- المشاركات
- 82,633
- الإقامة
- قطر-الأردن
على المدى القصير، نجح المشرعون في واشنطن بمحاولة تفادي «الهاوية المالية». لكن القرارات التي من المرجح أن تؤثر في الوضع الاقتصادي على المدى الطويل ليست تلك التي تتخذ في الكونغرس أو في البيت الأبيض فحسب، وإنما أيضا في مجلس الاحتياط الفيدرالي، على وجه الخصوص، سياسة رئيسه، بن بيرنانكي، الممثلة في الاستمرار في خفض أسعار الفائدة طويلة الأجل حتى وصول معدل البطالة إلى 6.5 في المائة. وربما يظل هذا الأسلوب، المعروف باسم التسهيل الكمي، ساريا لعدة سنوات. لكن هل يمد يد العون للأميركيين من الطبقة المتوسطة الذين هم في أمس الحاجة إليه؟
تأتي الإجابة بالنفي لسوء الحظ. فالتسهيل الكمي لا يقتصر ضرره على الأميركيين المسنين الذين يحصلون على دخول ثابتة وهؤلاء الذين ادخروا للتعاقد بدافع من إحساسهم بالواجب فحسب، بل يحبط أيضا الشباب الذين لا يمكنهم تحمل تكلفة الاستفادة من أسعار فائدة الرهون العقارية التي تسجل انخفاضا تاريخيا. بالأساس، يفيد أسلوب التسهيل الكمي المطروح من قبل بيرنانكي البنوك والمتداولين في وول ستريت، وهو عامل يمكن أن يدفع بنا إلى أزمة مالية أخرى، في ظل بحث المستثمرين عن استثمارات ذات عائد مرتفع وبمستوى جودة أقل، وهي تلك الأنواع من الاستثمارات التي تبدو وول ستريت على استعداد تام لتوفيرها.
بعبارة بسيطة، يولد مجلس الاحتياط الفيدرالي الذي يرأسه بيرنانكي طلبا مصطنعا ضخما على أوراق الخزانة والأوراق المالية المدعومة برهونات عقارية - عن طريق شراء ما يعادل قيمته 85 مليار دولار شهريا منها - كطريقة مبتكرة لخفض تكلفة الاقتراض. مثلما هو الحال في معظم الأسواق، تؤدي زيادة الطلب على أحد المنتجات بالتبعية إلى ارتفاع السعر، خاصة إذا كان المعروض محدودا. وهذا تحديدا ما كان يحدث في أسواق الدين الأميركية. فقد ارتفعت أسعار أوراق الخزانة والأوراق المالية المدعومة برهون عقارية، ونظرا لأن عائدات السندات تسير في تناسب عكسي مع السعر، فقد هبطت أسعار الفائدة. منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2008، عندما بدأ بيرنانكي استراتيجية التسهيل الكمي، هبطت قيمة عائدات أوراق الخزانة التي أجلها 10 سنوات من نسبة 4 في المائة إلى نحو 1.7 في المائة.
وتعتبر هذه أخبارا سارة جدا بالنسبة لمن يرغبون في اقتراض أموال. إذا كنت تتطلع لشراء منزل أو إعادة تمويل رهن عقاري، فنادرا ما كان سعر الفائدة على ذلك الرهن العقاري الجديد منخفضا. بصرف النظر عن حجم الرهن العقاري، فإن حجم المدخرات الشهرية يكون ملموسا، ومع ادخار المقترضين المزيد من الأموال، يمكنهم نظريا إنفاقها على شراء سلع وخدمات ربما لم يكن باستطاعتهم شراؤها وقتما كانت مدفوعات رهوناتهم العقارية الشهرية أعلى. (لقد ساعدت أسعار الفائدة المنخفضة أيضا الحكومة في تسديد الدين المقدر بتريليونات الدولارات).
