رضا البطاوى
عضو فعال
- المشاركات
- 2,708
- الإقامة
- مصر
قراءة فى كتاب التكرار لا يعلم الشطار
الكتيب تأليف محمد مختار وقد استهله بمقولة كون تكرار الرسالة عامل مساعد فى الغالب على تغيير السلوك فقال:
"أوضحت بحوث الاتصال المتعلقة بالرسائل التي تهدف إلى إقناع المتلقي بتبني اتجاهات جديدة، أو القيام بالسلوك الذي تحبذه عملية الاتصال الإقناعي .. أن تكرار مضمون الرسالة الاتصالية الإقناعية سيكون في الغالب عاملا مساعدا على تغيير السلوك"
وبالقطع تكرار أى رسالة سواء بالقول أو بالفعل وهو القدوة يؤدى فى غالب الأمور وفى غالبية الأشخاص إلى نتيجة واحدة وهى :
ان التكرار يؤدى لخلق أشخاص مشتبعين لمن يكررون لهم الرسائل وكان هذا ديدن كل الأقوام الكافرة عبر التاريخ فلم يسلم منهم سوى قوم يونس(ص) كما قال تعالى :
"فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما أمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزى فى الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين"
وأما بقية الأقوام فقد أدى التكرار الرسائلى إلى اتباع دين الآباء الكافر ولم بسلم من هذه التكرار سوى قلة قليلة فى كل قوم هم الرسل(ص) ومن اتبعهم وأحيانا كانوا شخص واحد هو لوط(ص) الذى آمن بإبراهيم (ص)كما قال تعالى :
"فآمن له لوط"
ومثل مؤمن يس الوحيد الذى آمن بالرسل الثلاث(ص) كما قال تعالى :
وجاء من أقصا المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون وما لى لا أعبد الذى فطرنى وإليه ترجعون"
وأحيانا كانوا يعدون على أصابع اليد وأحيانا كانوا بالعشرات أو المئات
التأثير الأكبر للتكرار فى القول والفعل كان هو الاقتداء بتلك الرسائل الصادرة من الآباء وهم الكبار فى القوم وفى هذا قال تعالى على ألسنة الأقوام الكافرة:
"بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون"
وقال:
"وكذلك ما أرسلنا فى قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون"
وقد ضرب الكاتب امثلة على هذا التأثير فقال:
"فخطيب الجمعة مثلا إذا كرر في كل صلاة جمعة الدعوة للمصلين باصطحاب أطفالهم للمساجد حتى يعتادوا الصلاة، مع التنبيه على ألا يسبب الصغار ما يزعج المصلين؛ فإن صحن المسجد سيمتلئ جمعة بعد أخرى بأطفال مهذبين يسكنون حتى تنتهي صلاة الجمعة، ثم يبدأ كل صغير منهم بالتعلق بوالده وهو يسجد، أو يقلده في سجوده ببراءة تزيد من الجو الروحاني الذي يشعر به المصلون.
ولعل استخدام التكرار في الإعلانات التجارية كان الغالب على الرسائل الإقناعية التي يتعرض لها كل منا؛ فحملات الإعلان التي تطلب من المستهلكين شراء نوع بعينه من مساحيق الغسيل أو مشاهدة فيلم سينمائي تلاحق المتلقي للرسالة الإقناعية، والذي يجدها تطرق أذنه وعينيه أيضا في وسائل الاتصال الجماهيري، كالإذاعة أو التلفزيون، أو حتى عند استخدامه للإنترنت، في كل مرة يستخدم إحدى هذه الوسائل للحصول على معلومة أو سماع نشرة الأخبار، أو حتى عند مشاهدته لمسلسل درامي."
وبعد أن ضرب المثلة السابقة تساءل هل التكرار يسبب النجاح باستمراروأجاب على السؤال فقال:
"ولكن هل تكرار رسالة الاتصال الإقناعية تقنية ناجحة في كل الأحوال؟
بمعنى: هل إذا استمر خطيب الجمعة في الإلحاح على المصلين باصطحاب أطفالهم، فإن صحن المسجد سيمتلئ في كل مرة بالأطفال أكثر من المرات السابقة، حتى يصبح الصغار هم الأغلبية في المسجد، وتدريجيا لا يجد آباؤهم مكانا للصلاة؟
وهل إذا استمرت الشركة التي تنتج مسحوقا معينا للغسيل في الإلحاح على المشترين لشراء إنتاجها، فإن مبيعات الشركة ستزداد حتى تصبح غير قادرة على تلبية احتياجات الزبائن؟ هل المسألة بهذه البساطة؟ هل بمجرد التكرار تزيد فاعلية الاتصال وقدرته على الإقناع؟
بالطبع فإن الداعية الماهر هو الذي لا يتورط في الإلحاح على أفراد حقل دعوته بنفس الرسالة الإقناعية الدعوية حتى يمل هؤلاء من الرسالة الاتصالية والقائم بالاتصال نفسه، وحتى فيما يتعلق بالحملات الإعلانية التجارية؛ فإن تحليل نتائج هذه الحملات يشير إلى أنه على الرغم من فوائد استخدام تقنية التكرار؛ فإن هذه التقنية قد تسبب ملل المتلقي وضجره، حتى إنه أحيانا قد يقف موقفا سلبيا من القائم بالاتصال والرسالة، فيتوقف المتلقي عن مشاهدة المسلسل مثلا، أو يتجنب على الأقل الفترة الإعلانية التي تسبقه، وربما يقرر من باب الانتقام الامتناع عن شراء مسحوق الغسيل الذي تنتجه هذه الشركة التي تلح عليه ليل نهار، وتحاصره، وتزعجه في كل وسائل الاتصال."
