رضا البطاوى
عضو فعال
- المشاركات
- 2,709
- الإقامة
- مصر
قراءة فى كتاب أطواق الحمامة في حمل الصحابة على السلامة
المؤلف: أبو إدريس يحيى بن حمزة بن علي بن إبراهيم، الزيدي الحسيني العلويّ الطالبي الملقب بالمؤيد باللَّه (المتوفى: 745هـ)
الكتاب من كتب المذهب الزيدى وغالبا ما ينسب المذهب الزيدى إلى مذاهب الشيعة رغم مخالفته لمذاهب الشيعة فى مسائل أساسية تتعلق بالإمامة حيث يجيز المذهب تولى الفاضل مع وجود من هو أفضل منه كما انه لا يتبرأ من بعض الصحابة كما تفعل فرق المذهب الشيعى وعلى هذه المسائل يدور الكتاب
يستهل الكتاب بالمسألة التالية:
"مسألة: المختار سلامة أحوال الصحابة من الكفر والفسق، لما ورد من الثناء عليهم من الله ورسوله ومن جهة المؤمنين وسائر الأئمة من أولاده ونحن نورد ذلك على رتب ثلاث:
المرتبة الأولى: مما كان من جهة الرسول (ص)، وهي أمور خمسة:
أولها قوله (ص): «احفظوني في أصحابي، فإن أحدكم لو ينفق ملء الأرض ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه».
وثانيها قوله (ص): «لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا».
وثالثها قوله (ص) في أبي بكر : «دعوا لي أخي وصاحبي الذي صدقني حين كذبني الناس».
ورابعها قوله (ص): «أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة».
وخامسها أنه أمر عند إقبال أبي بكر أن يبشر بالجنة، وأمر أيضا أن يبشر عمر بالجنة.
فهذه الأخبار كلها دالة على سلامة حالهما وبشارتهما بالجنة وغيرها من الأخبار التي يكثر عددها في تزكية أحوالهم وصحة أديانهم."
الرجل يقول أن كل الصحابة مؤمنون لم يكفر منهم أحد وهى مقولة صحيحة فكل من آمن بالنبى(ص) فى عصره هو صحابى رضى الله عنه ولكن النصوص التى استدل بها الرجل خاطئة وهى :
- الرواية الأولى الخطأ بها هو أن لا أحد سيبلغ منزلة الصحابة ويخالف هذا أن السابقين المقربون بعضهم من الأوائل وبعضهم من الأواخر مصداق لقوله تعالى "والسابقون السابقون أولئك المقربون فى جنات النعيم ثلة من الأولين وقليل من الأخرين "ومن ثم فبعض الأواخر يدركون درجة بعض الصحابة ويسبقون بعض الصحابة من أصحاب اليمين الذين بعضهم من الأوائل وبعضهم من الأواخر مصداق لقوله "لأصحاب اليمين ثلة من الأولين وثلة من الأخرين ".
- الرواية الثانية الخطأ بها أن الرسول(ص)ليس له أخلاء وهو ما يخالف وجود أخلاء من المتقين وهم المسلمين لبعض مصداق لقوله "الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين "
- الرواية الثالثة أن أبو بكر أخاه وهو ما يناقض أنه زوج ابنته عائشة تاريخيا فيكون النبى(ص)فى مقام ابنه وليس أخاه
-الرواية الرابعة والخطأ الأول بها هو وجود سيادة فى الجنة فى الأخرة وهو يناقض أن الجنة ليس فيها سادة أو عبيد لأن الكل إخوة كما أن الله أذهب أسباب الغل بين المسلمين ومن هذا السيادة والعبودية وفى هذا قال تعالى "ونزعنا ما فى صدورهم من غل تجرى من تحتهم الأنهار "كما أن لا أحد يملك شيئا يومها حتى يكون سيدا وإنما السيادة وهى الملك لله وحده وفى هذا قال تعالى "لمن الملك اليوم لله الواحد القهار "والخطأ الأخر وجود شباب وكهول فى الجنة وهو ما يناقض كونهم كلهم فى سن واحدة
- الرواية الخامسة اختصاص أبو بكر وعمر بالتبشير بالجنة وهو ما يخالف أن كل المؤمنين لهم البشرى بالجنة كما قال تعالى "ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى فى الحياة الدنيا وفى الآخرة"
ثم تناول الرجل القول فى على فقال :
"المرتبة الثانية: ما كان من جهة أمير المؤمنين وذلك على وجهين إجمالي وتفصيلي.
أما الإجمال، فما كان من المناصرة والمعاضدة لأبي بكر في أيام قتال أهل الردة وغيرها، ثم ما كان منه في أيام عمر من المشورة
والإعانة والخروج معهم وأخذ نصيبه من الفيء وقد قيل إن محمد ابن الحنفية ما كانت أمه إلا سبية من بني حنيفة من أهل الردة، استولدها أمير المؤمنين فجاءت بمحمد وما كان من تعظيمه لهم وإكبارهم ومعاملته لهم بالمودة والمناصرة والموالاة ولم يعاملهم معاملة أهل الردة ولا معاملة الفساق أصلا وهذا أمر ظاهر لا يخفى على مسلم فهذا على وجه الجملة.
وأما وجه التفصيل:
أولها ما روى سويد بن غفلة أنه قال: مررت بقوم ينتقصون أبا بكر وعمر، فدخلت على أمير المؤمنين فحكيت له ذلك وقلت: لولا أنهم يرون أنك تضمر لهم شيئا مثل الذي أعلنوا به ما اجترؤوا على ذلك فقال : أعوذ بالله أن أضمر لهما شيئا إلا الجميل الحسن، أخوا رسول الله (ص) وصاحباه ووزيراه، ثم نهض باكيا واتكأ على يدي وخرج وصعد المنبر وجلس ثم خطب وقال: ما بال قوم يذكرون سيدي قريش بما أنا عنه منزه، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لا يحبهما إلا مؤمن ولا يبغضهما إلا فاجر، صحبا رسول الله (ص) على الوفاء والصدق.
ثم أطال في مدحهما وتهدد من يعود إلى الوقيعة فيهما، ثم قال في آخر الخطبة: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر، والله أعلم بالخير أين هو - يشير بذلك إلى نفسه.
