- المشاركات
- 82,633
- الإقامة
- قطر-الأردن
في خطاب له في أيار 2013 شرح " ايف ميرش "* عضو المجلس التنفيذي للبنك المركزي الأوروبي، بشكل مسهب، ما تعانيه منطقة اليورو من قصور، وما تواجهه من مصاعب و طبعاً ما يترتب عليها في المرحلة المقبلة. وقد يكون من المجدي قراءة هذا الحديث بشكل جدي كونه يلخص و بشكل جيد مراحل عصيبة مرت فيها منطقة اليورو و التي كانت نتيجة لأمورعدة: قصور في الحكم- دول منهكة- مصارف هشة- انكماش اقتصادي- انعدام الثقة في المؤسسات و شكوك حول نزاهتها.
أشار Mersch في خطابه أن هذه الأزمة " لم تنشأ في منطقة اليورو ولن تقتصر عليها ولكنها قد تكون تركت آثاراً جمة، وألحقت خسائر كبيرة للأجيال القادمة".
والأسئلة التي تطرح نفسها الآن قد تفسّر بعض الشيء عمّا عليه الحال في منطقة اليورو، وما يجب فعله للخروج من هذه الحلقة المفرغة. وقد تكون الخيارات التي اتخذتها أوروبا مؤخراً هي بداية الخروج من النفق علماً انه يترتب عليها استحقاقات كبيرة ربما استطاع القادة الماليون تجنبها.
وللعلم، كان البنك المركزي الأوروبي، ولست سنوات خلت، في وضعية "أزمة" ومرّ بمراحل فيها الكثير من التحديات وهي:
I. الأضطرابات المالية التي اندلعت في آب 2007 عندما بدأت أزمة الرهن العقاري الثانوي في الولايات المتحدة الأميركية مما زاد المخاطر وأدّى الى تجفيف في السيولة وزيادة حادة في أقساط هذه المخاطر.
II. المرحلة الثانية من الأزمة والتي بدأت في أيلول 2008 بعد انهيار "Lehman Brothers" حيث جمدت اسواق المال و ارتفعت الخسائر المالية وتقلصت الديون المصرفية وامتدت هذه الضغوط المالية الى الأقتصاد الحقيقي-حيث ضربت التجارة وتأثر النمو. وتلى الأزمة المالية العالمية كساد كبير- ضرب البلدان الأوروبية بشكل متفاوت.
III. جاءت المرحلة الثالثة، وهي الأكثر خطورة، في أيار 2010 عندما اندلعت أزمة الديون السيادية الأوروبية في اليونان وانتشرت الى بلدان اخرى. وقد زاد في تقدم الأمور، الاضطراب الحاصل على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي جنباً الى جنب مع اختفاء "الأموال الوفيرة"(abundant money) مما عمّق اختلالات الماكرو وضعف في المالية العامة فأصبحت عدة اقتصادات أوروبية أضعف وبشكل مطرد.
بلغت أزمة الديون السيادية ذروتها في منتصف عام 2012 ومعها ظهرت ملامح تفكك حادة وبدأ المستثمرون تحويل الودائع بعيداً عن المصارف المتعثرة الى مصارف في دول أخرى أكثر هدوءاً، فانخفضت قاعدة الودائع في البلدان الضعيفة وتراجع نمو القروض الى حد كبير عبر منطقة اليورو.
أما بالنسبة لما قام به البنك المركزي الأوروبي خلال هذه المرحلة فيتلخص بالتالي:
خفف ضغط الائتمان، كافح ضد التباطؤ الأقتصادي وتصدّى للتجزئة المالية "financial fragmentation"، واتخذ تدابير واسعة النطاق من خلال سياسة نقدية تقليدية لمنع الانكماش وتراجع الأسعار، كما اتخذ تدابير غير تقليدية (UMP) حالت دون انهيار النظام المالي وساعدت في استعادة الحياة الى سياسة النقدية. وقد تكون هذه الأمور ساعدت بعض الشيء، لكن يبقى القول أن تدفقات الائتمان لا تزال ضعيفة حتى الآن، والنمو لا يبدو في أحسن حال.
خلاصة القول ان أزمة الديون السيادية في منطقة اليورو حالة استثنائية معقدة ومتعددة الطبقات جاءت نتيجة اختلالات اقتصادية ومالية متزاوجة مع أوجه قصور في الحكم وعيوب في التصميم المؤسساتي، بالأضافة الى تراجع في الثقة. ويكون هذا الوضع اي نقاط الضعف في القطاع المصرفي والتي لها اثر سلبي على ازمة الديون السيادية، هو ما حثّ البنك المركزي الأوروبي الى السعي في اتجاه الاتحاد المصرفي والذي قد يكون اذا ما احسن التعاطي معه وتنظيمه قد يساعد منطقة اليورو في الخروج من مشكلتها، وان كان ذلك في المدى البعيد نسبياً.