إذا التكرار الملح لا يفيد فى كل الأحوال لأنه يدفع البعض فى طريق أخر وهو الملل أو الغضب ويخبرنا الرجل أن لحوث الاتصال وصلت إلى ضرورة تنويع الأساليب لايصال الرسالة ومن ثم وجدنا بجانب الاعلانات التجارية لشركات ما أنها تقيم مسابقات وتعطى بعض عملاء الشركة جوائز ووجدنا أنها فى بعض الأحيان تعطى للبعض التقويم السنوى فى شكل ما يسمى النتيجة السنوبة التى تعلق على الحائط أو كشكول ورقى يسمونها أجندة كما وجدنا أنها تعطى منتج أخر من إنتاجها أو من إنتاج شركة صديقة مجانا فوق السلعة الأصلية كما وجدنا أنها تستضيف أشخاص ممن تظن أن الناس يحبونهم ويثقون فى كلامهم ليتكلموا عن تجربتهم مع السلعة بل وجدنا ما هو أكثر وهو استضافة المهرجين وهى تسمية مهذبة لأشخاص يسميهم العامة قلالة الأدب أى أشخاص لم تنجح أسرهم فى تربيتهم لاستعمالهم كلاما نابيا وفظا فى كلامهم للدعاية لأن البعض يتابع هؤلاء المستهزئين من باب القضول أو حتى لأنه مثلهم
وفى هذا قال الكاتب:
"إن بحوث الاتصال تقترح على القائم بالرسالة الإقناعية أن يعمد في كل مرة يكرر فيها رسالته للمتلقي بأن ينوع في هذه الرسالة، ويغير قليلا في أشكال تقديمها، وحتى في القليل من محتواها؛ فالداعية الذي يحاول إقناع أفراد حقل دعوته بالمواظبة على الصلاة في المسجد يستخدم -كرسالة إقناعية- الأدلة الشرعية على وجوب الصلاة بالمسجد، وفي مرة أخرى الأحاديث الشريفة التي تبين فضل صلاة الجماعة، وفي مرة ثالثة يشير إلى أن الأطفال سيكونون أكثر سعادة وهم يصاحبون آباءهم إلى المسجد، وسيكون هذا مشجعا لهم على الصلاة بانتظام في المستقبل، واحترام آبائهم وطاعتهم."
تنويع الأساليب شىء مطلوب فى الدعوة فالدعوة ليست أمرا خاصا بخطباء المساجد وإنما كل مسلم فى الدولة هو داعية بطريقة أو بأخرى كما فى القول المأثور "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته"
وضرب الرجل مثلا بنجاح إحدى الدول المتخلفة فى الحد من النسل عن طريق الأفلام فقال:
"وفي إحدى الدول العربية التي تتسم بكثافة السكان، حققت حملات تنظيم الأسرة نجاحا ملحوظا بعد أن قام جهاز التعليم والاتصال التابع لهيئة الاستعلامات هناك بإنتاج عشرات أفلام الدعاية القصيرة التي تحض المتلقين على اتباع وسائل تنظيم الأسرة، وكان مما زاد فاعلية هذه الأفلام هو التنوع الواضح الذي اتسمت به، وتنوع الشخصيات الدرامية التي وظفتها هذه الرسائل الإقناعية والقائمون بالاتصال، ومحتوى كل رسالة، حيث كانت تحض في النهاية على تحقيق هدف إقناعي واحد، هو الحد من الإنجاب.
فتكرار نفس الرسالة هنا مع تنويهات من حيث المحتوى والشكل ساهم في زيادة فاعلية الاتصال الإقناعي، على الرغم من أن حملات تنظيم الأسرة في هذا البلد واجهت في بدايتها صعوبات حقيقية، تمثلت في أنها تهدف إلى تحقيق سلوك إقناعي متصل بأفكار تقوم على التقاليد والعادات الاجتماعية الراسخة .. بل والمرتبطة أحيانا بالدين نفسه، وهو أصعب أنواع الاتصال، والذي يهدف إلى تحقيق تغيير في السلوك من خلال إقناع المتلقي بتبني أنماط سلوكية جديدة."