وثانيها ما رواه جعفر بن محمد الصادق عن جده أن رجلا من قريش جاء إلى أمير المؤمنين فقال: أسمعك تقول: اللهم أصلحنا بما أصلحت به الخلفاء الراشدين، من هم؟ قال: حبيباي أبو بكر وعمر وإماما الهدى وشيخا الإسلام ورجلا قريش والمقتدى بهما بعد رسول الله (ص)، من اقتدى بهما عصم ومن اهتدى بهما هدي إلى صراط مستقيم.
وثالثها أن سئل عن عمر فقال: رجل ناصح الله فنصحه، وسئل عن أبي بكر فقال: كان أواها منيبا.
ورابعها ما رواه جعفر بن محمد عن آبائه أنه لما قتل عمر وكفن وحنط دخل عليه أمير المؤمنين فقال: ما على وجه الأرض أحد أحب أن ألقى الله بصحيفته من هذا المسجى، وكان قد سجي بثوب.
وخامسها قوله : خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر، ولو شئت لقلت الثالث، يشير إلى نفسه.
وسادسها أنه لم حضرته الوفاة قالوا: ألا توصي يا أمير المؤمنين؟ قال: ما أوصى رسول الله (ص) فأوصي، ولكن إن أراد الله بالناس خيرا فسيجمعهم على خيرهم كما جمعهم على خيرهم بعد نبيهم أبو بكر.
فهذه الوجوه كلها وغيرها دالة على تحسين الظن من جهته بهم.
نعم، أما ما كان في صدره من الوحشة والازورار من أجل استبدادهم بأمر كان هو أولى به وأحق لقربه من رسول الله (ص) واختصاصه بما لم يختص به أحد من الخليقة فهذا أمر لا ينكر ولا يمكن دفعه، لكن لم يمنعه ذلك من الموالاة والذكر الجميل وحسن السيرة معهم وجميل الحديث في حقهم للروايات التي ذكرناها عنهم.
المرتبة الثالثة: هو ما كان من جهة أولاده من الثناء الجميل والذكر الحسن ونحن ننقل الروايات التي نقلها العلماء عنهم على الصحة، وجملتها تسع.
الأولى حال الحسن والحسين والمنقول من حالهما كحال أمير المؤمنين في الموالاة وإظهار القول الجميل ولم يرو أحد من أهل النقل عنهما طعنا ولا لعنا ولا فسقا ولا كفرا ولا شينا، بل السيرة الحسنة.
ولقد روي أن عمر لما وضع الديوان وفرض لكل من المهاجرين والأنصار نصيبا في بيت المال وفرض للحسن والحسين ألوفا من بيت المال، ثم فرض لعبد الله بن عمر أقل من نصيبهما، فأتى إلى أبيه فقال: لم فرضت نصيبي دون حقهما؟ فقال له عمر: ائتني بجد مثل جدهما وبأب مثل أبيهما وبأم مثل أمهما وبعم مثل عمهما، فسكت عبد الله وانصرف فدل ما ذكره على تعظيم كل أحد منهم لصاحبه واعترافه بحقه.
والرواية الثانية ما كان من علي بن الحسين موال معلوم من حاله الذكر الحسن في حقهما والمحبة والمودة وقد روى عنه زيد بن علي أنه قال: كذب من ادعى أن أبي كان تبرأ من الشيخين ثم قال للرواي الذي روى عن أبيه: يا راوي، إن أبي كان يحميني من كل شر وآفة حتى اللقمة الحارة، أفترى أن إسلامك ودينك لا يتم إلا بالتبري منهما وأهملني من غير تعريف ذلك إياي، لا تكذب على أبي.
الرواية الثالثة حال زيد بن علي والمعلوم من حاله أنه كان شديد المحبة لهما والموالاة وأنه كان ينهى عن سبهما ويعاقب عليه.
روي
أنه لما بايعه أهل الكوفة ثم دعاهم إلى نصرته قالوا: إنا لا نبايعك ولا ننصرك حتى تتبرأ من الصحابة، فقال: كيف أتبرأ منهما وهما صهرا جدي ووزيراه -لأن عائشة وحفصة كانتا تحت رسول الله (ص) زوجتيه، ويعني بالوزيرين لأن رسول الله (ص) قال: «هما وزيراي» - فلما أنكر
التبرؤ منهما رفضوه، فمن أجل ذلك سموا روافض.
وروي عن زيد أنه كان يترحم عليهما وروي أيضا أنه قال: كان أبي علي بن أبي طالب كرم الله وجهه منزلته من رسول الله (ص) منزلة هارون من موسى عليهما السلام والصلاة إذ قال له: {وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين} فألزق كلكله بالأرض ما رأى صلاحا، فلما رأى الفساد بسط يده وشهر سيفه ودعا إلى ربه، وتبين أنه كان خليفة رسول الله (ص) كما أن هارون خليفة موسى.
وإنما توقف لأن ما كان من القوم كان شرعا وصلاحا، وأنه لما رأى الفساد لم يتوقف بل أنكر وشهر سيفه كما فعل في أهل الجمل والنهروان وصفين.
هذا كله كلام زيد بن علي ، كما حكاه الشيخ العالم أحمد بن [أبي] الحسن الكني.
الرواية الرابعة عن عبد الله بن الحسن وأولاده محمد بن عبد الله النفس الزكية وأخويه إبراهيم ويحيى ابني عبد الله أنهم كانوا لا يتبرؤون بل يسيرون فيهما سيرة آبائهم، ولم يظهر منهم تكفير ولا تفسيق ولا لعن.
وناهيك بهذا، فإن هؤلاء الأئمة قال بإمامتهم أكابر المعتزلة ورؤسائهم كعمرو بن عبيد وبشير الرحال والجاحظ وغيرهم ممن كان في عصرهم ولو ظهر من هؤلاء إكفار وتفسيق للصحابة لم يقل هؤلاء بإمامتهم لاعتقادهم لأمانة الصحابة وإعظامهم أمرهم وهكذا القول في معتزلة بغداد، فإنهم يفتخرون بإمامة الزيدية، فلو كان هؤلاء الأئمة يعتقدون فسق الصحابة لم يتابعوهم ولا قالوا بإمامتهم.
