رضا البطاوى
عضو فعال
- المشاركات
- 2,708
- الإقامة
- مصر
قراءة فى مقال أوكيغاهارا غابة الموت المسكونة
صاحب المقال اياد العطار وهى تدور حول غابة يابانية تشتهر بكونها مكان للمنتحرين الذين يريدون التخلص من حياتهم
استهل العطار مقاله بالحديث عن أن الغابة اسمها بحر الأشجار لغناها بالشجر العالى المتكاثر وأنها غابة مخيفة لمن يدخلها فقال :
"عند سفوح جبل فوجي المقدس، ذلك المارد الياباني المكلل بالثلوج على مدار العام، تنتشر على مد البصر غابة كثيفة أسمها أوكيغاهارا (Aokigahara) ، وتعني "بحر الأشجار"، وهي بالفعل أسم على مسمى، لأنها أشبه ما تكون ببحر متلاطم من قمم الأشجار السامقة التي تشابكت وتداخلت فروعها وأغصانها عبر السنين حتى تحولت إلى مظلة خضراء عملاقة حجبت أشعة الشمس عن القاع المعتم والساكن كسكون الجبانات والمقابر هناك في الأسفل، في قاع الغابة المغطى بالطحالب والأوراق، تلوت وتبعثرت الجذوع والجذور المتعطشة لنور الشمس حتى بدت وكأنها وحوش أسطورية تتأهب للانقضاض على عاثري الحظ الذين تقودهم أقدامهم إلى هذه المتاهة العظيمة من الأشجار إنها غابة سحرية، تماما كتلك الغابات المخيفة والموحشة التي سمعتم عنها في القصص الخرافية، أو كتلك التي شاهدتموها في أفلام الرعب الهوليودية مع فارق أن أوكيغاهارا ليست مجرد خيال بل هي حقيقة ماثلة للعيان كما أن رائحة الموت الثقيلة التي تعبق أجواءها وتنبعث من تربتها وجذوعها وأوراقها ليست طارئة عليها ولا وليدة الحاضر، لكنها ترتبط بماضي مرعب وقاتم بقي عالقا ومحفورا في الذاكرة الجماعية للشعب الياباني حتى اليوم"
وتحدث عن أن الغابة لها تاريخ قاتم فاليابانيون يسمونها غابة العفاريت فقال :
"غابة العفاريت
بعض اليابانيون يطلقون على اوكيغاهارا أسما آخر، هو "غابة العفاريت"، وهم لم يطلقوا عليها هذا الاسم لمجرد كونها غابة مظلمة ومخيفة، ولا لأنها خالية تقريبا من الحياة الحيوانية بصورة محيرة وغامضة، فحتى الطيور تتجنبها ولا تعشش فوق أغصانها! لكن لا ليس هذا هو السبب بل هو أمر آخر مرتبط بممارسة يابانية قديمة ممارسة قاسية ومؤلمة طواها النسيان منذ عهد بعيد، لكن ذكراها وصرخات ضحاياها ما زالت تتردد في جنبات الغابة الملعونة حتى يومنا هذا
ففي الماضي، تحديدا في أوقات المجاعات والكوارث التي يعز ويندر فيها الطعام، كان بعض اليابانيون يمارسون تقليد أوباستي (Ubasute)، حيث كانوا يأخذون المرضى والضعفاء وكبار السن من أفراد عائلاتهم إلى اوكيغاهارا لينبذوهم في تلك الغابة المظلمة والموحشة التي تمتد على مساحة 35 كيلومترا مربعا
هذه التضحية البشرية كانت تعني بقاء أفواه أقل لكي يتم إطعامها وبالتالي تزايد احتمالات النجاة من الموت جوعا بالنسبة لبقية أفراد العائلة ويقال بأن أولئك المساكين وعاثري الحظ المنبوذين في الغابة كانوا يقضون نحبهم ببطء جوعا و بردا أو جراء الخوف والرعب الذي كان يكتنف أجسادهم الهزيلة بسبب بقائهم لوحدهم في ذلك المكان المرعب ويقال أيضا بأن البعض منهم كان يختصر طريق العذاب مرة واحدة، فكان يجمع أطراف ثيابه ويربطها معا كالحبل ليشنق نفسه بها على أقرب جذع شجرة
أولئك البؤساء كانوا يموتون وهم في قمة الغضب والشعور بالظلم والحيف، كيف لا وقد جرى نبذهم من قبل أقرب وأعز الناس أليهم تصور عزيزي القارئ أن يستدرجك أفراد عائلتك إلى غابة أو صحراء لينبذوك ويتركوك تموت هناك وحيدا ماذا سيكون شعورك يا ترى؟
حتما سيعصف الغضب بكل ذرة في كيانك وستصرخ ألما بلا هوادة بسبب الغدر والظلم الذي حاق بك فلا ألم ولا وجع أشد وأفظع و أنكى من وجع قلب وحيد مكسور مغدور صدقني عزيزي القارئ
ولهذا السبب بالذات، يؤمن الكثير من اليابانيين بأن أرواح أولئك المنبوذين الغاضبين لازالت تجوب الغابة حتى اليوم على الرغم من مرور قرون طويلة على موتهم، لازالت صرخاتهم الحانقة تشق سكون ليل الغابة البهيم، لقد تحولوا إلى أرواح شريرة تدعى يوري (Y?rei) ، أرواح تسعى للانتقام من البشر، وويل لعاثر الحظ الذي تطاله مخالب تلك الأرواح الثائرة"