بالقطع القول بنجاح تلك الدولة نتيجة الدعاية بتنظيم الأسرة عن طريق الأفلام هو ضرب من الوهم فما زالت تلك الدولة وهى مصر تعانى من الزيادة السكانية لأسباب منها أن وسائل منع الحمل الكثير منها فاسد ومن ثم فى كثير من الأسر تم إنجاب عدد من الأطفال رغم استعمال الوسائل المختلفة
الناس اقتنعوا أن زمن إنجاب عدد كبير من الأطفال ليس بسبب الدعاية ولكن اسباب عدة أهمها :
-أنهم اصبحوا موظفين بدلا من فلاحين وسكنوا فى المدن بدلا من القرى ومن ثم نتيجة ضيق السكن وعدم وجود طعام باستمرار فى البيت كما هو الحال فى بيوت الفلاحين التى تكون متسعة وبها طعام مدخر من الغلة والذرة والأرز والبطاطس بحيث إذا لم يوجد مال أكل الكل من الخزين
التحول إذا من المجتمع الزراعى للمجتمع الصناعى والخدمى وهى ظاهرة لا تخص المجتمع فى مصر بل فى كل الدول التى تحول معظم مواطنيها من الفلاحة للصناعة والخدمات
- عدم الثقة فى الحكومات وانها لن تحول فقر الفقراء إلى وضع كريم أدى إلى أن الكثير من الناس من انفسهم أوقفوا الانجاب الكثير حتى لا يجوعوا ويجيعوا أولادهم قليل من الغموض لا يضر وهذا ما يفعله الفقراء فى كل مجتمع كما قص القرآن أنهم يقتلون أولادهم حيث قال:
"ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم"
-التأثير الإعلامى غير المباشر فبعض الأفلام والمسلسلات والكتابات أدت بالعديد من القراء أو المشاهدين إلى الاقتناع بأن كثرة النسل ستؤدى بهم إلى حياة أكثر ألما وأكثر أوجاعا فمثلا فيلم أبو العروسة رغم أنه لم يكن فيلم دعائى لتنظيم الأسرة إلا أنه أعطى مثالا لكل الموظفين الأسافل وهم معظم موظفى الدولة إلى الاقتناع بأن كثرة عدد أفراد الأسرة سيؤدى بهم إلى أن يسرقوا- وهى ليست سرقة فى ظل حكومات تسرق مرتبات ومعاشات موظفيها بالقوانين الظالمة - كما فعل أبو العروسة ليزوجوا أولادهم وبناتهم
أحيانا تحدث أمور لا يتوقعها المرء من أشياء قد لا يكون لها علاقة بأمر فتأتى بنتيجة تعبت الحكومات لإنجاحها
إذا فنجاح تنظيم الأسرة لا يعود لتلك الأفلام القصيرة والاعلانات كإعلان حسانين ومحمدين وإنما يعود بالأحرى للظروف الاقتصادية فى الغالب التى هى قلة الدخل
ويكرر الكاتب ما قاله عن تنويع أساليب ايصال الرسالة فيقول:
"إن تنويع الاتصال مبدأ أساسي لتحقيق فاعلية للرسالة الإقناعية عند استخدام تقنية التكرار، ولذلك يتجنب شعور المتلقي بالملل والضجر؛ مما قد يسبب رد فعل عكسيا من جانبه، عند تحقيق سلوك الاتصال، مع الأخذ في الاعتبار أن قليلا من الغموض في الرسالة بدون الإسراف في تضمين أهدافها سيكون فعالا لتحقيق هدف الإقناع، وهو ما سوف نتعرض له
وفيما يتعلق بتكرار الرسالة الإقناعية في عملية الاتصال فإن بحوث الاتصال أوضحت أن عرض أكثر من مبرر أو نتيجة لاتباع السلوك الذي تقترحه الرسالة الإقناعية، وتوزيع هذه المبررات والنتائج ضمن رسائل إقناعية واتصالية متكررة؛ فإن كل ذلك سيزيد من فاعلية الاتصال الإقناعي."
وكرر الرجل مثال تنظيم الأسرة مرة أخرى وهو مثال فاشل وليس ناجح لأن عدد سكان مصر منذ بدايات برامج تنظيم الأسرة تضاعف أربع مرات فقد بدأ البرنامج قبل ما يقرب من ستين عاما وكان عدد السكان26 مليون نسمة وحاليا أصبح مائة مليون ولو كان البرنامج ناجحا ما بلغ عدد السكان ضعف واحد ولكنه حاليا أربعة أضعاف ولولا الظروف الاقتصادية للطبقات الفقيرة لتضاعف عشرات المرات
وقال عن تكرار المثال:
"وعلى سبيل المثال فإن حملات تنظيم الأسرة التي تتوجه للمتلقين بأكثر من مبرر لاتباع وسائل الحد من الإنجاب أو تنظيمه على فترات، كانت فعالة بسبب استخدامها لأكثر من مبرر في تكرارها لنفس الرسالة الإقناعية، على سبيل المثال أن تنظيم الأسرة تبعا للرسائل الاتصالية التي حاصرت الجمهور سوف يؤدي إلى علاقة عاطفية أفضل بين الزوجين، وأيضا خلق الأجواء المناسبة لحياة أسرية سعيدة، وكان يتم التأكيد على هذا المعنى من خلال شعار أو عبارة إقناعية "أسرة صغيرة = حياة أفضل" أيضا، وفي مناسبات مختلفة قدم القائم بالاتصال الإقناعي شعارا أو عبارة إقناعية أخرى حول مبرر جديد لتنظيم الأسرة من خلال التأكيد على مساوئ الازدحام وتأثيره السلبي على الأعصاب، وحتى استخدام استمالات تتعلق بالانتماء للوطن لإقناع المتلقي، وفي مناسبات أخرى جرى بث أفلام للدعاية تبين أن صحة الأم تتدهور إذا لم تتبع وسائل تنظيم الأسرة، بل وفي حالات أخرى تم الإلحاح على أن ميزانية رب الأسرة ستتدهور إذا لم يقنع زوجته باستخدام وسائل تنظيم الأسرة."
ثم ضرب مثال أخر وهو مقاطعة المنتجات الإسرائيلية والأمريكية، وذلك مع بداية الانتفاضة الفلسطينية وهو مثال ناجح بالفعل فى أيامه كما هو الحال فى مقاطعة البضائع الفرنسية فى الوقت الحالى فى بلاد المنطقة الأكثر فقرا فقال :
"ومن الحملات الناجحة أيضا التي استخدم فيها القائم بالاتصال تقنية التكرار بنجاح لزيادة فعالية الرسالة الإقناعية: حملة مقاطعة المنتجات الإسرائيلية والأمريكية، وذلك مع بداية الانتفاضة الفلسطينية، أو مع دخولها مرحلة حاسمة، على الرغم مما ظهر في البداية من عدم الارتباط بين القضيتين، ولكن مع التركيز في بداية الحملة على ضرورة مقاطعة الشركات التي تقدم دعما للكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة ظهر أن لتكرار الاتصال الإقناعي حول هذه القضية فعالية في إقناع المتلقين بالقضية، وحيث استخدم القائمون بالاتصال أكثر من سبب أو مبرر لإقناع المتلقين بنفس الفكرة عند تكرارها في مناسبات مختلفة.
