رضا البطاوى
عضو فعال
- المشاركات
- 2,709
- الإقامة
- مصر
قراءة فى كتاب البارع في إقطاع الشارع
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
كتاب البارع فى اقطاع الشارع من تأليف السيوطى والكتاب هو تجميع لأقوال الفقهاء فى مسألة واحدة وهى :
اقطاع الحاكم جزء من الشارع لشخص كى ينتفع به فى شىء كالجلوس فيه للتجارة أو بناء دكة للقعود عليها وقد أجاز الرجل والفقهاء هذا الاقطاع فقال
فرع يجوز للإمام إقطاع الشارع على الأصح فيصير المقطع به كالمتحجر ولا يجوز لأحد تملكه بالأحياء وفي وجه غريب يجوز للإمام تملك ما فضل عن حاجة الطريق ومراد قائله أن للإمام التملك للمسلمين لا لنفسه. وذكر الرافعي في الجنايات أنه تقدم في الأحياء أن الأكثرين جوزوا الإقطاع وأن المقطع يبنى فيه ويتملك وهذا ذهول فإن الأصح في الصلح منع البناء وهنا منع التملك انتهى."
وناقش الرجل المسألة وهى اقطاع البقعة فى الشارع هل هو ملكية أو حق انتفاع ونقل أقوال الفقهاء وخلافهم فقال :
"وأقول هذا الفرع منقول برمته من التكملة للزركشي والكلام عليه من وجهين:
الوجه الأول في ذكر حكم المسألة إجمالا وحكمها على ما هو المفهوم من المنقول بعد مراجعة ما تيسر من كتب المذهب كالروضة والشرح وتهذيب البغوي وكافي الخوارزمي ونهاية إمام الحرمين وبسيط الغزالي ووسيطه والأحكام السلطانية للماوردي والتلخيص لابن القاص والبلغة للجرجاني وتعليق القاضي الحسين وغير ذلك، ومن كتب المتأخرين الكفاية لابن الرفعة وشرح المنهاج للسبكي والمهمات والخادم أن الإمام إذا أقطع أحدا موضعا من الشارع كان المقطع أولى به من غيره للارتفاق خاصة دون التملك والبناء وأنه لو جاء أحد بعد صدور الإقطاع إلى هذا الموضع فجلس فيه أزعج منه ولا يقر ولو كان المقطع غائبا عنه وليس فيه أمتعته فإن قلت مقتضى قوله كالمتحجر أنه لو جاء أحد وتعدى وجلس لم يمنع لأن المشبه به وهو المتحجر قالوا أنه يصير أحق من غيره ومع ذلك لو تعدى غيره وبنى لم يكن عليه سوى الإثم ويملك البقية بالإحياء ومقتضى ذلك أن المتعدي هنا ليس عليه سوى الإثم ولا يزعج قلت ليس الأمر كذلك كما سنبينه مفصلا.
الوجه الثاني في الكلام على ذلك من حيث التفصيل فنقول في هذا الفرع المسؤول عنه أمور أحدها أن قوله كالمتحجر زيادة زادها الزركشي وليست في كلام الشيخين ولا غيرهما كما سنبين ذلك عند سياق عباراتهم وحينئذ فلا يرد أصلا
السؤال المتقدم وعلى تقدير توجهه فالجواب عنه من ثلاثة أوجه:
الوجه الأول أن القاعدة المقررة أنه لا يلزم استواء المشبه والمشبه به من كل وجه فيكون التشبيه في الأحقية فقط لا في القدر الزائد أيضا من حصول متعد بعد ثبوت الأحقية وهذا واضح
الثاني الفرق بين الصورتين فإن مسألة المتحجر البقعة فيها تقبل التملك فإذا وجد الأحياء الذي هو أقوى سببا عمل بمقتضاه وقدم على التحجر الذي هو أضعف وذلك من باب نسخ السبب الضعيف لوجود أقوى منه ونظيره إدخال الحج على العمرة وطروء الحدث الأكبر على الأصغر وتقديم المباشرة على السبب في باب الجنايات، وأما مسألة الشارع فالبقعة فيها لا تقبل التملك فلم يوجد سبب أقوى يقدم على هذا السبب فتمسكنا بالسبب السابق الذي هو إقطاع الإمام وألغى كلما طرأ بعده
الثالث أن قوله عقب هذا التشبيه ولا يجوز لأحد تملكه بالأحياء يجري مجرى القيد لمحل التشبيه فيكون في معنى قوله إنه كالمتحجر إلا أنه لا يجوز لأحد أن يتملكه فتكون هذه الجملة مخرجة لتلك الصورة المذكورة في المتحجر وهو تعدى شخص عليه بالأحياء فلا تأتى هنا ويكون إخراجها من منطوق الكلام لا من مفهومه ولهذا عبر بقوله لأحد الدال على العموم ولم يقل ولا يجوز له تملكه أي للمقطع ليفيد أن المقطع وغيره في ذلك سواء فبكل من هذه الأوجه الثلاثة عرف أن العبارة لا تعطى ذلك المقتضى المذكور
ووجه رابع وهو أنه شبهه بالمتحجر من حيث أنه لم يملك البقعة بالتحجر وكذلك هو لا يملك البقعة بالإقطاع وعلى هذا فقوله بعده ولا يجوز لأحد تملكه بالإحياء جار مجرى التفسير لا مجرى التقييد، الأمر الثاني أن قوله وذكر الرافعي في الجنايات إلى قوله وهذا ذهول سبقه إليه ابن الرفعة في الكفاية ثم السبكي في شرح المنهاج ثم الأسنوي في المهمات فاعتمده الزركشي هنا وحاول في الخادم التأويل والجمع بين كلام الرافعي ونحن نسوق ما تيسر من عبارات الأصحاب في المسألة
قال في الروضة وهل قطاع الإمام فيه مدخل وجهان أصحهما عند الجمهور نعم وهو المنصوص لأن له فيه نظرا ولهذا يزعج من أضر جلوسه، وأما تملك شيء من ذلك فلا سبيل إليه بحال، وحكى وجه في الرقم للعبادي وفي شرح مختصر الجويني لأبي طاهر أن للإمام أن يتملك من الشوارع ما فضل عن حاجة الطروق والمعروف الأول- هذه عبارة الروضة فانظر كيف لم يذكر فيها قوله كالمتحجر وقال البغوي في التهذيب: القطائع قسمان أحدهما ما يملك وهو ما مضى من إحياء الموات والثاني إقطاع إرفاق لا تملك فيه كمقاعد الأسواق والطرق الواسعة ويجوز للسلطان إقطاعه لكنه لا يملكه بل يكون أولى به ويمنع أن يبني دكة لأنه يضيق الطريق ويضر بالضرير وبالبصير بالليل وإذا أقطع السلطان موضعا كان أحق به سواء نقل متاعه إليه أو لم ينقل لأن للإمام النظر والاجتهاد وإذا أقطعه ثبت يده عليه، وقال الخوارزمي في الكافي القطائع ضربان إقطاع إرفاق وإقطاع تملك أما إقطاع الإرفاق وهو أن يقطع الإمام أو نائبه من إنسان موضعا من مقاعد الأسواق والطريق الواسعة ليجلس فيه للبيع والشراء فيجوز إذا كان لا يضر بالمارة هذا هو المذهب، ولو أقطعه السلطان موضعا منه لا يملكه ويكون أولى به نقل متاعه إليه أو لم ينقل ولو قام عنه أو غاب عنه لا ينقطع حقه عنه حتى لو عاد كان أولى به ولو قعد فيه بالسبق من غير إقطاع كان أولى به ما دام هو فيه وكذا لو قام وترك فيه شيئا من متاعه فليس لغيره إزعاجه منه ولو لم يترك فيه شيئا فسبق إليه غيره كان الثاني أحق به والفرق بينهما أن الاستحقاق تم بالإقطاع وهو باق بعد الذهاب والاستحقاق ههنا بكونه فيه وقد زال - هذا هو المذهب انتهى كلام الخوارزمي بحروفه فانظر كيف صرح بأن المقطع أحق به ولو قام أو غاب ولم يكن له فيه متاع وإنه لو أراد أحد الجلوس فيه في غيبته أزعج بخلاف من قعد بالسبق من غير إقطاع إذا قام ولم يترك متاعه كان لغيره الجلوس فيه ثم فرق بين المسألتين ببقاء الاستحقاق بعد الذهاب بالإقطاع وهذا ما قدمنا ذكره في أول الكلام على المسألة، وقال الماوردي في الأحكام السلطانية وأما القسم الثالث وهو ما اختص بأفنية الشوارع والطرقات فهو موقوف على نظر السلطان وفي حكم نظره وجهان أحدهما أن نظره فيه مقصور على كفهم عن التعدي ومنعهم من الإضرار والإصلاح بينهم عند التشاجر وليس له أن يقيم جالسا ولا أن يقدم مؤخرا ويكون السابق إلى المكان أحق به من المسبوق، والوجه الثاني أن نظره فيه نظر مجتهد فيما يراه صلاحا من اجلاس من يجلسه ومنع من يمنعه وتقديم من يقدمه كما يجتهد في أموال بيت المال وإقطاع الموات ولا يجعل السابق أحق على هذا الوجه وليس له على الوجهين أن يأخذ منهم على الجلوس أجرا وإذا تاركهم على التراضي كان السابق إلى المكان أحق من المسبوق انتهى، والوجه الثاني هو الذي ذكر في الروضة أنه الأصح فانظر كيف صرح الماوردي بان السابق لا يجعل أحق على هذا الوجه تقديما لإقطاع الإمام، وقال السبكي في شرح المنهاج وهل لإقطاع الإمام مدخل في الشوارع وجهان أصحهما نعم ورجحه الأكثرون ونص عليه الشافعي لأن للإمام نظرا واجتهادا في أن الجلوس في الموضع هل هو مضر أولا ولهذا يزعج من رأى جلوسه مضرا وإنما يزعجه الإمام وإذا كان لاجتهاده فيه مدخل فكذلك لإقطاعه، والثاني وهو اختيار الجوري والقفال ورجحه الغزالي أنه لا مدخل للإقطاع في ذلك لأنها منتفع بها من غير عمل فأشبهت المعادن الظاهرة ولأنه لا مدخل للتمليك فيها فلا معنى للإقطاع بخلاف الموات، قال الرافعي وللنزاع فيه مجال في قوله لا مدخل للتمليك فيه لأن في الرقم للعبادي وفي شرح مختصر الجويني لابن طاهر وجه أن للإمام أن يتملك من الشوارع ما فضل عن حاجة الطروق وزاد الرافعي فقال في كتاب الجنايات فيما إذا حفر بئرا في شارع بإذن الإمام أن الذي أورده أصحابنا العراقيون والروياني وصاحب التتمة لا ضمان وجوزوا أن يخصص الإمام قطعة من الشارع ببعض الناس فإن الخلاف راجع إلى ما تقدم في إحياء الموات أن إقطاع الإمام هل له مدخل في الشوارع وبينا أن الأكثرين قالوا نعم وجوزوا للمقطع أن يبني فيه ويتملكه هذا كلامه في الجنايات، قال السبكي ولم يتقدم منه في إحياء الموات إلا ما ذكرناه فقوله بينا أن الأكثرين قالوا نعم يريد به تجويز الإقطاع وهو صحيح وقوله وجوزوا للمقطع أن يبني فيه يمكن تمشيته على قول من يقول بجواز بناء دكة في الشارع وقد تقدم في الصلح أن الأصح خلافه وقوله ويتملكه لا يمكن تمشيته إلا على ما