قطعا هذه عقيدة دينية تخص القوم ولكن المعروف أن الغابات مهما افتقرت فهى مليئة بثمار هنا وهناك فلو افترضنا صحة التخلص من المرضى والمسنين بسبب المجاعات فالغابة لن تكون عقابا
هذا التاريخ هو ما كتبه كبار اليابانيين ولكن التاريخ الحقيقى هو أن الكبار كانوا يستخدمون أولئك الناس للتدرب على القتل والرمى ولكنهم كانوا يشعون تلك الاشاعات لكى لا يكتشف أحد تلك الحقيقة المرة
وحكاية تحول الموتى لأرواح شرية تهاجم الناس أو غيرهم هى خرافة لأن الموتى لا يمكن للإنسان أيا كان أن يحس بهم أو يسمع ركزهم وهو كلامهم كما قال سبحانه :
" وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا"
كما أن أرواح وهى أشباح الموتى لا ترجع لل{ض بعد موتها كما قال تعالى :
"أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ
وإنما تصعد عند الجنة أو النار فى السماء كما قال تعالى :
" وفى السماء رزقكم وما توعدون "
وبتحدث عن الكاتب مصدقا وجود طاقة شريرة فى الغابة بدليل أن الجثث فيها توجد يوميا وفى هذا قال :
"ربما لا تصدق هذا الكلام عزيزي القارئ لكن الغابة مسكونة فعلا بطاقة وقوة شريرة غامضة، ففي كل ركن من أركانها وفي كل شبر، على كل غصن وفرع، ترك الموت أثرا لا يمحى
وفي الظلمة، بين الجذوع الموحشة التي ما أبصرت يوما نور شمس أو قمر، مر ملك الموت بهدوئه المعتاد، تتبعه هالة من دخان وسواد، ليستل مزيدا من الأرواح المضطربة ففي اوكيغاهارا لا تنضب الجثث أبدا!
جنة المنتحرين!
لماذا يموت الناس في الغابة؟ أو بالأحرى لماذا يأتون ليموتوا فيها لا أحد يعلم! فمنذ عقود طويلة والناس يأتون بلا انقطاع من جميع أنحاء اليابان لكي ينتحروا في اوكيغاهارا، يقطع بعضهم مئات الأميال بسيارته ليشنق نفسه على جذع شجرة في تلك الغابة المظلمة أليس ذلك عجيبا؟!
الإحصاءات الرسمية تشير إلى أنه ومنذ ستينيات القرن المنصرم كان هناك حوالي مائة شخص ينتحرون سنويا في أوكيغاهارا، هذه النسبة ليست ثابتة طبعا، فهي قد ترتفع وتنخفض من عام إلى آخر في عام 2004 مثلا انتحر 108 أشخاص داخل الغابة، فيما حاول 247 شخص الانتحار فيها عام 2010 ولم ينجح سوى 54 منهم في قتل أنفسهم طبعا هذه الأعداد لا تتضمن الجثث التي لم يعثر عليها والتي قد لا يعثر عليها أبدا بسبب كثافة الغابة ووسعتها، فبعض أجزاء الغابة مازالت بكرا لم تطأها قدم إنسان، وهي تحتوي على عدد غير قليل من الكهوف العميقة، ولهذا السبب لا يعثر على جثث المنتحرين عادة إلا بعد مرور فترة طويلة على موت أصحابها، غالبا بعدما تكون قد تفسخت وتحللت بصورة سيئة
غالبية المنتحرين في أوكيغاهارا يفضلون الموت شنقا على جذع شجرة، فيما يختار آخرون تناول جرعة زائدة من العقاقير والمخدرات أغلبهم يأتون بسياراتهم الخاصة التي يتركونها عند أطراف الغابة ولا يعودون أليها أبدا، البعض منهم قد يخيم لعدة أيام قبل أن ينجح في قتل نفسه والعديد منهم يحمل معه نسخة من كتاب اتارو تسورومي الشهير والمثير للجدل "الدليل الكامل للانتحار"! هو كتاب يقدم المساعدة والإرشاد للأشخاص الراغبين في الانتحار عن طريق عرض وسائل مختلفة ومتنوعة لقتل أنفسهم وبيان مقدار الألم والوقت اللازم لكل وسيلة تم وضع لافتات في جميع ارجاء الغابة لثني الناس عن الانتحار "
إذا الغابة مكان أرشد أحدهم المنتحرين للانتحار فيه وهذا هو نتاج التاريخ الكاذب الذى يتم نشره هنا وهناك
وتحدث عن جهود الحكومات اليابانية للحد من تلك الظاهرة فقال :
"الحكومة اليابانية حاولت الحد من ظاهرة الانتحار داخل اوكيغاهارا بمختلف الوسائل إلى درجة أنها صارت تمتنع عن نشر الإحصائيات المتعلقة بعدد المنتحرين في الغابة وذلك في محاولة منها لتحجيم شهرة الغابة والتقليل من سمعتها كجنة للمنتحرين علاوة على ذلك قامت الحكومة بنصب لافتات في طول الغابة وعرضها تحذر الناس من الموت في أوكيغاهارا وتحاول ثني أولئك الراغبين في الانتحار من المضي قدما في مسعاهم بعبارات شتى من قبيل:
"حياتك هدية ثمينة من والديك فلا تهدرها"
"الرجاء راجع نفسك قبل أن تقتلها"
"الرجاء أتصل بالشرطة قبل أن تقوم بقتل نفسك"
"لا داعي لقتل نفسك فجميع المشاكل قابلة للحل"
"إذا مت هنا فستقوم الدببة بالتبرز على جثتك"!
