رضا البطاوى
عضو فعال
- المشاركات
- 2,709
- الإقامة
- مصر
قراءة فى كتاب إتحاف ذوي الإتقان بحكم الرهان
مؤلف الكتاب حسن بن عمار بن علي الشرنبلالي المصري الحنفي (المتوفى: 1069هـ)
والكتاب يدور حول رهن عقار وشراء العقار أجاب أحدهم عليه وفى هذا قال المؤلف:
"قد ورد سؤال عن بعض من ورثة اشترى عقارا كان رهنا تحت يد مورثهم ووقفه فما حكم ذلك؟
"وأجاب حنفي بقوله: إن شراه باطل ووقفه باطل، ثم رفع إلي فخالفته بما هو الصواب ثم طلب مني بيان ذلك، فسطرته لإفادته وبيان وجه استفادته، فإن الدين النصيحة لله ولرسوله ، ورد الخطأ للصواب طريقة العلماء الأنجاب بواضح الدليل وصحيح البرهان وسميته: "إتحاف ذوي الإتقان بحكم الرهان"
وأما جواب الشرنبلالى فهو:
" وملخص الجواب الذي أجبت به: أن شراء الوارث ووقفه صحيح نافذ بقدر حصته من الميراث لمصادفته صحيح ملكه ويبقى موقوفا بقدر حصة باقي الورثة وليس للباقين إبطال البيع؛ لأن الوارث لا يملك إبطال بيع الرهن لأجنبي في أصح الروايتين؛ لقول الزيلعي :
وفي أصح الروايتين لا ينفسخ بيع الرهن وفي المختصر يعني الكنز إشارة إليه حيث قال: يوقف بيع الرهن على إجازة مرتهنه، أو قضاء دينه جعل الإجازة إليه دون الفسخ وجعله متوقفا على قضاء الدين وهذا دليل على أن فسخه لا ينفذ ووجهه أن الامتناع لحقه كيلا يتضرر والتوقف لا يضره؛ لأن حقه في الحبس لا يبطل بمجرد الانعقاد من غير نفوذ فبقى متوقفا كذا نص الزيلعي في كتاب الرهن وأما نفوذ وقف المشترى بقدر حصته فظاهر لمصادفته ملكه لقول الزيلعي في باب الاستحقاق عند قول الكنز: وصح عتق مشتر من غاصب بإجازة بيعه عند أبي حنيفة وأبي يوسف؛ لأن الملك ثبت مرتبا عليه وينفذ بنفاذه وصار كإعتاق المشتري من الراهن فإنه يتوقف وينفذ بإجازة المرتهن البيع؛ لأن العتق من حقوق الملك والشيء إذا توقف توقف بجميع حقوقه، وإذا نفذ نفذ بحقوقه انتهى
قلت: فهذا نص على نفاذ الوقف بقدر حصة الوارث ومثله في غاية البيان وفتح القدير "
هنا الرجل يقول أن كلام أهل المذهب أصبح نص فى التحليل والتحريم وهو كلام خاطىء فإنما هو نص الوحى لا كلام الناس والمسألة كلها باطل حسب القرآن فالبيوت لا ترهن وإنما الرهن شىء يقبض عند السفر والمقبوض إنما يكون شىء ذو قيمة ذهب أو فضة أو ماس أو غير ذلك من المعادن الثمينة لقوله تعالى :
"وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذى اؤتمن أمانته"
فالرهن حسب الآية لابد أن يكون المستدين فيه مسافر وأن يكون الرهن شىء مقبوض أى شىء يؤخذ من المسافر عند السفر وهو شىء ذو قيمة صغير الحجم وقد سماه الله أمانة فالأمانات هى أشياء لها قيمة تؤخذ لتوضع فى مكان أمين عند المأتمن
ومن ثم فلا يجوز رهن بيوت الناس فى دولة المسلمين مسلمين أو معاهدين فالبيوت لا تباع ولا تشترى ولا ترهن ولا تقسم بين الورثة وإنما المسلمون يجب أن يكون لكل واحد منهن بيت ينتفع به فإن مات سكنه واحد هو من بقى معه حتى موته فإن بقى عدد وجب على المسلمين أن يوفروا لبقيتهم بيوت عند زواجهم
