رضا البطاوى
عضو فعال
- المشاركات
- 2,708
- الإقامة
- مصر
وقد ثبت في الصحيح: أن النبي (ص) لما دخل بصفية قال أصحابه: إن أرخى عليها الحجاب فهي من أمهات المؤمنين وإن لم يضرب عليها الحجاب فهي مما ملكت يمينه فضرب عليها الحجاب وإنما ضرب الحجاب على النساء لئلا ترى وجوههن وأيديهن والحجاب مختص بالحرائر دون الإماء كما كانت سنة المؤمنين في زمن النبي (ص) وخلفائه أن الحرة تحتجب والأمة تبرز وكان عمر رضي الله عنه إذا رأى أمة مختمرة ضربها وقال: أتتشبهين بالحرائر أي لكاع فيظهر من الأمة رأسها ويداها ووجهها وقال تعالى: {والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن} فرخص للعجوز التي لا تطمع في النكاح أن تضع ثيابها فلا تلقي عليها جلبابها ولا تحتجب وإن كانت مستثناة من الحرائر لزوال المفسدة الموجودة في غيرها كما استثنى التابعين غير أولي الإربة من الرجال في إظهار الزينة لهم في عدم الشهوة التي تتولد منها الفتنة وكذلك الأمة إذا كان يخاف بها الفتنة كان عليها أن ترخي من جلبابها وتحتجب ووجب غض البصر عنها ومنها وليس في الكتاب والسنة إباحة النظر إلى عامة الإماء ولا ترك احتجابهن وإبداء زينتهن ولكن القرآن لم يأمرهن بما أمر
الحرائر والسنة فرقت بالفعل بينهن وبين الحرائر ولم تفرق بينهن وبين الحرائر بلفظ عام بل كانت عادة المؤمنين أن تحتجب منهم الحرائر دون الإماء واستثنى القرآن من النساء الحرائر القواعد فلم يجعل عليهن احتجابا واستثنى بعض الرجال وهم غير أولي الإربة فلم يمنع من إبداء الزينة الخفية لهم لعدم الشهوة في هؤلاء وهؤلاء فأن يستثنى بعض الإماء أولى وأحرى وهن من كانت الشهوة والفتنة حاصلة بترك احتجابها وإبداء زينتها وكما أن المحارم أبناء أزواجهن ونحوه ممن فيهن شهوة وشغف لم يجز إبداء الزينة الخفية له فالخطاب خرج عاما على العادة فما خرج عن العادة خرج به عن نظائره فإذا كان في ظهور الأمة والنظر إليها فتنة وجب المنع من ذلك كما لو كانت في غير ذلك وهكذا الرجل مع الرجال والمرأة مع النساء: لو كان في المرأة فتنة للنساء وفي الرجل فتنة للرجال لكان الأمر بالغض للناظر من بصره متوجها كما يتوجه إليه الأمر بحفظ فرجه فالإماء والصبيان إذا كن حسانا تخشى الفتنة بالنظر إليهم كان حكمهم كذلك كما ذكر ذلك العلماء
قال المروذي: قلت لأبي عبد الله يعني أحمد بن حنبل - الرجل ينظر إلى المملوك؟ قال: إذا خاف الفتنة لم ينظر إليه كم نظرة ألقت في قلب صاحبها البلاء
وقال المروذي: قلت لأبي عبد الله: رجل تاب وقال: لو ضرب ظهري بالسياط ما دخلت في معصية إلا أنه لا يدع النظر فقال: أي توبة هذه؟ قال جرير سألت رسول الله (ص) عن نظرة الفجأة فقال: "اصرف بصرك" وقال ابن أبي الدنيا: حدثني أبي وسويد قالا: حدثني إبراهيم بن هراسة عن عثمان بن صالح عن الحسن بن ذكوان قال: لا تجالسوا أولاد الأغنياء فإن لهم صورا كصور النساء وهم أشد فتنة من العذارى وهذا الاستدلال والقياس والتنبيه بالأدنى على الأعلى إلى أن قال: وكذلك المرأة مع المرأة وكذلك محارم المرأة مع ابن زوجها وابنه وابن أخيها وابن أختها ومملوكها عند من يجعله محرما متى كان يخاف عليه الفتنة أو عليها توجه الاحتجاب بل وجب
وهذه المواضع التي أمر الله تعالى بالاحتجاب فيها مظنة الفتنة ولهذا قال تعالى: {ذلك أزكى لهم} فقد تحصل الزكاة والطهارة بدون ذلك لكن هذا أزكى وإذا كان النظر والبروز قد انتفى فيه الزكاة والطهارة لما يوجد في ذلك من شهوة القلب واللذة بالنظر كان ترك النظر والاحتجاب أولى بالوجوب
وروى الجماعة إلا مسلما أن النبي (ص) لعن المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء وقال: "أخرجوهم من بيوتكم وأخرجوا فلانا وفلانا": يعني المخنثين وقد ذكر بعضهم أنهم كانوا ثلاثة: - بيم وهيت وماتع - على عهد رسول الله (ص) ولم يكونوا يرمون بالفاحشة الكبرى إنما كان تخنثهم وتأنيثهم لينا في القول وخضابا في الأيدي والأرجل كخضاب النساء ولعبا كلعبهن
وفي سنن أبي داود عن أبي يسار القرشي عن أبي هاشم عن أبي هريرة أن النبي (ص) أتي بمخنث وقد خضب رجليه ويديه بالحناء فقال: "ما بال هذا؟ " فقيل: يا رسول الله يتشبه بالنساء فأمر به فنفي إلى النقيع فقيل: يا رسول الله ألا نقتله فقال: " إني نهيت عن قتل المصلين"
فإذا كان النبي (ص) قد أمر بإخراج مثل هؤلاء من البيوت فمعلوم أن الذي يمكن الرجال من نفسه والاستمتاع به وبما يشاهدونه من محاسنه وفعل الفاحشة الكبرى به شر من هؤلاء وهو أحق بالنفي من بين أظهر المسلمين وإخراجه عنهم فإن المخنث فيه إفساد للرجال والنساء لأنه تشبه بالنساء فقد تعاشره النساء ويتعلمن منه وهو رجل فيفسدهن ولأن الرجال إذا مالوا إليه فقد يعرضون عن النساء ولأن المرأة إذا رأت الرجل يتخنث فقد تترجل هي وتتشبه بالرجال فتعاشر الصنفين وتختار هي مجامعة النساء كما يختار هو مجامعة الرجال والله سبحانه قد أمر في كتابه بغض البصر وهو نوعان: غض البصر عن العورة وغضه عن محل الشهوة
