رضا البطاوى
عضو فعال
- المشاركات
- 2,709
- الإقامة
- مصر
سورة الأنعام
سميت السورة بهذا الاسم لذكر حقيقة حيوانات الأنعام فيها فى قوله "ومن الأنعام حمولة وفرشا كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين ثمانية أزواج"وأيضا لوجود تشريعات للكفار وأحكام لله فى الأنعام.
"بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذى خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون"المعنى بحكم الرب النافع المفيد الطاعة لحكم الله الذى أنشأ السموات والأرض وعرف الضلالات والهدى ثم الذين كذبوا بحكم إلههم يكفرون،يبين الله لنا أن الله الرحمن الرحيم وهو الرب النافع المفيد باسمه وهم حكمه قد حكم أن الحمد لله والمراد أن الطاعة لحكم الله أى الإسلام واجبة على الجميع مصداق لقوله بسورة النحل"وله أسلم من فى السموات والأرض"وهو الذى خلق أى جعل أى أنشأ السموات والأرض مصداق لقوله بسورة غافر"الله الذى جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء"وهو الذى جعل الظلمات والنور والمراد الذى هدى الناس الضلالات والهدى مصداق لقوله بسورة البلد"وهديناه النجدين"فالنجدين هما الظلمات وهى أديان الكفر والنور هو الإسلام مصداق لقوله بسورة النساء"وأنزلنا إليكم نورا مبينا"وهذا يعنى أنه عرف الناس الكفر والإسلام ليتركوا الكفر ويتبعوا الإسلام فكانت النتيجة أن الذين كفروا بربهم يعدلون والمراد أن الذين كذبوا بحكم إلههم يشركون معه فى الطاعة حكم غيره مصداق لقوله بسورة النحل"إذا فريق منكم بربهم يشركون" والخطاب للمؤمنين.
"هو الذى خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده ثم أنتم تمترون"المعنى هو الذى أنشأكم من صلصال ثم حدد عمرا وعمر محدد لديه ثم أنتم تكفرون،يبين الله للناس أنه خلقهم من طين أى أنشأهم من تراب معجون بالماء مصداق لقوله بسورة فاطر"والله خلقكم من تراب"ويبين لهم أنه قضى أجلا والمراد وحدد لكل واحد منهم عمرا وهو أجل مسمى أى عمر معدود أى محدد عنده أى لديه لا يعرفه سواه ويبين لهم أنهم مع هذا يمترون أى يكفرون بحكم خالقهم والخطاب للناس.
"وهو الله فى السموات وفى الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون"المعنى وهو الإله فى السموات والإله فى الأرض يعرف خفيكم وعلنكم أى يعرف الذى تعملون ،يبين الله للناس أن الله فى السموات والأرض والمراد أن الله إله من فى السموات وإله من فى الأرض مصداق لقوله بسورة الزخرف"وهو الذى فى السماء إله وفى الأرض إله"وهذا يعنى أن الكل يعبده ما عدا كفرة الناس ،ويبين لهم أنه يعلم سرهم وجهرهم أى يعرف خفيهم وعلنهم أى ما يكتمون وما يبدون مصداق لقوله بسورة المائدة"ويعلم ما تبدون وما تكتمون" وفسر هذا بأنه يعلم ما يكسبون أى ما يفعلون مصداق لقوله بسورة النحل"إن الله يعلم ما تفعلون"وهذا يعنى معرفته بكل أعمالهم وسيحاسبهم عليها والخطاب للناس .
"وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين"المعنى وما يجيئهم من حكم من أحكام إلههم إلا كانوا به مكذبين،يبين الله لنا أن الناس ما تأتيهم من آية من آيات ربهم والمراد ما يبلغهم حكم من أحكام وحى خالقهم إلا كانوا عنه معرضين أى إلا كانوا به لا يؤمنون مصداق لقوله بسورة الأنعام"وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها"وهذا يعنى تكذيب القوم لكل أحكام الوحى والخطاب وما بعده للمؤمنين .
"فقد كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون"المعنى فقد كفروا بالعدل لما أتاهم فسوف يجيئهم آلام الذى كانوا منه يسخرون،يبين الله لنا أن الكفار قد كذبوا الحق لما جاءهم والمراد خالفوا العدل وهو الكتاب لما أتاهم على لسان الرسول(ص)وفى هذا قال تعالى بسورة غافر"الذين كذبوا بالكتاب"ولذا سوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون والمراد سوف أى مستقبلا يحيق بهم ألام العذاب الذى كانوا منه يسخرون مصداق لقوله بسورة هود"وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون".
"ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم فى الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الأنهار تجرى من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا أخرين"المعنى هل لم يعلموا كم دمرنا من قبلهم من قرية حكمناهم فى البلاد الذى لم نحكمكم فيه وبعثنا السحاب لهم متتابعا وخلقنا العيون تسير فى أرضهم فدمرناهم بسيئاتهم وخلقنا من بعدهم ناسا أخرين،يسأل الله :ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرية والمراد هل لم يعلموا كم قصمنا أى دمرنا من قبلهم من قرية كانت ظالمة وفى هذا قال تعالى بسورة الأنبياء"وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة" والغرض من السؤال هو إخبار الناس أنه قادر على إهلاكهم كما أهلك من قبلهم وبين الله لهم أن الأقوام الهالكة مكنهم الله فى الأرض ما لم يمكن لهم والمراد أعطاهم فى البلاد الذى لم يعطه لكفار مكة فى عهد محمد(ص)ومنه أنه أرسل عليهم السماء مدرارا والمراد بعث لهم مطر السحاب متتابعا وجعل لهم الأنهار تجرى من تحتهم والمراد وخلق لهم مجارى المياه تسير فى أرضهم ولكنهم كفروا فأهلكهم الله بذنوبهم أى دمرهم بسبب جرائمهم وأنشأ من بعدهم قرنا آخرين والمراد وخلق من بعد هلاكهم ناسا مؤمنين والخطاب للمؤمنين.
"ولو نزلنا عليك كتابا فى قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين"المعنى ولو أوحينا لك حكما فى صحيفة فقرئوه بأنفسهم لقال الذين كذبوا إن هذا إلا خداع عظيم،يبين الله لنبيه(ص)أنه لو أنزل عليه كتابا فى قرطاس والمراد لو أوحى له وحيا مدونا فى صحيفة سقطت عليهم من السماء فلمسوه بأيديهم والمراد فقرئوه بأنفسهم لكان رد فعلهم هو قول الذين كفروا أى كذبوا الوحى:إن هذا إلا سحر مبين والمراد ما هذا القرطاس إلا خداع كبير،وهذا يعنى أنهم لن يؤمنوا مهما أتاهم من معجزات ومن ثم فلا داعى لإرسال أى معجزات لهم والخطاب للنبى(ص) وما بعده.
"وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضى الأمر ثم لا ينظرون"المعنى وقالوا لولا جاء معه ملاك ولو أرسلنا ملاك لإنتهى الحكم ثم لا يمهلون ،يبين الله لنبيه(ص)أن الكفار قالوا :لولا أنزل عليه ملك والمراد هلا أتى مع محمد ملاك يثبت نبوته،وهذا يعنى أنهم يطلبون رؤية الملائكة ويبين الله له أنه لو أنزل ملكا والمراد لو أرسل لهم ملاك لقضى الأمر والمراد لإنتهى الوجود الدنيوى لهم لأن الملائكة لا ترى إلا عند القيامة حيث العذاب وفى هذا قال بسورة الفرقان"يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين "ثم لا ينظرون أى لا ينصرون أى لا يرحمون وإنما يعذبون .
"ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون"المعنى ولو أرسلناه ملاكا لخلقناه ذكرا و لخلطنا عليهم ما يخلطون،يبين الله لنبيه(ص)أنه لو جعل أى بعث ملكا أى ملاكا رسولا لجعله رجلا والمراد لخلقه على صورة إنسان لسبب بسيط هو أن الملاك لا يرى من قبل الناس فى صورته الملائكية لأنها صورة خفية كما بين أنه سيلبس عليهم ما يلبسون أى سيخلط عليهم ما يخلطون والمراد أنه سيجعل أمره خفيا كما أن الناس يخفون الحق فى الباطل والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"ولقد استهزىء برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا ما كانوا به يستهزءون "المعنى ولقد كذب أنبياء من قبلك فأصاب الذين كذبوا الذى كانوا به يكذبون ،يبين الله لنبيه (ص)أن الرسل وهم الأنبياء(ص)قبل وجوده فى الحياة قد استهزىء بهم أى سخر منهم أى كذب برسالاتهم مصداق لقوله بسورة ص"إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب"فكانت النتيجة أن حاق بهم ما كانوا يستهزءون والمراد أن أصاب الكفار الذى كانوا به يكذبون وهو العقاب كما بآية سورة ص .