حكاه هنا عن الرقم وشرح مختصر الجويني وهو وجه غريب منكر لا يكاد يعرف فلا يبني عليه قال والظاهر أن الرافعي لما تكلم في الجنايات طال عهده بما ذكره في الصلح وفي إحياء الموات ولم يحرره، قال ابن الرفعة وكيف قدر فهو بعيد إلا إذا جهل السبب الذي صار به الشارع شارعا وإذا جهل السبب ومنه ما يمتنع معه التملك جزما ومنه ما لا يكون كذلك فكيف يقدم على تملكه وأيضا فإن الشارع وإن اتسع في وقت قد يكون في وقت آخر بقدر الحاجة أو أضيق وهو موضوع شارعا لعموم الأوقات، قال السبكي وهذا الذي قاله ابن الرفعة صحيح ثم قال وإذا جوزنا الإقطاع في ذلك فإنما معناه أن يصير المقطع أحق بالارتفاق به من غيره قال وقد تكرر في كلام الشافعي والأصحاب أن الإقطاع قسمان إقطاع إرفاق وهو هذا وإقطاع تمليك وهو ما تقدم في الموات ليتملك بالإحياء فالشارع وإن أطلق عليه اسم الموات فيما عدا المرور ونحوه لا يدخله الإحياء ولا الحمى ولا إقطاع التمليك، ثم قال السبكي: فرع عن الأحكام السلطانية للماوردي إذا قلنا بدخول الإقطاع فلا يجعل السابق أحق قال فإن أراد السابق بعد الإقطاع فصحيح لأن بالإقطاع صار المقطع أحق وأما إذا سبق واحد قبل الإقطاع فينبغي أن يمتنع الإقطاع لغيره ما دام حقه باقيا ولا يأتي فيه خلاف لقوله صلى الله عليه وسلم (من سبق إلى ما لم يسبق إليه فهو أحق به) وحاصله أن السبق موجب للأحقية قطعا بالحديث"
مما سبق نجد أن الرجل يقول لأن اقطاع بقعة من الشارع هو حق انتفاع وليس تملك للبقعة وتصرف فيها كما يحلو للمنتفع
وناقش الرجل جزئية أن الحاكم قد يعطى البقعة لشخصين أو أكثر كل بمفرده وأوجب أن تكون البقعة لمن كان تاريخ اصدار الاقطاع أقدم فإن تساويا فى التاريخ فالأولى هو من خرج له الإذن أولا فقال :
"والإقطاع موجب للأحقية على الصحيح فإن تعارضا قدم الأقدم تاريخا ولو فرضنا أنهما حصلا في وقت واحد فينبغي تقديم السبق لأنه ثابت بالنص وإنما لم نقدمه بعد الإقطاع لأنا نجعل الإقطاع سبقا انتهى كلام السبكي. فانظر كيف نقل عن الماوردي أن السابق مع الإقطاع لا حق له وحمله على السابق بعد صدور الإقطاع وقال إنه صحيح وعلله بأن بالإقطاع صار المقطع أحق وبأنا نجعل الإقطاع سبقا وهو عين ما نقلناه في أول الكلام على المسألة، الأمر الثالث في بقية ما يتعلق بكلام الرافعي قال في المهمات بعد سياق كلاميه ولا شك في أن المذكور هناك يعنى في الجنايات سهو فإنه أحال على المذكور هنا فأطلق القول من غير إمعان وقال في الخادم بعد أن ساق كلام الرافعي وكلام ابن الرفعة في الاعتراض عليه الذي يظهر أنهما مسألتان إحداهما أن الإمام هل له أن يملك ابتداء والأصح المنع وهو المذكور هنا والثانية أنه إذا أقطعه الإمام ذلك فهل للمقطع أن يتملكه إذا بنى فيه والأصح نعم وهو المذكور في الجنايات قال والحاصل أن هذا الإقطاع بمثابة إقطاع الموات إذا بنى فيه تملك وليس للإمام أن يملكه ابتداء قال فإن قلت يمنع من هذا حوالة الرافعي في الجنايات على المذكور هنا وهو لم يذكر هنا التملك بضم اللام وإنما ذكر التمليك"
وناقش السيوطى مقولة بناء المنتفع بالاقطاع فى البقعة فمنع البناء والحفر فيها لكونها ليست ملك له فقال مناقشا الأمر من خلال النقول ورأيه الخاص:
"قلت قد ذكر هنا جواز الإقطاع ومن لازمه جواز التملك وقد صرح بهذا اللازم في الجنايات وأيضا فلم يقل في الجنايات أنه يملكه بل يتملكه ومعناه أنه يتملكه بالإحياء للمسلمين قال على أن الصواب المذكور هنا وفيما نقله هناك عن الأكثرين نظر أما قولهم إنهم جوزوا فيه البناء فلا يتأتى فيه الأعلى تجويز بناء دكة في الشارع إذا لم يضر وهو وجه والأصح كما قاله في باب الصلح المنع وإن لم يضر، وأما قولهم إنهم جوزوا تملكه فلا يتأتى إلا على ما حكاه هنا عن الرقم وهو وجه غريب قلت حط محط كلام الخادم على إبقاء الاعتراض على الرافعي والحكم عليه بالسهو فيما ذكره في الجنايات وهو معذور في ذلك فانه حاول الجمع بينهما بالطريق التي ذكرها فوجدها لا تتمشى على الراجح فرجع إلى مواقفه المعترضين، وأقول لا بأس بتأويل كلام الرافعي على وجه يمنع نسبة الذهول والسهو إليه وعبارته في الجنايات وإن حفر لمصلحة عامة ففيه الوجهان أو القولان والخلاف راجع إلى ما تقدم في إحياء الموات إن إقطاع الإمام هل له مدخل في الشوارع وبينا أن الأكثرين قالوا نعم وجوزوا للمقطع أن يبني فيه ويتملكه انتهى. فمحمل الإيراد هنا إجراء الكلام على أن قوله وجوزوا معطوف على قالوا فيكون منسوبا للأكثرين وعلى أن قوله ويتملكه الضمير فيه راجع إلى الشارع كما هو راجع إليه في قوله أن يبني فيه ويندفع الأول بأن يجعل قوله وجوزوا مستأنفا لا معطوفا على خبران فيكون إشارة إلى الوجه المذكور في الصلح أنه يجوز البناء في الطريق وهو وجه مشهور لا غريب وإن لم يكن هو المصحح، والقصد بسياق ذلك هنا الإشارة إلى بناء الخلاف في مسألة حفر البئر على هذا الخلاف المذكور في إحياء الموات في إقطاع الإمام للشارع وعلى الخلاف المذكور في جواز البناء في الشارع ويوضح ما قلناه من الاستئناف وعدم العطف إن مسألة البناء ليست مذكورة في إحياء الموات وإنما هي مذكورة في باب الصلح فكيف يظن بالرافعي أنه يعزو إلى باب مسألتين وليس فيه إلا إحداهما فتعين أن الذي عزاه إلى إحياء الموات إنما هو مسألة إقطاع الإمام فقط وهي التي حكى فيها هناك عن الأكثرين الجواز وتم الكلام عند قوله وبينا أن الأكثرين قالوا نعم ثم استأنف كلاما آخر على طريق التذييل مرشحا لما ذكره فقال وجوزوا أي طائفة من الأصحاب للمقطع أن يبني فيه فيكون ذلك ترشيحا لجواز حفر البئر في الشارع لمصلحة عامة الذي هو الأظهر ولا يلزم من ذلك أن يكون الراجح في مسألة البناء الجواز لما أشرنا إليه من أن القصد بسياق ذلك بناء الخلاف على الخلاف والترشيح ولا يلزم من بناء الخلاف في مسألة على الخلاف في أخرى أن يستويا في الترجيح وأما اعتراضهم عليه في قوله ويتملكه بأن الوجه القائل بتملك الشارع المحكى في إحياء الموات غريب منكر لا يبنى عليه ولا يعول فضلا عن أن يعزى إلى الأكثرين فإنه يندفع بأيسر شيء وذلك أن الاعتراض مبنى على أن الضمير في يتملكه عائد إلى الشارع ونحن نقول ليس عائدا إلى الشارع بل إلى البناء المفهوم من قوله يبنى فيه فيكون ذلك ترشيحا لجواز حفر البئر لأنه إذا قالت فرقة بجواز أن يبنى في الشارع ما يكون ملكا لبانيه فجواز حفر البئر ؟؟ لا تملك وتجعل لعموم المسلمين أولى. هذا ما تيسر تأويل كلام الرافعي عليه وهو وإن كان فيه بعض تكلف فإنه أولى من نسبة الإمام الرافعي إلى السهو والذهول. ومن النقول في المسألة عودا وانعطافا على ما تقدم قال ابن القاص في تلخيصه القطائع فرقتان أحدهما مضى والثاني إقطاع إرفاق لا يملك مثل المقاعد في الأسواق هو أحق به، وقال إمام الحرمين في النهاية الذي صار معظم الأصحاب أن الوالي لو أراد أن يقطع القاعد فله ذلك كما له أن يقطع الموات من محييه، وقال الغزالي في البسيط الإمام هل له أن يقطع مقاعد الأسواق؟ الذي ذهب إليه معظم الأصحاب أن له ذلك كما في الموات، وذكر في الوسيط نحوه، وقال الجرجاني في البلغة وأما الشوارع والرحاب الواسعة فلكل أحد أن يرتفق بالقعود فيها للبيع والشراء بحيث لا يضر بالمجتازين ومتى تركها كان غيره أحق بها وإن قام عنها ليعود إليها في غد كان أولى بها فإن أقطع الإمام مكانا منها كان المقطع أحق بالارتفاق به من غيره، وقال القاضي حسين في تعليقه الإقطاع قسمان أحدهما إقطاع تمليك وهو الموات الذي يتملكه المقطع بإحداث أمر فيه والثاني إقطاع إرفاق وهو مثل الرباطات ومقاعد الأسواق فللإمام أن يقطعها من شاء ليجلس فيها للتجارة وغيرها إذا كان لا يتضرر المارة به إذ لاجتهاده مدخل في هذه المواضع بدليل أنه يمنع عنه من يجلس فيه على وجه يتضرر به الناس بخلاف المعادن"
كما ناقش الرجل جزئية أن غياب المنتفع فترة عن الوقت لا يعنى خروجها منه ولكن للغير أن ينتفع بها فإن حضر المنتفع ترك له المكان فقال :
"الظاهرة فإنه لا مدخل لاجتهاد الإمام فيها إذ لا يسوغ له منع أحد عنها بحال تم الحكم فيه أن المقطع أحق به ما دام يتردد ويرجع إليه فإن أعرض عنه وتركه فللغير أن يجلس فيه وإن اشتغل عنه بعذر أو غيره فحقه قائم فيه ليس للغير أن يجلس مكانه وإذا مرض أو غاب إن كانت المدة قصيرة لم يكن للغير أن يجلس مكانه وإن طالت المدة فللغير الجلوس مكانه ولا يملكه المقطع بحال إذ ليس فيه أثر عمارة ولا عين مال بخلاف الموات والمعادن الباطنة على أحد القولين انتهى. فهذه عبارات مشاهير أئمة الأصحاب ليس فيها تعرض لتشبيهه بالمتحجر حتى يتوهم أن يأتي في المتعدي عليه على ما يأتي في المتعدى على المتحجر والله أعلم. "
الغريب فى الكتاب هو أن السيوطى والفقهاء لم يذكر أيا منهم دليلا من الوحى على صحة كلامهم وكأن الوحى خلا من الحديث عن الأمر والآن سنناقش الأمر من خلال نصوص الوحى بادئين بحكم الإقطاع :