فمقاطعة البضائع التي تنتجها شركات تساهم في ملكيتها شخصيات مؤيدة لإسرائيل سوف يمنع مزيدا من الدعم لها، وبما يساعدها على التنكيل بالعرب، أيضا استخدم القائم بالاتصال مبررا آخر، هو أن قيام المتلقين بالاتصال بشراء المنتجات الوطنية بديلا عن هذه المنتجات التي تنتجها مصانع وشركات موالية للكيان الصهيوني سيزيد من فرص شراء المنتجات الوطنية، بما سيخلق فرص عمل أكثر للمواطنين.
وفي مناسبات متعددة استخدم القائم بالاتصال مبررات وأسباب متنوعة عند تكرار نفس الرسالة الإقناعية في الاتصال لتحقيق نفس السلوك، وهو ما أدى إلى نجاح سريع وظاهر لعملية الاتصال الاجتماعي في هذه الحملة، حتى إن بعض الشركات المشتبه في تعاونها مع الكيان الصهيوني أصدرت بيانات تنفي ذلك، ثم اضطرت للانسحاب من بعض الأسواق العربية"
نجاح المقاطعة الاقتصادية السابقة والحالية لا يعود للدعاية المتنوعة لأن حكومات المنطقة لم تدعو لتلك المقاطعة لضعفها أو بالأحرى لخيانتها العظمى لدينها وإنما مجرد مقالات أو منشورات اعتمدت على خبر حقيقى أدى بالناس نتيجة إيمانهم بعداوة من يعاديهم إلى المقاطعة
إذا ليس التكرار أو تنويع أساليب الدعاية سببا فى نجاح أمر ما وإنما الوازع الدينى هو ما أدى هنا للنجاح
ثم حدثنا الكاتب عن تنويع الدعاية فى الشكل والمضمون فقال:
"التنويع شكلا ومضمونا
والنتيجة أن استخدام تقنية التكرار للوصول لسلوك إقناعي للرسالة يكون أكثر فعالية إذا تم هذا الإقناع من خلال التكرار بتنويع الرسالة الاتصالية من ناحيتي الشكل والمضمون معا، ولا يكفي مجرد التكرار لنفس الرسالة للاستفادة من التأثير الإيجابي لهذه التقنية، بل إن التنويع في الأسباب والمبررات، وحتى شكل تقديم الرسالة سيكون ضروريا لتحقيق أثر التكرار، وتجنب أن يصيب المتلقي الضجر أو الملل من نفس الرسالة التي يتعرض لها ويمكن أن نلاحظ في هذا الصدد أن الحملات الإعلانية التجارية التي استخدمت نفس الرسالة، ولكن حتى مع مجرد التغيير والتعديل في توزيع النغمات الموسيقية المصاحبة مثلا لنفس الإعلان عن نفس السلعة، أو إذاعة جزء من نفس الإعلان .. كان أكثر فعالية فيما يتعلق باستخدام تقنية التكرار في تحقيق أهداف الرسالة الإقناعية."
الدعاية الاعلانية كما قلنا سواء تكررت من غير تنويع أو تكررت مع التنويع لا تؤدى للنجاح دوما وإنما الظروف المحيطة هى التى تجعل الشىء ينجح أو يفشل فمثلا سبب نجاح المنظفات العالمية حاليا فى بلادنا سببه أن حكومات المنطقة قفلت الكثير من مصانع المنظفات الحكومية التى كانت ناجحة وما أبقته أبقته فى إطار معين بحيث تنتج منتجات لا يعلم بها إلا النادر من الناس وبالقطع كان السبب هو أن الرؤساء والملوك والأمراء والوزراء والموظفين الكبار فى وزارات الصناعة والمالية اتفقوا مع الشركات العالمية على أن يحصلوا على توكيلات البيع أو الإنتاج فى البلد مقابل أن يقفلوا الشركات المحلية أو يقللوا من عدد منتجاتها ومع هذا لجأ الفقراء إلى طرق أخرى شائعة حاليا وهى إنتاج منظفات رخيصة عن طريق تصنيع محلى داخل بيوت البائعين
إذا فالخيانة وهى خيانة عظمى من أجل المال ارتكبها الكبار فأنجحوا منتجات أجنبية لم تكن البلاد بحاجة لها والأدهى أنها تسببت فى بطالة أكثر وفى ظلم من سرحوهم من العمال حيث داخ العمال للحصول على مستحقاتهم التى أعطوها لهم ناقصة ومنهم من لن يحصل على معاش أو إعانة بطالة
ونفس الأمر تكرر فى صناعات كثيرة مثل الغزل والنسيج وأصبح المنتج المحلى فى بلدنا أغلى من المنتج الأجنبى فمن منا يشترى حاليا إلا الأغنياء المنتجات النسيجية المحلية
إننا نعتمد على رخص السعر وليس على جودة المنتج لأنه لا يوجد مال لشراء المنتج الجيد
إذا النجاح ليس فى الغالب نتيجة الدعاية وإنما غالبا نتيجة المؤامرات التى تحاك فى الظلام
ومن هنا ننتهى إلى النتيجة التالية:
ليس كل نجاح بسبب التكرار أو بسبب تنويع أساليب إيصال الرسالة وغالب ما ينجح فى بلادنا هو نتيجة الوازع الدينى ومن ضمنه الحاجة الاقتصادية التى تجعل التاس يخترعون للحصول على ما هو أرخص وأنسب لظروفهم
الكتيب تأليف محمد مختار وقد استهله بمقولة كون تكرار الرسالة عامل مساعد فى الغالب على تغيير السلوك فقال:
"أوضحت بحوث الاتصال المتعلقة بالرسائل التي تهدف إلى إقناع المتلقي بتبني اتجاهات جديدة، أو القيام بالسلوك الذي تحبذه عملية الاتصال الإقناعي .. أن تكرار مضمون الرسالة الاتصالية الإقناعية سيكون في الغالب عاملا مساعدا على تغيير السلوك"
وبالقطع تكرار أى رسالة سواء بالقول أو بالفعل وهو القدوة يؤدى فى غالب الأمور وفى غالبية الأشخاص إلى نتيجة واحدة وهى :
ان التكرار يؤدى لخلق أشخاص مشتبعين لمن يكررون لهم الرسائل وكان هذا ديدن كل الأقوام الكافرة عبر التاريخ فلم يسلم منهم سوى قوم يونس(ص) كما قال تعالى :
"فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما أمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزى فى الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين"
وأما بقية الأقوام فقد أدى التكرار الرسائلى إلى اتباع دين الآباء الكافر ولم بسلم من هذه التكرار سوى قلة قليلة فى كل قوم هم الرسل(ص) ومن اتبعهم وأحيانا كانوا شخص واحد هو لوط(ص) الذى آمن بإبراهيم (ص)كما قال تعالى :
"فآمن له لوط"
ومثل مؤمن يس الوحيد الذى آمن بالرسل الثلاث(ص) كما قال تعالى :
وجاء من أقصا المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون وما لى لا أعبد الذى فطرنى وإليه ترجعون"
وأحيانا كانوا يعدون على أصابع اليد وأحيانا كانوا بالعشرات أو المئات
التأثير الأكبر للتكرار فى القول والفعل كان هو الاقتداء بتلك الرسائل الصادرة من الآباء وهم الكبار فى القوم وفى هذا قال تعالى على ألسنة الأقوام الكافرة:
"بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون"
وقال:
"وكذلك ما أرسلنا فى قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون"
وقد ضرب الكاتب امثلة على هذا التأثير فقال:
"فخطيب الجمعة مثلا إذا كرر في كل صلاة جمعة الدعوة للمصلين باصطحاب أطفالهم للمساجد حتى يعتادوا الصلاة، مع التنبيه على ألا يسبب الصغار ما يزعج المصلين؛ فإن صحن المسجد سيمتلئ جمعة بعد أخرى بأطفال مهذبين يسكنون حتى تنتهي صلاة الجمعة، ثم يبدأ كل صغير منهم بالتعلق بوالده وهو يسجد، أو يقلده في سجوده ببراءة تزيد من الجو الروحاني الذي يشعر به المصلون.
ولعل استخدام التكرار في الإعلانات التجارية كان الغالب على الرسائل الإقناعية التي يتعرض لها كل منا؛ فحملات الإعلان التي تطلب من المستهلكين شراء نوع بعينه من مساحيق الغسيل أو مشاهدة فيلم سينمائي تلاحق المتلقي للرسالة الإقناعية، والذي يجدها تطرق أذنه وعينيه أيضا في وسائل الاتصال الجماهيري، كالإذاعة أو التلفزيون، أو حتى عند استخدامه للإنترنت، في كل مرة يستخدم إحدى هذه الوسائل للحصول على معلومة أو سماع نشرة الأخبار، أو حتى عند مشاهدته لمسلسل درامي."
وبعد أن ضرب المثلة السابقة تساءل هل التكرار يسبب النجاح باستمراروأجاب على السؤال فقال:
"ولكن هل تكرار رسالة الاتصال الإقناعية تقنية ناجحة في كل الأحوال؟
بمعنى: هل إذا استمر خطيب الجمعة في الإلحاح على المصلين باصطحاب أطفالهم، فإن صحن المسجد سيمتلئ في كل مرة بالأطفال أكثر من المرات السابقة، حتى يصبح الصغار هم الأغلبية في المسجد، وتدريجيا لا يجد آباؤهم مكانا للصلاة؟
وهل إذا استمرت الشركة التي تنتج مسحوقا معينا للغسيل في الإلحاح على المشترين لشراء إنتاجها، فإن مبيعات الشركة ستزداد حتى تصبح غير قادرة على تلبية احتياجات الزبائن؟ هل المسألة بهذه البساطة؟ هل بمجرد التكرار تزيد فاعلية الاتصال وقدرته على الإقناع؟
بالطبع فإن الداعية الماهر هو الذي لا يتورط في الإلحاح على أفراد حقل دعوته بنفس الرسالة الإقناعية الدعوية حتى يمل هؤلاء من الرسالة الاتصالية والقائم بالاتصال نفسه، وحتى فيما يتعلق بالحملات الإعلانية التجارية؛ فإن تحليل نتائج هذه الحملات يشير إلى أنه على الرغم من فوائد استخدام تقنية التكرار؛ فإن هذه التقنية قد تسبب ملل المتلقي وضجره، حتى إنه أحيانا قد يقف موقفا سلبيا من القائم بالاتصال والرسالة، فيتوقف المتلقي عن مشاهدة المسلسل مثلا، أو يتجنب على الأقل الفترة الإعلانية التي تسبقه، وربما يقرر من باب الانتقام الامتناع عن شراء مسحوق الغسيل الذي تنتجه هذه الشركة التي تلح عليه ليل نهار، وتحاصره، وتزعجه في كل وسائل الاتصال."