علاوة على جهود الحكومة ظهرت منذ سبعينيات القرن المنصرم مجموعات دينية وخيرية عديدة تضم متطوعين يجوبون الغابة على مدار الساعة من أجل إقناع الراغبين في الموت بالعدول عن قتل أنفسهم أو من أجل رفع جثثهم المتحللة والمتدلية من على غصون وجذوع الأشجار"
وتحدث عنم أن المشرفين على الغابة أصبح من مهامهم العثور على جثث المنتحرين والنوم معها ليلة فقال :
"النوم مع الجثث!
العثور على الجثث في اوكيغاهارا يعد أمرا روتينيا بالنسبة للموظفين المسئولين عن الغابة، إذا يكاد لا يمر أسبوع من دون أن يعثروا على جثة أو جثتين مرمية هنا وهناك في أرجاء الغابة الواسعة، فيقومون برفع الجثة ويأخذونها معهم إلى المحطة الحكومية المكلفة بحماية وإدارة الغابة لا تنتهي مهمة الموظفين عند هذا الحد، فعلى أحدهم أن ينام مع الجثة ليلا!!
نعم عزيزي القارئ صدق أو لا تصدق يجب على احد الموظفين أن يمضي ليلته برفقة الجثة ولأن الجميع طبعا لا يحبذون النوم مع جثة، خصوصا حينما تكون متحللة ومتعفنة، لهذا دأب الموظفين على الاقتراع فيما بينهم، والخاسر في القرعة عليه أن ينام مع الجثة داخل غرفة خشبية صغيرة لا تحتوي سوى على سريرين، واحد له والآخر للجثة
لكن لماذا يفعلون ذلك؟ "
وأجاب عن سبب بقاء الموظف مع الجثة ليلة هو أن العقيدة الدينية اليابانية تتطلب بقاء أحد من الناس بجوارها لأداء طقوس الجنازة وهو ما يجعل الروح تتحرر وتصبح حامية كما تقول عقيدتهم التى ذكرها الكاتب فقال :
"للإجابة على هذا السؤال ربما علينا أن نلقي نظرة خاطفة وسريعة على عقائد ما بعد الموت لدى اليابانيين
فاليابانيون يؤمنون بأن لجميع البشر روح، وبأن هذه الروح تتحرر من الجسد بعد الموت لتنتقل إلى عالم البرزخ، وهو مكان للانتظار، أشبه ما يكون بمرحلة انتقالية بين الدنيا والآخرة، هناك تنتظر الأرواح حتى ينتهي أفراد عائلتها من تأدية طقوس التأبين والجنازة، وفي حال أجريت جميع تلك الطقوس بصورة صحيحة ودقيقة طبقا للمعتقدات الدينية، ونال الميت الاحترام الذي يستحقه، فأن الروح ستحرر من البرزخ لتلتحق بأرواح أسلافها، وستصبح حامية لأفراد عائلتها الأحياء، وستزورهم كل عام خلال مهرجان الأرواح
لكن إذا لم تجري الطقوس كما يجب، أو إذا مات الشخص ميتة عنيفة، كأن يتعرض للقتل أو ينتحر، أو مات وهو غاضب أو ساخط أو حزين الخ فأن الروح لن تتحرر من البرزخ، وستتحول إلى يوري، وهي أرواح غاضبة تظل تنعق طوال الليل، وبإمكانها الرجوع إلى الدنيا والتأثير في حياة البشر والتلبس بأجسادهم وللتخلص من اليوري، أو بالأحرى تخليصه من أسباب بقاءه بين الأحياء، يجب أولا إنهاء الأسباب التي تمنعه من المغادرة، كأن يحظى بمراسم الجنازة بصورة صحيحة وأن تحظى جثته بالاحترام اللائق، ولهذا السبب بالذات، وكنوع من الاحترام، ولتحرير روحه ومنحها الراحة والسلام، يقوم موظفو الغابة بالمبيت مع جثث الأشخاص المنتحرين"
قطعا عقيدة فاسدة فالأرواح لا تحرر فى الأرض وإنما تصعد للسماء حيث الجنة والنار الموعودتين والتى قال تعالى فيهما :
" وفى السماء رزقكم وما توعدون"
وتساءل عن سبب الانتحار فى تلك الغابة مجيب على سؤاله فقال :
"لماذا ينتحر الناس في اوكيغاهارا؟
غابة اوكيغاهارا عند سفوح جبل فوجي هناك الكثير من السياح الذين يزورون أوكيغاهارا سنويا، فالغابة لا تخلو من مناظر طبيعية خلابة في النهار، خصوصا عند أطرافها القريبة من بحيرة سايكو، لكن لا أحد يتجرأ على التوغل في الغابة بعيدا، فمخيمات السياح وقاذوراتهم وتلويثهم للبيئة يكاد يقتصر على الكيلومتر الأول من أطراف الغابة، ولا أحد يجرأ على الذهاب أبعد من ذلك خشية الضياع، فبعد الكيلومتر الأول تكون الغابة ساكنة وموحشة ومتداخلة بشكل يثير رعب أغلب الناس
وبسبب إعداد السياح والزوار الكبيرة التي تؤم الغابة سنويا، يصعب طبعا معرفة وتمييز من أتى من أجل السياحة والتخييم ومشاهدة المناظر الطبيعية، ومن أتى لجمع عظام الموتى وممارسة السحر، ومن أتى من أجل الانتحار، وبالتالي يصعب على الحكومة والمتطوعين وقف عمليات الانتحار المستمرة منذ عقود طويلة فتفتيش نوايا الزوار هي مهمة مستحيلة طبعا، لكن عوضا عن ذلك عمد بعض الباحثين مؤخرا إلى البحث والتحري عن الأسباب التي تدفع الناس إلى الانتحار في اوكيغاهارا، لأن تحديد المسببات برأيهم هو السبيل الأمثل لوقف عمليات الانتحار في الغابة" وقد ذكر العطار الفرضيات التى قيلت فى سبب الانتحار فى الغابة فقال :
