
في محاولة لإعادة بناء الثقة بعملتها الوطنية بعد سنوات من التدهور الاقتصادي والانهيار السياسي، تستعد سوريا لإصدار أوراق نقدية جديدة تحذف منها صفرين، وفق وكالة "رويترز"، في خطوة إصلاحية بارزة بعد الإطاحة بالرئيس بشار الأسد في ديسمبر الماضي.
تخطط السلطات النقدية السورية لإصدار العملة الجديدة المعدّلة، في مسعى لاحتواء التدهور الحاد في قيمة الليرة السورية، بعد أن فقدت أكثر من 99% من قيمتها منذ عام 2011. وبات سعر الصرف يدور حالياً حول 10 آلاف ليرة مقابل الدولار، مقارنة بـ50 ليرة قبل الحرب.
ونقلت الوكالة عن وثيقة أن "مصرف سورية المركزي" أخطر البنوك الخاصة في منتصف أغسطس بنيّته إصدار عملة معدّلة، تهدف إلى تبسيط المعاملات وتعزيز الاستقرار النقدي. كما نقلت الوكالة عن خمسة مصرفيين ومصدر في المصرف المركزي ومسؤول اقتصادي سوري أن الخطة تشمل حذف صفرين من العملة.
وقالت "رويترز" إن الحكومة السورية أبرمت اتفاقاً مع شركة "جوزناك" الروسية الحكومية لطباعة الأوراق النقدية الجديدة. وتم إبرام الصفقة خلال زيارة وفد سوري رفيع المستوى إلى موسكو في يوليو. وكانت الشركة ذاتها قد تولّت طباعة العملة السورية في عهد الأسد.
اقتصاد موجّه.. وتحول في النهج
شهد عهد بشار الأسد حظراً على استخدام العملات الأجنبية، لكن القيادة الجديدة تبنّت نهجاً اقتصادياً أكثر انفتاحاً، معلنة التوجه نحو اقتصاد السوق ورفع القيود المفروضة على حركة الأموال، في ظل تفشٍ واسع لاستخدام الدولار داخل الأسواق السورية، من واجهات المحال التجارية إلى محطات الوقود.وتزامناً مع هذا التحول، ظهرت مخاوف متزايدة من أزمة سيولة في بلد لا يمتلك بنية تحتية كافية للمدفوعات الرقمية، في وقت يُقدّر حجم النقد المتداول خارج النظام المالي الرسمي بنحو 40 تريليون ليرة، بحسب مصرفيين تحدثوا للوكالة.
هذه الفجوة النقدية تمثل أحد الدوافع الرئيسة وراء خطة حذف الأصفار، إذ ستمنح الأوراق النقدية الجديدة السلطات قدرة أكبر على تتبع حركة النقد وتعزيز السيطرة النقدية.
نهاية رمزية لعهد الأسد
تحمل بعض الأوراق النقدية السورية الحالية صوراً للرئيس المخلوع بشار الأسد ووالده حافظ الأسد، ما يضفي على الإصلاح الجديد بُعداً سياسياً أيضاً، بوصفه خطوة فاصلة عن إرث دام خمسة عقود.وفي هذا السياق، قال كرم شعار، الخبير الاقتصادي السوري والمستشار لدى الأمم المتحدة، إن "إزالة صور آل الأسد من العملة الوطنية يمثل تحولاً رمزياً ضرورياً"، لكنه حذر في الوقت ذاته من أن تطبيق التغيير دون إطار تنظيمي واضح قد يُربك المستهلكين، لا سيما كبار السن.
وأضاف شعار للوكالة: "بدلاً من الإصلاح الكامل للعملة، يمكن اللجوء إلى إصدار فئات نقدية أكبر مثل 20 ألفاً أو 50 ألف ليرة، لتحقيق الأهداف نفسها بتكلفة أقل، دون المخاطر التنظيمية المرتبطة بالحذف الكلي للأصفار".
الجدول الزمني المرتقب
يستعد المصرف المركزي لبدء تداول الأوراق النقدية الجديدة بحلول منتصف أكتوبر، على أن يُعلن عنها رسمياً في 8 ديسمبر، بالتزامن مع الذكرى السنوية الأولى للإطاحة بالأسد.ووجه المصرف البنوك بإجراء اختبارات على أنظمتها وتقديم تقارير عن جاهزية معداتها التقنية وعدّ النقود وسعة التخزين. كما أُبلغت البنوك بأن فترة انتقالية تمتد لـ12 شهراً ستتيح تداول العملتين القديمة والجديدة حتى ديسمبر 2026، قبل أن يتم اعتماد العملة الجديدة حصرياً، وفق الوكالة.