الإقطاع :
هو أن يعطى الحاكم قطعة من الأرض الميتة أو المستصلحة أو المعادن أو المياه أو غير ذلك لبعض الناس دون بعض وهو أمر محرم للتالى:
- يزيد الثروة فى أيدى جماعة دون بقية أفراد الأمة وهو ما منعه الله بقوله بسورة الحشر:
"كى لا يكون دولة بين الأغنياء منكم "
-تمييز لبعض المسلمين على بعض دون نص من الوحى وهو ما يتعارض مع كون المؤمنين كلهم إخوة يرثون الأرض معا بالعدل كما قال تعالى بسورة الأنبياء :
"ولقد كتبنا فى الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادى الصالحون "
وهذا هو معنى استخلاف المسلمين فى الأرض كما جاء بسورة النور :
" ليستخلفنهم فى الأرض كما استخلف الذين من قبلهم "
- اخوة المسلمين التى تعنى تساويهم طبقا لقوله تعالى بسورة فصلت :
" وقدر فيها أقواتها فى أربعة أيام سواء للسائلين "
لا تصبح موجودة حيث يكون بيد الأمير أو من ينيبه أن يغنى البعض ويفقر الأخرين وهو أمر مخالف لنصوص الوحى
وأما إحياء الموات فنناقشه كالتالى :
إحياء الموات
هو تعمير الأرض الخربة أو المجدبة بالزراعة أو بالبناء عليها وإحياء الموات لا يجوز فى الدولة الإسلامية للتالى :
- يزيد الثروة فى أيدى جماعة دون بقية أفراد الأمة حيث أن القادر يقوم بالاستصلاح أو البناء بينما الفقير وهو غير القادر لا يفعل لعدم وجود مال معه وهو ما منعه الله بقوله بسورة الحشر:
"كى لا يكون دولة بين الأغنياء منكم "
-يتعارض مع كون المؤمنين كلهم إخوة يرثون الأرض سويا بالعدل كما قال تعالى بسورة الأنبياء:
"ولقد كتبنا فى الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادى الصالحون "
ويجوز خارج الدولة الإسلامية إذا أقرته قوانين تلك الدول بشروط للمسلم هى :
-ألا تكون الأرض مملوكة لأحد من الناس وإلا أصبح الأمر غصب لملك الغير وهو أمر محرم وهذا يستلزم السؤال عن الأرض من الناس وإدارات الملكية .
-أن يكون المحيى لا يملك مصدرا للرزق إلا زراعته للأرض أو بناء شىء يسترزق منه
وأما أحكام الشارع فى المصحف فهى:
الطريق أو السكة أو الشارع يتضمن عدة جوانب:
الأول طرق السير وهى إما الركوب على شىء مثل الفلك والأنعام وإما الترجل وهو المشى على الأرجل كما قال تعالى بسورة الحج "وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ من كل فج عميق "
وأحكام الركوب هى
قول سبحان من سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين عند ركوب الركوبة وسيرها وفى هذا قال تعالى بسورة الزخرف "وَالَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ. لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ"
وأحكام المشى هى
- سير النساء على استحياء كما قال تعالى فى سورة القصص
"فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ"
-قيادة الرجل لرحلة السير فى الطريق عندما تكون زوجته وأولاده معه وفى هذا قال تعالى بسورة القصص:
"لما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا قال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون "
فالرجل يعرف لهم مواطن الأمن فى الطريق فيأتى بالأخبار أو يوفر لهم ضروريات الحياة كالتدفئة فى البرد
-أن يوفر الناس لبعضهم طريقا آمنا بتقدير مسافات للسير بعد كل مسافة يوجد فيها مكان للراحة وأن يكون على الطريق حماية من مخاطر الطريق كالاسعاف وقطاع الطرق وفى هذا قال تعالى بسورة سبأ:
"وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين"
-السير يجب أن يكون لهدف مباح مثل اتخاذ العظة مما حدث للكفار السابقين كما فى قوله تعالى بسورة النمل "قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين" ومثل التفكير فى خلق الله كما قوله تعالى بسورة العنكبوت:
"قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ:
الثانى :ما حول الطريق مثل البيوت المسكونة وغير المسكونة التى تسمى المؤسسات العامة وأحكامها هى :
-دخول البيوت من أبوابها وهى مداخلها المصنوعة للدخول والخروج وعدم دخولها من على ظهورها وهى سطوحها وفى هذا قال تعالى بسورة البقرة :
"وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَىٰ ۗ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا"
- دخول البيوت المسكونة بالاستئذان من على الأبواب كما قال تعالى بسورة النور "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ"
-عدم دخول البيوت المسكونة من أبوابها إن لم يكن فيها رجل إلا أن يكون من فى البيت من النساء والرجل أعطوه إذنا مسبقا بالدخول كما قال تعالى بسورة النور"فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّىٰ يُؤْذَنَ لَكُمْ ۖ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا ۖ هُوَ أَزْكَىٰ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ"
- دخول البيوت غير المسكونة من أبوابها وهى المؤسسات العامة كما قال تعالى بسورة النور :
"لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ"
-عدم النداء على الناس من خلف البيوت والمراد الجهات التى ليس فيها أبواب كما قال تعالى بسورة الحجرات:
"إِنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ ٱلْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ"
الثالث التواجد فى الطريق وهو الجلوس والوقوف فيه والمرور فيه وأحكامه هى :
-عدم قطع الطريق بأى شكل من الأشكال مثل قذفهم بالحجارة أو النظر للعورات أو وضع القمامة فى الطريق وقد وعظ لوط(ص) قومه وبين لهم أنه من المنكرات التى يرتكبونها فقال بسورة العنكبوت:
"ئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ"
-الضحك على المتواجدين فى الطريق مرورا أو قعودا أو وقوفا وهو عدم غمز الناس عند المرور بهم وهو العيب فيهم والتقول عليهم وفى هذا قال تعالى بسورة المطففين:
"إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاء لَضَالُّونَ *
-عدم تخريب وسيلة الركوب كما قال موسى (ص) للعبد الصالح (ص) عند خرق السفينة فى سورة الكهف:
"فَانْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا ۖ قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا"
الرابع تنظيم الطريق وهو جعل حرم للطريق والمراد اتساع للطريق مع تسويته وإصلاحه للسير فيه بحيث لا يتعرض أحد لخطر فيه مثل الحوادث التى تسفر عن قتل أو جرح وهو ما ذكره الله عن تقدير مسافات وطرق السير ليكون السفر فيها آمنا ليلا ونهارا فقال بسورة سبأ :
"وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين"
ومن ثم فالطريق يجب أن يكون متسعا للمارة وركائبهم وصالحا لسير الركائب وهى وسائل السفر لنقل الناس وأثقالهم وهى أمتعتهم وبضائعهم كما قال تعالى بسورة النحل
"وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ"
الشارع فى الإسلام يجب تنظيمه بعيدا عن الأحكام المزعومة بجواز الإقطاع وإحياء الموات ومن ينظمه هم من يبنون القرى والمدن ولكن حسب أسس معينة:
1-شوارع البيوت هى شوارع تتسع للمشاة ولسيارات نقل الأثاث وللتوصيلات التى تدخل البيوت كمواسير المياه ومواسير الغاز وأسلاك الهواتف والكهرباء ومجارى الصرف الصحى وهو ما يعنى أن أقل اتساع لها هو سبعة أذرع وهو ما يساوى حاليا حوالى خمسة أمتار بالمقياس المستخدم فى زمننا على اعتبار الذراع =68 سم وقد ورد فى الأثر " إذا اختلفتم في الطريق جعل عرضه سبعة أذرع"
2-شوارع الأماكن الخدمية ويكون عرضها أكبر من سبعة أذرع فى الأسواق فتكون14 ذراع بحيث يكون للدكاكين على الجانبين مسافة ثلاثة أذرع لعرض السلع ووقوف المشترين ويبقى للمارة والسيارات حوالى سبعة أو ثمانية أذرع وأما شوارع المشافى والمدارس وغير ها من المصالح فيراعى فيها خدمة الناس كأحسن ما يكون باتساعها الاتساع المناسب
3-شوارع المصانع وهذه الشوارع يجب أن تكون أكبر اتساعا كنوع من الأمن الصناعى حتى لا تنتقل الحرائق والانفجارات وحوادث النقل فيما بينها بسرعة
الأسواق:
لابد للاقتصاد من أسواق يصرف منتجات شركاته فيها وقد ورد أن الرسول (ص)كان يأكل الطعام ويسير فى الأسواق فعاب الكفار عليه ذلك وفى هذا قال تعالى بسورة الفرقان "وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق "وقد بين الله لرسوله(ص)أن الرسل (ص)قبله كانوا يأكلون الطعام ويسيرون فى الأسواق وفى هذا قال بسورة الفرقان "وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون فى الأسواق "ومن أجل تصريف منتجات الشركات على اختلاف أنواعها على المخططين التالى :
-أن يكون لكل حى فى البلدة الجديدة سوق يضم دكان كبير أى متجر لكل مجموعة سلع متشابهة فمثلا دكان للمنسوجات ودكان للخبز ودكان للفاكهة والخضر ودكان للآلات ودكان للسمك ودكان للحوم .