إذا التكرار الملح لا يفيد فى كل الأحوال لأنه يدفع البعض فى طريق أخر وهو الملل أو الغضب ويخبرنا الرجل أن لحوث الاتصال وصلت إلى ضرورة تنويع الأساليب لايصال الرسالة ومن ثم وجدنا بجانب الاعلانات التجارية لشركات ما أنها تقيم مسابقات وتعطى بعض عملاء الشركة جوائز ووجدنا أنها فى بعض الأحيان تعطى للبعض التقويم السنوى فى شكل ما يسمى النتيجة السنوبة التى تعلق على الحائط أو كشكول ورقى يسمونها أجندة كما وجدنا أنها تعطى منتج أخر من إنتاجها أو من إنتاج شركة صديقة مجانا فوق السلعة الأصلية كما وجدنا أنها تستضيف أشخاص ممن تظن أن الناس يحبونهم ويثقون فى كلامهم ليتكلموا عن تجربتهم مع السلعة بل وجدنا ما هو أكثر وهو استضافة المهرجين وهى تسمية مهذبة لأشخاص يسميهم العامة قلالة الأدب أى أشخاص لم تنجح أسرهم فى تربيتهم لاستعمالهم كلاما نابيا وفظا فى كلامهم للدعاية لأن البعض يتابع هؤلاء المستهزئين من باب القضول أو حتى لأنه مثلهم
وفى هذا قال الكاتب:
"إن بحوث الاتصال تقترح على القائم بالرسالة الإقناعية أن يعمد في كل مرة يكرر فيها رسالته للمتلقي بأن ينوع في هذه الرسالة، ويغير قليلا في أشكال تقديمها، وحتى في القليل من محتواها؛ فالداعية الذي يحاول إقناع أفراد حقل دعوته بالمواظبة على الصلاة في المسجد يستخدم -كرسالة إقناعية- الأدلة الشرعية على وجوب الصلاة بالمسجد، وفي مرة أخرى الأحاديث الشريفة التي تبين فضل صلاة الجماعة، وفي مرة ثالثة يشير إلى أن الأطفال سيكونون أكثر سعادة وهم يصاحبون آباءهم إلى المسجد، وسيكون هذا مشجعا لهم على الصلاة بانتظام في المستقبل، واحترام آبائهم وطاعتهم."
تنويع الأساليب شىء مطلوب فى الدعوة فالدعوة ليست أمرا خاصا بخطباء المساجد وإنما كل مسلم فى الدولة هو داعية بطريقة أو بأخرى كما فى القول المأثور "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته"
وضرب الرجل مثلا بنجاح إحدى الدول المتخلفة فى الحد من النسل عن طريق الأفلام فقال:
"وفي إحدى الدول العربية التي تتسم بكثافة السكان، حققت حملات تنظيم الأسرة نجاحا ملحوظا بعد أن قام جهاز التعليم والاتصال التابع لهيئة الاستعلامات هناك بإنتاج عشرات أفلام الدعاية القصيرة التي تحض المتلقين على اتباع وسائل تنظيم الأسرة، وكان مما زاد فاعلية هذه الأفلام هو التنوع الواضح الذي اتسمت به، وتنوع الشخصيات الدرامية التي وظفتها هذه الرسائل الإقناعية والقائمون بالاتصال، ومحتوى كل رسالة، حيث كانت تحض في النهاية على تحقيق هدف إقناعي واحد، هو الحد من الإنجاب.
فتكرار نفس الرسالة هنا مع تنويهات من حيث المحتوى والشكل ساهم في زيادة فاعلية الاتصال الإقناعي، على الرغم من أن حملات تنظيم الأسرة في هذا البلد واجهت في بدايتها صعوبات حقيقية، تمثلت في أنها تهدف إلى تحقيق سلوك إقناعي متصل بأفكار تقوم على التقاليد والعادات الاجتماعية الراسخة .. بل والمرتبطة أحيانا بالدين نفسه، وهو أصعب أنواع الاتصال، والذي يهدف إلى تحقيق تغيير في السلوك من خلال إقناع المتلقي بتبني أنماط سلوكية جديدة."