يرفع قرار فردي بشراء جهاز «آي باد» أو كتاب جديد، تكرر على نطاق واسع، الطلب الجامعي ويمكن أن يساعد شركة «أبل» أو «جنرال موتورز» في تعيين المزيد من العاملين أو إنشاء مصانع جديدة. وتشير زيادة عدد العاملين بشكل عام إلى أن الناس سوف يملكون المزيد من الأموال لإنفاقها وسيتمتعون بفرص أكبر لرفع مستوى معيشتهم. وإذا ما كانت شركة بحاجة لاقتراض أموال لبناء المصنع الجديد، يجب أن تساعد أسعار الفائدة طويلة الأجل المنخفضة التي أنتجها مجلس الاحتياطي الفيدرالي في تسهيل ذلك بالمثل. إنها حلقة مفرغة!
تلك هي الأخبار السارة. أما الأخبار السيئة، فهي أن سياسة بيرنانكي عبارة عن ضريبة غير مرحب بها على المدخرين وملايين الأميركيين من كبار السن الذين يعتمدون في معيشتهم على الدخول الثابتة. هل راجعت كشف حسابك مؤخرا؟ بلغت قيمة الفائدة السنوية على حسابي الجاري 0.01 في المائة: المتوسط الوطني، بحسب الشركة الفيدرالية لتأمين الودائع، هو 0.05 في المائة. أما قيمة الفائدة على حساب ادخاري، فقد بلغت 0.3 في المائة، بينما المتوسط الوطني 0.07 في المائة. وحتى عند معدل مدخراتي الأعلى، سوف يدر حساب قيمته 100 ألف دولار فائدة سنوية لا تتعدى قيمتها 300 دولار.
يحاول العملاق المصرفي «كابيتال وان» الاستفادة من الإعلانات المضحكة التي يظهر فيها الممثل أليك بالدوين والممثل الكوميدي جيمي فالون ووعد زيادة أسعار الفائدة بمقدار «خمسة أمثال المتوسط الوطني». إنها حملة بارعة، غير أن خمسة أمثال لا شيء تقريبا ما زالت لا تمثل أي قيمة على الإطلاق. لا يحصل المدخرون والمستثمرون ذوو الدخل الثابت على مكافأة كبيرة على حصافتهم وربما يتعثرون ماليا، نظرا لأنه في ظل فرض بيرنانكي أسعار فائدة أقل، تتضاءل بالتبعية قيمة عائد مدخراتهم السنوي. إن أسعار الفائدة المنخفضة هذه لا تفيد مطلقا الأميركيين البالغ عددهم 56 مليونا الذين حصلوا على تأمين اجتماعي هذا العام.
إذن، من المستفيد من أسعار الفائدة المنخفضة على الحسابات الجارية وحسابات الادخار؟ إنها البنوك الكبرى الموجهة نحو المستهلك أمثال «بنك أوف أميركا» و«ويلز فارغو» و«جيه بي مورغان تشيس» و«سيتي غروب»، التي حصلت جميعها على حزم إنقاذ من الحكومة الفيدرالية قبل أربع سنوات. بالطبع يتمثل الأسلوب الذي تنتهجه البنوك في تشجيعنا على إيداع أموالنا بها دون مقابل تقريبا، ثم إقراض تلك الأموال لأطراف أخرى بأسعار فائدة أعلى. تستغل البنوك السرعة، الفارق بين تكلفة المال والمبلغ المدفوع لها لإقراضه كربح.
على الرغم من أن البنوك يروق لها اعتقادنا أنها ما زالت تصارع أزمة، فهذا نوع من الخرافات. على سبيل المثال، في الربع الثالث من عام 2012، حقق بنك «جيه بي مورغان تشيس» أرباحا قيمتها 5.7 مليار دولار؛ ويتوقع محللون أن تحقق ربحا قيمته نحو 25 مليار دولار في الجزء المتبقي من العام. بينما يدار البنك بالتأكيد بشكل جيد، فإنه قد استفاد كثيرا أيضا من سياسات أسعار الفائدة السخية التي انتهجها بيرنانكي بالتمكن من جمع ودائع مننا جميعا من دون تحمل أي تكلفة تقريبا. ما نوع العمل التجاري الذي يمكن ألا يبلي بلاء حسنا في حالة ما لم يكن لزاما عليه دفع مقابل مواده الخام؟
من المستفيدون الآخرون من إبداع بيرنانكي؟ فريق مماثل: المصرفيون والمتداولون في وول ستريت. تشير سياسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي إلى أن الأرباح والعلاوات أعلى مما كانت لتكون عليه خلاف ذلك. يستفيد المصرفيون نظرا لأنه مع الانخفاض الحاد في أسعار الفائدة، يمكن أن يجنوا مكاسب طائلة من ضمان ديون الشركات التي يبدو عملاؤهم مستعدين لإصدارها. بحسب «بلومبرغ»، على مدار العشرة أشهر الأولى من عام 2012، ضمنت أكبر بنوك وول ستريت ديون شركات تربو قيمتها على 3.3 تريليون دولار، أكثر بقيمة نحو 660 مليار دولار في الفترة نفسها من عام 2011، مواكبة عام 2009 الذي سجل رقما قياسيا.