"لكن جميع الفرضيات والنظريات التي وضعها الباحثون والأكاديميون فشلت في تقديم سبب مقنع لهوس الناس بالانتحار في أوكيغاهارا
البعض عزا تفشي الظاهرة إلى رواية يابانية شهيرة نشرت في ستينات القرن المنصرم تدعى "برج الأمواج" حيث يقوم البطل وحبيبته في نهايتها بالانتحار في غابة اوكيغاهارا لكن ما يدحض هذه الفرضية هو أن حالات الانتحار كانت موجودة في الغابة حتى قبل صدور هذه الرواية بعقود طويلة
آخرون يقولون بأن الغابة ذات التربة البركانية والتي تحتوي على رواسب هائلة من الحديد والمعادن تؤثر على طرز تفكير الناس وسلوكهم، تشوشهم وتدفعهم لفعل أمور غريبة كالانتحار، ويستدلون على رأيهم هذا بسلوك البوصلات الغريب داخل الغابة، فالعديد من الناس قالوا بأن بوصلاتهم فقدت صوابها فجأة داخل الغابة ولم تعد قادرة على تحديد الاتجاهات لكن ضباط جيش الدفاع الياباني الذين دأبوا على إجراء تدريباتهم عند أطراف الغابة يقولون بأن هذه الفرضية محض هراء وأن بوصلات الجيش ومعداته تعمل بصورة جيدة ودقيقة داخل الغابة كما خارجها
هناك آخرون يقولون بأن ظاهرة الانتحار هي مشكلة عامة في اليابان ولا تتعلق بغابة اوكيغاهارا فقط، فاليابان أصلا من بين الدول ذات المعدلات الأكثر ارتفاعا في نسب الانتحار والحكومة اليابانية تحاول بكل وسيلة وطريقة منذ أعوام أن تثني الناس عن الانتحار من دون جدوى، فالانتحار برأي البعض جزء من الثقافة اليابانية في الماضي كان محاربو الساموراي ينتحرون علنا بسيوفهم للحفاظ على شرفهم، وأشهر انتحاريي العالم في العصر الحديث هم الكاميكازي اليابانيون الذين كانوا يلقون طائراتهم وأنفسهم فوق المراكب والبوارج الحربية الأمريكية خلال الحرب العالمية الثانية لكن الباحث الياباني إسوزا هايانو، يرى بأن ارتفاع معدل الانتحار لا يفسر لماذا يختار كل هؤلاء الناس هذه الغابة النائية للانتحار فيها، لماذا يقطعون كل هذه المسافات للانتحار هنا؟!
هذا هو السؤال الذي حاول هايانو العثور على إجابة له خلال 30 عاما قضاها في دراسة اوكيغاهارا، جاب خلالها أرجاء الغابة، وأكتشف بنفسه أكثر من مائة جثة لأناس منتحرين، لكنه عاد في النهاية خالي الوفاض، فبعد كل تلك السنوات من الدراسة والبحث لم يجد الرجل أي سبب مقنع يدفع كل أولئك الناس للانتحار في الغابة
ما الذي يجري أذن؟ لماذا يستمر الناس بالانتحار في اوكيغاهارا؟
بعض الروحانيون يجيبون ببساطة قائلين بأن الغابة مسكونة، فبعد قرون طويلة من الغضب والحزن والألم والانتحار، أصبحت الأشباح والعفاريت تجول وتصول في جميع أرجاء الغابة، تلبست بالجذوع والأغصان، واختلطت بالأرض المشبعة بالعظام والجماجم
تلك الأرواح الغاضبة كانت ولا تزال تبحث عن الانتقام، وقد وجدت ضالتها في البشر الذين يزورون الغابة لأغراض شتى، وهكذا فأن الكثيرين ممن عثر على جثثهم في الغابة لم يأتوا أليها أصلا لغاية الانتحار، لكن الغابة أبتلعتهم، لوثت عقولهم، تلبست أجسادهم، منعت عنهم طريق العودة، أحاطتهم بأغصانها وجذوعها ودفعتهم دفعا إلى نهايتهم المفجعة
هل هذا ما حدث حقا؟ لا أعلم
لكن إذا قيض لك يوما أن تزور اليابان عزيزي القارئ فحذار من زيارة غابة الموت لئلا ينتهي بك المطاف معلقا على أحد جذوعها "
انتهى المقال ولم يعرف سبب انتحار الكثير من اليابانيين فى تلك البقعة فالأسباب التى قدمت كلها أسباب فاشلة ولا يوجد تفسير سوى تفسير واحد وهو :
وجود معتقد شعبى يابانى ان من ينتحر فى ذلك المكان يتحرر فهى بمثابة مكان مقدس يطهر الموتى
ومثل هذه المعتقدات موجودة فى ثقافات مختلفة فعندنا يعتقدون أن مات فى الكعبة ويدفن فى مكة يدخل الجنة وكذلك من يدفن فى البقيع
الخلاصة عند اهل كل دين أن من مات فى مكان مقدس يدخل الجنة أو يتحرر أو يعيش حياة ثانية سعيدة