-أن يتم إنشاء سوق منظم لكل حى فى البلدات القديمة بحيث يبتعد عن المساكن مسافة تضمن عدم إزعاج السكان بسبب الضجيج فى الأسواق ويشمل السوق دكان لكل مجموعة سلع متشابهة ويمكن زيادة دكاكين بعض السلع منعا للزحام مثل الخبز لأنه سلعة يومية ومطلوبة فى معظم الوجبات.
أحوال شوارع اليوم:
شوارع اليوم فى المدن والقرى ليست منظمة فى الغالب ومشاكلها تتمثل فى التالى:
-سلالم البيوت حيث تبرز بعض السلالم فيها بروزا كبيرا ونجد اختلافا كبيرا بين البيوت فمنها من له سلالم خارجية ومنها من له سلالم داخلية وبعضها يبرز للخارج أقل أو أكثر وليس لهذا من حل سوى إعادة بناء بيوت الشارع كلها فى وقت واحد وجعلها متساوية بحيث يستطاع رصفها ومرور السيارات فيها وكذلك الحفر وغيره
-وجود دكاكين فى البيوت تعرض بضاعتها فى الشارع بجوار الدكان أو حتى بعيدا عنه والحل هو إخراج الدكاكين من البيوت لكونها مساكن للسكن وهو الراحة وليس لازعاج السكان كما قال تعالى :
"وجعل لكم من بيوتكم سكنا"
-وجود الحيوانات بالزرائب والاسطبلات ومخازن المحاصيل فى البيوت وهو ما يتعارض مع كون المساكن للسكن وهو الراحة وليس لازعاج السكان كما قال تعالى :
"وجعل لكم من بيوتكم سكنا"
ومن ثم يجب أن تكون الزرائب والمزارع والمخازن خارج المنطقة السكنية
-سكب مياه غسل الملابس أو المواعين أو الاستحمام أو رش الشوارع بالمياه وغالبا تلك المشكلة تكون بالقرى ويتم الشجار بسببها ويجب وجود صرف صحى فى تلك القرى لمنع سكب المياه أو رشها فى الشوارع منها للأذى كما قال تعالى:
"وما جعل عليكم فى الدين من حرج"
وأذى السكب والرش هو وقوع البشر والحيوانات وتكسر عظامهم أو اصاباتهم بكدمات وما شابه وأحيانا شم الروائح التى تضايق الصدور
-أعمدة الإنارة وقربها من المنازل بحيث أنها فى بعض المناطق تكون على مسافة ذراع أو أقل من بلكونات نشر الملابس مما يؤدى لتكهرب البعض أو اشتعال حرائق والحل هو مد الأسلاك تحت الأرض فى مواسير بلاستيكية منعا للأذى كما قال تعالى:
"وما جعل عليكم فى الدين من حرج"
-اقتراب البلكونات من بعضها البعض فى الشوارع الضيقة بحيث أن من فى البيت الأول يرى عورات فى البيت المقابل وهذا الأمر حله هو قفل تلك البلكونات نهائيا حتى لا ترتكب جرائم النظر لعورات الأخرين فى بيوتهم والتى قال تعالى فيها :
"قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم"و"وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن"
وأيضا منعا للأذى كما قال تعالى:
"وما جعل عليكم فى الدين من حرج"
-وجود أماكن العمل فى البيوت السكنية كعيادات الأطباء ومكاتب المحامين والمحاسبين ومعامل التحليل وما شابه وهو ما يمثل إزعاج للسكان نتيجة التردد الكثير على تلك الأماكن والبقاء للعمل حتى فترات متأخرة من الليل ومن ثم يجب نقل تلك الأشياء خارج البيوت السكنية منها لإزعاج السكان وهو أذى حرمه الله بقوله:
" وجعل لكم من بيوتكم سكنا"
-البيوت الخربة ويقصد بها البيوت المتهدمة كلها أو بعضها والبيوت التى لا يوجد بها سكان وهذه البيوت تكون مأوى للحشرات والثعابين وغيرها من الحيوانات المؤذية كما أنها قد تكون مأوى لبعض المجرمين للاختباء أو لدس المخدرات أو تحزين الأموال بها ومن ثم يجب إزالة مخلفات أى مبنى متهدم كليا من المنطقة حتى تصبح المنطقة ظاهرة للكل لا يستطيع أحد الاختباء بها أو دس شىء فيها أو وجود حيوانات مؤذية فيها والبيوت التى بلا سكان يجب أن يتم اسكانها بمن تهدمت بيوتهم أو تبنى لهم بيوت ولا يجدون لهم مأوى مؤقت وكل هذا منع للضرر وفيه قال تعالى :
"وما جعل عليكم فى الدين من حرج"
وأما الأسواق الحالية فغالبا لا يوجد تنظيم لها إلا نادرا فالباعة يحتلون أرصفة الشارع ووسط الشارع بحيث يكون العبور فى الشارع صعبا ومشا كل الأسواق الحالية هى :
-الباعة المتنقلين وهؤلاء حياتهم يقضونها فى السفر والترحال اليومى فى نقل البضاعة من بلد لأخرى وشراءها من الفلاحين أو من أسواق الجملة وهؤلاء أسرهم محرومة من الراحة ومن الرعاية الأسرية ولا يوجد حل لهم سوى إعطاء كل منهم دكان فى بلده لا ينتقل منه وإنما يكون مصدره رزقه الثابت بحيث يعود لزوجته وأولاده فى مواعيد ثابتة
-احتلال الباعة وسط الشارع ولا حل سوى لها سوى إعطاء كل بائع بلا دكان دكان يقيم فيه مع بضاعته فيكون وسط الشارع خاليا للمشاة والسيارات
- شجار الباعة حول أماكن البيع وهذه المشكلة تظهر فى أسواق القرى التى تقام يوم أو اثنين فى الأسبوع حيث من حضر أولا يحتل مكانا يضع فيه سلعته فيأتى من تعود على البيع فى نفس المكان فيتشاجر معه وهو ما تناوله السيوطى فى جزئية غياب صاحب الانتفاع ولا حل لتلك المشاكل إلا بإقامة سوق دائم فيه دكاكين دكان لكل سلعة وعدم تنقل الباعة من بلد لأخرى
- ما بعد انتهاء السوق والمراد بها المخلفات التى يتركها الباعة فى الشارع بعد انتهاء بيعهم وللحق فإن العديد منهم يقوم بتنظيف مكانه ولكن البعض يترك مكانه مليئا بالبضاعة التى فسدت أو مخلفاتها فيضطر أصحاب البيوت لتنظيف ما أمام بيوتهم من المخلفات وحل المشكلة هو السوق الدائم بدكاكينه التى يقيم فيها الباعة حيث يلتزم كل منهم بتنظيفه دكانه وما أمامه
الأسواق الدائمة هى راحة وأمان للجميع فهى توفر للمجتمع النفط المستخدم فى التنقل بين البلاد لنقل البضاعة سبع مرات فى الأسبوع ذهابا وعودة كما توفر حياة أسرية ناجحة للباعة حيث يستطيعون الاقامة مع زوجاتهم وأولادهم بعد انتهاء وقت العمل ظهرا كما أنها تقلل من الازدحام ومن ثم تقليل سرقات النشل حيث يكون عدد المتسوقين قليل لفتح الدكاكين يوميا بدلا من يوم أو اثنين فى الأسبوع كما أنها تجعل منطقة السوق نظيفة باستمرار نتيجة إلزام كل بائع بتنظيف دكانه وما حوله كما أنها تقلل من إزعاج السكان حيث يكون السوق خارج المنطقة السكنية
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
كتاب البارع فى اقطاع الشارع من تأليف السيوطى والكتاب هو تجميع لأقوال الفقهاء فى مسألة واحدة وهى :
اقطاع الحاكم جزء من الشارع لشخص كى ينتفع به فى شىء كالجلوس فيه للتجارة أو بناء دكة للقعود عليها وقد أجاز الرجل والفقهاء هذا الاقطاع فقال
فرع يجوز للإمام إقطاع الشارع على الأصح فيصير المقطع به كالمتحجر ولا يجوز لأحد تملكه بالأحياء وفي وجه غريب يجوز للإمام تملك ما فضل عن حاجة الطريق ومراد قائله أن للإمام التملك للمسلمين لا لنفسه. وذكر الرافعي في الجنايات أنه تقدم في الأحياء أن الأكثرين جوزوا الإقطاع وأن المقطع يبنى فيه ويتملك وهذا ذهول فإن الأصح في الصلح منع البناء وهنا منع التملك انتهى."