في الوقت نفسه، يدرك المتداولون أن بيرنانكي سيكون موجودا لشراء أوراق الخزانة أو الأوراق المالية المدعومة برهونات عقارية، بقيمة 85 مليار دولار شهريا. بإمكانهم تحقيق مكسب كبير بشراء الأوراق المالية في السوق، لحساب عملائهم أو لأنفسهم، موقنين بأنهم حينما يكونون مستعدين للبيع، سوف يقوم مجلس الاحتياطي بشرائها بسعر السوق، والذي يشهد ارتفاعا مطردا، بفضل رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي.
منذ أن بدأ بيرنانكي سياسة التسهيل الكمي، زادت قيمة ميزانية مجلس الاحتياطي الفيدرالي من 800 مليار دولار إلى 2.8 تريليون دولار. إن زيادة حجم الميزانية بمقدار أربعة أمثال قيمتها الأصلية تقريبا يشكل مخاطر جسيمة، من بينها أنه عند ارتفاع أسعار الفائدة، سوف يواجه مجلس الاحتياطي الفيدرالي محفظة أوراق مالية ضخمة تتضاءل قيمتها. ويمكن أن يؤدي بيع تلك المحفظة لتعويض الخسائر إلى انهيار السوق. في عمود نشر مؤخرا في «هافينغتون بوست»، وصف مدير صندوق التحوط ميتش فيرستاين ميزانية مجلس الاحتياطي الفيدرالي بأنها «قنبلة زمنية موقوتة».
هناك نتيجة أخرى لسياسات بيرنانكي، ألا وهي أننا ربما نندم. فبتحفيز الطلب في أسواق الدين بشكل مصطنع، وهي الخطوة التي أدت لانخفاض أسعار الفائدة في السوق إلى مستويات تاريخية، لم يحدث بيرنانكي فقاعة في سعر أوراق الخزانة والأوراق المضمونة برهونات عقارية فحسب، بل أجبر المستثمرين على البحث عن عائدات أعلى في أجزاء سوق الدين التي ينخفض فيها مستوى جودة الائتمان ويرتفع فيها مستوى خطر العجز عن سداد الدين. من المؤسف أن يعود بالمستثمرين مجددا إلى الوضع الصعب نفسه الذي تسبب فيه سلفه ألان غرينسبان عندما قام بخفض القيمة المستهدفة لسعر فائدة الصناديق الفيدرالية، سعر الفائدة الذي تفرضه البنوك الكبرى على بعضها للقروض التي تكون مدتها ليلة واحدة، من 6.5 في المائة إلى 1.75 في المائة خلال قرابة عام.
نحن نعلم النهاية المؤسفة التي آل إليها انفجار فقاعة الإسكان في عامي 2007 و2008. غير أن بيرنانكي راهن على غرينسبان: سعر فائدة الصناديق الفيدرالية أقل بكثير الآن - 0.25 في المائة - وبفضل التسهيل الكمي، تراجعت أسعار الفائدة الأطول أجلا إلى مستويات منخفضة بشكل مصطنع.