فالأول: كغض الرجل بصره عن عورة غيره كما قال النبي (ص): "لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة" ويجب على الإنسان أن يستر عورته كما قال لمعاوية بن حيدة: "احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك" قلت: فإذا كان أحدنا مع قومه؟ قال: "إن استطعت أن لا تريها أحدا فلا يرينها"قلت: فإذا كان أحدنا خاليا؟ قال: "فالله أحق أن يستحيا منه من الناس" ويجوز كشفها بقدر الحاجة كما تكشف عند التخلي ولهذا إذا اغتسل الرجل وحده - بحيث يجد ما يستره - فله أن يغتسل عريانا كما اغتسل موسى عريانا وأيوب وكما في اغتسال النبي (ص) يوم الفتح واغتساله في حديث ميمونة
وأما النوع الثاني من النظر - كالنظر إلى الزينة الباطنة من المرأة الأجنبية - فهذا أشد من الأول كما أن الخمر أشد من الميتة والدم ولحم الخنزير وعلى صاحبها الحد وتلك المحرمات إذا تناولها مستحلا لها5 كان عليه التعزير لأن هذه المحرمات لا تشتهيها النفوس كما تشتهي الخمر وكذلك النظر إلى عورة الرجل لا يشتهى كما يشتهى النظر إلى النساء ونحوهن وكذلك النظر إلى الأمرد بشهوة هو من هذا الباب
وقد اتفق العلماء على تحريم ذلك كما اتفقوا على تحريم النظر إلى الأجنبية وذوات المحارم بشهوة إلى أن قال: فصار النظر إلى المردان ثلاثة أقسام:
أحدها: ما تقترن به الشهوة فهو محرم بالاتفاق
والثاني: ما يجزم أنه لا شهوة معه كنظر الرجل الورع إلى ابنه الحسن وابنته الحسنة وأمه الحسنة فهذا لا يقترن به شهوة إلا أن يكون الرجل من أفجر الناس ومتى اقترنت به الشهوة حرم
وعلى هذا نظر من لا يميل قلبه إلى المردان كما كان الصحابة وكالأمم الذين لا يعرفون هذه الفاحشة فإن الواحد من هؤلاء لا يفرق من هذا الوجه بين نظره إلى ابنه وابن جاره وصبي أجنبي لا يخطر بقلبه شيء من الشهوة لأنه لم يعتد ذلك وهو سليم القلب من قبل ذلك وقد كانت الإماء على عهد الصحابة يمشين في الطرقات متكشفات الرءوس ويخدمن الرجال مع سلامة القلوب فلو أراد الرجل أن يترك الإماء التركيات الحسان يمشين بين الناس في مثل هذه البلاد والأوقات كما كان أولئك الإماء يمشين كان هذا من باب الفساد وكذلك المردان الحسان لا يصلح أن يخرجوا في الأمكنة والأزقة التي يخاف فيها الفتنة بهم إلا بقدر الحاجة فلا يمكن الأمرد الحسن من التبرج ولا من الجلوس في الحمام بين الأجانب ولا من رقصه بين الرجال ونحو ذلك مما فيه فتنة للناس والنظر إليه كذلك وإنما وقع النزاع بين العلماء في القسم الثالث من النظر وهو النظر إليه بغير شهوة لكن مع خوف ثورانها ففيه وجهان في مذهب أحمد أصحهما وهو المحكي عن نص الشافعي وغيره أنه لا يجوز والثاني: يجوز لأن الأصل عدم ثورانها فلا يحرم بالشك بل قد يكره والأول هو الراجح كما أن الراجح في مذهب الشافعي وأحمد أن النظر إلى وجه الأجنبية من غير حاجة لا يجوز وإن كانت الشهوة منتفية لكن لأنه يخاف ثورانها ولهذا حرم الخلوة بالأجنبية لأنه مظنة الفتنة، والأصل أن كل ما كان سببا للفتنة فإنه لا يجوز فإن الذريعة إلى الفساد يجب سدها إذا لم يعارضها مصلحة راجحة ولهذا كان النظر الذي قد يفضي إلى الفتنة محرما إلا إذا كان لحاجة راجحة مثل نظر الخاطب والطبيب وغيرهما فإنه يباح النظر للحاجة مع عدم الشهوة وأما النظر لغير حاجة إلى محل الفتنة فلا يجوز
وأما الأبصار فلا بد من فتحها والنظر بها وقد يفجأ الإنسان ما ينظر إليه بغير قصد فلا يمكن غضها مطلقا ولهذا أمر تعالى عباده بالغض منها كما أمر لقمان ابنه بالغض من صوته وأما قوله تعالى: {إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله}[الحجرات: ] الآية فإنه مدحهم على غض الصوت عند رسوله مطلقا فهم مأمورون بذلك في مثل ذلك ينهون عن رفع الصوت عنده (ص) وأما غض الصوت مطلقا عند رسول الله (ص) فهو غض خاص ممدوح ويمكن العبد أن يغض صوته مطلقا في كل حال ولم يؤمر العبد به بل يؤمر برفع الصوت في مواضع: إما أمر إيجاب أو استحباب فلهذا قال: {واغضض من صوتك} [لقمان] ، فإن الغض في الصوت والبصر جماع ما يدخل إلى القلب ويخرج منه فبالسمع يدخل القلب وبالصوت يخرج منه كما جمع العضوين في قوله: {ألم نجعل له عينين * ولسانا وشفتين} [البلد] ، فبالعين والنظر يعرف القلب الأمور واللسان والصوت يخرجان من عند القلب الأمور هذا رائد القلب وصاحب خبره وجاسوسه وهذا ترجمانه