الرواية الخامسة عن جعفر بن محمد ما فإنه كان شديد المحبة لهما وقد روي أنه لما سئل عن أبي بكر فقال: ما أقول في رجل أولدني مرتين يعني أن أمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر، وأمها أيضا هي بنت عبد الرحمن بن أبي بكر فلهذا قال: ولدني مرتين وقد روى عنه الخلق الكثير أنه كان يترحم عليهما، هكذا ذكره الشيخ أبو القاسم البستي.
الرواية السادسة عن القاسم بن إبراهيم ما وقد روي عنه أنه لما سئل عنهما قال: {تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم} وهذا يدل على ترك الطعن واللعن ووكول أمرهم إلى الله، وهذه هي السلامة.
وقد روي عنه أيضا أنه كان ينكر إيذاءهما ويسخط ولا يرضى بقول الرافضة فيفرط، وهو تصريح بتحريم الأذية والسب.
الرواية السابعة عن الناصر للحق الحسن بن علي ما روى الصاحب الكافي إسماعيل بن عباد أنه قال: أنا عندي بخط الناصر للحق الترحم عليهما.
وعن القاضي أبي بكر -وكان منصوبا من جهة السيد المؤيد بالله، استقضاه على بعض النواحي- قال: سمعت عن الشيخ حسين الصوفي وكان له نيف وسبعون سنة يقول: سمعت نيفا وسبعين شخصا ممن حضر مجلس الناصر للحق قالوا: أملى الإمام الناصر للحق شيئا عن الشيخين أبي بكر وعمر ثم قال: ما، فكف المستملي أن يكتب ما، وكان الإمام ينظر إليه فزجره وقال له: لم لا تكتب ما، فإن هذا العلم لم يورث إلا عنهما وعن أمثالهما.
وعن الشيخ أحمد بن أبي الحسن الكني أن الموجود في كتاب الإمامة للناصر الحق في آخر باب من أبوابها قال فيه: ولم أصف ما وصفت من اعتراضهم بما اعترضوا إرادة لدفع فضل أبي بكر عما خصه الله به من بعد علي بن أبي طالب ، وإني لعارف بحقه وصحبته لرسول الله (ص) وتقدم إسلامه على من أسلم بعده وإني لمحب له، والحمد لله وحده.
وهذا كله كلامه بألفاظه فمن كان هذا كلامه في أيام ولايته وولاية بني عمه كالحسن بن زيد ومحمد بن زيد من غير تقية وخوف، كيف يقال إن مذهبه في حقهم التفسيق والإكفار.
الرواية الثامنة عن السيد المؤيد بالله قال الشيخ أبو سعيد: سمعت القاضي يوسف: سمعت المؤيد بالله يقول في وقت: الحمد لله، أزداد كل يوم لهما حبا وكان في أول عمره وعنفوان شبابه متوقفا ثم ترحم عليهما في آخر عمره، وكان يجتهد في الدعاء إلى فضلهما ويأمر بذلك ويجتهد في كشف ذلك لأصحابنا من الزيدية ويظهر لهم هذه الحالة، وكان يفضلهما ويمنع الناس من القول السيء فيهما.
وروى عنه الكني في جوابه الهوسميات: أنه ذكر أن الخلاف في الإمامة وإن كان قطعيا فإنه لا يوجب كفرا ولا فسقا، ولهذا فإن أمير المؤمنين لم يكفر ولم يفسق من تخلف عن القول بإمامته والدخول فيها، كسعد بن أبي وقاص ومحمد بن مسلمة وعبد الله بن عمر وغيرهم وهكذا في سائر أئمة أهل البيت فإنهم لا يرون الخلاف في إمامته كفرا ولا فسقا، وإن كانت أدلتها قاطعة هذا ملخص ما حكاه عن المؤيد بالله الشيخ الكني في الهوسميات.
الرواية التاسعة عن الموفق بالله أبي عبد الله الحسين بن إسماعيل الجرجاني أنه قال: فإن قيل فما حكم من خالف هذه النصوص الدالة على أمير المؤمنين، هل يكفر أو يفسق؟ قيل إنه يكون مخطئا غير كافر ولا فاسق، ولذلك كان يوليهم أمير المؤمنين الذكر الجميل ويثني عليهم، ولو كان فاسقا لما كان ذلك فإن قيل هلا فسقوا لأنهم مخطئون فيما يتعلق خطؤه بالفروج والأموال؟ قيل إن من خطأه بطريق التأويل لم يكن كافرا ولا فاسقا.
فهذا محصول كلامه مؤذن بأنهم ليسوا كفارا ولا فساقا لمخالفتهم هذه النصوص فيما يتعلق بالشريعة."
ما رواه الرجل من روايات عن رجال المذهب فى تقديرهم ابو بكر وعمر وأنهما مسلمين فاضلين وليسا بكافرين ورغك أن معظم تلك الروايات لا أساس لها فى الواقع لأن تاريخ الخلافات هو تاريخ كتبه المخرفون المصللون للإسىم ووقائع أحداق المؤمنين ألوائل حيق لم يوجد صقيغة ولا هلافات ولا صفين ولا النهراوان ولا غير ذبلك لأن كل خذا يخالف أن الدولة المسلمة لا تتحول لكافرة فى عهد المؤمنين بالنبى(ص) نفسه وإنما فى عهد الخلف وهم من يأتون بهدهم فحتى لو سلمنا بأنهم الخلف المباشر فلا يمكن أن يحدث التحول قبل سنة ستين وهو ما يخالف حدوثه فى سنة اربعين وما قبلها من أول تولى على وفى هذا قال تعالى :
"أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذ تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات"
وقد ذكر المؤلف كل هذا كما يقول للأغراض التالية:
"فهذا ما أردنا ذكره مما أورده الشيخ العالم أحمد بن الحسن الكني في كشف الغلطات ومن غيره، وإنما أوردناه لغرضين:
أحدهما أن تعلم أن أمير المؤمنين وأكابر أولاده من أهل البيت م وأفاضلهم ليسوا بقائلين بكفر أحد من الصحابة ولا فسقه مع مخالفتهم لهذه النصوص القاطعة، وأن مخالفتهم لا تقطع موالاتهم ولا تبطلها كما ترجمناه.