على الرغم من أنه كانت هناك عدة أسباب للأزمة المالية الأخيرة، من بينها انخفاض أسعار الفائدة، وفي حين تحسنت المعايير الائتمانية لإصدار الرهون العقارية بشكل ملحوظ، لن يوازي تحسن نظام الائتمان في سوق الرهون العقارية طلب المستثمرين شبه الدائم على الأوراق المالية التي تدر عائدات أعلى، على نحو يؤدي بشكل يتعذر تجنبه إلى تضخم فقاعة في أجزاء غير معروفة من أسواق الدين. في حين كانت الفقاعة قبل خمس سنوات في سوق الإسكان والأوراق المالية المدعومة برهونات، فإن الفقاعة التالية لم تكشف عن نفسها بعد. ولكن هذا لا يعني أنها ليست كامنة في موضع ما.
*
الشرق الاوسط.
تأتي الإجابة بالنفي لسوء الحظ. فالتسهيل الكمي لا يقتصر ضرره على الأميركيين المسنين الذين يحصلون على دخول ثابتة وهؤلاء الذين ادخروا للتعاقد بدافع من إحساسهم بالواجب فحسب، بل يحبط أيضا الشباب الذين لا يمكنهم تحمل تكلفة الاستفادة من أسعار فائدة الرهون العقارية التي تسجل انخفاضا تاريخيا. بالأساس، يفيد أسلوب التسهيل الكمي المطروح من قبل بيرنانكي البنوك والمتداولين في وول ستريت، وهو عامل يمكن أن يدفع بنا إلى أزمة مالية أخرى، في ظل بحث المستثمرين عن استثمارات ذات عائد مرتفع وبمستوى جودة أقل، وهي تلك الأنواع من الاستثمارات التي تبدو وول ستريت على استعداد تام لتوفيرها.
بعبارة بسيطة، يولد مجلس الاحتياط الفيدرالي الذي يرأسه بيرنانكي طلبا مصطنعا ضخما على أوراق الخزانة والأوراق المالية المدعومة برهونات عقارية - عن طريق شراء ما يعادل قيمته 85 مليار دولار شهريا منها - كطريقة مبتكرة لخفض تكلفة الاقتراض. مثلما هو الحال في معظم الأسواق، تؤدي زيادة الطلب على أحد المنتجات بالتبعية إلى ارتفاع السعر، خاصة إذا كان المعروض محدودا. وهذا تحديدا ما كان يحدث في أسواق الدين الأميركية. فقد ارتفعت أسعار أوراق الخزانة والأوراق المالية المدعومة برهون عقارية، ونظرا لأن عائدات السندات تسير في تناسب عكسي مع السعر، فقد هبطت أسعار الفائدة. منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2008، عندما بدأ بيرنانكي استراتيجية التسهيل الكمي، هبطت قيمة عائدات أوراق الخزانة التي أجلها 10 سنوات من نسبة 4 في المائة إلى نحو 1.7 في المائة.
وتعتبر هذه أخبارا سارة جدا بالنسبة لمن يرغبون في اقتراض أموال. إذا كنت تتطلع لشراء منزل أو إعادة تمويل رهن عقاري، فنادرا ما كان سعر الفائدة على ذلك الرهن العقاري الجديد منخفضا. بصرف النظر عن حجم الرهن العقاري، فإن حجم المدخرات الشهرية يكون ملموسا، ومع ادخار المقترضين المزيد من الأموال، يمكنهم نظريا إنفاقها على شراء سلع وخدمات ربما لم يكن باستطاعتهم شراؤها وقتما كانت مدفوعات رهوناتهم العقارية الشهرية أعلى. (لقد ساعدت أسعار الفائدة المنخفضة أيضا الحكومة في تسديد الدين المقدر بتريليونات الدولارات).
يرفع قرار فردي بشراء جهاز «آي باد» أو كتاب جديد، تكرر على نطاق واسع، الطلب الجامعي ويمكن أن يساعد شركة «أبل» أو «جنرال موتورز» في تعيين المزيد من العاملين أو إنشاء مصانع جديدة. وتشير زيادة عدد العاملين بشكل عام إلى أن الناس سوف يملكون المزيد من الأموال لإنفاقها وسيتمتعون بفرص أكبر لرفع مستوى معيشتهم. وإذا ما كانت شركة بحاجة لاقتراض أموال لبناء المصنع الجديد، يجب أن تساعد أسعار الفائدة طويلة الأجل المنخفضة التي أنتجها مجلس الاحتياطي الفيدرالي في تسهيل ذلك بالمثل. إنها حلقة مفرغة!