ثم قال تعالى: {ذلك أزكى لهم} [النور] ، وقال: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} [التوبة: ] ، وقال: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} [الأحزاب: ] ، وقال في آية الاستئذان: {وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم} [النور] ، وقال: {فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن} [الأحزاب] ، وقال: {فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر} [المجادلة ]
وقال النبي (ص): "اللهم طهر قلبي من خطاياي بالماء والثلج والبرد" وقال في دعاء الجنازة: "واغسله بماء وثلج وبرد ونقه من خطاياه كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس"
فالطهارة - والله أعلم - هي من الذنوب التي هي رجس والزكاة تتضمن معنى الطهارة التي هي عدم الذنوب ومعنى النماء بالأعمال الصالحة: مثل المغفرة والرحمة ومثل النجاة من العذاب والفوز بالثواب ومثل عدم الشر وحصول الخير وأما نظر الفجأة فهو عفو إذا صرف بصره كما ثبت في "الصحاح" عن جرير قال سألت رسول الله (ص) عن نظر الفجأة قال: "اصرف بصرك"وفي السنن أنه قال لعلي رضي الله عنه: " يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الثانية" وفي الحديث الذي في المسند وغيره: "النظر سهم مسموم من سهام إبليس" وفيه: " من نظر إلى محاسن امرأة ثم غض بصره عنها أورث الله قلبه حلاوة عبادة يجدها إلى يوم القيامة" أو كما قال ولهذا يقال: إن غض البصر عن الصورة التي ينهى عن النظر إليها: كالمرأة والأمرد الحسن يورث ذلك ثلاث فوائد جليلة القدر:
إحداها: حلاوة الإيمان ولذته التي هي أحلى وأطيب مما تركه لله " فإن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه"
وأما الفائدة الثانية من غض البصر: فهو يورث نور القلب والفراسة قال تعالى عن قوم لوط: {لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون} [الحجر] ، فالتعلق بالصور يوجب فساد العقل وعمى البصيرة وسكر القلب بل جنونه
وذكر الله سبحانه آية النور عقيب آيات غض البصر فقال: {الله نور السماوات والأرض} [النور] وكان شاه بن شجاع الكرماني لا تخطئ له فراسة وكان يقول:
من عمر ظاهره باتباع السنة وباطنه بدوام المراقبة وغض بصره عن المحارم وكف نفسه عن الشهوات وذكر خصلة سادسة أظنه هو أكل الحلال: لم تخطئ له فراسة والله تعالى يجزي العبد على عمله بما هو من جنس عمله فيطلق نور بصيرته ويفتح عليه باب العلم والمعرفة والكشوف ونحو ذلك مما ينال ببصيرة القلب
الفائدة الثالثة: قوة القلب وثباته وشجاعته فيجعل الله له سلطان البصيرة مع سلطان الحجة فإن الرجل الذي يخالف هواه يفرق الشيطان من ظله ولهذا يوجد في المتبع هواه من ذل النفس وضعفها ومهانتها ما جعله الله لمن عصاه
وإن الله جعل العزة لمن أطاعه والذلة لمن عصاه قال الله تعالى: {يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين} [المنافقون: 8] ، وقال تعالى: {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين} [آل عمران: 9] ولهذا كان في كلام الشيوخ: الناس يطلبون العز بأبواب الملوك ولا يجدونه إلا في طاعة الله
وكان الحسن البصري يقول: وإن هملجت بهم البراذين وطقطقت بهم البغال فإن ذل المعصية في رقابهم أبى الله إلا أن يذل من عصاه ومن أطاع الله فقد والاه فيما أطاعه فيه ومن عصاه ففيه قسط من فعل من عاداه بمعاصيه وفي دعاء القنوت: "إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت"
وأما أهل الفواحش الذين لا يغضون أبصارهم ولا يحفظون فروجهم فقد وصفهم الله بضد ذلك: من السكرة والعمه والجهالة وعدم العقل وعدم الرشد والبغض وطمس الأبصار هذا مع ما وصفهم به من الخبث والفسوق والعدوان والإسراف والسوء والفحش والفساد والإجرام فقال عن قوم لوط: {بل أنتم قوم تجهلون} فوصفهم بالجهل وقال: {لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون} وقال: {أليس منكم رجل رشيد} وقال: {لطمسنا على أعينهم} وقال: {بل أنتم قوم مسرفون} وقال: {فانظر كيف كان عاقبة المجرمين} وقال: {إنهم كانوا قوم سوء فاسقين} وقال: {أإنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر} [العنكبوت]
إلى قوله: {انصرني على القوم المفسدين} إلى قوله: {بما كانوا يفسقون} وقوله: {مسومة عند ربك للمسرفين}
بل قد ينتهي النظر والمباشرة بالرجل إلى الشرك كما قال تعالى: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله} [البقرة]