كما أن الوقف تشريع من البشر وليس من الله لأن أرض دولة المسلمين هى ملك جماعى لهم يوزع ما تنتجه عليهم بالعدل فلا يجوز لأحد منهم أن يملك جزء ملكية تامة تحل له البيع والشراء وإنما ما يسكنون فيه ملكية انتفاع والمال الذى يرثونه ويقتسمونه هو ما ادخره الميت من نقود أو معادن ثمينة وفى هذا قال تعالى :
"ولقد كتبنا فى الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادى الصالحون"
ثم شرع الشرنبلالى فى شرح أخطاء المجيب فقال :
"وإذا علمت هذا فمن قال من أهل زماننا مجيبا للحادثة أن بيع المرهون لوارث المرتهن بيع باطل ووقفه باطل فقد أخطأ من وجوه: وهو أن الباطل غير الفاسد كما هو معلوم في المذهب وهما غير الموقوف والموقوف بالمرة إنما هو لغير وارث، وأما الوارث للبعض فلا يكون شراؤه موقوفا مطلقا ولا باطلا
فإن قلت: قد رأينا إطلاق الباطل في بيع المرهون قلت: هو مؤول في ألفاظ العلماء المجتهدين ولا يجوز في جواب مثل هذه الحادثة لمن يدعي الفتوى والتأويل هو كما قال في وجيز الحصيري قال محمد رحمه الله - تعالى -: باع الراهن فالبيع الباطل أي موقوف ولهذا قال محمد: إلا أن يجيزه المرتهن وروي عن أبي يوسف أنه نافذ حق لو اعتقه المشتري ينفذ؛ لأنه تصرف في خالص ملكه وحقه أي المرتهن في الحبس لا يبطل بالانتقال كالإرث والإقرار، ولهذا لو أعتقه الوارث أو المقر لا ينفذ انتهت عبارته - رحمه الله -
وقال أيضا في غاية البيان: وأما المشتري من الغاصب إذا أعتق ثم ملكه الغاصب بالضمان فأجاز الغاصب العتق، قال علاء الدين العالم في "طريقة الخلاف": فيه اختلاف المشايخ، والأصح أنه ينفذ وإليه أشار في وقف هلال الرأي ابن يحيى البصري وهو من أصحاب أبي يوسف فإنه نفذ وقف المشتري من الغاصب إذا ملكه الغاصب بالضمان، والوقف تحرير الأرض كالإعتاق تحرير العبد انتهى نص غاية البيان، وهذا نص على أن وقف مشتري الرهن صحيح موقوف على إجازة البيع، أو قضاء الدين، وليس للمرتهن فسخ الوقف كالبيع في الأصح؛ لأنه من حقوقه كإعتاقه، وهذا في البيع لمن ليس وارثا للمرتهن أما إذا كان وارثا للمرتهن كمسألتنا فشراؤه نافذ عليه ووقفه وإعتاقه وتدبيره واستيلاده بقدر حصته ويخير الشريك بين الإعتاق والتضمين مع اليسار، أو الإعتاق والسعاية مع الإعسار ويأخذ العقر منه بقدر حقه في الاستيلاد، وعلى المستولد ضمان حصة شريكه مع كونه معسرا؛ لأنه ضمان تملك فلا يختلف بالإعسار واليسار ولا سعاية على أم الولد
تنبيه:
افترق الحكم بين عتق الراهن وعتق المشتري منه فإن إعتاق الراهن صحيح نافذ وإعتاق المشتري منه موقوف، وبه يفيد قول أئمتنا في باب الرهن أن عتق الراهن صحيح نافذ وسكتوا في ذلك الباب عن حكم عتق المشتري منه وقالوا في باب الاستحقاق بتوقفه كشرائه وكذا تدبيره واستيلاده فينفذ بنفاذ شرائه
تنبيه آخر في وقف الراهن المرهون:
قال في البحر : إن أفتكه أو مات عن وفاء عاد إلى الجهة يعني الموقوف عليها وإن مات عن غير وفاء عاد وبطل الوقف، كذا في فتح القدير وسكت عن حكمه حال الحياة لو معسرا وفي الإسعاف : لو وقف المرهون بعد تسليمه أجبره القاضي على دفع ما عليه إن كان موسرا وإن كان معسرا بطل الوقف وباعه فيما عليه انتهى وكذا في الذخيرة والمحيط