وناقش الرجل المسألة وهى اقطاع البقعة فى الشارع هل هو ملكية أو حق انتفاع ونقل أقوال الفقهاء وخلافهم فقال :
"وأقول هذا الفرع منقول برمته من التكملة للزركشي والكلام عليه من وجهين:
الوجه الأول في ذكر حكم المسألة إجمالا وحكمها على ما هو المفهوم من المنقول بعد مراجعة ما تيسر من كتب المذهب كالروضة والشرح وتهذيب البغوي وكافي الخوارزمي ونهاية إمام الحرمين وبسيط الغزالي ووسيطه والأحكام السلطانية للماوردي والتلخيص لابن القاص والبلغة للجرجاني وتعليق القاضي الحسين وغير ذلك، ومن كتب المتأخرين الكفاية لابن الرفعة وشرح المنهاج للسبكي والمهمات والخادم أن الإمام إذا أقطع أحدا موضعا من الشارع كان المقطع أولى به من غيره للارتفاق خاصة دون التملك والبناء وأنه لو جاء أحد بعد صدور الإقطاع إلى هذا الموضع فجلس فيه أزعج منه ولا يقر ولو كان المقطع غائبا عنه وليس فيه أمتعته فإن قلت مقتضى قوله كالمتحجر أنه لو جاء أحد وتعدى وجلس لم يمنع لأن المشبه به وهو المتحجر قالوا أنه يصير أحق من غيره ومع ذلك لو تعدى غيره وبنى لم يكن عليه سوى الإثم ويملك البقية بالإحياء ومقتضى ذلك أن المتعدي هنا ليس عليه سوى الإثم ولا يزعج قلت ليس الأمر كذلك كما سنبينه مفصلا.
الوجه الثاني في الكلام على ذلك من حيث التفصيل فنقول في هذا الفرع المسؤول عنه أمور أحدها أن قوله كالمتحجر زيادة زادها الزركشي وليست في كلام الشيخين ولا غيرهما كما سنبين ذلك عند سياق عباراتهم وحينئذ فلا يرد أصلا
السؤال المتقدم وعلى تقدير توجهه فالجواب عنه من ثلاثة أوجه:
الوجه الأول أن القاعدة المقررة أنه لا يلزم استواء المشبه والمشبه به من كل وجه فيكون التشبيه في الأحقية فقط لا في القدر الزائد أيضا من حصول متعد بعد ثبوت الأحقية وهذا واضح
الثاني الفرق بين الصورتين فإن مسألة المتحجر البقعة فيها تقبل التملك فإذا وجد الأحياء الذي هو أقوى سببا عمل بمقتضاه وقدم على التحجر الذي هو أضعف وذلك من باب نسخ السبب الضعيف لوجود أقوى منه ونظيره إدخال الحج على العمرة وطروء الحدث الأكبر على الأصغر وتقديم المباشرة على السبب في باب الجنايات، وأما مسألة الشارع فالبقعة فيها لا تقبل التملك فلم يوجد سبب أقوى يقدم على هذا السبب فتمسكنا بالسبب السابق الذي هو إقطاع الإمام وألغى كلما طرأ بعده
الثالث أن قوله عقب هذا التشبيه ولا يجوز لأحد تملكه بالأحياء يجري مجرى القيد لمحل التشبيه فيكون في معنى قوله إنه كالمتحجر إلا أنه لا يجوز لأحد أن يتملكه فتكون هذه الجملة مخرجة لتلك الصورة المذكورة في المتحجر وهو تعدى شخص عليه بالأحياء فلا تأتى هنا ويكون إخراجها من منطوق الكلام لا من مفهومه ولهذا عبر بقوله لأحد الدال على العموم ولم يقل ولا يجوز له تملكه أي للمقطع ليفيد أن المقطع وغيره في ذلك سواء فبكل من هذه الأوجه الثلاثة عرف أن العبارة لا تعطى ذلك المقتضى المذكور
ووجه رابع وهو أنه شبهه بالمتحجر من حيث أنه لم يملك البقعة بالتحجر وكذلك هو لا يملك البقعة بالإقطاع وعلى هذا فقوله بعده ولا يجوز لأحد تملكه بالإحياء جار مجرى التفسير لا مجرى التقييد، الأمر الثاني أن قوله وذكر الرافعي في الجنايات إلى قوله وهذا ذهول سبقه إليه ابن الرفعة في الكفاية ثم السبكي في شرح المنهاج ثم الأسنوي في المهمات فاعتمده الزركشي هنا وحاول في الخادم التأويل والجمع بين كلام الرافعي ونحن نسوق ما تيسر من عبارات الأصحاب في المسألة
قال في الروضة وهل قطاع الإمام فيه مدخل وجهان أصحهما عند الجمهور نعم وهو المنصوص لأن له فيه نظرا ولهذا يزعج من أضر جلوسه، وأما تملك شيء من ذلك فلا سبيل إليه بحال، وحكى وجه في الرقم للعبادي وفي شرح مختصر الجويني لأبي طاهر أن للإمام أن يتملك من الشوارع ما فضل عن حاجة الطروق والمعروف الأول- هذه عبارة الروضة فانظر كيف لم يذكر فيها قوله كالمتحجر وقال البغوي في التهذيب: القطائع قسمان أحدهما ما يملك وهو ما مضى من إحياء الموات والثاني إقطاع إرفاق لا تملك فيه كمقاعد الأسواق والطرق الواسعة ويجوز للسلطان إقطاعه لكنه لا يملكه بل يكون أولى به ويمنع أن يبني دكة لأنه يضيق الطريق ويضر بالضرير وبالبصير بالليل وإذا أقطع السلطان موضعا كان أحق به سواء نقل متاعه إليه أو لم ينقل لأن للإمام النظر والاجتهاد وإذا أقطعه ثبت يده عليه، وقال الخوارزمي في الكافي القطائع ضربان إقطاع إرفاق وإقطاع تملك أما إقطاع الإرفاق وهو أن يقطع الإمام أو نائبه من إنسان موضعا من مقاعد الأسواق والطريق الواسعة ليجلس فيه للبيع والشراء فيجوز إذا كان لا يضر بالمارة هذا هو المذهب، ولو أقطعه السلطان موضعا منه لا يملكه ويكون أولى به نقل متاعه إليه أو لم ينقل ولو قام عنه أو غاب عنه لا ينقطع حقه عنه حتى لو عاد كان أولى به ولو قعد فيه بالسبق من غير إقطاع كان أولى به ما دام هو فيه وكذا لو قام وترك فيه شيئا من متاعه فليس لغيره إزعاجه منه ولو لم يترك فيه شيئا فسبق إليه غيره كان الثاني أحق به والفرق بينهما أن الاستحقاق تم بالإقطاع وهو باق بعد الذهاب والاستحقاق ههنا بكونه فيه وقد زال - هذا هو المذهب انتهى كلام الخوارزمي بحروفه فانظر كيف صرح بأن المقطع أحق به ولو قام أو غاب ولم يكن له فيه متاع وإنه لو أراد أحد الجلوس فيه في غيبته أزعج بخلاف من قعد بالسبق من غير إقطاع إذا قام ولم يترك متاعه كان لغيره الجلوس فيه ثم فرق بين المسألتين ببقاء الاستحقاق بعد الذهاب بالإقطاع وهذا ما قدمنا ذكره في أول الكلام على المسألة، وقال الماوردي في الأحكام السلطانية وأما القسم الثالث وهو ما اختص بأفنية الشوارع والطرقات فهو موقوف على نظر السلطان وفي حكم نظره وجهان أحدهما أن نظره فيه مقصور على كفهم عن التعدي ومنعهم من الإضرار والإصلاح بينهم عند التشاجر وليس له أن يقيم جالسا ولا أن يقدم مؤخرا ويكون السابق إلى المكان أحق به من المسبوق، والوجه الثاني أن نظره فيه نظر مجتهد فيما يراه صلاحا من اجلاس من يجلسه ومنع من يمنعه وتقديم من يقدمه كما يجتهد في أموال بيت المال وإقطاع الموات ولا يجعل السابق أحق على هذا الوجه وليس له على الوجهين أن يأخذ منهم على الجلوس أجرا وإذا تاركهم على التراضي كان السابق إلى المكان أحق من المسبوق انتهى، والوجه الثاني هو الذي ذكر في الروضة أنه الأصح فانظر كيف صرح الماوردي بان السابق لا يجعل أحق على هذا الوجه تقديما لإقطاع الإمام، وقال السبكي في شرح المنهاج وهل لإقطاع الإمام مدخل في الشوارع وجهان أصحهما نعم ورجحه الأكثرون ونص عليه الشافعي لأن للإمام نظرا واجتهادا في أن الجلوس في الموضع هل هو مضر أولا ولهذا يزعج من رأى جلوسه مضرا وإنما يزعجه الإمام وإذا كان لاجتهاده فيه مدخل فكذلك لإقطاعه، والثاني وهو اختيار الجوري والقفال ورجحه الغزالي أنه لا مدخل للإقطاع في ذلك لأنها منتفع بها من غير عمل فأشبهت المعادن الظاهرة ولأنه لا مدخل للتمليك فيها فلا معنى للإقطاع بخلاف الموات، قال الرافعي وللنزاع فيه مجال في قوله لا مدخل للتمليك فيه لأن في الرقم للعبادي وفي شرح مختصر الجويني لابن طاهر وجه أن للإمام أن يتملك من الشوارع ما فضل عن حاجة الطروق وزاد الرافعي فقال في كتاب الجنايات فيما إذا حفر بئرا في شارع بإذن الإمام أن الذي أورده أصحابنا العراقيون والروياني وصاحب التتمة لا ضمان وجوزوا أن يخصص الإمام قطعة من الشارع ببعض الناس فإن الخلاف راجع إلى ما تقدم في إحياء الموات أن إقطاع الإمام هل له مدخل في الشوارع وبينا أن الأكثرين قالوا نعم وجوزوا للمقطع أن يبني فيه ويتملكه هذا كلامه في الجنايات، قال السبكي ولم يتقدم منه في إحياء الموات إلا ما ذكرناه فقوله بينا أن الأكثرين قالوا نعم يريد به تجويز الإقطاع وهو صحيح وقوله وجوزوا للمقطع أن يبني فيه يمكن تمشيته على قول من يقول بجواز بناء دكة في الشارع وقد تقدم في الصلح أن الأصح خلافه وقوله ويتملكه لا يمكن تمشيته إلا على ما حكاه هنا عن الرقم وشرح مختصر الجويني وهو وجه غريب منكر لا يكاد يعرف فلا يبني عليه قال والظاهر أن الرافعي لما تكلم في الجنايات طال عهده بما ذكره في الصلح وفي إحياء الموات ولم يحرره، قال ابن الرفعة وكيف قدر فهو بعيد إلا إذا جهل السبب الذي صار به الشارع شارعا وإذا جهل السبب ومنه ما يمتنع معه التملك جزما ومنه ما لا يكون كذلك فكيف يقدم على تملكه وأيضا فإن الشارع وإن اتسع في وقت قد يكون في وقت آخر بقدر الحاجة أو أضيق وهو موضوع شارعا لعموم الأوقات، قال السبكي وهذا الذي قاله ابن الرفعة صحيح ثم قال وإذا جوزنا الإقطاع في ذلك فإنما معناه أن يصير المقطع أحق بالارتفاق به من غيره قال وقد تكرر في كلام الشافعي والأصحاب أن الإقطاع قسمان إقطاع إرفاق وهو هذا وإقطاع تمليك وهو ما تقدم في الموات ليتملك بالإحياء فالشارع وإن أطلق عليه اسم الموات فيما عدا المرور ونحوه لا يدخله الإحياء ولا الحمى ولا إقطاع التمليك، ثم قال السبكي: فرع عن الأحكام السلطانية للماوردي إذا قلنا بدخول الإقطاع فلا يجعل السابق أحق قال فإن أراد السابق بعد الإقطاع فصحيح لأن بالإقطاع صار المقطع أحق وأما إذا سبق واحد قبل الإقطاع فينبغي أن يمتنع الإقطاع لغيره ما دام حقه باقيا ولا يأتي فيه خلاف لقوله صلى الله عليه وسلم (من سبق إلى ما لم يسبق إليه فهو أحق به) وحاصله أن السبق موجب للأحقية قطعا بالحديث"