ولهذا لا يكون عشق الصور إلا من ضعف محبة الله وضعف الإيمان والله تعالى إنما ذكره في القرآن عن امرأة العزيز المشركة وعن قوم لوط المشركين والعاشق المتيم يصير عبدا لمعشوقه منقادا له أسير القلب له"
الأخطاء فى الفقرات السابقة هى :
الأول أن ظهور النساء سبب الفتنة وهو كلام يخالف ان كل الأشياء خيرا أو شرا فتنة أى ابتلاء كما قال تعالى " ونبلوكم بالشر والخير فتنة"
الثانى: ذكر عبيدة السلماني وغيره: أن نساء المؤمنين كن يدنين عليهن الجلابيب من فوق رءوسهن حتى لا يظهر إلا عيونهن لأجل رؤية الطريق وقال: {وليضربن بخمرهن على جيوبهن} فلما نزل ذلك عمد نساء المؤمنين إلى خمرهن فشققنهن وأرخينها على أعناقهن و"الجيب": هو شق في طول القميص فإذا ضربت المرأة بالخمار على الجيب سترت عنقها "
نجد هنا تناقض بين القول كن يدنين عليهن الجلابيب من فوق رءوسهن فالجلابيب ترمى من فوق الرءوس وهو ما يناقض تغطية الأعناق بقوله وأرخينها على أعناقهن" والجنون فى الفقرة أن النساء لو رفعت الجلابيب من الخلف على رءوسهن فإن سيقاهن وظهورهن من الخلف ستكون عارية فأى كلام هذا؟
الثالث النص طوكان عمر رضي الله عنه إذا رأى أمة مختمرة ضربها وقال: أتتشبهين بالحرائر أي لكاع فيظهر من الأمة رأسها ويداها ووجهها "
عقاب المسلمة الأمة على طاعتها أمر الله فالله قال " ونساء المؤمنين " والإماء المسلمات هن من ضمن نساء المؤمنين فالآية لم تذكر حرات ولا عبدات والجنون أن الآية ذكرت الجلابيب ومع هذا يتحدث عن الأخمرة
الرابع قال تعالى: {والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن} فرخص للعجوز التي لا تطمع في النكاح أن تضع ثيابها فلا تلقي عليها جلبابها ولا تحتجب وإن كانت مستثناة من الحرائر لزوال المفسدة الموجودة في غيرها كما استثنى التابعين غير أولي الإربة من الرجال في إظهار الزينة لهم في عدم الشهوة التي تتولد منها الفتنة "
الجنون هنا هو كون القواعد العجائز وهو تفسير خاطىء وإنما المراد النساء اللاتى لا يردن الزواج بعد طلاقهن أو ترملهن لقوله " اللاتي لا يرجون نكاحا"
والجنون ألا ترتدى المرأة الجلباب وهذا معناه أن تسبر وتجلس فى المجتمع عارية فأى كلام هذا عذا تركب المرأة ثوبها دون أن ترتديه ولو فهم القوم لعرفوا أن المرأة ترتدى جلبابين فى الأماكن العامة فالتاركة الزواج ترتدى جلباب واحد يغطى عورتها تماما كاللابسات اثنين وإنما جعل جلباب واحد للتفرقة بين مريدات الزواج وبين المتعففات عنه
الخامس القول "وكذلك الأمة إذا كان يخاف بها الفتنة كان عليها أن ترخي من جلبابها وتحتجب ووجب وليس في الكتاب والسنة إباحة النظر إلى عامة الإماء ولا ترك احتجابهن وإبداء زينتهن ولكن القرآن لم يأمرهن بما أمر الحرائر والسنة فرقت بالفعل بينهن وبين الحرائر ولم تفرق بينهن وبين الحرائر بلفظ عام بل كانت عادة المؤمنين أن تحتجب منهم الحرائر دون الإماء" فهنا يطلب الرجل من الأمة لبس الجلباب والحجاب مع أن ابن عمر فى فقرة سابقة كان يضرب الإماء على هذا وهو تناقض لا وجود له لأن ابن عمر لم يفعل شىء من هذا
السادس القول لو كان في المرأة فتنة للنساء وفي الرجل فتنة للرجال لكان الأمر بالغض للناظر من بصره متوجها كما يتوجه إليه الأمر بحفظ فرجه فالإماء والصبيان إذا كن حسانا تخشى الفتنة بالنظر إليهم كان حكمهم كذلك كما ذكر ذلك العلماء ومثله :
"عن الحسن بن ذكوان قال: لا تجالسوا أولاد الأغنياء فإن لهم صورا كصور النساء وهم أشد فتنة من العذارى " ومثله:
"وكذلك المرأة مع المرأة وكذلك محارم المرأة مع ابن زوجها وابنه وابن أخيها وابن أختها ومملوكها عند من يجعله محرما متى كان يخاف عليه الفتنة أو عليها توجه الاحتجاب بل وجب" وأيضا قولهم :
"وفي سنن أبي داود عن أبي يسار القرشي عن أبي هاشم عن أبي هريرة أن النبي (ص) أتي بمخنث وقد خضب رجليه ويديه بالحناء فقال: "ما بال هذا؟ " فقيل: يا رسول الله يتشبه بالنساء فأمر به فنفي إلى النقيع فقيل: يا رسول الله ألا نقتله فقال: " إني نهيت عن قتل المصلين"
وقد اتفق العلماء على تحريم ذلك كما اتفقوا على تحريم النظر إلى الأجنبية وذوات المحارم بشهوة إلى أن قال: فصار النظر إلى المردان ثلاثة أقسام:
أحدها: ما تقترن به الشهوة فهو محرم بالاتفاق
والثاني: ما يجزم أنه لا شهوة معه كنظر الرجل الورع إلى ابنه الحسن وابنته الحسنة وأمه الحسنة فهذا لا يقترن به شهوة إلا أن يكون الرجل من أفجر الناس ومتى اقترنت به الشهوة حرم "
وما سبق من تحريم نظر من أباح الله لهم النظر بدعوى الخوف من الفتنة هو جنون لأن كل شىء فى حياتنا دعوة للفتنة خيرا أو شرا كما قال تعالى "ونبلوكم بالشر والخير فتنة" ومن ثم فطبقا لأقوالهم تلك فكل شىء فى حياتنا حرام طالما خفنا من فتنته وهو كلام لا يقوله مسلم فالحلال ما اخل الله والحرام ما حرم الله وأما اصحاب النفوس المريضة فليذهبوا إلى جهنم طالما يريدون ويرتكبون تلك الذنوب