صاحب المقال اياد العطار وهى تدور حول غابة يابانية تشتهر بكونها مكان للمنتحرين الذين يريدون التخلص من حياتهم
استهل العطار مقاله بالحديث عن أن الغابة اسمها بحر الأشجار لغناها بالشجر العالى المتكاثر وأنها غابة مخيفة لمن يدخلها فقال :
"عند سفوح جبل فوجي المقدس، ذلك المارد الياباني المكلل بالثلوج على مدار العام، تنتشر على مد البصر غابة كثيفة أسمها أوكيغاهارا (Aokigahara) ، وتعني "بحر الأشجار"، وهي بالفعل أسم على مسمى، لأنها أشبه ما تكون ببحر متلاطم من قمم الأشجار السامقة التي تشابكت وتداخلت فروعها وأغصانها عبر السنين حتى تحولت إلى مظلة خضراء عملاقة حجبت أشعة الشمس عن القاع المعتم والساكن كسكون الجبانات والمقابر هناك في الأسفل، في قاع الغابة المغطى بالطحالب والأوراق، تلوت وتبعثرت الجذوع والجذور المتعطشة لنور الشمس حتى بدت وكأنها وحوش أسطورية تتأهب للانقضاض على عاثري الحظ الذين تقودهم أقدامهم إلى هذه المتاهة العظيمة من الأشجار إنها غابة سحرية، تماما كتلك الغابات المخيفة والموحشة التي سمعتم عنها في القصص الخرافية، أو كتلك التي شاهدتموها في أفلام الرعب الهوليودية مع فارق أن أوكيغاهارا ليست مجرد خيال بل هي حقيقة ماثلة للعيان كما أن رائحة الموت الثقيلة التي تعبق أجواءها وتنبعث من تربتها وجذوعها وأوراقها ليست طارئة عليها ولا وليدة الحاضر، لكنها ترتبط بماضي مرعب وقاتم بقي عالقا ومحفورا في الذاكرة الجماعية للشعب الياباني حتى اليوم"
وتحدث عن أن الغابة لها تاريخ قاتم فاليابانيون يسمونها غابة العفاريت فقال :
"غابة العفاريت
بعض اليابانيون يطلقون على اوكيغاهارا أسما آخر، هو "غابة العفاريت"، وهم لم يطلقوا عليها هذا الاسم لمجرد كونها غابة مظلمة ومخيفة، ولا لأنها خالية تقريبا من الحياة الحيوانية بصورة محيرة وغامضة، فحتى الطيور تتجنبها ولا تعشش فوق أغصانها! لكن لا ليس هذا هو السبب بل هو أمر آخر مرتبط بممارسة يابانية قديمة ممارسة قاسية ومؤلمة طواها النسيان منذ عهد بعيد، لكن ذكراها وصرخات ضحاياها ما زالت تتردد في جنبات الغابة الملعونة حتى يومنا هذا
ففي الماضي، تحديدا في أوقات المجاعات والكوارث التي يعز ويندر فيها الطعام، كان بعض اليابانيون يمارسون تقليد أوباستي (Ubasute)، حيث كانوا يأخذون المرضى والضعفاء وكبار السن من أفراد عائلاتهم إلى اوكيغاهارا لينبذوهم في تلك الغابة المظلمة والموحشة التي تمتد على مساحة 35 كيلومترا مربعا
هذه التضحية البشرية كانت تعني بقاء أفواه أقل لكي يتم إطعامها وبالتالي تزايد احتمالات النجاة من الموت جوعا بالنسبة لبقية أفراد العائلة ويقال بأن أولئك المساكين وعاثري الحظ المنبوذين في الغابة كانوا يقضون نحبهم ببطء جوعا و بردا أو جراء الخوف والرعب الذي كان يكتنف أجسادهم الهزيلة بسبب بقائهم لوحدهم في ذلك المكان المرعب ويقال أيضا بأن البعض منهم كان يختصر طريق العذاب مرة واحدة، فكان يجمع أطراف ثيابه ويربطها معا كالحبل ليشنق نفسه بها على أقرب جذع شجرة
أولئك البؤساء كانوا يموتون وهم في قمة الغضب والشعور بالظلم والحيف، كيف لا وقد جرى نبذهم من قبل أقرب وأعز الناس أليهم تصور عزيزي القارئ أن يستدرجك أفراد عائلتك إلى غابة أو صحراء لينبذوك ويتركوك تموت هناك وحيدا ماذا سيكون شعورك يا ترى؟
حتما سيعصف الغضب بكل ذرة في كيانك وستصرخ ألما بلا هوادة بسبب الغدر والظلم الذي حاق بك فلا ألم ولا وجع أشد وأفظع و أنكى من وجع قلب وحيد مكسور مغدور صدقني عزيزي القارئ
ولهذا السبب بالذات، يؤمن الكثير من اليابانيين بأن أرواح أولئك المنبوذين الغاضبين لازالت تجوب الغابة حتى اليوم على الرغم من مرور قرون طويلة على موتهم، لازالت صرخاتهم الحانقة تشق سكون ليل الغابة البهيم، لقد تحولوا إلى أرواح شريرة تدعى يوري (Y?rei) ، أرواح تسعى للانتقام من البشر، وويل لعاثر الحظ الذي تطاله مخالب تلك الأرواح الثائرة"
قطعا هذه عقيدة دينية تخص القوم ولكن المعروف أن الغابات مهما افتقرت فهى مليئة بثمار هنا وهناك فلو افترضنا صحة التخلص من المرضى والمسنين بسبب المجاعات فالغابة لن تكون عقابا
