إفتح حسابك مع HFM
إفتح حسابك مع شركة XM  برعاية عرب اف اكس

صيام "السوبرمان"

mohammad-k

مسؤول العملاء في تركيا
طاقم الإدارة
المشاركات
19,998
الإقامة
تركيا
هل تذكر ذلك اليوم حين كنت فى السادسة من عمرك و قد أصررت على صيام اخر يوم فى رمضان برغم تأكيدات الجميع على انك فى حل دينى و اجتماعى من هذا الصيام؟

أتتذكر كيف شعرت حين جاء موعد الإفطار و قلت لنفسك "الامر لم يكن بهذة الصعوبة و انشاء اللة سأتمكن من صيام رمضان القادم كاملا"؟ انا مازلت اتذكر هذا اليوم بكامل تفاصيله حتى إننى لازلت أذكر مكونات مأدبة إفطاره حتى الآن.

فى مثل هذا العمر الفتى يكون الإنسان غير واع لحجم الثواب الذى يمكن الحصول علية من الصيام، إلا ان هذا الشعور بالفخر العارم من محاكاة من هم أكبر سنا و مشاطرة الجميع هذا العمل الروحانى الذى يتسنى خلال شهر واحد كل عام هو أجمل ما فى هذة التجربة الإنسانية. هو ما يجعلها فرضا ليس فقط دينيا بل إجتماعيا و تنمويا الى حد يمكن ان يجعل التوقف عن الاكل و الشرب لهذا العدد من الساعات امرا ممتعا و مقياسا لإرادة و شجاعة و ايمان كل منا حتى فى أصعب الظروف.

تمر الأيام و يصبح الصيام فرضا عاديا لمعظمنا سواء وقع رمضان فى شتاء مصرى مائل للدفء فى معظم الاحوال أو حتى إن جاء صيفا.

إلا ان تجربة دراستى بلندن جعلت من أول رمضان يمر بى فى انجلترا تجربة صادمة و فريدة من نوعها.

فبينما كان الاهل و الاحباء فى بلدي الأم يتمنون لى صياما سلسا فى أول رمضان اقضيه خارج الديار كنت أنا أنظر للأمر بإعتباره شهرا عاديا سيمر دون عناء يذكر مثل كل عام إلا أن الواقع كان يحمل لى ماهو عكس ذلك تماما.

يتصادف اول يوم رمضانى مع إحتفال زملائى بالجامعة ببدأ العام الدراسى الجديد، رئيسة قسم الصحافة بجامعة رويهامتون تدخل علينا حاملة بعض المأكولات والمشروبات المثلجة حتى تكتمل مكونات هذا الإحتفال المصغر.

الجميع يبدأ بالشرب و الأكل حين يستوقفهم عدم مشاركتى لهم و حين يسألون عن السبب يصدمون بحقيقة أن هناك إناس على هذا الكوكب بالفعل تلتزم بهذا الفرض الإسلامى الذى طالما سمعوا عنه من خلال الصحف و النشرات الإخبارية لا أكثر.

يحاولوا إخفاء فضولهم و تعجبهم و لكن نظرات الدهشة الممتزجة بالحسرة و الأسى واضحة كوضوح شمس لندن المشرقة على إستحياء.

بعد السؤال عن كيفية أداء الصيام يتحول شعورهم هذا من شفقة الى نظرة لسوبرمان : فمن ذا الذى يستطيع العيش لاكثر من 12 ساعة دون أكل او شرب؟ .. الانبهار يتبعة شعور أخر بتأنيب الضمير لأنهم يأكلون أمامى إلا اننى استطعت إقناعهم بكل الوسائل أن الأمر لا بأس به و كأننى معتاد على رؤية من يأكلون امامى و انا صائم.

اول كذبة يمكن ان تنهى صيام اى مسلم، فالأمر - و لدهشتى الكبيرة - كان عصيبا جدا على.

مر اليوم الدراسى و أنصرفت لإستكمال صيامى فى عزلة. حين تكون صائما بمفردك و تعلم إنة ليس بجوارك من يشاركك هذا الفرض، حينها تمر كل دقيقة من صيامك و كأنها ساعة.

المشكلة الأكبر أنه حين أتى موعد الإفطار كنت قد أيقنت بالفعل بأنة لا يوجد حولى حتى من يمكن ان أهنئة برمضان هذا العام. حينها اصبح كسر الصيام فرضا بيولوجيا للإستمرار لا اكثر و دون التمتع بجو الألفة في بلدانا العربية الذى قد يجعلك تأكل للأبد من فرط سعادتك بمشاركة الاخرين لهذا الوقت من العام.

يمر اليوم و تصبح الأمور اكثر اعتيادية - برغم غرابتها - حتى نهاية الشهر، إلا ان هذا البريق المرتبط برمضان و هذة الحالة الروحانية المجتمعية التى عاهدتها فى مصر لم تظهر ولو فى يوم واحد من الثلاثون.

حينها فقط أيقنت ان اجمل ما فى صيام رمضان هو اننا نتشارك فيه، تلك المشاركة هى ما تجعلنا ننتظرة و نستمتع بة بكل ما فى الامر من صعوبات. تواجدنا جميعا لتأدية فرض نعتز و نفخر بة هو ما يجعل صيام رمضان مميزا.
 
عودة
أعلى