إفتح حسابك مع HFM
إفتح حسابك مع شركة XM  برعاية عرب اف اكس

دروسٌ من أزمة الديون اليونانية

طارق جبور

المدير العام
طاقم الإدارة
المشاركات
82,633
الإقامة
قطر-الأردن
لا شكّ في انّ أيّ شروط فُرضت على بلدان مثل لبنان لم تأتِ بالنتائج المرجوة بل بقيت حبراً على ورق ولا سيما انّ شروط المؤسسات الدولية هي واحدة، وما يمكن تطبيقه في بلد قد لا يصحّ بتاتاً في وضعية بلد آخر. وللعلم، كثيراً ما جاءت قرارات المؤسسات الدولية مسيّسة، مشروطة غير مرتكزة على قواعد اقتصادية. واذا ما راقبنا التاريخ الإقتصادي منذ القرن الماضي ولغايته نرى انّ قرارات المؤسسات الدولية جاءت مرتبطة ارتباطاً تاماً بسياسة الولايات المتحدة وأوروبا وقراراتها في مساعدة الدول ولغايات قد تكون سياسة بحتة.

ينطبق هذا الأمر على الأزمة اليونانية حيث جاءت هذه الأخطاء حرجة في بداية الأزمة ولا سيما في ???? عندما فقدت اليونان الوصول الى الأسواق المالية وكان اقل ما فيه العمل على اعادة هيكلية الديون السيادية للبلاد ومن دون تأخير. وهذا بالفعل ما اعترف به صندوق النقد الدولي إذ إنه أوضح انه كان من الواجب اعادة هيكلية الديون في وقت سابق (مع العلم انه أثناءها لم يكن ليوافق على هكذا قرار).

وقد لا نتفاجأ بهكذا قرار خصوصاً وانّ صندوق النقد كان يرأسه أثناء ذلك «دومينيك ستراوس كان»، وكان مسيّراً لخدمة مصالح فرنسا وألمانيا التي عارضت وبشدة تخفيف عبء الديون، إذ إنّ المفوضية الأوروبية كانت مشغولة بوضعية المصارف الفرنسية والألمانية ما كبّل أيدي الحكومة اليونانية التي كان من المفترض أن تقوم بهذا العمل من جانب واحد وتضعهم امام الأمر الواقع.

ولكنّ هذا الأمر الواقع قد لا يساعد اليونان في الحصول على المساعدات المرتقبة من المفوضية الأوروبية وصندوق النقد الدولي، ولا سيّما انّ الإصلاحات ليست بالأمر السهل وتتطلب الكثير من الصرامة وتخفيفاً في الأنفاق وتنظيماً جديداً لماليتها العامة.

اما التوقعات في نهاية ???? لم تكن لتوحي بأيّ تحسّن في المالية العامة ونسبة الديون كذلك. إنّ توقعات الإنكماش زادت عن سابقاتها إذ إنه كان من المتوقع أن ينكمش الإقتصاد اليوناني بنسبة ?،?? وأن تزيد ايضاً نسبة الديون السيادية الى ما هو ???? من الناتج المحلي، اضف الى ذلك تحرّك النقابات التي رفضت التدابير القصرية والمدمّرة حسب قولها والتي فرضتها الترويكا (المفوضية الأوروبية وصندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي).

ولم يكن اجمالي إيرادات الخصخصة من بيع الأصول المملوكة للدولة بأحسن حال فتوقعات عائداتها انخفضت من نسبة ?? بليون يورو بحلول العام ???? الى ?? بليون يورو في العام ????. واذا ما صحّت التوقعات تكون نسبة الإنكماش في اليونان في نهاية ???? قد وصلت الى ??? نسبة تراكمية منها في العام ???? (حسب بيانات Eurostat)، والبطالة بلغت ??? من اليد العاملة.

هذا هو الوضع الحالي في اليونان، وهذه هي شروط الترويكا التي ولغايته لم تجد حلاً ناجحاً وناجعاً للأزمة اليونانية، وتُعتبر سنة ???? نقطةَ تحوّل في الإقتصاد اليوناني والذي اكثر ما يعتمد على السياحة التي تشكل نسبةً كبيرة من الناتج والتي قد تساعد على تثبيت الإقتصاد في الفترة الحالية.