هذا التاريخ هو ما كتبه كبار اليابانيين ولكن التاريخ الحقيقى هو أن الكبار كانوا يستخدمون أولئك الناس للتدرب على القتل والرمى ولكنهم كانوا يشعون تلك الاشاعات لكى لا يكتشف أحد تلك الحقيقة المرة
وحكاية تحول الموتى لأرواح شرية تهاجم الناس أو غيرهم هى خرافة لأن الموتى لا يمكن للإنسان أيا كان أن يحس بهم أو يسمع ركزهم وهو كلامهم كما قال سبحانه :
" وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا"
كما أن أرواح وهى أشباح الموتى لا ترجع لل{ض بعد موتها كما قال تعالى :
"أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ
وإنما تصعد عند الجنة أو النار فى السماء كما قال تعالى :
" وفى السماء رزقكم وما توعدون "
وبتحدث عن الكاتب مصدقا وجود طاقة شريرة فى الغابة بدليل أن الجثث فيها توجد يوميا وفى هذا قال :
"ربما لا تصدق هذا الكلام عزيزي القارئ لكن الغابة مسكونة فعلا بطاقة وقوة شريرة غامضة، ففي كل ركن من أركانها وفي كل شبر، على كل غصن وفرع، ترك الموت أثرا لا يمحى
وفي الظلمة، بين الجذوع الموحشة التي ما أبصرت يوما نور شمس أو قمر، مر ملك الموت بهدوئه المعتاد، تتبعه هالة من دخان وسواد، ليستل مزيدا من الأرواح المضطربة ففي اوكيغاهارا لا تنضب الجثث أبدا!
جنة المنتحرين!
لماذا يموت الناس في الغابة؟ أو بالأحرى لماذا يأتون ليموتوا فيها لا أحد يعلم! فمنذ عقود طويلة والناس يأتون بلا انقطاع من جميع أنحاء اليابان لكي ينتحروا في اوكيغاهارا، يقطع بعضهم مئات الأميال بسيارته ليشنق نفسه على جذع شجرة في تلك الغابة المظلمة أليس ذلك عجيبا؟!
الإحصاءات الرسمية تشير إلى أنه ومنذ ستينيات القرن المنصرم كان هناك حوالي مائة شخص ينتحرون سنويا في أوكيغاهارا، هذه النسبة ليست ثابتة طبعا، فهي قد ترتفع وتنخفض من عام إلى آخر في عام 2004 مثلا انتحر 108 أشخاص داخل الغابة، فيما حاول 247 شخص الانتحار فيها عام 2010 ولم ينجح سوى 54 منهم في قتل أنفسهم طبعا هذه الأعداد لا تتضمن الجثث التي لم يعثر عليها والتي قد لا يعثر عليها أبدا بسبب كثافة الغابة ووسعتها، فبعض أجزاء الغابة مازالت بكرا لم تطأها قدم إنسان، وهي تحتوي على عدد غير قليل من الكهوف العميقة، ولهذا السبب لا يعثر على جثث المنتحرين عادة إلا بعد مرور فترة طويلة على موت أصحابها، غالبا بعدما تكون قد تفسخت وتحللت بصورة سيئة
غالبية المنتحرين في أوكيغاهارا يفضلون الموت شنقا على جذع شجرة، فيما يختار آخرون تناول جرعة زائدة من العقاقير والمخدرات أغلبهم يأتون بسياراتهم الخاصة التي يتركونها عند أطراف الغابة ولا يعودون أليها أبدا، البعض منهم قد يخيم لعدة أيام قبل أن ينجح في قتل نفسه والعديد منهم يحمل معه نسخة من كتاب اتارو تسورومي الشهير والمثير للجدل "الدليل الكامل للانتحار"! هو كتاب يقدم المساعدة والإرشاد للأشخاص الراغبين في الانتحار عن طريق عرض وسائل مختلفة ومتنوعة لقتل أنفسهم وبيان مقدار الألم والوقت اللازم لكل وسيلة تم وضع لافتات في جميع ارجاء الغابة لثني الناس عن الانتحار "
إذا الغابة مكان أرشد أحدهم المنتحرين للانتحار فيه وهذا هو نتاج التاريخ الكاذب الذى يتم نشره هنا وهناك
وتحدث عن جهود الحكومات اليابانية للحد من تلك الظاهرة فقال :
"الحكومة اليابانية حاولت الحد من ظاهرة الانتحار داخل اوكيغاهارا بمختلف الوسائل إلى درجة أنها صارت تمتنع عن نشر الإحصائيات المتعلقة بعدد المنتحرين في الغابة وذلك في محاولة منها لتحجيم شهرة الغابة والتقليل من سمعتها كجنة للمنتحرين علاوة على ذلك قامت الحكومة بنصب لافتات في طول الغابة وعرضها تحذر الناس من الموت في أوكيغاهارا وتحاول ثني أولئك الراغبين في الانتحار من المضي قدما في مسعاهم بعبارات شتى من قبيل:
"حياتك هدية ثمينة من والديك فلا تهدرها"
"الرجاء راجع نفسك قبل أن تقتلها"
"الرجاء أتصل بالشرطة قبل أن تقوم بقتل نفسك"
"لا داعي لقتل نفسك فجميع المشاكل قابلة للحل"
"إذا مت هنا فستقوم الدببة بالتبرز على جثتك"!