بالقطع القول بنجاح تلك الدولة نتيجة الدعاية بتنظيم الأسرة عن طريق الأفلام هو ضرب من الوهم فما زالت تلك الدولة وهى مصر تعانى من الزيادة السكانية لأسباب منها أن وسائل منع الحمل الكثير منها فاسد ومن ثم فى كثير من الأسر تم إنجاب عدد من الأطفال رغم استعمال الوسائل المختلفة
الناس اقتنعوا أن زمن إنجاب عدد كبير من الأطفال ليس بسبب الدعاية ولكن اسباب عدة أهمها :
-أنهم اصبحوا موظفين بدلا من فلاحين وسكنوا فى المدن بدلا من القرى ومن ثم نتيجة ضيق السكن وعدم وجود طعام باستمرار فى البيت كما هو الحال فى بيوت الفلاحين التى تكون متسعة وبها طعام مدخر من الغلة والذرة والأرز والبطاطس بحيث إذا لم يوجد مال أكل الكل من الخزين
التحول إذا من المجتمع الزراعى للمجتمع الصناعى والخدمى وهى ظاهرة لا تخص المجتمع فى مصر بل فى كل الدول التى تحول معظم مواطنيها من الفلاحة للصناعة والخدمات
- عدم الثقة فى الحكومات وانها لن تحول فقر الفقراء إلى وضع كريم أدى إلى أن الكثير من الناس من انفسهم أوقفوا الانجاب الكثير حتى لا يجوعوا ويجيعوا أولادهم قليل من الغموض لا يضر وهذا ما يفعله الفقراء فى كل مجتمع كما قص القرآن أنهم يقتلون أولادهم حيث قال:
"ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم"
-التأثير الإعلامى غير المباشر فبعض الأفلام والمسلسلات والكتابات أدت بالعديد من القراء أو المشاهدين إلى الاقتناع بأن كثرة النسل ستؤدى بهم إلى حياة أكثر ألما وأكثر أوجاعا فمثلا فيلم أبو العروسة رغم أنه لم يكن فيلم دعائى لتنظيم الأسرة إلا أنه أعطى مثالا لكل الموظفين الأسافل وهم معظم موظفى الدولة إلى الاقتناع بأن كثرة عدد أفراد الأسرة سيؤدى بهم إلى أن يسرقوا- وهى ليست سرقة فى ظل حكومات تسرق مرتبات ومعاشات موظفيها بالقوانين الظالمة - كما فعل أبو العروسة ليزوجوا أولادهم وبناتهم
أحيانا تحدث أمور لا يتوقعها المرء من أشياء قد لا يكون لها علاقة بأمر فتأتى بنتيجة تعبت الحكومات لإنجاحها
إذا فنجاح تنظيم الأسرة لا يعود لتلك الأفلام القصيرة والاعلانات كإعلان حسانين ومحمدين وإنما يعود بالأحرى للظروف الاقتصادية فى الغالب التى هى قلة الدخل
ويكرر الكاتب ما قاله عن تنويع أساليب ايصال الرسالة فيقول:
"إن تنويع الاتصال مبدأ أساسي لتحقيق فاعلية للرسالة الإقناعية عند استخدام تقنية التكرار، ولذلك يتجنب شعور المتلقي بالملل والضجر؛ مما قد يسبب رد فعل عكسيا من جانبه، عند تحقيق سلوك الاتصال، مع الأخذ في الاعتبار أن قليلا من الغموض في الرسالة بدون الإسراف في تضمين أهدافها سيكون فعالا لتحقيق هدف الإقناع، وهو ما سوف نتعرض له
وفيما يتعلق بتكرار الرسالة الإقناعية في عملية الاتصال فإن بحوث الاتصال أوضحت أن عرض أكثر من مبرر أو نتيجة لاتباع السلوك الذي تقترحه الرسالة الإقناعية، وتوزيع هذه المبررات والنتائج ضمن رسائل إقناعية واتصالية متكررة؛ فإن كل ذلك سيزيد من فاعلية الاتصال الإقناعي."
وكرر الرجل مثال تنظيم الأسرة مرة أخرى وهو مثال فاشل وليس ناجح لأن عدد سكان مصر منذ بدايات برامج تنظيم الأسرة تضاعف أربع مرات فقد بدأ البرنامج قبل ما يقرب من ستين عاما وكان عدد السكان26 مليون نسمة وحاليا أصبح مائة مليون ولو كان البرنامج ناجحا ما بلغ عدد السكان ضعف واحد ولكنه حاليا أربعة أضعاف ولولا الظروف الاقتصادية للطبقات الفقيرة لتضاعف عشرات المرات
وقال عن تكرار المثال:
"وعلى سبيل المثال فإن حملات تنظيم الأسرة التي تتوجه للمتلقين بأكثر من مبرر لاتباع وسائل الحد من الإنجاب أو تنظيمه على فترات، كانت فعالة بسبب استخدامها لأكثر من مبرر في تكرارها لنفس الرسالة الإقناعية، على سبيل المثال أن تنظيم الأسرة تبعا للرسائل الاتصالية التي حاصرت الجمهور سوف يؤدي إلى علاقة عاطفية أفضل بين الزوجين، وأيضا خلق الأجواء المناسبة لحياة أسرية سعيدة، وكان يتم التأكيد على هذا المعنى من خلال شعار أو عبارة إقناعية "أسرة صغيرة = حياة أفضل" أيضا، وفي مناسبات مختلفة قدم القائم بالاتصال الإقناعي شعارا أو عبارة إقناعية أخرى حول مبرر جديد لتنظيم الأسرة من خلال التأكيد على مساوئ الازدحام وتأثيره السلبي على الأعصاب، وحتى استخدام استمالات تتعلق بالانتماء للوطن لإقناع المتلقي، وفي مناسبات أخرى جرى بث أفلام للدعاية تبين أن صحة الأم تتدهور إذا لم تتبع وسائل تنظيم الأسرة، بل وفي حالات أخرى تم الإلحاح على أن ميزانية رب الأسرة ستتدهور إذا لم يقنع زوجته باستخدام وسائل تنظيم الأسرة."
ثم ضرب مثال أخر وهو مقاطعة المنتجات الإسرائيلية والأمريكية، وذلك مع بداية الانتفاضة الفلسطينية وهو مثال ناجح بالفعل فى أيامه كما هو الحال فى مقاطعة البضائع الفرنسية فى الوقت الحالى فى بلاد المنطقة الأكثر فقرا فقال :
"ومن الحملات الناجحة أيضا التي استخدم فيها القائم بالاتصال تقنية التكرار بنجاح لزيادة فعالية الرسالة الإقناعية: حملة مقاطعة المنتجات الإسرائيلية والأمريكية، وذلك مع بداية الانتفاضة الفلسطينية، أو مع دخولها مرحلة حاسمة، على الرغم مما ظهر في البداية من عدم الارتباط بين القضيتين، ولكن مع التركيز في بداية الحملة على ضرورة مقاطعة الشركات التي تقدم دعما للكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة ظهر أن لتكرار الاتصال الإقناعي حول هذه القضية فعالية في إقناع المتلقين بالقضية، وحيث استخدم القائمون بالاتصال أكثر من سبب أو مبرر لإقناع المتلقين بنفس الفكرة عند تكرارها في مناسبات مختلفة.