وثانيهما أن يكون الناظر على ثقة من أمره وبصيرة في دينه في ترك الإقدام على تكفير من لا دليل على تفكيره وتفسيق من لا دليل على تفسيقه، فإن الخطأ في مثل هذا عظيم قال المؤيد بالله: ولو قيل لأحد من مدعي التفسيق والإكفار في حقهما: أد نصا صريحا من جهة أئمتنا أنهم يتبرؤون من الشيخين تصريحا، لم يمكنه ذلك أصلا."
وقد وجد الرجل فى المذهب ما يؤدى لتناقض المفهوم فحاول التوفيق أو التلفيق بينهم فقال :
"فأما ما روي عن الهادي أمير المؤمنين يحيى بن الحسين في كتاب الأحكام من أنه قال: من أنكر النص على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فقد كذب على الله وعلى رسوله، ومن كذب على الله ورسوله فقد كفر بالله ورسوله؛ وما روي عن أبي العباس أحمد بن إبراهيم الحسني من الأخبار التي رواها في كتاب المصابيح مما يدل على الفسق ويشعر به؛ وما روي عن السيد أبي طالب يحيى بن الحسين في المسألة التي أملاهما، وهو أن الخروج على الإمام فسق؛فما ذكرنا من الروايات يجب حمله على ما يطابق ما حكيناه عن أمير المؤمنين والأفاضل من الأئمة من ولده لئلا يؤدي إلى تعارض أقوالهم فيما طريقه القطع من المسائل.
فنقول: أما ما روي عن الهادي أمير المؤمنين فهو محمول على من أنكر أن يكون رسول الله (ص) قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه»
وقوله: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى»وإنما وجب حمل كلام يحيى على ما ذكرناه لأمرين:
أما الأول فلأن ظاهر كلامه يوجب اكفارهم وردتهم، ولم يؤثر عن يحيى شيء من هذا ولا عن غيره من أكابر أهل البيت أصلا.
وأما الثاني فلأن كتاب الأحكام مشحون بالاحتجاج برواية القوم وأقضيتهم وأحكامهم والرجوع إليهم في أمور الحوادث؛ ولو كانوا كفارا أو فساقا لكان لا معنى للاحتجاج بأقوالهم وأقضيتهم.
وأما ما روي عن أبي العباس الحسني رحمه الله من الأخبار التي نقلها، فكلها أحادية لا يمكن إثبات الكفر والفسق بشيء منها إجماعا.
وأما ما روي عن السيد أبي طالب، وهو أن الخروج على إمام الحق يكون بغيا وفسقا، فهذا صحيح لكنا نقول لم يكن من أبي بكر وعمر ما خروج على أمير المؤمنين أصلا حتى يلزم فسقهما أو بغيهما، إنما كان قياما بتكاليف كان من حق أمير المؤمنين أن يكون قائما بها وأحق بالتصرف فيها، فلما كف عن القيام بها لعذر كان له في ذلك وقام بها أبو بكر بحضرة جماعة من الصحابة لم يكن فعل أبي بكر خروجا على إمام الحق كما ذكرناه، فلهذا لم يكن فسقا.
على أن الكني قد ذكر أن كلامه في المسألة إنما كان في أول عمره وعنفوان شبابه حين كان إماميا، فأما بعد أن صار زيديا محققا في الأصول فلا يظن به أنه قائل بذلك ومعتقد له.
ويؤيد ما ذكرناه من التأويل لكلامه هو أن شرح التحرير مشحون بذكر الاستدلال والرواية عن الشيخين في الأخبار والأقضية والأحكام، ولو كانا فاسقين عنده لم يكن للاحتجاج بأقوالهما وأقضيتهما وجه فتحصل من مجموع ذلك ما ذكرناه، وأن كلام هؤلاء الأئمة مطابق وموافق لما نقلناه عن سائر الأئمة وأكابرهم بالقول بسلامة أحوال الصحابة عن الكفر والفسق وهذا مقصودنا."
وكما قلنا إن محاولة التوفيق بين الأقوال كلها وهم فقد يتم التوفيق بين الأكثرية ولكن التوفيق بين الكل رغم التعارض محال وقد استمر المؤلف فى التأكيد على ما انتهى إليه من كون أبو بكر وعمر إمامين رضى الله عنهم وهم مؤمنين لم يكفرا فقال:
"تنبيه: فإن اعترفت بما نقلناه من أن أحدا من أهل البيت لم ينقل عنه كفر ولا فسق، فاعلم أنهم بعد ذلك فريقان:
الأول: مصرحون بالترحم والترضية عليهم وهذا هو المشهور عن أمير المؤمنين كما حكيناه وعن زيد بن علي وجعفر الصادق والناصر للحق والسيد المؤيد بالله، فإن هؤلاء كلهم مصرحون بالترضية والترحم والموالاة.
وهذا هو المختار عندنا وقد دللنا عليه وذكرنا أن إسلامهم مقطوع به لا محالة، وعروض ما عرض من الخطأ في مخالفة النصوص ليس فيه إلا الخطأ لا غير، وأما كونه كفرا أو فسقا فلم تدل عليه دلالة شرعية، فلهذا أبطل القول به فهذا الذي نختاره ونرضاه مذهبا ونحب أن نلقى الله تعالى ونحن عليه.
الفريق الثاني: متوقفون عن الترضية والترحم وعن القول بالاكفار والتفسيق وعلى هذا دل كلام القاسم والهادي وأولادهما، وإليه يشير كلام الإمام المنصور بالله فهؤلاء لا يحكمون بالخطأ ويقطعون به، ويتوقفون في حكمه فأما القول بالكفر والفسق فلم يؤثر في حق الصحابة عن أحد من أكابر أهل البيت وأفاضلهم، كما حكيناه وقررناه وهو مردود على ناقله.