الشريعة للكل حسب امر ونهى الله وليس حسب أصحاب النفوس المريضة
السابع القول :من عمر ظاهره باتباع السنة وباطنه بدوام المراقبة وغض بصره عن المحارم وكف نفسه عن الشهوات وذكر خصلة سادسة أظنه هو أكل الحلال: لم تخطئ له فراسة "
بالقطع الفراسة ليست أمر لازم لكل مسلم بدليل أن داود (ص) نفسه أخطأت فراسته فى قصة الغنم والحرث فالفراسة المذكورة هى ظنون قد تصدق وقد تكذب
الحرائر والسنة فرقت بالفعل بينهن وبين الحرائر ولم تفرق بينهن وبين الحرائر بلفظ عام بل كانت عادة المؤمنين أن تحتجب منهم الحرائر دون الإماء واستثنى القرآن من النساء الحرائر القواعد فلم يجعل عليهن احتجابا واستثنى بعض الرجال وهم غير أولي الإربة فلم يمنع من إبداء الزينة الخفية لهم لعدم الشهوة في هؤلاء وهؤلاء فأن يستثنى بعض الإماء أولى وأحرى وهن من كانت الشهوة والفتنة حاصلة بترك احتجابها وإبداء زينتها وكما أن المحارم أبناء أزواجهن ونحوه ممن فيهن شهوة وشغف لم يجز إبداء الزينة الخفية له فالخطاب خرج عاما على العادة فما خرج عن العادة خرج به عن نظائره فإذا كان في ظهور الأمة والنظر إليها فتنة وجب المنع من ذلك كما لو كانت في غير ذلك وهكذا الرجل مع الرجال والمرأة مع النساء: لو كان في المرأة فتنة للنساء وفي الرجل فتنة للرجال لكان الأمر بالغض للناظر من بصره متوجها كما يتوجه إليه الأمر بحفظ فرجه فالإماء والصبيان إذا كن حسانا تخشى الفتنة بالنظر إليهم كان حكمهم كذلك كما ذكر ذلك العلماء
قال المروذي: قلت لأبي عبد الله يعني أحمد بن حنبل - الرجل ينظر إلى المملوك؟ قال: إذا خاف الفتنة لم ينظر إليه كم نظرة ألقت في قلب صاحبها البلاء
وقال المروذي: قلت لأبي عبد الله: رجل تاب وقال: لو ضرب ظهري بالسياط ما دخلت في معصية إلا أنه لا يدع النظر فقال: أي توبة هذه؟ قال جرير سألت رسول الله (ص) عن نظرة الفجأة فقال: "اصرف بصرك" وقال ابن أبي الدنيا: حدثني أبي وسويد قالا: حدثني إبراهيم بن هراسة عن عثمان بن صالح عن الحسن بن ذكوان قال: لا تجالسوا أولاد الأغنياء فإن لهم صورا كصور النساء وهم أشد فتنة من العذارى وهذا الاستدلال والقياس والتنبيه بالأدنى على الأعلى إلى أن قال: وكذلك المرأة مع المرأة وكذلك محارم المرأة مع ابن زوجها وابنه وابن أخيها وابن أختها ومملوكها عند من يجعله محرما متى كان يخاف عليه الفتنة أو عليها توجه الاحتجاب بل وجب
وهذه المواضع التي أمر الله تعالى بالاحتجاب فيها مظنة الفتنة ولهذا قال تعالى: {ذلك أزكى لهم} فقد تحصل الزكاة والطهارة بدون ذلك لكن هذا أزكى وإذا كان النظر والبروز قد انتفى فيه الزكاة والطهارة لما يوجد في ذلك من شهوة القلب واللذة بالنظر كان ترك النظر والاحتجاب أولى بالوجوب
وروى الجماعة إلا مسلما أن النبي (ص) لعن المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء وقال: "أخرجوهم من بيوتكم وأخرجوا فلانا وفلانا": يعني المخنثين وقد ذكر بعضهم أنهم كانوا ثلاثة: - بيم وهيت وماتع - على عهد رسول الله (ص) ولم يكونوا يرمون بالفاحشة الكبرى إنما كان تخنثهم وتأنيثهم لينا في القول وخضابا في الأيدي والأرجل كخضاب النساء ولعبا كلعبهن
وفي سنن أبي داود عن أبي يسار القرشي عن أبي هاشم عن أبي هريرة أن النبي (ص) أتي بمخنث وقد خضب رجليه ويديه بالحناء فقال: "ما بال هذا؟ " فقيل: يا رسول الله يتشبه بالنساء فأمر به فنفي إلى النقيع فقيل: يا رسول الله ألا نقتله فقال: " إني نهيت عن قتل المصلين"
فإذا كان النبي (ص) قد أمر بإخراج مثل هؤلاء من البيوت فمعلوم أن الذي يمكن الرجال من نفسه والاستمتاع به وبما يشاهدونه من محاسنه وفعل الفاحشة الكبرى به شر من هؤلاء وهو أحق بالنفي من بين أظهر المسلمين وإخراجه عنهم فإن المخنث فيه إفساد للرجال والنساء لأنه تشبه بالنساء فقد تعاشره النساء ويتعلمن منه وهو رجل فيفسدهن ولأن الرجال إذا مالوا إليه فقد يعرضون عن النساء ولأن المرأة إذا رأت الرجل يتخنث فقد تترجل هي وتتشبه بالرجال فتعاشر الصنفين وتختار هي مجامعة النساء كما يختار هو مجامعة الرجال والله سبحانه قد أمر في كتابه بغض البصر وهو نوعان: غض البصر عن العورة وغضه عن محل الشهوة