فمقاطعة البضائع التي تنتجها شركات تساهم في ملكيتها شخصيات مؤيدة لإسرائيل سوف يمنع مزيدا من الدعم لها، وبما يساعدها على التنكيل بالعرب، أيضا استخدم القائم بالاتصال مبررا آخر، هو أن قيام المتلقين بالاتصال بشراء المنتجات الوطنية بديلا عن هذه المنتجات التي تنتجها مصانع وشركات موالية للكيان الصهيوني سيزيد من فرص شراء المنتجات الوطنية، بما سيخلق فرص عمل أكثر للمواطنين.
وفي مناسبات متعددة استخدم القائم بالاتصال مبررات وأسباب متنوعة عند تكرار نفس الرسالة الإقناعية في الاتصال لتحقيق نفس السلوك، وهو ما أدى إلى نجاح سريع وظاهر لعملية الاتصال الاجتماعي في هذه الحملة، حتى إن بعض الشركات المشتبه في تعاونها مع الكيان الصهيوني أصدرت بيانات تنفي ذلك، ثم اضطرت للانسحاب من بعض الأسواق العربية"
نجاح المقاطعة الاقتصادية السابقة والحالية لا يعود للدعاية المتنوعة لأن حكومات المنطقة لم تدعو لتلك المقاطعة لضعفها أو بالأحرى لخيانتها العظمى لدينها وإنما مجرد مقالات أو منشورات اعتمدت على خبر حقيقى أدى بالناس نتيجة إيمانهم بعداوة من يعاديهم إلى المقاطعة
إذا ليس التكرار أو تنويع أساليب الدعاية سببا فى نجاح أمر ما وإنما الوازع الدينى هو ما أدى هنا للنجاح
ثم حدثنا الكاتب عن تنويع الدعاية فى الشكل والمضمون فقال:
"التنويع شكلا ومضمونا
والنتيجة أن استخدام تقنية التكرار للوصول لسلوك إقناعي للرسالة يكون أكثر فعالية إذا تم هذا الإقناع من خلال التكرار بتنويع الرسالة الاتصالية من ناحيتي الشكل والمضمون معا، ولا يكفي مجرد التكرار لنفس الرسالة للاستفادة من التأثير الإيجابي لهذه التقنية، بل إن التنويع في الأسباب والمبررات، وحتى شكل تقديم الرسالة سيكون ضروريا لتحقيق أثر التكرار، وتجنب أن يصيب المتلقي الضجر أو الملل من نفس الرسالة التي يتعرض لها ويمكن أن نلاحظ في هذا الصدد أن الحملات الإعلانية التجارية التي استخدمت نفس الرسالة، ولكن حتى مع مجرد التغيير والتعديل في توزيع النغمات الموسيقية المصاحبة مثلا لنفس الإعلان عن نفس السلعة، أو إذاعة جزء من نفس الإعلان .. كان أكثر فعالية فيما يتعلق باستخدام تقنية التكرار في تحقيق أهداف الرسالة الإقناعية."
الدعاية الاعلانية كما قلنا سواء تكررت من غير تنويع أو تكررت مع التنويع لا تؤدى للنجاح دوما وإنما الظروف المحيطة هى التى تجعل الشىء ينجح أو يفشل فمثلا سبب نجاح المنظفات العالمية حاليا فى بلادنا سببه أن حكومات المنطقة قفلت الكثير من مصانع المنظفات الحكومية التى كانت ناجحة وما أبقته أبقته فى إطار معين بحيث تنتج منتجات لا يعلم بها إلا النادر من الناس وبالقطع كان السبب هو أن الرؤساء والملوك والأمراء والوزراء والموظفين الكبار فى وزارات الصناعة والمالية اتفقوا مع الشركات العالمية على أن يحصلوا على توكيلات البيع أو الإنتاج فى البلد مقابل أن يقفلوا الشركات المحلية أو يقللوا من عدد منتجاتها ومع هذا لجأ الفقراء إلى طرق أخرى شائعة حاليا وهى إنتاج منظفات رخيصة عن طريق تصنيع محلى داخل بيوت البائعين
إذا فالخيانة وهى خيانة عظمى من أجل المال ارتكبها الكبار فأنجحوا منتجات أجنبية لم تكن البلاد بحاجة لها والأدهى أنها تسببت فى بطالة أكثر وفى ظلم من سرحوهم من العمال حيث داخ العمال للحصول على مستحقاتهم التى أعطوها لهم ناقصة ومنهم من لن يحصل على معاش أو إعانة بطالة
ونفس الأمر تكرر فى صناعات كثيرة مثل الغزل والنسيج وأصبح المنتج المحلى فى بلدنا أغلى من المنتج الأجنبى فمن منا يشترى حاليا إلا الأغنياء المنتجات النسيجية المحلية
إننا نعتمد على رخص السعر وليس على جودة المنتج لأنه لا يوجد مال لشراء المنتج الجيد
إذا النجاح ليس فى الغالب نتيجة الدعاية وإنما غالبا نتيجة المؤامرات التى تحاك فى الظلام
ومن هنا ننتهى إلى النتيجة التالية:
ليس كل نجاح بسبب التكرار أو بسبب تنويع أساليب إيصال الرسالة وغالب ما ينجح فى بلادنا هو نتيجة الوازع الدينى ومن ضمنه الحاجة الاقتصادية التى تجعل التاس يخترعون للحصول على ما هو أرخص وأنسب لظروفهم