تلك هي الأخبار السارة. أما الأخبار السيئة، فهي أن سياسة بيرنانكي عبارة عن ضريبة غير مرحب بها على المدخرين وملايين الأميركيين من كبار السن الذين يعتمدون في معيشتهم على الدخول الثابتة. هل راجعت كشف حسابك مؤخرا؟ بلغت قيمة الفائدة السنوية على حسابي الجاري 0.01 في المائة: المتوسط الوطني، بحسب الشركة الفيدرالية لتأمين الودائع، هو 0.05 في المائة. أما قيمة الفائدة على حساب ادخاري، فقد بلغت 0.3 في المائة، بينما المتوسط الوطني 0.07 في المائة. وحتى عند معدل مدخراتي الأعلى، سوف يدر حساب قيمته 100 ألف دولار فائدة سنوية لا تتعدى قيمتها 300 دولار.
يحاول العملاق المصرفي «كابيتال وان» الاستفادة من الإعلانات المضحكة التي يظهر فيها الممثل أليك بالدوين والممثل الكوميدي جيمي فالون ووعد زيادة أسعار الفائدة بمقدار «خمسة أمثال المتوسط الوطني». إنها حملة بارعة، غير أن خمسة أمثال لا شيء تقريبا ما زالت لا تمثل أي قيمة على الإطلاق. لا يحصل المدخرون والمستثمرون ذوو الدخل الثابت على مكافأة كبيرة على حصافتهم وربما يتعثرون ماليا، نظرا لأنه في ظل فرض بيرنانكي أسعار فائدة أقل، تتضاءل بالتبعية قيمة عائد مدخراتهم السنوي. إن أسعار الفائدة المنخفضة هذه لا تفيد مطلقا الأميركيين البالغ عددهم 56 مليونا الذين حصلوا على تأمين اجتماعي هذا العام.
إذن، من المستفيد من أسعار الفائدة المنخفضة على الحسابات الجارية وحسابات الادخار؟ إنها البنوك الكبرى الموجهة نحو المستهلك أمثال «بنك أوف أميركا» و«ويلز فارغو» و«جيه بي مورغان تشيس» و«سيتي غروب»، التي حصلت جميعها على حزم إنقاذ من الحكومة الفيدرالية قبل أربع سنوات. بالطبع يتمثل الأسلوب الذي تنتهجه البنوك في تشجيعنا على إيداع أموالنا بها دون مقابل تقريبا، ثم إقراض تلك الأموال لأطراف أخرى بأسعار فائدة أعلى. تستغل البنوك السرعة، الفارق بين تكلفة المال والمبلغ المدفوع لها لإقراضه كربح.
على الرغم من أن البنوك يروق لها اعتقادنا أنها ما زالت تصارع أزمة، فهذا نوع من الخرافات. على سبيل المثال، في الربع الثالث من عام 2012، حقق بنك «جيه بي مورغان تشيس» أرباحا قيمتها 5.7 مليار دولار؛ ويتوقع محللون أن تحقق ربحا قيمته نحو 25 مليار دولار في الجزء المتبقي من العام. بينما يدار البنك بالتأكيد بشكل جيد، فإنه قد استفاد كثيرا أيضا من سياسات أسعار الفائدة السخية التي انتهجها بيرنانكي بالتمكن من جمع ودائع مننا جميعا من دون تحمل أي تكلفة تقريبا. ما نوع العمل التجاري الذي يمكن ألا يبلي بلاء حسنا في حالة ما لم يكن لزاما عليه دفع مقابل مواده الخام؟
من المستفيدون الآخرون من إبداع بيرنانكي؟ فريق مماثل: المصرفيون والمتداولون في وول ستريت. تشير سياسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي إلى أن الأرباح والعلاوات أعلى مما كانت لتكون عليه خلاف ذلك. يستفيد المصرفيون نظرا لأنه مع الانخفاض الحاد في أسعار الفائدة، يمكن أن يجنوا مكاسب طائلة من ضمان ديون الشركات التي يبدو عملاؤهم مستعدين لإصدارها. بحسب «بلومبرغ»، على مدار العشرة أشهر الأولى من عام 2012، ضمنت أكبر بنوك وول ستريت ديون شركات تربو قيمتها على 3.3 تريليون دولار، أكثر بقيمة نحو 660 مليار دولار في الفترة نفسها من عام 2011، مواكبة عام 2009 الذي سجل رقما قياسيا.