قلت: وهذا سند ونص لأحد شقي بحث للطرسوسي في أنفع الوسائل وهو الذي قال عقبه: وإلى الآن لم يترجح عندي شيء لا القول بالبطلان ولا بعدمه، وقد ردد في بحثه بين الإبطال وعدمه بإعسار الراهن وقد علمت الإبطال بنص الإسعاف والذخيرة والمحيط وأقول لقائل أن يقول أن البيع عند الإعسار ليس إلا على الرواية المجوزة للمرتهن فسخ بيع الرهن وأما على أصح الروايتين من منعه من الفسخ فيقال: ليس له أيضا فسخ الوقف والجامع بين الوقف والبيع خروج العين عن ملك الراهن، وهذا هو الشق الثاني من تردد الطرسوسي في بحثه حيث قال: إذا أعسر الراهن ولقائل أن يقول: يرفع الأمر للقاضي فيفسخ بثبوت الإعسار ولقائل أن يعكس هذا ويقول ينبغي ألا يبطل المرتهن الوقف؛ لأن المرتهن لا حق له في الرقبة، والوقف صادف الرقبة فتوقف نفاذه في الحال رعاية حق المرتهن ولهذا لا يملك فسخ بيع الراهن على الصحيح وحقه لا يبطل بالوقف فيبقى موقوفا لاحتمال عود اليسار والواقف لا يلي إبطاله للزومه في حقه ولا جائز أن يليه المرتهن على الصحيح، ولا جائز أن يليه القاضي؛ لأن مذهب الإمام عدم الحجر على الحر المكلف ولا يبيع عليه عروضه، وعندهما يبيع القاضي العروض وفي العقار روايتان ولا يقال به هنا لأنه غير متمرد بل حريص على قضاء الدين وإنما منعه عروض الإفلاس انتهى
قلت: ويؤيد هذا الشق الثاني من البحث مسألة تحرير الراهن وتدبيره فإنه لا يبطل تحريره ولا تدبيره ويسعى العبد وقد علمت أن الوقف تحرير الأرض كالإعتاق تحرير العبد فكما تؤخذ السعاية في أزمنة غير مقدورة بوقت كذلك يبقى الوقف على حكم التوقف حتى يأخذ من غلته وفاء الدين للمرتهن رعاية لحق الفقراء ببقاء الوقف وعوده لهم بعد ذلك ورعاية لحق المرتهن بالقدر الممكن والعقار متحصن لا يطرأ عليه الهلاك سريعا بخلاف العبد فأخذ غلة الوقف لوفاء الدين فيه نظر يزيد نظرا على سعاية العبد لطروء موته أو مرضه أو إباقه أو ثبوت حرية سابقه على تدبيره، ولكن قال في المحيط: وتصح الكتابة وللمرتهن فسخها؛ لأن الكتابة مما يحتمل الفسخ دفعا للضرر عنه ببطلان الرهن بعتقها بأداء البدل، وأقول فيه بحث؛ لأنه يمكن أن يكون تخريجا على رواية جواز فسخ بيعه والأصح عدمه، وعلمت صحة إعتاق الراهن ابتداء، وقد قال الخصاف : الوقف لا يملك والوقف بمنزلة المدبر، وقال الزيلعي في كتاب الوقف: [البيع لا ينعقد على الوقف] لأنه صار محررا عن الملك والمتملك وذكر هلال والمحقق الكمال بن الهمام: أن الوقف حكمه حكم المدبر، وقد علمت أن تدبير الراهن لازم فكذا يكون وقفه لازما فلهذا يمكن أن يكون القول ببيع وقف الراهن جريا على رواية فسخ بيعه لا على الصحيح من عدم فسخ بيعه فكذا وقفه لمصادفته ملكا صحيحا فليتأمل ويحرر تتميم لبيان قيمة العتق :