انتهى تم ما قاله الإمام يحيى بن حمزة رحمه الله"
الرجل هنا أحسن الاستدلال ولكن كما قلنا الخلافات المذهبية ليس لها أساس حقيقى فمن ألفوا الخلافات هو من أوقعونا فى هذه الخلافات المذهبية فلا يوجد أهل سنة ولا شيعة ولا إباضية ولا غيرهم وإنما كان يوجد مسلمون فقط وبلا أى مذاهب لأن الدين واحد والرب واحد ولا يمكن أن يكون خلاف بين المسلمين إذا احتكموا إلى كتاب الله
المؤلف: أبو إدريس يحيى بن حمزة بن علي بن إبراهيم، الزيدي الحسيني العلويّ الطالبي الملقب بالمؤيد باللَّه (المتوفى: 745هـ)
الكتاب من كتب المذهب الزيدى وغالبا ما ينسب المذهب الزيدى إلى مذاهب الشيعة رغم مخالفته لمذاهب الشيعة فى مسائل أساسية تتعلق بالإمامة حيث يجيز المذهب تولى الفاضل مع وجود من هو أفضل منه كما انه لا يتبرأ من بعض الصحابة كما تفعل فرق المذهب الشيعى وعلى هذه المسائل يدور الكتاب
يستهل الكتاب بالمسألة التالية:
"مسألة: المختار سلامة أحوال الصحابة من الكفر والفسق، لما ورد من الثناء عليهم من الله ورسوله ومن جهة المؤمنين وسائر الأئمة من أولاده ونحن نورد ذلك على رتب ثلاث:
المرتبة الأولى: مما كان من جهة الرسول (ص)، وهي أمور خمسة:
أولها قوله (ص): «احفظوني في أصحابي، فإن أحدكم لو ينفق ملء الأرض ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه».
وثانيها قوله (ص): «لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا».
وثالثها قوله (ص) في أبي بكر : «دعوا لي أخي وصاحبي الذي صدقني حين كذبني الناس».
ورابعها قوله (ص): «أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة».
وخامسها أنه أمر عند إقبال أبي بكر أن يبشر بالجنة، وأمر أيضا أن يبشر عمر بالجنة.
فهذه الأخبار كلها دالة على سلامة حالهما وبشارتهما بالجنة وغيرها من الأخبار التي يكثر عددها في تزكية أحوالهم وصحة أديانهم."
الرجل يقول أن كل الصحابة مؤمنون لم يكفر منهم أحد وهى مقولة صحيحة فكل من آمن بالنبى(ص) فى عصره هو صحابى رضى الله عنه ولكن النصوص التى استدل بها الرجل خاطئة وهى :
- الرواية الأولى الخطأ بها هو أن لا أحد سيبلغ منزلة الصحابة ويخالف هذا أن السابقين المقربون بعضهم من الأوائل وبعضهم من الأواخر مصداق لقوله تعالى "والسابقون السابقون أولئك المقربون فى جنات النعيم ثلة من الأولين وقليل من الأخرين "ومن ثم فبعض الأواخر يدركون درجة بعض الصحابة ويسبقون بعض الصحابة من أصحاب اليمين الذين بعضهم من الأوائل وبعضهم من الأواخر مصداق لقوله "لأصحاب اليمين ثلة من الأولين وثلة من الأخرين ".
- الرواية الثانية الخطأ بها أن الرسول(ص)ليس له أخلاء وهو ما يخالف وجود أخلاء من المتقين وهم المسلمين لبعض مصداق لقوله "الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين "
- الرواية الثالثة أن أبو بكر أخاه وهو ما يناقض أنه زوج ابنته عائشة تاريخيا فيكون النبى(ص)فى مقام ابنه وليس أخاه
-الرواية الرابعة والخطأ الأول بها هو وجود سيادة فى الجنة فى الأخرة وهو يناقض أن الجنة ليس فيها سادة أو عبيد لأن الكل إخوة كما أن الله أذهب أسباب الغل بين المسلمين ومن هذا السيادة والعبودية وفى هذا قال تعالى "ونزعنا ما فى صدورهم من غل تجرى من تحتهم الأنهار "كما أن لا أحد يملك شيئا يومها حتى يكون سيدا وإنما السيادة وهى الملك لله وحده وفى هذا قال تعالى "لمن الملك اليوم لله الواحد القهار "والخطأ الأخر وجود شباب وكهول فى الجنة وهو ما يناقض كونهم كلهم فى سن واحدة
- الرواية الخامسة اختصاص أبو بكر وعمر بالتبشير بالجنة وهو ما يخالف أن كل المؤمنين لهم البشرى بالجنة كما قال تعالى "ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى فى الحياة الدنيا وفى الآخرة"
ثم تناول الرجل القول فى على فقال :
"المرتبة الثانية: ما كان من جهة أمير المؤمنين وذلك على وجهين إجمالي وتفصيلي.
أما الإجمال، فما كان من المناصرة والمعاضدة لأبي بكر في أيام قتال أهل الردة وغيرها، ثم ما كان منه في أيام عمر من المشورة
والإعانة والخروج معهم وأخذ نصيبه من الفيء وقد قيل إن محمد ابن الحنفية ما كانت أمه إلا سبية من بني حنيفة من أهل الردة، استولدها أمير المؤمنين فجاءت بمحمد وما كان من تعظيمه لهم وإكبارهم ومعاملته لهم بالمودة والمناصرة والموالاة ولم يعاملهم معاملة أهل الردة ولا معاملة الفساق أصلا وهذا أمر ظاهر لا يخفى على مسلم فهذا على وجه الجملة.
وأما وجه التفصيل:
أولها ما روى سويد بن غفلة أنه قال: مررت بقوم ينتقصون أبا بكر وعمر، فدخلت على أمير المؤمنين فحكيت له ذلك وقلت: لولا أنهم يرون أنك تضمر لهم شيئا مثل الذي أعلنوا به ما اجترؤوا على ذلك فقال : أعوذ بالله أن أضمر لهما شيئا إلا الجميل الحسن، أخوا رسول الله (ص) وصاحباه ووزيراه، ثم نهض باكيا واتكأ على يدي وخرج وصعد المنبر وجلس ثم خطب وقال: ما بال قوم يذكرون سيدي قريش بما أنا عنه منزه، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لا يحبهما إلا مؤمن ولا يبغضهما إلا فاجر، صحبا رسول الله (ص) على الوفاء والصدق.
ثم أطال في مدحهما وتهدد من يعود إلى الوقيعة فيهما، ثم قال في آخر الخطبة: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر، والله أعلم بالخير أين هو - يشير بذلك إلى نفسه.