في الوقت نفسه، يدرك المتداولون أن بيرنانكي سيكون موجودا لشراء أوراق الخزانة أو الأوراق المالية المدعومة برهونات عقارية، بقيمة 85 مليار دولار شهريا. بإمكانهم تحقيق مكسب كبير بشراء الأوراق المالية في السوق، لحساب عملائهم أو لأنفسهم، موقنين بأنهم حينما يكونون مستعدين للبيع، سوف يقوم مجلس الاحتياطي بشرائها بسعر السوق، والذي يشهد ارتفاعا مطردا، بفضل رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي.
منذ أن بدأ بيرنانكي سياسة التسهيل الكمي، زادت قيمة ميزانية مجلس الاحتياطي الفيدرالي من 800 مليار دولار إلى 2.8 تريليون دولار. إن زيادة حجم الميزانية بمقدار أربعة أمثال قيمتها الأصلية تقريبا يشكل مخاطر جسيمة، من بينها أنه عند ارتفاع أسعار الفائدة، سوف يواجه مجلس الاحتياطي الفيدرالي محفظة أوراق مالية ضخمة تتضاءل قيمتها. ويمكن أن يؤدي بيع تلك المحفظة لتعويض الخسائر إلى انهيار السوق. في عمود نشر مؤخرا في «هافينغتون بوست»، وصف مدير صندوق التحوط ميتش فيرستاين ميزانية مجلس الاحتياطي الفيدرالي بأنها «قنبلة زمنية موقوتة».
هناك نتيجة أخرى لسياسات بيرنانكي، ألا وهي أننا ربما نندم. فبتحفيز الطلب في أسواق الدين بشكل مصطنع، وهي الخطوة التي أدت لانخفاض أسعار الفائدة في السوق إلى مستويات تاريخية، لم يحدث بيرنانكي فقاعة في سعر أوراق الخزانة والأوراق المضمونة برهونات عقارية فحسب، بل أجبر المستثمرين على البحث عن عائدات أعلى في أجزاء سوق الدين التي ينخفض فيها مستوى جودة الائتمان ويرتفع فيها مستوى خطر العجز عن سداد الدين. من المؤسف أن يعود بالمستثمرين مجددا إلى الوضع الصعب نفسه الذي تسبب فيه سلفه ألان غرينسبان عندما قام بخفض القيمة المستهدفة لسعر فائدة الصناديق الفيدرالية، سعر الفائدة الذي تفرضه البنوك الكبرى على بعضها للقروض التي تكون مدتها ليلة واحدة، من 6.5 في المائة إلى 1.75 في المائة خلال قرابة عام.
نحن نعلم النهاية المؤسفة التي آل إليها انفجار فقاعة الإسكان في عامي 2007 و2008. غير أن بيرنانكي راهن على غرينسبان: سعر فائدة الصناديق الفيدرالية أقل بكثير الآن - 0.25 في المائة - وبفضل التسهيل الكمي، تراجعت أسعار الفائدة الأطول أجلا إلى مستويات منخفضة بشكل مصطنع.
على الرغم من أنه كانت هناك عدة أسباب للأزمة المالية الأخيرة، من بينها انخفاض أسعار الفائدة، وفي حين تحسنت المعايير الائتمانية لإصدار الرهون العقارية بشكل ملحوظ، لن يوازي تحسن نظام الائتمان في سوق الرهون العقارية طلب المستثمرين شبه الدائم على الأوراق المالية التي تدر عائدات أعلى، على نحو يؤدي بشكل يتعذر تجنبه إلى تضخم فقاعة في أجزاء غير معروفة من أسواق الدين. في حين كانت الفقاعة قبل خمس سنوات في سوق الإسكان والأوراق المالية المدعومة برهونات، فإن الفقاعة التالية لم تكشف عن نفسها بعد. ولكن هذا لا يعني أنها ليست كامنة في موضع ما.
*
الشرق الاوسط.