مما سبق نجد أن الرجل يقول لأن اقطاع بقعة من الشارع هو حق انتفاع وليس تملك للبقعة وتصرف فيها كما يحلو للمنتفع
وناقش الرجل جزئية أن الحاكم قد يعطى البقعة لشخصين أو أكثر كل بمفرده وأوجب أن تكون البقعة لمن كان تاريخ اصدار الاقطاع أقدم فإن تساويا فى التاريخ فالأولى هو من خرج له الإذن أولا فقال :
"والإقطاع موجب للأحقية على الصحيح فإن تعارضا قدم الأقدم تاريخا ولو فرضنا أنهما حصلا في وقت واحد فينبغي تقديم السبق لأنه ثابت بالنص وإنما لم نقدمه بعد الإقطاع لأنا نجعل الإقطاع سبقا انتهى كلام السبكي. فانظر كيف نقل عن الماوردي أن السابق مع الإقطاع لا حق له وحمله على السابق بعد صدور الإقطاع وقال إنه صحيح وعلله بأن بالإقطاع صار المقطع أحق وبأنا نجعل الإقطاع سبقا وهو عين ما نقلناه في أول الكلام على المسألة، الأمر الثالث في بقية ما يتعلق بكلام الرافعي قال في المهمات بعد سياق كلاميه ولا شك في أن المذكور هناك يعنى في الجنايات سهو فإنه أحال على المذكور هنا فأطلق القول من غير إمعان وقال في الخادم بعد أن ساق كلام الرافعي وكلام ابن الرفعة في الاعتراض عليه الذي يظهر أنهما مسألتان إحداهما أن الإمام هل له أن يملك ابتداء والأصح المنع وهو المذكور هنا والثانية أنه إذا أقطعه الإمام ذلك فهل للمقطع أن يتملكه إذا بنى فيه والأصح نعم وهو المذكور في الجنايات قال والحاصل أن هذا الإقطاع بمثابة إقطاع الموات إذا بنى فيه تملك وليس للإمام أن يملكه ابتداء قال فإن قلت يمنع من هذا حوالة الرافعي في الجنايات على المذكور هنا وهو لم يذكر هنا التملك بضم اللام وإنما ذكر التمليك"
وناقش السيوطى مقولة بناء المنتفع بالاقطاع فى البقعة فمنع البناء والحفر فيها لكونها ليست ملك له فقال مناقشا الأمر من خلال النقول ورأيه الخاص:
"قلت قد ذكر هنا جواز الإقطاع ومن لازمه جواز التملك وقد صرح بهذا اللازم في الجنايات وأيضا فلم يقل في الجنايات أنه يملكه بل يتملكه ومعناه أنه يتملكه بالإحياء للمسلمين قال على أن الصواب المذكور هنا وفيما نقله هناك عن الأكثرين نظر أما قولهم إنهم جوزوا فيه البناء فلا يتأتى فيه الأعلى تجويز بناء دكة في الشارع إذا لم يضر وهو وجه والأصح كما قاله في باب الصلح المنع وإن لم يضر، وأما قولهم إنهم جوزوا تملكه فلا يتأتى إلا على ما حكاه هنا عن الرقم وهو وجه غريب قلت حط محط كلام الخادم على إبقاء الاعتراض على الرافعي والحكم عليه بالسهو فيما ذكره في الجنايات وهو معذور في ذلك فانه حاول الجمع بينهما بالطريق التي ذكرها فوجدها لا تتمشى على الراجح فرجع إلى مواقفه المعترضين، وأقول لا بأس بتأويل كلام الرافعي على وجه يمنع نسبة الذهول والسهو إليه وعبارته في الجنايات وإن حفر لمصلحة عامة ففيه الوجهان أو القولان والخلاف راجع إلى ما تقدم في إحياء الموات إن إقطاع الإمام هل له مدخل في الشوارع وبينا أن الأكثرين قالوا نعم وجوزوا للمقطع أن يبني فيه ويتملكه انتهى. فمحمل الإيراد هنا إجراء الكلام على أن قوله وجوزوا معطوف على قالوا فيكون منسوبا للأكثرين وعلى أن قوله ويتملكه الضمير فيه راجع إلى الشارع كما هو راجع إليه في قوله أن يبني فيه ويندفع الأول بأن يجعل قوله وجوزوا مستأنفا لا معطوفا على خبران فيكون إشارة إلى الوجه المذكور في الصلح أنه يجوز البناء في الطريق وهو وجه مشهور لا غريب وإن لم يكن هو المصحح، والقصد بسياق ذلك هنا الإشارة إلى بناء الخلاف في مسألة حفر البئر على هذا الخلاف المذكور في إحياء الموات في إقطاع الإمام للشارع وعلى الخلاف المذكور في جواز البناء في الشارع ويوضح ما قلناه من الاستئناف وعدم العطف إن مسألة البناء ليست مذكورة في إحياء الموات وإنما هي مذكورة في باب الصلح فكيف يظن بالرافعي أنه يعزو إلى باب مسألتين وليس فيه إلا إحداهما فتعين أن الذي عزاه إلى إحياء الموات إنما هو مسألة إقطاع الإمام فقط وهي التي حكى فيها هناك عن الأكثرين الجواز وتم الكلام عند قوله وبينا أن الأكثرين قالوا نعم ثم استأنف كلاما آخر على طريق التذييل مرشحا لما ذكره فقال وجوزوا أي طائفة من الأصحاب للمقطع أن يبني فيه فيكون ذلك ترشيحا لجواز حفر البئر في الشارع لمصلحة عامة الذي هو الأظهر ولا يلزم من ذلك أن يكون الراجح في مسألة البناء الجواز لما أشرنا إليه من أن القصد بسياق ذلك بناء الخلاف على الخلاف والترشيح ولا يلزم من بناء الخلاف في مسألة على الخلاف في أخرى أن يستويا في الترجيح وأما اعتراضهم عليه في قوله ويتملكه بأن الوجه القائل بتملك الشارع المحكى في إحياء الموات غريب منكر لا يبنى عليه ولا يعول فضلا عن أن يعزى إلى الأكثرين فإنه يندفع بأيسر شيء وذلك أن الاعتراض مبنى على أن الضمير في يتملكه عائد إلى الشارع ونحن نقول ليس عائدا إلى الشارع بل إلى البناء المفهوم من قوله يبنى فيه فيكون ذلك ترشيحا لجواز حفر البئر لأنه إذا قالت فرقة بجواز أن يبنى في الشارع ما يكون ملكا لبانيه فجواز حفر البئر ؟؟ لا تملك وتجعل لعموم المسلمين أولى. هذا ما تيسر تأويل كلام الرافعي عليه وهو وإن كان فيه بعض تكلف فإنه أولى من نسبة الإمام الرافعي إلى السهو والذهول. ومن النقول في المسألة عودا وانعطافا على ما تقدم قال ابن القاص في تلخيصه القطائع فرقتان أحدهما مضى والثاني إقطاع إرفاق لا يملك مثل المقاعد في الأسواق هو أحق به، وقال إمام الحرمين في النهاية الذي صار معظم الأصحاب أن الوالي لو أراد أن يقطع القاعد فله ذلك كما له أن يقطع الموات من محييه، وقال الغزالي في البسيط الإمام هل له أن يقطع مقاعد الأسواق؟ الذي ذهب إليه معظم الأصحاب أن له ذلك كما في الموات، وذكر في الوسيط نحوه، وقال الجرجاني في البلغة وأما الشوارع والرحاب الواسعة فلكل أحد أن يرتفق بالقعود فيها للبيع والشراء بحيث لا يضر بالمجتازين ومتى تركها كان غيره أحق بها وإن قام عنها ليعود إليها في غد كان أولى بها فإن أقطع الإمام مكانا منها كان المقطع أحق بالارتفاق به من غيره، وقال القاضي حسين في تعليقه الإقطاع قسمان أحدهما إقطاع تمليك وهو الموات الذي يتملكه المقطع بإحداث أمر فيه والثاني إقطاع إرفاق وهو مثل الرباطات ومقاعد الأسواق فللإمام أن يقطعها من شاء ليجلس فيها للتجارة وغيرها إذا كان لا يتضرر المارة به إذ لاجتهاده مدخل في هذه المواضع بدليل أنه يمنع عنه من يجلس فيه على وجه يتضرر به الناس بخلاف المعادن"
كما ناقش الرجل جزئية أن غياب المنتفع فترة عن الوقت لا يعنى خروجها منه ولكن للغير أن ينتفع بها فإن حضر المنتفع ترك له المكان فقال :
"الظاهرة فإنه لا مدخل لاجتهاد الإمام فيها إذ لا يسوغ له منع أحد عنها بحال تم الحكم فيه أن المقطع أحق به ما دام يتردد ويرجع إليه فإن أعرض عنه وتركه فللغير أن يجلس فيه وإن اشتغل عنه بعذر أو غيره فحقه قائم فيه ليس للغير أن يجلس مكانه وإذا مرض أو غاب إن كانت المدة قصيرة لم يكن للغير أن يجلس مكانه وإن طالت المدة فللغير الجلوس مكانه ولا يملكه المقطع بحال إذ ليس فيه أثر عمارة ولا عين مال بخلاف الموات والمعادن الباطنة على أحد القولين انتهى. فهذه عبارات مشاهير أئمة الأصحاب ليس فيها تعرض لتشبيهه بالمتحجر حتى يتوهم أن يأتي في المتعدي عليه على ما يأتي في المتعدى على المتحجر والله أعلم. "
الغريب فى الكتاب هو أن السيوطى والفقهاء لم يذكر أيا منهم دليلا من الوحى على صحة كلامهم وكأن الوحى خلا من الحديث عن الأمر والآن سنناقش الأمر من خلال نصوص الوحى بادئين بحكم الإقطاع :
الإقطاع :
هو أن يعطى الحاكم قطعة من الأرض الميتة أو المستصلحة أو المعادن أو المياه أو غير ذلك لبعض الناس دون بعض وهو أمر محرم للتالى:
- يزيد الثروة فى أيدى جماعة دون بقية أفراد الأمة وهو ما منعه الله بقوله بسورة الحشر:
"كى لا يكون دولة بين الأغنياء منكم "
-تمييز لبعض المسلمين على بعض دون نص من الوحى وهو ما يتعارض مع كون المؤمنين كلهم إخوة يرثون الأرض معا بالعدل كما قال تعالى بسورة الأنبياء :
"ولقد كتبنا فى الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادى الصالحون "
وهذا هو معنى استخلاف المسلمين فى الأرض كما جاء بسورة النور :
" ليستخلفنهم فى الأرض كما استخلف الذين من قبلهم "
- اخوة المسلمين التى تعنى تساويهم طبقا لقوله تعالى بسورة فصلت :
" وقدر فيها أقواتها فى أربعة أيام سواء للسائلين "
لا تصبح موجودة حيث يكون بيد الأمير أو من ينيبه أن يغنى البعض ويفقر الأخرين وهو أمر مخالف لنصوص الوحى
وأما إحياء الموات فنناقشه كالتالى :
إحياء الموات
هو تعمير الأرض الخربة أو المجدبة بالزراعة أو بالبناء عليها وإحياء الموات لا يجوز فى الدولة الإسلامية للتالى :
- يزيد الثروة فى أيدى جماعة دون بقية أفراد الأمة حيث أن القادر يقوم بالاستصلاح أو البناء بينما الفقير وهو غير القادر لا يفعل لعدم وجود مال معه وهو ما منعه الله بقوله بسورة الحشر:
"كى لا يكون دولة بين الأغنياء منكم "
-يتعارض مع كون المؤمنين كلهم إخوة يرثون الأرض سويا بالعدل كما قال تعالى بسورة الأنبياء:
"ولقد كتبنا فى الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادى الصالحون "
ويجوز خارج الدولة الإسلامية إذا أقرته قوانين تلك الدول بشروط للمسلم هى :
-ألا تكون الأرض مملوكة لأحد من الناس وإلا أصبح الأمر غصب لملك الغير وهو أمر محرم وهذا يستلزم السؤال عن الأرض من الناس وإدارات الملكية .
-أن يكون المحيى لا يملك مصدرا للرزق إلا زراعته للأرض أو بناء شىء يسترزق منه
وأما أحكام الشارع فى المصحف فهى:
الطريق أو السكة أو الشارع يتضمن عدة جوانب:
الأول طرق السير وهى إما الركوب على شىء مثل الفلك والأنعام وإما الترجل وهو المشى على الأرجل كما قال تعالى بسورة الحج "وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ من كل فج عميق "
وأحكام الركوب هى
قول سبحان من سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين عند ركوب الركوبة وسيرها وفى هذا قال تعالى بسورة الزخرف "وَالَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ. لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ"
وأحكام المشى هى
- سير النساء على استحياء كما قال تعالى فى سورة القصص
"فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ"
-قيادة الرجل لرحلة السير فى الطريق عندما تكون زوجته وأولاده معه وفى هذا قال تعالى بسورة القصص:
"لما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا قال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون "
فالرجل يعرف لهم مواطن الأمن فى الطريق فيأتى بالأخبار أو يوفر لهم ضروريات الحياة كالتدفئة فى البرد
-أن يوفر الناس لبعضهم طريقا آمنا بتقدير مسافات للسير بعد كل مسافة يوجد فيها مكان للراحة وأن يكون على الطريق حماية من مخاطر الطريق كالاسعاف وقطاع الطرق وفى هذا قال تعالى بسورة سبأ:
"وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين"
-السير يجب أن يكون لهدف مباح مثل اتخاذ العظة مما حدث للكفار السابقين كما فى قوله تعالى بسورة النمل "قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين" ومثل التفكير فى خلق الله كما قوله تعالى بسورة العنكبوت:
"قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ:
الثانى :ما حول الطريق مثل البيوت المسكونة وغير المسكونة التى تسمى المؤسسات العامة وأحكامها هى :
-دخول البيوت من أبوابها وهى مداخلها المصنوعة للدخول والخروج وعدم دخولها من على ظهورها وهى سطوحها وفى هذا قال تعالى بسورة البقرة :
"وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَىٰ ۗ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا"
- دخول البيوت المسكونة بالاستئذان من على الأبواب كما قال تعالى بسورة النور "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ"
-عدم دخول البيوت المسكونة من أبوابها إن لم يكن فيها رجل إلا أن يكون من فى البيت من النساء والرجل أعطوه إذنا مسبقا بالدخول كما قال تعالى بسورة النور"فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّىٰ يُؤْذَنَ لَكُمْ ۖ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا ۖ هُوَ أَزْكَىٰ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ"
- دخول البيوت غير المسكونة من أبوابها وهى المؤسسات العامة كما قال تعالى بسورة النور :
"لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ"
-عدم النداء على الناس من خلف البيوت والمراد الجهات التى ليس فيها أبواب كما قال تعالى بسورة الحجرات:
"إِنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ ٱلْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ"
الثالث التواجد فى الطريق وهو الجلوس والوقوف فيه والمرور فيه وأحكامه هى :
-عدم قطع الطريق بأى شكل من الأشكال مثل قذفهم بالحجارة أو النظر للعورات أو وضع القمامة فى الطريق وقد وعظ لوط(ص) قومه وبين لهم أنه من المنكرات التى يرتكبونها فقال بسورة العنكبوت:
"ئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ"
-الضحك على المتواجدين فى الطريق مرورا أو قعودا أو وقوفا وهو عدم غمز الناس عند المرور بهم وهو العيب فيهم والتقول عليهم وفى هذا قال تعالى بسورة المطففين:
"إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاء لَضَالُّونَ *
-عدم تخريب وسيلة الركوب كما قال موسى (ص) للعبد الصالح (ص) عند خرق السفينة فى سورة الكهف:
"فَانْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا ۖ قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا"
الرابع تنظيم الطريق وهو جعل حرم للطريق والمراد اتساع للطريق مع تسويته وإصلاحه للسير فيه بحيث لا يتعرض أحد لخطر فيه مثل الحوادث التى تسفر عن قتل أو جرح وهو ما ذكره الله عن تقدير مسافات وطرق السير ليكون السفر فيها آمنا ليلا ونهارا فقال بسورة سبأ :
"وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين"
ومن ثم فالطريق يجب أن يكون متسعا للمارة وركائبهم وصالحا لسير الركائب وهى وسائل السفر لنقل الناس وأثقالهم وهى أمتعتهم وبضائعهم كما قال تعالى بسورة النحل
"وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ"
الشارع فى الإسلام يجب تنظيمه بعيدا عن الأحكام المزعومة بجواز الإقطاع وإحياء الموات ومن ينظمه هم من يبنون القرى والمدن ولكن حسب أسس معينة:
1-شوارع البيوت هى شوارع تتسع للمشاة ولسيارات نقل الأثاث وللتوصيلات التى تدخل البيوت كمواسير المياه ومواسير الغاز وأسلاك الهواتف والكهرباء ومجارى الصرف الصحى وهو ما يعنى أن أقل اتساع لها هو سبعة أذرع وهو ما يساوى حاليا حوالى خمسة أمتار بالمقياس المستخدم فى زمننا على اعتبار الذراع =68 سم وقد ورد فى الأثر " إذا اختلفتم في الطريق جعل عرضه سبعة أذرع"
2-شوارع الأماكن الخدمية ويكون عرضها أكبر من سبعة أذرع فى الأسواق فتكون14 ذراع بحيث يكون للدكاكين على الجانبين مسافة ثلاثة أذرع لعرض السلع ووقوف المشترين ويبقى للمارة والسيارات حوالى سبعة أو ثمانية أذرع وأما شوارع المشافى والمدارس وغير ها من المصالح فيراعى فيها خدمة الناس كأحسن ما يكون باتساعها الاتساع المناسب
3-شوارع المصانع وهذه الشوارع يجب أن تكون أكبر اتساعا كنوع من الأمن الصناعى حتى لا تنتقل الحرائق والانفجارات وحوادث النقل فيما بينها بسرعة
الأسواق:
لابد للاقتصاد من أسواق يصرف منتجات شركاته فيها وقد ورد أن الرسول (ص)كان يأكل الطعام ويسير فى الأسواق فعاب الكفار عليه ذلك وفى هذا قال تعالى بسورة الفرقان "وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق "وقد بين الله لرسوله(ص)أن الرسل (ص)قبله كانوا يأكلون الطعام ويسيرون فى الأسواق وفى هذا قال بسورة الفرقان "وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون فى الأسواق "ومن أجل تصريف منتجات الشركات على اختلاف أنواعها على المخططين التالى :
-أن يكون لكل حى فى البلدة الجديدة سوق يضم دكان كبير أى متجر لكل مجموعة سلع متشابهة فمثلا دكان للمنسوجات ودكان للخبز ودكان للفاكهة والخضر ودكان للآلات ودكان للسمك ودكان للحوم .