قال في المحيط في بيان القيمة عن الجامع: الراهن إذا أعتق العبد المرهون وهو معسر ينظر إلى ثلاثة أشياء: إلى قيمته يوم العتق، وإلى ما كان مضمونا بالدين، وإلى ما كان محبوسا به فيسعى العبد في الأقل من هذه الثلاثة، أما الغني فلأنه أحتبس بالعتق [عند العبد] من حق المرتهن هذا القدر فلا يلزمه السعاية إلا في هذا القدر كالعبد المشترك إذا أعتق أحدهما وهو معسر، وأما المضمون بالدين إذا كان أقل فلأن العبد مضمون بقدر الدين بالعبد وما يحدث من الزيادة المتصلة بعد القبض لم تصر مضمونة وإن كانت تحبس للدين، وإن كان المحبوس أقل من المضمون ومن قيمته يسعى بقدره بأن رهن عبدا بألف فأدى الراهن تسعمائة من الدين ثم أعتقه وهو معسر يسعى العبد في مائة؛ لأنه مضمون بمائة من حيث الاعتبار حالة الإعتاق، ويجوز تزويج المرهون ولا يقربها الزوج إلا إذا زوجها قبل الرهن، وتمام تفريع ذلك في المحيط، والله سبحانه وتعالى الموفق بكرمه وذكرت هذا القدر ليعلم من يريد الخلاص من الله سبحانه وتعالى صعوبة العلم واستخراج أحكامه الغامضة والمشكلة ولا يقدر بمجرد رأيه من غير رؤية ورسوخ قدم في حكم "
والكتاب كله كما قلنا بنى على باطل اخترعه الفقهاء بناء على روايات كاذبة أو بناء على آراء جاءوا بها من عند أنفسهم ومن قرأ الفقرات السابقة لا يجد نص من القرآن ولا حتى نص من رواية فى الموضوع وإنما هى نقول وتفريعات على أقوال بشر ما أنزل الله بها من سلطان
المفترض فى أى كتاب يبحث فى حكم أن يرد الحكم إلى أى نص من الوحى سواء كان النص صريحا أو استدلال من داخل النص وهو ما يسمى التلميح وكما قلنا المسألة كلها قامت على باطل وإنما أساس ما قاله الشرنبلالى هو القياس على رواية لم يذكرها وهى رواية فى عتق العبد أو الأمة وهى :
"من أعتق نصيبا أو شقصا فخلاصه عليه فى ماله إن كان له مال وإلا قوم عليه فاستسعى به غير مشقوق عليه"
مؤلف الكتاب حسن بن عمار بن علي الشرنبلالي المصري الحنفي (المتوفى: 1069هـ)
والكتاب يدور حول رهن عقار وشراء العقار أجاب أحدهم عليه وفى هذا قال المؤلف:
"قد ورد سؤال عن بعض من ورثة اشترى عقارا كان رهنا تحت يد مورثهم ووقفه فما حكم ذلك؟
"وأجاب حنفي بقوله: إن شراه باطل ووقفه باطل، ثم رفع إلي فخالفته بما هو الصواب ثم طلب مني بيان ذلك، فسطرته لإفادته وبيان وجه استفادته، فإن الدين النصيحة لله ولرسوله ، ورد الخطأ للصواب طريقة العلماء الأنجاب بواضح الدليل وصحيح البرهان وسميته: "إتحاف ذوي الإتقان بحكم الرهان"
وأما جواب الشرنبلالى فهو:
" وملخص الجواب الذي أجبت به: أن شراء الوارث ووقفه صحيح نافذ بقدر حصته من الميراث لمصادفته صحيح ملكه ويبقى موقوفا بقدر حصة باقي الورثة وليس للباقين إبطال البيع؛ لأن الوارث لا يملك إبطال بيع الرهن لأجنبي في أصح الروايتين؛ لقول الزيلعي :
وفي أصح الروايتين لا ينفسخ بيع الرهن وفي المختصر يعني الكنز إشارة إليه حيث قال: يوقف بيع الرهن على إجازة مرتهنه، أو قضاء دينه جعل الإجازة إليه دون الفسخ وجعله متوقفا على قضاء الدين وهذا دليل على أن فسخه لا ينفذ ووجهه أن الامتناع لحقه كيلا يتضرر والتوقف لا يضره؛ لأن حقه في الحبس لا يبطل بمجرد الانعقاد من غير نفوذ فبقى متوقفا كذا نص الزيلعي في كتاب الرهن وأما نفوذ وقف المشترى بقدر حصته فظاهر لمصادفته ملكه لقول الزيلعي في باب الاستحقاق عند قول الكنز: وصح عتق مشتر من غاصب بإجازة بيعه عند أبي حنيفة وأبي يوسف؛ لأن الملك ثبت مرتبا عليه وينفذ بنفاذه وصار كإعتاق المشتري من الراهن فإنه يتوقف وينفذ بإجازة المرتهن البيع؛ لأن العتق من حقوق الملك والشيء إذا توقف توقف بجميع حقوقه، وإذا نفذ نفذ بحقوقه انتهى