علاوة على جهود الحكومة ظهرت منذ سبعينيات القرن المنصرم مجموعات دينية وخيرية عديدة تضم متطوعين يجوبون الغابة على مدار الساعة من أجل إقناع الراغبين في الموت بالعدول عن قتل أنفسهم أو من أجل رفع جثثهم المتحللة والمتدلية من على غصون وجذوع الأشجار"
وتحدث عنم أن المشرفين على الغابة أصبح من مهامهم العثور على جثث المنتحرين والنوم معها ليلة فقال :
"النوم مع الجثث!
العثور على الجثث في اوكيغاهارا يعد أمرا روتينيا بالنسبة للموظفين المسئولين عن الغابة، إذا يكاد لا يمر أسبوع من دون أن يعثروا على جثة أو جثتين مرمية هنا وهناك في أرجاء الغابة الواسعة، فيقومون برفع الجثة ويأخذونها معهم إلى المحطة الحكومية المكلفة بحماية وإدارة الغابة لا تنتهي مهمة الموظفين عند هذا الحد، فعلى أحدهم أن ينام مع الجثة ليلا!!
نعم عزيزي القارئ صدق أو لا تصدق يجب على احد الموظفين أن يمضي ليلته برفقة الجثة ولأن الجميع طبعا لا يحبذون النوم مع جثة، خصوصا حينما تكون متحللة ومتعفنة، لهذا دأب الموظفين على الاقتراع فيما بينهم، والخاسر في القرعة عليه أن ينام مع الجثة داخل غرفة خشبية صغيرة لا تحتوي سوى على سريرين، واحد له والآخر للجثة
لكن لماذا يفعلون ذلك؟ "
وأجاب عن سبب بقاء الموظف مع الجثة ليلة هو أن العقيدة الدينية اليابانية تتطلب بقاء أحد من الناس بجوارها لأداء طقوس الجنازة وهو ما يجعل الروح تتحرر وتصبح حامية كما تقول عقيدتهم التى ذكرها الكاتب فقال :
"للإجابة على هذا السؤال ربما علينا أن نلقي نظرة خاطفة وسريعة على عقائد ما بعد الموت لدى اليابانيين
فاليابانيون يؤمنون بأن لجميع البشر روح، وبأن هذه الروح تتحرر من الجسد بعد الموت لتنتقل إلى عالم البرزخ، وهو مكان للانتظار، أشبه ما يكون بمرحلة انتقالية بين الدنيا والآخرة، هناك تنتظر الأرواح حتى ينتهي أفراد عائلتها من تأدية طقوس التأبين والجنازة، وفي حال أجريت جميع تلك الطقوس بصورة صحيحة ودقيقة طبقا للمعتقدات الدينية، ونال الميت الاحترام الذي يستحقه، فأن الروح ستحرر من البرزخ لتلتحق بأرواح أسلافها، وستصبح حامية لأفراد عائلتها الأحياء، وستزورهم كل عام خلال مهرجان الأرواح
لكن إذا لم تجري الطقوس كما يجب، أو إذا مات الشخص ميتة عنيفة، كأن يتعرض للقتل أو ينتحر، أو مات وهو غاضب أو ساخط أو حزين الخ فأن الروح لن تتحرر من البرزخ، وستتحول إلى يوري، وهي أرواح غاضبة تظل تنعق طوال الليل، وبإمكانها الرجوع إلى الدنيا والتأثير في حياة البشر والتلبس بأجسادهم وللتخلص من اليوري، أو بالأحرى تخليصه من أسباب بقاءه بين الأحياء، يجب أولا إنهاء الأسباب التي تمنعه من المغادرة، كأن يحظى بمراسم الجنازة بصورة صحيحة وأن تحظى جثته بالاحترام اللائق، ولهذا السبب بالذات، وكنوع من الاحترام، ولتحرير روحه ومنحها الراحة والسلام، يقوم موظفو الغابة بالمبيت مع جثث الأشخاص المنتحرين"
قطعا عقيدة فاسدة فالأرواح لا تحرر فى الأرض وإنما تصعد للسماء حيث الجنة والنار الموعودتين والتى قال تعالى فيهما :
" وفى السماء رزقكم وما توعدون"
وتساءل عن سبب الانتحار فى تلك الغابة مجيب على سؤاله فقال :
"لماذا ينتحر الناس في اوكيغاهارا؟
غابة اوكيغاهارا عند سفوح جبل فوجي هناك الكثير من السياح الذين يزورون أوكيغاهارا سنويا، فالغابة لا تخلو من مناظر طبيعية خلابة في النهار، خصوصا عند أطرافها القريبة من بحيرة سايكو، لكن لا أحد يتجرأ على التوغل في الغابة بعيدا، فمخيمات السياح وقاذوراتهم وتلويثهم للبيئة يكاد يقتصر على الكيلومتر الأول من أطراف الغابة، ولا أحد يجرأ على الذهاب أبعد من ذلك خشية الضياع، فبعد الكيلومتر الأول تكون الغابة ساكنة وموحشة ومتداخلة بشكل يثير رعب أغلب الناس
وبسبب إعداد السياح والزوار الكبيرة التي تؤم الغابة سنويا، يصعب طبعا معرفة وتمييز من أتى من أجل السياحة والتخييم ومشاهدة المناظر الطبيعية، ومن أتى لجمع عظام الموتى وممارسة السحر، ومن أتى من أجل الانتحار، وبالتالي يصعب على الحكومة والمتطوعين وقف عمليات الانتحار المستمرة منذ عقود طويلة فتفتيش نوايا الزوار هي مهمة مستحيلة طبعا، لكن عوضا عن ذلك عمد بعض الباحثين مؤخرا إلى البحث والتحري عن الأسباب التي تدفع الناس إلى الانتحار في اوكيغاهارا، لأن تحديد المسببات برأيهم هو السبيل الأمثل لوقف عمليات الانتحار في الغابة" وقد ذكر العطار الفرضيات التى قيلت فى سبب الانتحار فى الغابة فقال :