يتألف الاتحاد المصرفي الأوروبي من جزئين رئيسيين:
• "Single Supervisory Mechanism SSM"
والذي من المقرر ان يبدأ العمل به في البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت.
• " Single Resolution Mechanism SRM"
وهو توأم الـ SSM ويعتبر هيئة مستقلة لتنفيذ القرارات المتخذة.
يعتبر هذا الانجاز جزء من رؤيا طويلة الأمد للتكامل الاقتصادي والمالي ولاستعادة الثقة في المصارف وفي اليورو. اما دور الـ SSM فهو الاشراف على جميع المصارف في منطقة اليورو وضمنها المصارف الصغيرة والتي برهنت التجارب الأخيرة انها قد تشكل تهديداً للاستقرار المالي- لذلك كان من الضروري ان تكون مهمة الاشراف الممنوحة للبنك المركزي الأوروبي تشمل جميع المصارف صغيرة كانت ام كبيرة.
وهكذا يكون لـ SSM دور رقابي على جميع المصارف في منطقة اليورو، ويرصد ادائها، سيما تلك المصارف التي لها أصول تبلغ قيمتها اكثر من 30 بليون دولار او التي تشكل 20% على الأقل من الناتج المحلي الاجمالي لبلدها، بينما يترك للمشرفين الوطنيين مسؤولية الاشراف اليومي على مصارف أقل أهمية.
وعلى سبيل المثال، يرسل البنك المركزي الأوروبي عبر الـ SSM تعليمات الى المشرفين الوطنيين الذي عليهم وبدورهم إخطار المركزي الأوروبي بالقرارات الاشرافية ذات النتائج الحسية. كل هذا بهدف واحد هو تغيير الطريقة التي يجري فيها الاشراف على القطاع المالي الأوروبي- علماً ان الـ SSMتتعامل فقط مع الاشراف المصرفي. اما الاشراف على بقية المؤسسات المالية (مثل شركات التأمين) فتظل اختصاصا وطنيا.
يبقى دور المركزي الأوروبي واسعاً جداً ومنوطة به صلاحيات كبرى من بينها اجازة وسحب تراخيص والاضطلاع بعمليات التفتيش الموقعي، بالتعاون مع المشرفين الوطنيين والتحقق من صحة نماذج البنوك الداخلية، كذلك اجبارهم على اخذ احتياطات اخرى مثل السعي للحصول على رأسمال اضافي والسيولة وغيرها من المتطلبات التحوطية prudential" requirements" .
اما بالنسبة للـSRM فتعتبر تكملة ضرورية للـ SSM ولكي يكون الاشراف المصرفي فعالاً وحلّ كل المصارف المتعثرة غير القادرة على البقاء وبدون هذه اللجنة قد يوجد خللا بين عمليات الاشراف ووظائف القرار.
الجدير بالذكر مصرفياً ان هذه الخطوات الهامة المتخذة من المركزي الأوروبي والتي سوف تدخل حيز التنفيذ في أوائل العام 2014 لا تتعارض مع "بازل ?" وتعتبر تكملة لها او اذا جاز التعبير تلاقيها في العديد من تشريعاتها.
يعتبر بازل ? أساسا لاصلاح الجهود الرامية لزيادة مرونة النظام المصرفي واستعادة الثقة في السوق المصرفية العالمية وتوفير تكافؤ الفرص لهذا القطاع و الأتحاد الأوروبي ينقل عن "بازل ?" عن طريق قطعتين من التشريع: توجيه الاحتياجات من رأس المال، وتنظيم متطلبات رأس المال.
لذلك قد تكون القواعد والمعايير موحدة ولكنه وجب التأكد من انها تنفذ بطريقة مشتركة أيضاً بدون اعفاءات ولا استثناءات.
هذا هو الوضع المصرفي الأوروبي الحالي، ولكن يبقى المهم ان تطبق هذه القرارات ولا تتداخل في بعضها وبين الدول- فأوروبا28 دولة في وضعها الحالي ومستوى الرقابة يجب ان يكون قوياً ومُلزماً سيما وان القطاع المصرفي فيها يشكل حيزاً كبيراً من اقتصادها وتعثره يلقي بتداعياته على اقتصادها الحقيقي- وهل يمكن لأوروبا تحمّل هذه التداعيات سيما ان مستوى البطالة مرتفع والنمو الاقتصادي متراجع وقدرتها التنافسية غير كافية.
البروفسور غريتا صعب.