 6/ 356: (إذ لا يختلف أهل السنة أن الله تعالى ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله بل أكثر أهل السنة من أصحابنا وغيرهم يكفرون المشبهة والمجسمة)
*وفي أقاويل الثقات لمرعي الكرمي ص 64: (ومن العجب أن أئمتنا الحنابلة يقولون بمذهب السلف ويصفون الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل ومع ذلك فتجد من لا يحتاط في دينه ينسبهم للتجسيم ومذهبهم أن المجسم كافر بخلاف مذهب الشافعية فإن المجسم عندهم لا يكفر فقوم يكفرون المجسمة فكيف يقولون بالتجسيم)"
وبعد استعراض بعض آراء فقهاء المذاهب الأربعة خلص اليافعى إلى التالى :
الخلاصة:
أن لأهل العلم قولين في تكفير المجسمة والقول بعدم التكفير هو الذي ينبغي أشاعته بين الناس حتى يسود بين المسلمين التسامح خصوصا وأن المسألة دقيقة كما تقدم عن العز بن عبد السلام , ونحن في زمن أكثر ما نحتاج فيه إلى الوحدة والائتلاف لا إلى الفرقة والاختلاف "
وبعد أن انتهى الرجل من استعراض الآراء عمل على بيان معنى الجسم والتجسيم فقال :
"تنبيه:
ما سبق هو الكلام عن حكم التجسيم والمجسمة أما الكلام عن حقيقة التجسيم لغة واصطلاحا ...
لغة واصطلاحا حتى يعرف القارئ ما هو هذا التجسيم الذي سبق حكمه
التجسيم: هو اعتقاد أن الله جسم , والجسم لغة: يدل على التجمع والتشخص والتركيب قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة 1/ 457: (الجيم والسين والميم يدل على تجمع الشيء. فالجسم كل شخص مدرك كذا قال ابن دريد، والجسيم: العظيم الجسم، وكذلك الجسام. والجسمان: الشخص)
والجسم اصطلاحا: ما يقبل فرض الأبعاد (الطول والعرض والعمق) قال الإمام أحمد في عقيدته التي حكاها عنه عامة الحنابلة: إنما الأسماء مأخوذة بالشريعة واللغة، وأهل اللغة وضعوا هذا الاسم على كل ذي طول وعرض وسمك وتركيب وصورة وتأليف والله تعالى خارج عن ذلك كله فلم يجز أن يسمى جسما لخروجه عن معنى الجسمية، ولم يجئ في الشريعة ذلك فبطل) انظر كتاب اعتقاد الإمام المبجل أبي عبد الله أحمد بن حنبل للتميمي ص 298 وطبقات الحنابلة لابن أبي يعلى 2/ 298"
ورغم آراء الفقهاء في المسألة فإن أرائهم الفقهية تخالف هذا المعتقد فالكل يرفض التجسيم ومع هذا تجد في مباحث الدعاء في كتبهم ايمانهم بوجود جهة الفوقية لله وهناك عشرات الكتب في مسألة الفوقية ألفها الفقهاء مثل رسالة في إثبات الاستواء والفوقية لعبد الله بن يوسف الجويني وهى رسالة نفى أن يكون الرجل قد كتبها ولكن كتب القوم طافحة من خلال تصديقهم لروايات الدعاء برفع أليدى لأعلى أو جهة السماء وتصديقهم حديث الجارية أين الله قالت في السماء
وينبغى لكل من ينفى التجسيم أن يكذب كل الروايات التى تثبت جهة لله كما نفوها في تلك الكتب واعتبروا من يقول بها كافر في الغالب