"لكن جميع الفرضيات والنظريات التي وضعها الباحثون والأكاديميون فشلت في تقديم سبب مقنع لهوس الناس بالانتحار في أوكيغاهارا
البعض عزا تفشي الظاهرة إلى رواية يابانية شهيرة نشرت في ستينات القرن المنصرم تدعى "برج الأمواج" حيث يقوم البطل وحبيبته في نهايتها بالانتحار في غابة اوكيغاهارا لكن ما يدحض هذه الفرضية هو أن حالات الانتحار كانت موجودة في الغابة حتى قبل صدور هذه الرواية بعقود طويلة
آخرون يقولون بأن الغابة ذات التربة البركانية والتي تحتوي على رواسب هائلة من الحديد والمعادن تؤثر على طرز تفكير الناس وسلوكهم، تشوشهم وتدفعهم لفعل أمور غريبة كالانتحار، ويستدلون على رأيهم هذا بسلوك البوصلات الغريب داخل الغابة، فالعديد من الناس قالوا بأن بوصلاتهم فقدت صوابها فجأة داخل الغابة ولم تعد قادرة على تحديد الاتجاهات لكن ضباط جيش الدفاع الياباني الذين دأبوا على إجراء تدريباتهم عند أطراف الغابة يقولون بأن هذه الفرضية محض هراء وأن بوصلات الجيش ومعداته تعمل بصورة جيدة ودقيقة داخل الغابة كما خارجها
هناك آخرون يقولون بأن ظاهرة الانتحار هي مشكلة عامة في اليابان ولا تتعلق بغابة اوكيغاهارا فقط، فاليابان أصلا من بين الدول ذات المعدلات الأكثر ارتفاعا في نسب الانتحار والحكومة اليابانية تحاول بكل وسيلة وطريقة منذ أعوام أن تثني الناس عن الانتحار من دون جدوى، فالانتحار برأي البعض جزء من الثقافة اليابانية في الماضي كان محاربو الساموراي ينتحرون علنا بسيوفهم للحفاظ على شرفهم، وأشهر انتحاريي العالم في العصر الحديث هم الكاميكازي اليابانيون الذين كانوا يلقون طائراتهم وأنفسهم فوق المراكب والبوارج الحربية الأمريكية خلال الحرب العالمية الثانية لكن الباحث الياباني إسوزا هايانو، يرى بأن ارتفاع معدل الانتحار لا يفسر لماذا يختار كل هؤلاء الناس هذه الغابة النائية للانتحار فيها، لماذا يقطعون كل هذه المسافات للانتحار هنا؟!
هذا هو السؤال الذي حاول هايانو العثور على إجابة له خلال 30 عاما قضاها في دراسة اوكيغاهارا، جاب خلالها أرجاء الغابة، وأكتشف بنفسه أكثر من مائة جثة لأناس منتحرين، لكنه عاد في النهاية خالي الوفاض، فبعد كل تلك السنوات من الدراسة والبحث لم يجد الرجل أي سبب مقنع يدفع كل أولئك الناس للانتحار في الغابة
ما الذي يجري أذن؟ لماذا يستمر الناس بالانتحار في اوكيغاهارا؟
بعض الروحانيون يجيبون ببساطة قائلين بأن الغابة مسكونة، فبعد قرون طويلة من الغضب والحزن والألم والانتحار، أصبحت الأشباح والعفاريت تجول وتصول في جميع أرجاء الغابة، تلبست بالجذوع والأغصان، واختلطت بالأرض المشبعة بالعظام والجماجم
تلك الأرواح الغاضبة كانت ولا تزال تبحث عن الانتقام، وقد وجدت ضالتها في البشر الذين يزورون الغابة لأغراض شتى، وهكذا فأن الكثيرين ممن عثر على جثثهم في الغابة لم يأتوا أليها أصلا لغاية الانتحار، لكن الغابة أبتلعتهم، لوثت عقولهم، تلبست أجسادهم، منعت عنهم طريق العودة، أحاطتهم بأغصانها وجذوعها ودفعتهم دفعا إلى نهايتهم المفجعة
هل هذا ما حدث حقا؟ لا أعلم
لكن إذا قيض لك يوما أن تزور اليابان عزيزي القارئ فحذار من زيارة غابة الموت لئلا ينتهي بك المطاف معلقا على أحد جذوعها "
انتهى المقال ولم يعرف سبب انتحار الكثير من اليابانيين فى تلك البقعة فالأسباب التى قدمت كلها أسباب فاشلة ولا يوجد تفسير سوى تفسير واحد وهو :
وجود معتقد شعبى يابانى ان من ينتحر فى ذلك المكان يتحرر فهى بمثابة مكان مقدس يطهر الموتى
ومثل هذه المعتقدات موجودة فى ثقافات مختلفة فعندنا يعتقدون أن مات فى الكعبة ويدفن فى مكة يدخل الجنة وكذلك من يدفن فى البقيع
الخلاصة عند اهل كل دين أن من مات فى مكان مقدس يدخل الجنة أو يتحرر أو يعيش حياة ثانية سعيدة