قلت: فهذا نص على نفاذ الوقف بقدر حصة الوارث ومثله في غاية البيان وفتح القدير "
هنا الرجل يقول أن كلام أهل المذهب أصبح نص فى التحليل والتحريم وهو كلام خاطىء فإنما هو نص الوحى لا كلام الناس والمسألة كلها باطل حسب القرآن فالبيوت لا ترهن وإنما الرهن شىء يقبض عند السفر والمقبوض إنما يكون شىء ذو قيمة ذهب أو فضة أو ماس أو غير ذلك من المعادن الثمينة لقوله تعالى :
"وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذى اؤتمن أمانته"
فالرهن حسب الآية لابد أن يكون المستدين فيه مسافر وأن يكون الرهن شىء مقبوض أى شىء يؤخذ من المسافر عند السفر وهو شىء ذو قيمة صغير الحجم وقد سماه الله أمانة فالأمانات هى أشياء لها قيمة تؤخذ لتوضع فى مكان أمين عند المأتمن
ومن ثم فلا يجوز رهن بيوت الناس فى دولة المسلمين مسلمين أو معاهدين فالبيوت لا تباع ولا تشترى ولا ترهن ولا تقسم بين الورثة وإنما المسلمون يجب أن يكون لكل واحد منهن بيت ينتفع به فإن مات سكنه واحد هو من بقى معه حتى موته فإن بقى عدد وجب على المسلمين أن يوفروا لبقيتهم بيوت عند زواجهم
كما أن الوقف تشريع من البشر وليس من الله لأن أرض دولة المسلمين هى ملك جماعى لهم يوزع ما تنتجه عليهم بالعدل فلا يجوز لأحد منهم أن يملك جزء ملكية تامة تحل له البيع والشراء وإنما ما يسكنون فيه ملكية انتفاع والمال الذى يرثونه ويقتسمونه هو ما ادخره الميت من نقود أو معادن ثمينة وفى هذا قال تعالى :
"ولقد كتبنا فى الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادى الصالحون"
ثم شرع الشرنبلالى فى شرح أخطاء المجيب فقال :
"وإذا علمت هذا فمن قال من أهل زماننا مجيبا للحادثة أن بيع المرهون لوارث المرتهن بيع باطل ووقفه باطل فقد أخطأ من وجوه: وهو أن الباطل غير الفاسد كما هو معلوم في المذهب وهما غير الموقوف والموقوف بالمرة إنما هو لغير وارث، وأما الوارث للبعض فلا يكون شراؤه موقوفا مطلقا ولا باطلا
فإن قلت: قد رأينا إطلاق الباطل في بيع المرهون قلت: هو مؤول في ألفاظ العلماء المجتهدين ولا يجوز في جواب مثل هذه الحادثة لمن يدعي الفتوى والتأويل هو كما قال في وجيز الحصيري قال محمد رحمه الله - تعالى -: باع الراهن فالبيع الباطل أي موقوف ولهذا قال محمد: إلا أن يجيزه المرتهن وروي عن أبي يوسف أنه نافذ حق لو اعتقه المشتري ينفذ؛ لأنه تصرف في خالص ملكه وحقه أي المرتهن في الحبس لا يبطل بالانتقال كالإرث والإقرار، ولهذا لو أعتقه الوارث أو المقر لا ينفذ انتهت عبارته - رحمه الله -