فالأول: كغض الرجل بصره عن عورة غيره كما قال النبي (ص): "لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة" ويجب على الإنسان أن يستر عورته كما قال لمعاوية بن حيدة: "احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك" قلت: فإذا كان أحدنا مع قومه؟ قال: "إن استطعت أن لا تريها أحدا فلا يرينها"قلت: فإذا كان أحدنا خاليا؟ قال: "فالله أحق أن يستحيا منه من الناس" ويجوز كشفها بقدر الحاجة كما تكشف عند التخلي ولهذا إذا اغتسل الرجل وحده - بحيث يجد ما يستره - فله أن يغتسل عريانا كما اغتسل موسى عريانا وأيوب وكما في اغتسال النبي (ص) يوم الفتح واغتساله في حديث ميمونة
وأما النوع الثاني من النظر - كالنظر إلى الزينة الباطنة من المرأة الأجنبية - فهذا أشد من الأول كما أن الخمر أشد من الميتة والدم ولحم الخنزير وعلى صاحبها الحد وتلك المحرمات إذا تناولها مستحلا لها5 كان عليه التعزير لأن هذه المحرمات لا تشتهيها النفوس كما تشتهي الخمر وكذلك النظر إلى عورة الرجل لا يشتهى كما يشتهى النظر إلى النساء ونحوهن وكذلك النظر إلى الأمرد بشهوة هو من هذا الباب
وقد اتفق العلماء على تحريم ذلك كما اتفقوا على تحريم النظر إلى الأجنبية وذوات المحارم بشهوة إلى أن قال: فصار النظر إلى المردان ثلاثة أقسام:
أحدها: ما تقترن به الشهوة فهو محرم بالاتفاق
والثاني: ما يجزم أنه لا شهوة معه كنظر الرجل الورع إلى ابنه الحسن وابنته الحسنة وأمه الحسنة فهذا لا يقترن به شهوة إلا أن يكون الرجل من أفجر الناس ومتى اقترنت به الشهوة حرم
وعلى هذا نظر من لا يميل قلبه إلى المردان كما كان الصحابة وكالأمم الذين لا يعرفون هذه الفاحشة فإن الواحد من هؤلاء لا يفرق من هذا الوجه بين نظره إلى ابنه وابن جاره وصبي أجنبي لا يخطر بقلبه شيء من الشهوة لأنه لم يعتد ذلك وهو سليم القلب من قبل ذلك وقد كانت الإماء على عهد الصحابة يمشين في الطرقات متكشفات الرءوس ويخدمن الرجال مع سلامة القلوب فلو أراد الرجل أن يترك الإماء التركيات الحسان يمشين بين الناس في مثل هذه البلاد والأوقات كما كان أولئك الإماء يمشين كان هذا من باب الفساد وكذلك المردان الحسان لا يصلح أن يخرجوا في الأمكنة والأزقة التي يخاف فيها الفتنة بهم إلا بقدر الحاجة فلا يمكن الأمرد الحسن من التبرج ولا من الجلوس في الحمام بين الأجانب ولا من رقصه بين الرجال ونحو ذلك مما فيه فتنة للناس والنظر إليه كذلك وإنما وقع النزاع بين العلماء في القسم الثالث من النظر وهو النظر إليه بغير شهوة لكن مع خوف ثورانها ففيه وجهان في مذهب أحمد أصحهما وهو المحكي عن نص الشافعي وغيره أنه لا يجوز والثاني: يجوز لأن الأصل عدم ثورانها فلا يحرم بالشك بل قد يكره والأول هو الراجح كما أن الراجح في مذهب الشافعي وأحمد أن النظر إلى وجه الأجنبية من غير حاجة لا يجوز وإن كانت الشهوة منتفية لكن لأنه يخاف ثورانها ولهذا حرم الخلوة بالأجنبية لأنه مظنة الفتنة، والأصل أن كل ما كان سببا للفتنة فإنه لا يجوز فإن الذريعة إلى الفساد يجب سدها إذا لم يعارضها مصلحة راجحة ولهذا كان النظر الذي قد يفضي إلى الفتنة محرما إلا إذا كان لحاجة راجحة مثل نظر الخاطب والطبيب وغيرهما فإنه يباح النظر للحاجة مع عدم الشهوة وأما النظر لغير حاجة إلى محل الفتنة فلا يجوز
وأما الأبصار فلا بد من فتحها والنظر بها وقد يفجأ الإنسان ما ينظر إليه بغير قصد فلا يمكن غضها مطلقا ولهذا أمر تعالى عباده بالغض منها كما أمر لقمان ابنه بالغض من صوته وأما قوله تعالى: {إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله}[الحجرات: ] الآية فإنه مدحهم على غض الصوت عند رسوله مطلقا فهم مأمورون بذلك في مثل ذلك ينهون عن رفع الصوت عنده (ص) وأما غض الصوت مطلقا عند رسول الله (ص) فهو غض خاص ممدوح ويمكن العبد أن يغض صوته مطلقا في كل حال ولم يؤمر العبد به بل يؤمر برفع الصوت في مواضع: إما أمر إيجاب أو استحباب فلهذا قال: {واغضض من صوتك} [لقمان] ، فإن الغض في الصوت والبصر جماع ما يدخل إلى القلب ويخرج منه فبالسمع يدخل القلب وبالصوت يخرج منه كما جمع العضوين في قوله: {ألم نجعل له عينين * ولسانا وشفتين} [البلد] ، فبالعين والنظر يعرف القلب الأمور واللسان والصوت يخرجان من عند القلب الأمور هذا رائد القلب وصاحب خبره وجاسوسه وهذا ترجمانه
ثم قال تعالى: {ذلك أزكى لهم} [النور] ، وقال: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} [التوبة: ] ، وقال: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} [الأحزاب: ] ، وقال في آية الاستئذان: {وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم} [النور] ، وقال: {فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن} [الأحزاب] ، وقال: {فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر} [المجادلة ]