وثانيها ما رواه جعفر بن محمد الصادق عن جده أن رجلا من قريش جاء إلى أمير المؤمنين فقال: أسمعك تقول: اللهم أصلحنا بما أصلحت به الخلفاء الراشدين، من هم؟ قال: حبيباي أبو بكر وعمر وإماما الهدى وشيخا الإسلام ورجلا قريش والمقتدى بهما بعد رسول الله (ص)، من اقتدى بهما عصم ومن اهتدى بهما هدي إلى صراط مستقيم.
وثالثها أن سئل عن عمر فقال: رجل ناصح الله فنصحه، وسئل عن أبي بكر فقال: كان أواها منيبا.
ورابعها ما رواه جعفر بن محمد عن آبائه أنه لما قتل عمر وكفن وحنط دخل عليه أمير المؤمنين فقال: ما على وجه الأرض أحد أحب أن ألقى الله بصحيفته من هذا المسجى، وكان قد سجي بثوب.
وخامسها قوله : خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر، ولو شئت لقلت الثالث، يشير إلى نفسه.
وسادسها أنه لم حضرته الوفاة قالوا: ألا توصي يا أمير المؤمنين؟ قال: ما أوصى رسول الله (ص) فأوصي، ولكن إن أراد الله بالناس خيرا فسيجمعهم على خيرهم كما جمعهم على خيرهم بعد نبيهم أبو بكر.
فهذه الوجوه كلها وغيرها دالة على تحسين الظن من جهته بهم.
نعم، أما ما كان في صدره من الوحشة والازورار من أجل استبدادهم بأمر كان هو أولى به وأحق لقربه من رسول الله (ص) واختصاصه بما لم يختص به أحد من الخليقة فهذا أمر لا ينكر ولا يمكن دفعه، لكن لم يمنعه ذلك من الموالاة والذكر الجميل وحسن السيرة معهم وجميل الحديث في حقهم للروايات التي ذكرناها عنهم.
المرتبة الثالثة: هو ما كان من جهة أولاده من الثناء الجميل والذكر الحسن ونحن ننقل الروايات التي نقلها العلماء عنهم على الصحة، وجملتها تسع.
الأولى حال الحسن والحسين والمنقول من حالهما كحال أمير المؤمنين في الموالاة وإظهار القول الجميل ولم يرو أحد من أهل النقل عنهما طعنا ولا لعنا ولا فسقا ولا كفرا ولا شينا، بل السيرة الحسنة.
ولقد روي أن عمر لما وضع الديوان وفرض لكل من المهاجرين والأنصار نصيبا في بيت المال وفرض للحسن والحسين ألوفا من بيت المال، ثم فرض لعبد الله بن عمر أقل من نصيبهما، فأتى إلى أبيه فقال: لم فرضت نصيبي دون حقهما؟ فقال له عمر: ائتني بجد مثل جدهما وبأب مثل أبيهما وبأم مثل أمهما وبعم مثل عمهما، فسكت عبد الله وانصرف فدل ما ذكره على تعظيم كل أحد منهم لصاحبه واعترافه بحقه.
والرواية الثانية ما كان من علي بن الحسين موال معلوم من حاله الذكر الحسن في حقهما والمحبة والمودة وقد روى عنه زيد بن علي أنه قال: كذب من ادعى أن أبي كان تبرأ من الشيخين ثم قال للرواي الذي روى عن أبيه: يا راوي، إن أبي كان يحميني من كل شر وآفة حتى اللقمة الحارة، أفترى أن إسلامك ودينك لا يتم إلا بالتبري منهما وأهملني من غير تعريف ذلك إياي، لا تكذب على أبي.
الرواية الثالثة حال زيد بن علي والمعلوم من حاله أنه كان شديد المحبة لهما والموالاة وأنه كان ينهى عن سبهما ويعاقب عليه.
روي
أنه لما بايعه أهل الكوفة ثم دعاهم إلى نصرته قالوا: إنا لا نبايعك ولا ننصرك حتى تتبرأ من الصحابة، فقال: كيف أتبرأ منهما وهما صهرا جدي ووزيراه -لأن عائشة وحفصة كانتا تحت رسول الله (ص) زوجتيه، ويعني بالوزيرين لأن رسول الله (ص) قال: «هما وزيراي» - فلما أنكر
التبرؤ منهما رفضوه، فمن أجل ذلك سموا روافض.
وروي عن زيد أنه كان يترحم عليهما وروي أيضا أنه قال: كان أبي علي بن أبي طالب كرم الله وجهه منزلته من رسول الله (ص) منزلة هارون من موسى عليهما السلام والصلاة إذ قال له: {وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين} فألزق كلكله بالأرض ما رأى صلاحا، فلما رأى الفساد بسط يده وشهر سيفه ودعا إلى ربه، وتبين أنه كان خليفة رسول الله (ص) كما أن هارون خليفة موسى.
وإنما توقف لأن ما كان من القوم كان شرعا وصلاحا، وأنه لما رأى الفساد لم يتوقف بل أنكر وشهر سيفه كما فعل في أهل الجمل والنهروان وصفين.
هذا كله كلام زيد بن علي ، كما حكاه الشيخ العالم أحمد بن [أبي] الحسن الكني.
الرواية الرابعة عن عبد الله بن الحسن وأولاده محمد بن عبد الله النفس الزكية وأخويه إبراهيم ويحيى ابني عبد الله أنهم كانوا لا يتبرؤون بل يسيرون فيهما سيرة آبائهم، ولم يظهر منهم تكفير ولا تفسيق ولا لعن.
وناهيك بهذا، فإن هؤلاء الأئمة قال بإمامتهم أكابر المعتزلة ورؤسائهم كعمرو بن عبيد وبشير الرحال والجاحظ وغيرهم ممن كان في عصرهم ولو ظهر من هؤلاء إكفار وتفسيق للصحابة لم يقل هؤلاء بإمامتهم لاعتقادهم لأمانة الصحابة وإعظامهم أمرهم وهكذا القول في معتزلة بغداد، فإنهم يفتخرون بإمامة الزيدية، فلو كان هؤلاء الأئمة يعتقدون فسق الصحابة لم يتابعوهم ولا قالوا بإمامتهم.