-أن يتم إنشاء سوق منظم لكل حى فى البلدات القديمة بحيث يبتعد عن المساكن مسافة تضمن عدم إزعاج السكان بسبب الضجيج فى الأسواق ويشمل السوق دكان لكل مجموعة سلع متشابهة ويمكن زيادة دكاكين بعض السلع منعا للزحام مثل الخبز لأنه سلعة يومية ومطلوبة فى معظم الوجبات.
أحوال شوارع اليوم:
شوارع اليوم فى المدن والقرى ليست منظمة فى الغالب ومشاكلها تتمثل فى التالى:
-سلالم البيوت حيث تبرز بعض السلالم فيها بروزا كبيرا ونجد اختلافا كبيرا بين البيوت فمنها من له سلالم خارجية ومنها من له سلالم داخلية وبعضها يبرز للخارج أقل أو أكثر وليس لهذا من حل سوى إعادة بناء بيوت الشارع كلها فى وقت واحد وجعلها متساوية بحيث يستطاع رصفها ومرور السيارات فيها وكذلك الحفر وغيره
-وجود دكاكين فى البيوت تعرض بضاعتها فى الشارع بجوار الدكان أو حتى بعيدا عنه والحل هو إخراج الدكاكين من البيوت لكونها مساكن للسكن وهو الراحة وليس لازعاج السكان كما قال تعالى :
"وجعل لكم من بيوتكم سكنا"
-وجود الحيوانات بالزرائب والاسطبلات ومخازن المحاصيل فى البيوت وهو ما يتعارض مع كون المساكن للسكن وهو الراحة وليس لازعاج السكان كما قال تعالى :
"وجعل لكم من بيوتكم سكنا"
ومن ثم يجب أن تكون الزرائب والمزارع والمخازن خارج المنطقة السكنية
-سكب مياه غسل الملابس أو المواعين أو الاستحمام أو رش الشوارع بالمياه وغالبا تلك المشكلة تكون بالقرى ويتم الشجار بسببها ويجب وجود صرف صحى فى تلك القرى لمنع سكب المياه أو رشها فى الشوارع منها للأذى كما قال تعالى:
"وما جعل عليكم فى الدين من حرج"
وأذى السكب والرش هو وقوع البشر والحيوانات وتكسر عظامهم أو اصاباتهم بكدمات وما شابه وأحيانا شم الروائح التى تضايق الصدور
-أعمدة الإنارة وقربها من المنازل بحيث أنها فى بعض المناطق تكون على مسافة ذراع أو أقل من بلكونات نشر الملابس مما يؤدى لتكهرب البعض أو اشتعال حرائق والحل هو مد الأسلاك تحت الأرض فى مواسير بلاستيكية منعا للأذى كما قال تعالى:
"وما جعل عليكم فى الدين من حرج"
-اقتراب البلكونات من بعضها البعض فى الشوارع الضيقة بحيث أن من فى البيت الأول يرى عورات فى البيت المقابل وهذا الأمر حله هو قفل تلك البلكونات نهائيا حتى لا ترتكب جرائم النظر لعورات الأخرين فى بيوتهم والتى قال تعالى فيها :
"قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم"و"وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن"
وأيضا منعا للأذى كما قال تعالى:
"وما جعل عليكم فى الدين من حرج"
-وجود أماكن العمل فى البيوت السكنية كعيادات الأطباء ومكاتب المحامين والمحاسبين ومعامل التحليل وما شابه وهو ما يمثل إزعاج للسكان نتيجة التردد الكثير على تلك الأماكن والبقاء للعمل حتى فترات متأخرة من الليل ومن ثم يجب نقل تلك الأشياء خارج البيوت السكنية منها لإزعاج السكان وهو أذى حرمه الله بقوله:
" وجعل لكم من بيوتكم سكنا"
-البيوت الخربة ويقصد بها البيوت المتهدمة كلها أو بعضها والبيوت التى لا يوجد بها سكان وهذه البيوت تكون مأوى للحشرات والثعابين وغيرها من الحيوانات المؤذية كما أنها قد تكون مأوى لبعض المجرمين للاختباء أو لدس المخدرات أو تحزين الأموال بها ومن ثم يجب إزالة مخلفات أى مبنى متهدم كليا من المنطقة حتى تصبح المنطقة ظاهرة للكل لا يستطيع أحد الاختباء بها أو دس شىء فيها أو وجود حيوانات مؤذية فيها والبيوت التى بلا سكان يجب أن يتم اسكانها بمن تهدمت بيوتهم أو تبنى لهم بيوت ولا يجدون لهم مأوى مؤقت وكل هذا منع للضرر وفيه قال تعالى :
"وما جعل عليكم فى الدين من حرج"
وأما الأسواق الحالية فغالبا لا يوجد تنظيم لها إلا نادرا فالباعة يحتلون أرصفة الشارع ووسط الشارع بحيث يكون العبور فى الشارع صعبا ومشا كل الأسواق الحالية هى :
-الباعة المتنقلين وهؤلاء حياتهم يقضونها فى السفر والترحال اليومى فى نقل البضاعة من بلد لأخرى وشراءها من الفلاحين أو من أسواق الجملة وهؤلاء أسرهم محرومة من الراحة ومن الرعاية الأسرية ولا يوجد حل لهم سوى إعطاء كل منهم دكان فى بلده لا ينتقل منه وإنما يكون مصدره رزقه الثابت بحيث يعود لزوجته وأولاده فى مواعيد ثابتة
-احتلال الباعة وسط الشارع ولا حل سوى لها سوى إعطاء كل بائع بلا دكان دكان يقيم فيه مع بضاعته فيكون وسط الشارع خاليا للمشاة والسيارات
- شجار الباعة حول أماكن البيع وهذه المشكلة تظهر فى أسواق القرى التى تقام يوم أو اثنين فى الأسبوع حيث من حضر أولا يحتل مكانا يضع فيه سلعته فيأتى من تعود على البيع فى نفس المكان فيتشاجر معه وهو ما تناوله السيوطى فى جزئية غياب صاحب الانتفاع ولا حل لتلك المشاكل إلا بإقامة سوق دائم فيه دكاكين دكان لكل سلعة وعدم تنقل الباعة من بلد لأخرى
- ما بعد انتهاء السوق والمراد بها المخلفات التى يتركها الباعة فى الشارع بعد انتهاء بيعهم وللحق فإن العديد منهم يقوم بتنظيف مكانه ولكن البعض يترك مكانه مليئا بالبضاعة التى فسدت أو مخلفاتها فيضطر أصحاب البيوت لتنظيف ما أمام بيوتهم من المخلفات وحل المشكلة هو السوق الدائم بدكاكينه التى يقيم فيها الباعة حيث يلتزم كل منهم بتنظيفه دكانه وما أمامه
الأسواق الدائمة هى راحة وأمان للجميع فهى توفر للمجتمع النفط المستخدم فى التنقل بين البلاد لنقل البضاعة سبع مرات فى الأسبوع ذهابا وعودة كما توفر حياة أسرية ناجحة للباعة حيث يستطيعون الاقامة مع زوجاتهم وأولادهم بعد انتهاء وقت العمل ظهرا كما أنها تقلل من الازدحام ومن ثم تقليل سرقات النشل حيث يكون عدد المتسوقين قليل لفتح الدكاكين يوميا بدلا من يوم أو اثنين فى الأسبوع كما أنها تجعل منطقة السوق نظيفة باستمرار نتيجة إلزام كل بائع بتنظيف دكانه وما حوله كما أنها تقلل من إزعاج السكان حيث يكون السوق خارج المنطقة السكنية