وقال أيضا في غاية البيان: وأما المشتري من الغاصب إذا أعتق ثم ملكه الغاصب بالضمان فأجاز الغاصب العتق، قال علاء الدين العالم في "طريقة الخلاف": فيه اختلاف المشايخ، والأصح أنه ينفذ وإليه أشار في وقف هلال الرأي ابن يحيى البصري وهو من أصحاب أبي يوسف فإنه نفذ وقف المشتري من الغاصب إذا ملكه الغاصب بالضمان، والوقف تحرير الأرض كالإعتاق تحرير العبد انتهى نص غاية البيان، وهذا نص على أن وقف مشتري الرهن صحيح موقوف على إجازة البيع، أو قضاء الدين، وليس للمرتهن فسخ الوقف كالبيع في الأصح؛ لأنه من حقوقه كإعتاقه، وهذا في البيع لمن ليس وارثا للمرتهن أما إذا كان وارثا للمرتهن كمسألتنا فشراؤه نافذ عليه ووقفه وإعتاقه وتدبيره واستيلاده بقدر حصته ويخير الشريك بين الإعتاق والتضمين مع اليسار، أو الإعتاق والسعاية مع الإعسار ويأخذ العقر منه بقدر حقه في الاستيلاد، وعلى المستولد ضمان حصة شريكه مع كونه معسرا؛ لأنه ضمان تملك فلا يختلف بالإعسار واليسار ولا سعاية على أم الولد
تنبيه:
افترق الحكم بين عتق الراهن وعتق المشتري منه فإن إعتاق الراهن صحيح نافذ وإعتاق المشتري منه موقوف، وبه يفيد قول أئمتنا في باب الرهن أن عتق الراهن صحيح نافذ وسكتوا في ذلك الباب عن حكم عتق المشتري منه وقالوا في باب الاستحقاق بتوقفه كشرائه وكذا تدبيره واستيلاده فينفذ بنفاذ شرائه
تنبيه آخر في وقف الراهن المرهون:
قال في البحر : إن أفتكه أو مات عن وفاء عاد إلى الجهة يعني الموقوف عليها وإن مات عن غير وفاء عاد وبطل الوقف، كذا في فتح القدير وسكت عن حكمه حال الحياة لو معسرا وفي الإسعاف : لو وقف المرهون بعد تسليمه أجبره القاضي على دفع ما عليه إن كان موسرا وإن كان معسرا بطل الوقف وباعه فيما عليه انتهى وكذا في الذخيرة والمحيط
قلت: وهذا سند ونص لأحد شقي بحث للطرسوسي في أنفع الوسائل وهو الذي قال عقبه: وإلى الآن لم يترجح عندي شيء لا القول بالبطلان ولا بعدمه، وقد ردد في بحثه بين الإبطال وعدمه بإعسار الراهن وقد علمت الإبطال بنص الإسعاف والذخيرة والمحيط وأقول لقائل أن يقول أن البيع عند الإعسار ليس إلا على الرواية المجوزة للمرتهن فسخ بيع الرهن وأما على أصح الروايتين من منعه من الفسخ فيقال: ليس له أيضا فسخ الوقف والجامع بين الوقف والبيع خروج العين عن ملك الراهن، وهذا هو الشق الثاني من تردد الطرسوسي في بحثه حيث قال: إذا أعسر الراهن ولقائل أن يقول: يرفع الأمر للقاضي فيفسخ بثبوت الإعسار ولقائل أن يعكس هذا ويقول ينبغي ألا يبطل المرتهن الوقف؛ لأن المرتهن لا حق له في الرقبة، والوقف صادف الرقبة فتوقف نفاذه في الحال رعاية حق المرتهن ولهذا لا يملك فسخ بيع الراهن على الصحيح وحقه لا يبطل بالوقف فيبقى موقوفا لاحتمال عود اليسار والواقف لا يلي إبطاله للزومه في حقه ولا جائز أن يليه المرتهن على الصحيح، ولا جائز أن يليه القاضي؛ لأن مذهب الإمام عدم الحجر على الحر المكلف ولا يبيع عليه عروضه، وعندهما يبيع القاضي العروض وفي العقار روايتان ولا يقال به هنا لأنه غير متمرد بل حريص على قضاء الدين وإنما منعه عروض الإفلاس انتهى