الرواية الخامسة عن جعفر بن محمد ما فإنه كان شديد المحبة لهما وقد روي أنه لما سئل عن أبي بكر فقال: ما أقول في رجل أولدني مرتين يعني أن أمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر، وأمها أيضا هي بنت عبد الرحمن بن أبي بكر فلهذا قال: ولدني مرتين وقد روى عنه الخلق الكثير أنه كان يترحم عليهما، هكذا ذكره الشيخ أبو القاسم البستي.
الرواية السادسة عن القاسم بن إبراهيم ما وقد روي عنه أنه لما سئل عنهما قال: {تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم} وهذا يدل على ترك الطعن واللعن ووكول أمرهم إلى الله، وهذه هي السلامة.
وقد روي عنه أيضا أنه كان ينكر إيذاءهما ويسخط ولا يرضى بقول الرافضة فيفرط، وهو تصريح بتحريم الأذية والسب.
الرواية السابعة عن الناصر للحق الحسن بن علي ما روى الصاحب الكافي إسماعيل بن عباد أنه قال: أنا عندي بخط الناصر للحق الترحم عليهما.
وعن القاضي أبي بكر -وكان منصوبا من جهة السيد المؤيد بالله، استقضاه على بعض النواحي- قال: سمعت عن الشيخ حسين الصوفي وكان له نيف وسبعون سنة يقول: سمعت نيفا وسبعين شخصا ممن حضر مجلس الناصر للحق قالوا: أملى الإمام الناصر للحق شيئا عن الشيخين أبي بكر وعمر ثم قال: ما، فكف المستملي أن يكتب ما، وكان الإمام ينظر إليه فزجره وقال له: لم لا تكتب ما، فإن هذا العلم لم يورث إلا عنهما وعن أمثالهما.
وعن الشيخ أحمد بن أبي الحسن الكني أن الموجود في كتاب الإمامة للناصر الحق في آخر باب من أبوابها قال فيه: ولم أصف ما وصفت من اعتراضهم بما اعترضوا إرادة لدفع فضل أبي بكر عما خصه الله به من بعد علي بن أبي طالب ، وإني لعارف بحقه وصحبته لرسول الله (ص) وتقدم إسلامه على من أسلم بعده وإني لمحب له، والحمد لله وحده.
وهذا كله كلامه بألفاظه فمن كان هذا كلامه في أيام ولايته وولاية بني عمه كالحسن بن زيد ومحمد بن زيد من غير تقية وخوف، كيف يقال إن مذهبه في حقهم التفسيق والإكفار.
الرواية الثامنة عن السيد المؤيد بالله قال الشيخ أبو سعيد: سمعت القاضي يوسف: سمعت المؤيد بالله يقول في وقت: الحمد لله، أزداد كل يوم لهما حبا وكان في أول عمره وعنفوان شبابه متوقفا ثم ترحم عليهما في آخر عمره، وكان يجتهد في الدعاء إلى فضلهما ويأمر بذلك ويجتهد في كشف ذلك لأصحابنا من الزيدية ويظهر لهم هذه الحالة، وكان يفضلهما ويمنع الناس من القول السيء فيهما.
وروى عنه الكني في جوابه الهوسميات: أنه ذكر أن الخلاف في الإمامة وإن كان قطعيا فإنه لا يوجب كفرا ولا فسقا، ولهذا فإن أمير المؤمنين لم يكفر ولم يفسق من تخلف عن القول بإمامته والدخول فيها، كسعد بن أبي وقاص ومحمد بن مسلمة وعبد الله بن عمر وغيرهم وهكذا في سائر أئمة أهل البيت فإنهم لا يرون الخلاف في إمامته كفرا ولا فسقا، وإن كانت أدلتها قاطعة هذا ملخص ما حكاه عن المؤيد بالله الشيخ الكني في الهوسميات.
الرواية التاسعة عن الموفق بالله أبي عبد الله الحسين بن إسماعيل الجرجاني أنه قال: فإن قيل فما حكم من خالف هذه النصوص الدالة على أمير المؤمنين، هل يكفر أو يفسق؟ قيل إنه يكون مخطئا غير كافر ولا فاسق، ولذلك كان يوليهم أمير المؤمنين الذكر الجميل ويثني عليهم، ولو كان فاسقا لما كان ذلك فإن قيل هلا فسقوا لأنهم مخطئون فيما يتعلق خطؤه بالفروج والأموال؟ قيل إن من خطأه بطريق التأويل لم يكن كافرا ولا فاسقا.
فهذا محصول كلامه مؤذن بأنهم ليسوا كفارا ولا فساقا لمخالفتهم هذه النصوص فيما يتعلق بالشريعة."
ما رواه الرجل من روايات عن رجال المذهب فى تقديرهم ابو بكر وعمر وأنهما مسلمين فاضلين وليسا بكافرين ورغك أن معظم تلك الروايات لا أساس لها فى الواقع لأن تاريخ الخلافات هو تاريخ كتبه المخرفون المصللون للإسىم ووقائع أحداق المؤمنين ألوائل حيق لم يوجد صقيغة ولا هلافات ولا صفين ولا النهراوان ولا غير ذبلك لأن كل خذا يخالف أن الدولة المسلمة لا تتحول لكافرة فى عهد المؤمنين بالنبى(ص) نفسه وإنما فى عهد الخلف وهم من يأتون بهدهم فحتى لو سلمنا بأنهم الخلف المباشر فلا يمكن أن يحدث التحول قبل سنة ستين وهو ما يخالف حدوثه فى سنة اربعين وما قبلها من أول تولى على وفى هذا قال تعالى :
"أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذ تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات"
وقد ذكر المؤلف كل هذا كما يقول للأغراض التالية:
"فهذا ما أردنا ذكره مما أورده الشيخ العالم أحمد بن الحسن الكني في كشف الغلطات ومن غيره، وإنما أوردناه لغرضين:
أحدهما أن تعلم أن أمير المؤمنين وأكابر أولاده من أهل البيت م وأفاضلهم ليسوا بقائلين بكفر أحد من الصحابة ولا فسقه مع مخالفتهم لهذه النصوص القاطعة، وأن مخالفتهم لا تقطع موالاتهم ولا تبطلها كما ترجمناه.