وقال النبي (ص): "اللهم طهر قلبي من خطاياي بالماء والثلج والبرد" وقال في دعاء الجنازة: "واغسله بماء وثلج وبرد ونقه من خطاياه كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس"
فالطهارة - والله أعلم - هي من الذنوب التي هي رجس والزكاة تتضمن معنى الطهارة التي هي عدم الذنوب ومعنى النماء بالأعمال الصالحة: مثل المغفرة والرحمة ومثل النجاة من العذاب والفوز بالثواب ومثل عدم الشر وحصول الخير وأما نظر الفجأة فهو عفو إذا صرف بصره كما ثبت في "الصحاح" عن جرير قال سألت رسول الله (ص) عن نظر الفجأة قال: "اصرف بصرك"وفي السنن أنه قال لعلي رضي الله عنه: " يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الثانية" وفي الحديث الذي في المسند وغيره: "النظر سهم مسموم من سهام إبليس" وفيه: " من نظر إلى محاسن امرأة ثم غض بصره عنها أورث الله قلبه حلاوة عبادة يجدها إلى يوم القيامة" أو كما قال ولهذا يقال: إن غض البصر عن الصورة التي ينهى عن النظر إليها: كالمرأة والأمرد الحسن يورث ذلك ثلاث فوائد جليلة القدر:
إحداها: حلاوة الإيمان ولذته التي هي أحلى وأطيب مما تركه لله " فإن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه"
وأما الفائدة الثانية من غض البصر: فهو يورث نور القلب والفراسة قال تعالى عن قوم لوط: {لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون} [الحجر] ، فالتعلق بالصور يوجب فساد العقل وعمى البصيرة وسكر القلب بل جنونه
وذكر الله سبحانه آية النور عقيب آيات غض البصر فقال: {الله نور السماوات والأرض} [النور] وكان شاه بن شجاع الكرماني لا تخطئ له فراسة وكان يقول:
من عمر ظاهره باتباع السنة وباطنه بدوام المراقبة وغض بصره عن المحارم وكف نفسه عن الشهوات وذكر خصلة سادسة أظنه هو أكل الحلال: لم تخطئ له فراسة والله تعالى يجزي العبد على عمله بما هو من جنس عمله فيطلق نور بصيرته ويفتح عليه باب العلم والمعرفة والكشوف ونحو ذلك مما ينال ببصيرة القلب
الفائدة الثالثة: قوة القلب وثباته وشجاعته فيجعل الله له سلطان البصيرة مع سلطان الحجة فإن الرجل الذي يخالف هواه يفرق الشيطان من ظله ولهذا يوجد في المتبع هواه من ذل النفس وضعفها ومهانتها ما جعله الله لمن عصاه
وإن الله جعل العزة لمن أطاعه والذلة لمن عصاه قال الله تعالى: {يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين} [المنافقون: 8] ، وقال تعالى: {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين} [آل عمران: 9] ولهذا كان في كلام الشيوخ: الناس يطلبون العز بأبواب الملوك ولا يجدونه إلا في طاعة الله
وكان الحسن البصري يقول: وإن هملجت بهم البراذين وطقطقت بهم البغال فإن ذل المعصية في رقابهم أبى الله إلا أن يذل من عصاه ومن أطاع الله فقد والاه فيما أطاعه فيه ومن عصاه ففيه قسط من فعل من عاداه بمعاصيه وفي دعاء القنوت: "إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت"
وأما أهل الفواحش الذين لا يغضون أبصارهم ولا يحفظون فروجهم فقد وصفهم الله بضد ذلك: من السكرة والعمه والجهالة وعدم العقل وعدم الرشد والبغض وطمس الأبصار هذا مع ما وصفهم به من الخبث والفسوق والعدوان والإسراف والسوء والفحش والفساد والإجرام فقال عن قوم لوط: {بل أنتم قوم تجهلون} فوصفهم بالجهل وقال: {لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون} وقال: {أليس منكم رجل رشيد} وقال: {لطمسنا على أعينهم} وقال: {بل أنتم قوم مسرفون} وقال: {فانظر كيف كان عاقبة المجرمين} وقال: {إنهم كانوا قوم سوء فاسقين} وقال: {أإنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر} [العنكبوت]
إلى قوله: {انصرني على القوم المفسدين} إلى قوله: {بما كانوا يفسقون} وقوله: {مسومة عند ربك للمسرفين}
بل قد ينتهي النظر والمباشرة بالرجل إلى الشرك كما قال تعالى: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله} [البقرة]
ولهذا لا يكون عشق الصور إلا من ضعف محبة الله وضعف الإيمان والله تعالى إنما ذكره في القرآن عن امرأة العزيز المشركة وعن قوم لوط المشركين والعاشق المتيم يصير عبدا لمعشوقه منقادا له أسير القلب له"
الأخطاء فى الفقرات السابقة هى :
الأول أن ظهور النساء سبب الفتنة وهو كلام يخالف ان كل الأشياء خيرا أو شرا فتنة أى ابتلاء كما قال تعالى " ونبلوكم بالشر والخير فتنة"
الثانى: ذكر عبيدة السلماني وغيره: أن نساء المؤمنين كن يدنين عليهن الجلابيب من فوق رءوسهن حتى لا يظهر إلا عيونهن لأجل رؤية الطريق وقال: {وليضربن بخمرهن على جيوبهن} فلما نزل ذلك عمد نساء المؤمنين إلى خمرهن فشققنهن وأرخينها على أعناقهن و"الجيب": هو شق في طول القميص فإذا ضربت المرأة بالخمار على الجيب سترت عنقها "