هذا، وأقرّ صندوق النقد الدولي في تقرير صريح يستحق الثناء انه و»على مدى السنوات الماضية انكمش اقتصاد اليونان بنسبة ??? وارتفع معدل البطالة الى ??? وقد لا ترى اليونان انتعاشاً اقتصادياً في الوقت المنظور»، كذلك اعترف أنّ «التقشف انعكس سلباً في اليونان من خلال تآكل القاعدة الضريبية في البلاد التي أحبطت إقتصادها ولم تسمح بتحقيق الهدف المنشود في استدامة المالية العامة». كذلك أقرّ صندوق النقد الدولي بـ»الخطأ الفادح الذي حصل عندما رفض الإعتراف بحق اليونان في إعادة هيكلية ديونها، وفرَض عليها تضييقاً مالياً أثر وبشكل كبير في النموّ الأقتصادي».

هذا الخطأ قد يكون درساً لدول أوروبا والتي تعاني معظمها من زيادة الدين العام الى الناتج المحلي والتي تتجاوز الـ ???%. واذا ما حكمنا من خلال تجربة اليابان في العقدين الماضيين نرى انّ الإنكماش يصعّب هندسةَ الإنتعاش الإقتصادي ويعقّد استعادة استدامة الدين العام.

قد تفرض سنوات من الضيق الاقتصادي وجولات لا تنتهي من التقشف في الميزانية والإصلاح الأقتصادي تكلفةً عالية على السياسيين اليونانيين وقد تفقدهم أيضاً الدعم الجماهيري، كذلك يجب الأخذ على محمل الجدّ المخاطر الحقيقية الناجمة عن استمرار سياسة صندوق النقد الدولي والإتحاد الأوروبي والتي أظهرت انها معادية للإنتعاش الإقتصادي.

المنطق الاقتصادي السليم يقول إنّ على الساسة اليونانيين وغيرهم في الدول التي تعاني نسباً كبيرة من الدين الى الناتج، ولبنان إحداها، أن يسعوا الى اجراء تخفيضات جذرية في الإنفاق يصل الى مستوى التوازن في الموازنة الوطنية او ربما حتى الى مستوى فائض للبدء في سداد الدين الوطني، لكنّ الإقتصاديين الليبراليين مثل بول كروغمان في جامعة برنستون يعلق على الوضع اليوناني عامة والمبادئ الإقتصادية بالآتي: «إنّ محاولة تسديد العجز عندما يكون الإقتصاد في ورطة هو وصفة للأنكماش».

لذلك، وحسب كروغمان، قد تكون هذه التخفيضات في الانفاق سبباً في زيادة حال الانكماش، لكن، وللعلم فإنّ اليونان لم تجرِ تخفيضات جذرية في انفاقها ولم تتبع أيّ برنامج تقشفي حقيقي من شأنه تحقيق التوازن في الميزانية الوطنية. وكلّ ما فعلته اليونان هو تطبيق النوع ذاته من الإسعافات الأولية التي قامت بها بعض العائلات الأميركية خلال الأزمة الإقتصادية الأخيرة.

لكنّ فكرة كروغمان بأنّ اليونان يجب أن تذهب الى مزيد من الإنفاق فكرة غير عملية إذ إنه حتى ولو انّ الإنفاق يرفع الإقتصاد اليوناني الى مستوى العمالة الكاملة، فإنّ الحكومة اليونانية لا تزال تنفق اكثر ما يقارب ??% ما تحصل عليه من ضرائب والنموّ في الإيرادات الضريبية مع المزيد من الإنفاق لن يساعد أبداً في سدّ فجوة العجز على رغم أوهام كروغمان. فاليونان على حافة الأفلاس مع ارتفاع مستويات الديون وارتفاع الفوائد على تلك الديون والإنفاق مؤلم فقط.

هذه الأمور التي ذكرناها قد تكون دروساً يقتدى بها من قبل الدول ولا سيما اوروبا في أزمتها الحالية وكل دولة ترزح تحت ديون على هذا النحو.

بروفسور جريتا صعب.​
 
عودة
أعلى