وثانيهما أن يكون الناظر على ثقة من أمره وبصيرة في دينه في ترك الإقدام على تكفير من لا دليل على تفكيره وتفسيق من لا دليل على تفسيقه، فإن الخطأ في مثل هذا عظيم قال المؤيد بالله: ولو قيل لأحد من مدعي التفسيق والإكفار في حقهما: أد نصا صريحا من جهة أئمتنا أنهم يتبرؤون من الشيخين تصريحا، لم يمكنه ذلك أصلا."
وقد وجد الرجل فى المذهب ما يؤدى لتناقض المفهوم فحاول التوفيق أو التلفيق بينهم فقال :
"فأما ما روي عن الهادي أمير المؤمنين يحيى بن الحسين في كتاب الأحكام من أنه قال: من أنكر النص على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فقد كذب على الله وعلى رسوله، ومن كذب على الله ورسوله فقد كفر بالله ورسوله؛ وما روي عن أبي العباس أحمد بن إبراهيم الحسني من الأخبار التي رواها في كتاب المصابيح مما يدل على الفسق ويشعر به؛ وما روي عن السيد أبي طالب يحيى بن الحسين في المسألة التي أملاهما، وهو أن الخروج على الإمام فسق؛فما ذكرنا من الروايات يجب حمله على ما يطابق ما حكيناه عن أمير المؤمنين والأفاضل من الأئمة من ولده لئلا يؤدي إلى تعارض أقوالهم فيما طريقه القطع من المسائل.
فنقول: أما ما روي عن الهادي أمير المؤمنين فهو محمول على من أنكر أن يكون رسول الله (ص) قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه»
وقوله: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى»وإنما وجب حمل كلام يحيى على ما ذكرناه لأمرين:
أما الأول فلأن ظاهر كلامه يوجب اكفارهم وردتهم، ولم يؤثر عن يحيى شيء من هذا ولا عن غيره من أكابر أهل البيت أصلا.
وأما الثاني فلأن كتاب الأحكام مشحون بالاحتجاج برواية القوم وأقضيتهم وأحكامهم والرجوع إليهم في أمور الحوادث؛ ولو كانوا كفارا أو فساقا لكان لا معنى للاحتجاج بأقوالهم وأقضيتهم.
وأما ما روي عن أبي العباس الحسني رحمه الله من الأخبار التي نقلها، فكلها أحادية لا يمكن إثبات الكفر والفسق بشيء منها إجماعا.
وأما ما روي عن السيد أبي طالب، وهو أن الخروج على إمام الحق يكون بغيا وفسقا، فهذا صحيح لكنا نقول لم يكن من أبي بكر وعمر ما خروج على أمير المؤمنين أصلا حتى يلزم فسقهما أو بغيهما، إنما كان قياما بتكاليف كان من حق أمير المؤمنين أن يكون قائما بها وأحق بالتصرف فيها، فلما كف عن القيام بها لعذر كان له في ذلك وقام بها أبو بكر بحضرة جماعة من الصحابة لم يكن فعل أبي بكر خروجا على إمام الحق كما ذكرناه، فلهذا لم يكن فسقا.
على أن الكني قد ذكر أن كلامه في المسألة إنما كان في أول عمره وعنفوان شبابه حين كان إماميا، فأما بعد أن صار زيديا محققا في الأصول فلا يظن به أنه قائل بذلك ومعتقد له.
ويؤيد ما ذكرناه من التأويل لكلامه هو أن شرح التحرير مشحون بذكر الاستدلال والرواية عن الشيخين في الأخبار والأقضية والأحكام، ولو كانا فاسقين عنده لم يكن للاحتجاج بأقوالهما وأقضيتهما وجه فتحصل من مجموع ذلك ما ذكرناه، وأن كلام هؤلاء الأئمة مطابق وموافق لما نقلناه عن سائر الأئمة وأكابرهم بالقول بسلامة أحوال الصحابة عن الكفر والفسق وهذا مقصودنا."
وكما قلنا إن محاولة التوفيق بين الأقوال كلها وهم فقد يتم التوفيق بين الأكثرية ولكن التوفيق بين الكل رغم التعارض محال وقد استمر المؤلف فى التأكيد على ما انتهى إليه من كون أبو بكر وعمر إمامين رضى الله عنهم وهم مؤمنين لم يكفرا فقال:
"تنبيه: فإن اعترفت بما نقلناه من أن أحدا من أهل البيت لم ينقل عنه كفر ولا فسق، فاعلم أنهم بعد ذلك فريقان:
الأول: مصرحون بالترحم والترضية عليهم وهذا هو المشهور عن أمير المؤمنين كما حكيناه وعن زيد بن علي وجعفر الصادق والناصر للحق والسيد المؤيد بالله، فإن هؤلاء كلهم مصرحون بالترضية والترحم والموالاة.
وهذا هو المختار عندنا وقد دللنا عليه وذكرنا أن إسلامهم مقطوع به لا محالة، وعروض ما عرض من الخطأ في مخالفة النصوص ليس فيه إلا الخطأ لا غير، وأما كونه كفرا أو فسقا فلم تدل عليه دلالة شرعية، فلهذا أبطل القول به فهذا الذي نختاره ونرضاه مذهبا ونحب أن نلقى الله تعالى ونحن عليه.
الفريق الثاني: متوقفون عن الترضية والترحم وعن القول بالاكفار والتفسيق وعلى هذا دل كلام القاسم والهادي وأولادهما، وإليه يشير كلام الإمام المنصور بالله فهؤلاء لا يحكمون بالخطأ ويقطعون به، ويتوقفون في حكمه فأما القول بالكفر والفسق فلم يؤثر في حق الصحابة عن أحد من أكابر أهل البيت وأفاضلهم، كما حكيناه وقررناه وهو مردود على ناقله.
انتهى تم ما قاله الإمام يحيى بن حمزة رحمه الله"
الرجل هنا أحسن الاستدلال ولكن كما قلنا الخلافات المذهبية ليس لها أساس حقيقى فمن ألفوا الخلافات هو من أوقعونا فى هذه الخلافات المذهبية فلا يوجد أهل سنة ولا شيعة ولا إباضية ولا غيرهم وإنما كان يوجد مسلمون فقط وبلا أى مذاهب لأن الدين واحد والرب واحد ولا يمكن أن يكون خلاف بين المسلمين إذا احتكموا إلى كتاب الله