نجد هنا تناقض بين القول كن يدنين عليهن الجلابيب من فوق رءوسهن فالجلابيب ترمى من فوق الرءوس وهو ما يناقض تغطية الأعناق بقوله وأرخينها على أعناقهن" والجنون فى الفقرة أن النساء لو رفعت الجلابيب من الخلف على رءوسهن فإن سيقاهن وظهورهن من الخلف ستكون عارية فأى كلام هذا؟
الثالث النص طوكان عمر رضي الله عنه إذا رأى أمة مختمرة ضربها وقال: أتتشبهين بالحرائر أي لكاع فيظهر من الأمة رأسها ويداها ووجهها "
عقاب المسلمة الأمة على طاعتها أمر الله فالله قال " ونساء المؤمنين " والإماء المسلمات هن من ضمن نساء المؤمنين فالآية لم تذكر حرات ولا عبدات والجنون أن الآية ذكرت الجلابيب ومع هذا يتحدث عن الأخمرة
الرابع قال تعالى: {والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن} فرخص للعجوز التي لا تطمع في النكاح أن تضع ثيابها فلا تلقي عليها جلبابها ولا تحتجب وإن كانت مستثناة من الحرائر لزوال المفسدة الموجودة في غيرها كما استثنى التابعين غير أولي الإربة من الرجال في إظهار الزينة لهم في عدم الشهوة التي تتولد منها الفتنة "
الجنون هنا هو كون القواعد العجائز وهو تفسير خاطىء وإنما المراد النساء اللاتى لا يردن الزواج بعد طلاقهن أو ترملهن لقوله " اللاتي لا يرجون نكاحا"
والجنون ألا ترتدى المرأة الجلباب وهذا معناه أن تسبر وتجلس فى المجتمع عارية فأى كلام هذا عذا تركب المرأة ثوبها دون أن ترتديه ولو فهم القوم لعرفوا أن المرأة ترتدى جلبابين فى الأماكن العامة فالتاركة الزواج ترتدى جلباب واحد يغطى عورتها تماما كاللابسات اثنين وإنما جعل جلباب واحد للتفرقة بين مريدات الزواج وبين المتعففات عنه
الخامس القول "وكذلك الأمة إذا كان يخاف بها الفتنة كان عليها أن ترخي من جلبابها وتحتجب ووجب وليس في الكتاب والسنة إباحة النظر إلى عامة الإماء ولا ترك احتجابهن وإبداء زينتهن ولكن القرآن لم يأمرهن بما أمر الحرائر والسنة فرقت بالفعل بينهن وبين الحرائر ولم تفرق بينهن وبين الحرائر بلفظ عام بل كانت عادة المؤمنين أن تحتجب منهم الحرائر دون الإماء" فهنا يطلب الرجل من الأمة لبس الجلباب والحجاب مع أن ابن عمر فى فقرة سابقة كان يضرب الإماء على هذا وهو تناقض لا وجود له لأن ابن عمر لم يفعل شىء من هذا
السادس القول لو كان في المرأة فتنة للنساء وفي الرجل فتنة للرجال لكان الأمر بالغض للناظر من بصره متوجها كما يتوجه إليه الأمر بحفظ فرجه فالإماء والصبيان إذا كن حسانا تخشى الفتنة بالنظر إليهم كان حكمهم كذلك كما ذكر ذلك العلماء ومثله :
"عن الحسن بن ذكوان قال: لا تجالسوا أولاد الأغنياء فإن لهم صورا كصور النساء وهم أشد فتنة من العذارى " ومثله:
"وكذلك المرأة مع المرأة وكذلك محارم المرأة مع ابن زوجها وابنه وابن أخيها وابن أختها ومملوكها عند من يجعله محرما متى كان يخاف عليه الفتنة أو عليها توجه الاحتجاب بل وجب" وأيضا قولهم :
"وفي سنن أبي داود عن أبي يسار القرشي عن أبي هاشم عن أبي هريرة أن النبي (ص) أتي بمخنث وقد خضب رجليه ويديه بالحناء فقال: "ما بال هذا؟ " فقيل: يا رسول الله يتشبه بالنساء فأمر به فنفي إلى النقيع فقيل: يا رسول الله ألا نقتله فقال: " إني نهيت عن قتل المصلين"
وقد اتفق العلماء على تحريم ذلك كما اتفقوا على تحريم النظر إلى الأجنبية وذوات المحارم بشهوة إلى أن قال: فصار النظر إلى المردان ثلاثة أقسام:
أحدها: ما تقترن به الشهوة فهو محرم بالاتفاق
والثاني: ما يجزم أنه لا شهوة معه كنظر الرجل الورع إلى ابنه الحسن وابنته الحسنة وأمه الحسنة فهذا لا يقترن به شهوة إلا أن يكون الرجل من أفجر الناس ومتى اقترنت به الشهوة حرم "
وما سبق من تحريم نظر من أباح الله لهم النظر بدعوى الخوف من الفتنة هو جنون لأن كل شىء فى حياتنا دعوة للفتنة خيرا أو شرا كما قال تعالى "ونبلوكم بالشر والخير فتنة" ومن ثم فطبقا لأقوالهم تلك فكل شىء فى حياتنا حرام طالما خفنا من فتنته وهو كلام لا يقوله مسلم فالحلال ما اخل الله والحرام ما حرم الله وأما اصحاب النفوس المريضة فليذهبوا إلى جهنم طالما يريدون ويرتكبون تلك الذنوب
الشريعة للكل حسب امر ونهى الله وليس حسب أصحاب النفوس المريضة
السابع القول :من عمر ظاهره باتباع السنة وباطنه بدوام المراقبة وغض بصره عن المحارم وكف نفسه عن الشهوات وذكر خصلة سادسة أظنه هو أكل الحلال: لم تخطئ له فراسة "
بالقطع الفراسة ليست أمر لازم لكل مسلم بدليل أن داود (ص) نفسه أخطأت فراسته فى قصة الغنم والحرث فالفراسة المذكورة هى ظنون قد تصدق وقد تكذب