قلت: ويؤيد هذا الشق الثاني من البحث مسألة تحرير الراهن وتدبيره فإنه لا يبطل تحريره ولا تدبيره ويسعى العبد وقد علمت أن الوقف تحرير الأرض كالإعتاق تحرير العبد فكما تؤخذ السعاية في أزمنة غير مقدورة بوقت كذلك يبقى الوقف على حكم التوقف حتى يأخذ من غلته وفاء الدين للمرتهن رعاية لحق الفقراء ببقاء الوقف وعوده لهم بعد ذلك ورعاية لحق المرتهن بالقدر الممكن والعقار متحصن لا يطرأ عليه الهلاك سريعا بخلاف العبد فأخذ غلة الوقف لوفاء الدين فيه نظر يزيد نظرا على سعاية العبد لطروء موته أو مرضه أو إباقه أو ثبوت حرية سابقه على تدبيره، ولكن قال في المحيط: وتصح الكتابة وللمرتهن فسخها؛ لأن الكتابة مما يحتمل الفسخ دفعا للضرر عنه ببطلان الرهن بعتقها بأداء البدل، وأقول فيه بحث؛ لأنه يمكن أن يكون تخريجا على رواية جواز فسخ بيعه والأصح عدمه، وعلمت صحة إعتاق الراهن ابتداء، وقد قال الخصاف : الوقف لا يملك والوقف بمنزلة المدبر، وقال الزيلعي في كتاب الوقف: [البيع لا ينعقد على الوقف] لأنه صار محررا عن الملك والمتملك وذكر هلال والمحقق الكمال بن الهمام: أن الوقف حكمه حكم المدبر، وقد علمت أن تدبير الراهن لازم فكذا يكون وقفه لازما فلهذا يمكن أن يكون القول ببيع وقف الراهن جريا على رواية فسخ بيعه لا على الصحيح من عدم فسخ بيعه فكذا وقفه لمصادفته ملكا صحيحا فليتأمل ويحرر تتميم لبيان قيمة العتق :
قال في المحيط في بيان القيمة عن الجامع: الراهن إذا أعتق العبد المرهون وهو معسر ينظر إلى ثلاثة أشياء: إلى قيمته يوم العتق، وإلى ما كان مضمونا بالدين، وإلى ما كان محبوسا به فيسعى العبد في الأقل من هذه الثلاثة، أما الغني فلأنه أحتبس بالعتق [عند العبد] من حق المرتهن هذا القدر فلا يلزمه السعاية إلا في هذا القدر كالعبد المشترك إذا أعتق أحدهما وهو معسر، وأما المضمون بالدين إذا كان أقل فلأن العبد مضمون بقدر الدين بالعبد وما يحدث من الزيادة المتصلة بعد القبض لم تصر مضمونة وإن كانت تحبس للدين، وإن كان المحبوس أقل من المضمون ومن قيمته يسعى بقدره بأن رهن عبدا بألف فأدى الراهن تسعمائة من الدين ثم أعتقه وهو معسر يسعى العبد في مائة؛ لأنه مضمون بمائة من حيث الاعتبار حالة الإعتاق، ويجوز تزويج المرهون ولا يقربها الزوج إلا إذا زوجها قبل الرهن، وتمام تفريع ذلك في المحيط، والله سبحانه وتعالى الموفق بكرمه وذكرت هذا القدر ليعلم من يريد الخلاص من الله سبحانه وتعالى صعوبة العلم واستخراج أحكامه الغامضة والمشكلة ولا يقدر بمجرد رأيه من غير رؤية ورسوخ قدم في حكم "
والكتاب كله كما قلنا بنى على باطل اخترعه الفقهاء بناء على روايات كاذبة أو بناء على آراء جاءوا بها من عند أنفسهم ومن قرأ الفقرات السابقة لا يجد نص من القرآن ولا حتى نص من رواية فى الموضوع وإنما هى نقول وتفريعات على أقوال بشر ما أنزل الله بها من سلطان
المفترض فى أى كتاب يبحث فى حكم أن يرد الحكم إلى أى نص من الوحى سواء كان النص صريحا أو استدلال من داخل النص وهو ما يسمى التلميح وكما قلنا المسألة كلها قامت على باطل وإنما أساس ما قاله الشرنبلالى هو القياس على رواية لم يذكرها وهى رواية فى عتق العبد أو الأمة وهى :
"من أعتق نصيبا أو شقصا فخلاصه عليه فى ماله إن كان له مال وإلا قوم عليه فاستسعى به غير مشقوق عليه"