"قل سيروا فى الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين "المعنى قل امشوا فى البلاد فاعلموا كيف كان جزاء المجرمين ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للناس سيروا فى الأرض أى "نقبوا فى البلاد"كما قال بسورة ق والمراد سافروا فى بلاد الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين والمراد فاعرفوا كيف كان عذاب الكافرين وهم المجرمين كما قال بسورة النمل"فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين " والخطاب للنبى(ص) وما بعده.
"قل لمن ما فى السموات والأرض قل لله كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون"المعنى قل لمن الذى فى السموات والأرض قل للرب فرض على ذاته النفع ،ليحشرنكم فى يوم البعث لا ظلم فيه الذين أهلكوا ذواتهم فهم لا يصدقون ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يسأل الناس :لمن ما فى السموات والأرض والمراد من يملك الخلق فى السموات والأرض ؟ويطلب منه أن يجيب :لله أى ملك للرب ،كتب على نفسه الرحمة والمراد فرض على ذاته النفع لمن يطيع حكمه وهم الذين أمنوا مصداق لقوله بسورة الجاثية "فأما الذين أمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم فى رحمته" ،ليجمعنكم إلى يوم القيامة والمراد ليبعثنكم فى يوم البعث لاريب فيه أى "لا ظلم اليوم"كما قال بسورة غافر والمراد أن يوم البعث ليس فيه ظلم لأى مخلوق من الله ،ويبين لهم أن الذين لا يؤمنون وهم الذين لا يصدقون حكم الله هم الذين خسروا أنفسهم أى أهلكوا أنفسهم والمراد أدخلوها النار .
"وله ما سكن فى الليل والنهار وهو السميع العليم "المعنى وله ما نام فى الليل والنهار وهو الخبير المحيط ،يطلب الله من نبيه(ص)أن يقول للناس لله ما سكن أى ثبت أى نام فى الليل والنهار وهذا يعنى أن الله يملك كل المخلوقات التى تنام ليلا أو نهارا وهى كل المخلوقات فى الكون وهو السميع العليم أى الخبير المحيط بكل شىء فى الكون .
"قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السموات والأرض وهو يطعم ولا يطعم قل إنى أمرت أن أكون أول من أسلم ولا تكونن من المشركين "المعنى قل أسوى الرب أعبد إلها خالق السموات والأرض وهو يرزق ولا يرزق قل إنى أوصيت أن أصبح أسبق من أطاع ولا تصبحن من الكافرين ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يسأل :أغير الله أتخذ وليا أى "قل أغير الله أبغى ربا"كما قال بنفس السورة هل سوى الله أعبد إلها؟والغرض من السؤال هو استنكار عبادة غير الله وهو فاطر السموات والأرض أى"الله خالق كل شىء "كما قال بسورة الرعد والمراد وهو خالق السموات والأرض والذى فيهما كل المخلوقات وهو يطعم أى يعطى العباد الرزق ولا يطعم أى ولا يعطيه أحد رزق لأنه غير محتاج مصداق لقوله بسورة الذاريات"ما أريد منهم من رزق"ويطلب منه أن يقول :إنى أمرت أن أكون أول من أسلم والمراد إنى أوصيت فى الوحى المنزل أن أصبح أسبق من أطاع حكم الله ولا تكونن من المشركين أى ولا تصبحن من الكافرين أى الجاهلين مصداق لقوله بسورة الأنعام"فلا تكونن من الجاهلين "والخطاب وما قبله للنبى(ص) وما بعده.
"قل إنى أخاف إن عصيت ربى عذاب يوم عظيم من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه وذلك الفوز المبين "المعنى قل إنى أخشى إن خالفت حكم إلهى عقاب يوم كبير ،من يبعد عنه يومذاك فقد نفعه وذلك النصر الكبير ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للناس:إنى أخاف إن عصيت ربى عذاب يوم عظيم والمراد إنى أخشى إن خالفت وحى خالقى عقاب"يوم كبير"كما قال بسورة هود وهذا يعنى أن سبب طاعته لله هى خوفه من العذاب ،من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه والمراد من يزحزح عن العذاب وهو النار فقد نفعه أى فاز بالجنة مصداق لقوله بسورة آل عمران"فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز"وذلك وهو دخول الجنة الفوز المبين أى النصر الكبير مصداق لقوله بسورة البروج"ذلك الفوز الكبير".
"وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شىء قدير وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير "المعنى وإن يصيبك الرب بأذى فلا مزيل له إلا هو وإن يصيبك بنفع فهو لكل أمر يريده فاعل وهو الغالب لخلقه وهو القاضى العليم ،يبين الله لنبيه (ص)أن الله إن يمسسه بضر فلا كاشف له والمراد إن يرده بأذى مصداق لقوله بسورة الزمر"إن أرادنى الله بضر"فلا كاشف له إلا هو والمراد فلا مزيل للأذى سوى الله وإن يمسسه بخير والمراد وإن يرده برحمة مصداق لقوله بسورة فاطر"ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها"وهو على كل شىء قدير والمراد وهو لكل أمر يريده فاعل وهو القاهر فوق عباده والمراد وهو الغالب لعباده حيث يفعل بهم ما يريد وهو الحكيم الخبير والمراد القاضى بالحق العليم بكل شىء والخطاب للنبى(ص)وهو محذوف أوله لأن الواو لا يبدأ بها الكلام وإنما لابد من كلام قبلها .
"قل أى شىء أكبر شهادة قل الله شهيد بينى وبينكم وأوحى إلى هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ أإنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى قل لا أشهد قل إنما هو إله واحد وإننى برىء مما تشركون "المعنى قل أى موجود أعدل حكما قل الرب حاكم بينى وبينكم وأنزل إلى هذا الحكم لأخبركم به ومن عاش أإنكم لتقرون أن مع الرب أرباب أخرى قل لا أقر إنما هو رب واحد وإننى معتزل للذى تعبدون ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يسأل الناس :أى شىء أكبر شهادة والمراد أى موجود هو أفضل حكما ؟ويطلب منه أن يجيب على السؤال بقوله :الله شهيد بينى وبينكم والمراد الله حاكم بينى وبينكم وهذا يعنى أن الله هو الموجود الأكبر شهادة أى أعدل حكما ،وقال وأوحى إلى هذا القرآن لأنذركم به والمراد وأنزل لى هذا الحكم لأخبركم به ومن بلغ أى ومن عاش فيمن بعدكم ،ويسأل الناس أإنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى والمراد هل إنكم لتعترفون أن مع الله أرباب آخرين ؟ والغرض من السؤال هو إخبارنا وهم أنهم يقرون بغير الله أرباب ويطلب الله منه أن يقول لهم لا أشهد أى لا أعترف بأن مع الله أرباب أخرى إنما هو إله واحد والمراد إنما هو رب واحد لا ثانى له و إننى برىء مما تشركون والمراد وإننى معتزل لما تعبدون وهذا يعنى أنه لا يطيع أحكام آلهتهم المزعومة والخطاب للنبى(ص) ومنه للكفار.
"الذين أتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون "المعنى الذين أعطيناهم الوحى السابق يعلمون القرآن كما يعرفون أولادهم الذين أهلكوا ذواتهم فهم لا يصدقون الوحى ،يبين الله لنبيه (ص)أن الذين أتيناهم الكتاب والمراد أن الذين أعطينا لهم الوحى السابق يعرفونه كما يعرفون أبنائهم والمراد يعلمون أن القرآن هو الحق من ربهم كما يعلمون بعيالهم من أجسامهم وأنفسهم مصداق لقوله بسورة الأنعام"الذين أتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق"وهم الذين خسروا أنفسهم أى أهلكوا أنفسهم بإدخالها النار مصداق لقوله بنفس السورة "إن يهلكون إلا أنفسهم "والسبب أنهم لا يؤمنون أى لا يصدقون الوحى والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح الظالمون "المعنى ومن أكفر ممن نسب إلى الرب باطلا أى كفر بأحكامه إنه لا يرحم الكافرون ،يبين الله لنبيه (ص) أن الأظلم وهو الأضل مصداق لقوله بسورة الأحقاف"ومن أضل"هو الذى افترى على الله كذبا أى نسب إلى الله الباطل وهو ما لم يقله الله أو كذب بآياته والمراد وكفر بالصدق وهو أحكام الله مصداق لقوله بسورة الزمر"فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق لما جاءه "ويبين له أنه لا يفلح الظالمون والمراد لا يفوز الكافرون برحمة الرب مصداق لقوله بسورة القصص"ويكأنه لا يفلح الكافرون ".
"ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون"المعنى ويوم نبعثهم كلهم ثم نسأل الذين كفروا أين آلهتكم التى كنتم تعبدون ؟،يبين الله لنبيه(ص)أن يوم يحشرهم جميعا والمراد"يوم يبعثهم الله جميعا"كما قال بسورة المجادلة يقول للذين أشركوا والمراد يسأل الذين كفروا بحكمه :أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون والمراد أين أربابكم الذين "كنتم تعبدون"كما قال بسورة الشعراء وهذا يعنى أنه يخبرهم من خلال السؤال أن لا وجود لألوهية الشركاء المزعومين بدليل أنهم لم يمنعوا عنهم العذاب والخطاب وما بعده للنبى(ص) وما بعده وما بعده.
"ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين "المعنى ثم لم تكن سقطتهم إلا أن قالوا والله إلهنا ما كنا كافرين ،يبين الله لنبيه (ص)أن فتنة المشركين وهى سقطتهم أى كذبتهم هى أنهم قالوا لله :والله ربنا ما كنا مشركين والمراد والرب إلهنا ما كنا مكذبين بحكمك وهذا يعنى أنهم حلفوا كذبا على الله مصداق لقوله بسورة المجادلة "يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ".
"انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون"المعنى اعلم كيف افتروا على أنفسهم وبعد عنهم الذى كانوا يدعون ،يطلب الله من نبيه (ص)أن ينظر كيف كذبوا على أنفسهم والمراد أن يعلم كيف افتروا أى ضحكوا على ذواتهم وضل عنهم ما كانوا يفترون أى وتبرأ منهم الذى كانوا يدعون مصداق لقوله بسورة "وضل عنهم ما كانوا يدعون من قبل "أى ما كانوا يعبدون وهذا يعنى أن من زعموا أنهم يعبدونهم كذبوهم فى ادعاءهم أنهم طلبوا منهم عبادتهم .
"ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفى أذانهم وقر وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها حتى إذا جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين "المعنى ومنهم من ينصت لكلامك وخلقنا فى نفوسهم حواجز كى لا يطيعوه أى فى أسماعهم ثقل أى إن يعلموا كل حكم لا يصدقوا به حتى إذا أتوك يحاورونك يقول الذين كذبوا بحكمى إن هذا إلا تخاريف السابقين ،يبين الله لنبيه (ص)أن من الناس من يستمع إليه والمراد من ينصت لحديثه وقد جعل الله فى قولهم أكنة والمراد وقد خلق الله فى أنفسهم حواجز أى موانع أى شهوات أن يفقهوه والمراد حتى لا يطيعوا حديثك وفسر هذا بأنه جعل فى أذانهم وقر أى خلق فى قلوبهم ثقل يمنعهم من سمع الإيمان مصداق لقوله الأعراف"ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون"وفسر هذا بأنهم إن يروا كل آية لا يؤمنوا بها والمراد إن يعلموا كل حكم لله وهو سبيل الرشد لا يصدقوا به أى لا يتخذوه سبيلا أى دينا لهم مصداق لقوله بسورة الأعراف"وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا"ويبين له أنهم إذا جاءوه والمراد حضروا عنده يجادلونه أى يناقشونه والمراد يكذبونه بالحوار فيقول الذين كفروا أى كذبوا حكم الله:إن هذا وهو القرآن إلا أساطير الأولين والمراد تخاريف السابقين وهذا يعنى أنه خلق أى كذب السابقين مصداق لقوله بسورة الشعراء"إن هذا إلا خلق الأولين" .
"وهم ينهون عنه وينؤون عنه وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون"المعنى وهم يبتعدون عن القرآن أى يعرضون عن القرآن وإن يدمرون إلا ذواتهم وما يعلمون،يبين الله لنبيه (ص)أن الكفار ينهون عنه والمراد يبتعدون عن المعروف وهو حكم القرآن وفسر هذا بأنهم ينؤون عنه أى يعرضون عن تصديق القرآن وهم بهذا يهلكون أنفسهم وما يشعرون أى يخدعون ذواتهم وما يعلمون مصداق لقوله بسورة البقرة "وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون"وهذا يعنى أنهم بتكذيبهم يدخلون أنفسهم النار وهم لا يعلمون بذلك لأنهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا مصداق لقوله بسورة الكهف"الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا "والخطاب للنبى(ص).
"ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين"المعنى ولو تشاهد وقت دخلوا فى جهنم فقالوا يا ليتنا نعاد للدنيا ولا نكفر بأحكام خالقنا ونصبح من المصدقين بأحكامه ،يبين الله لنبيه (ص)أنه لو يرى والمراد لو يشاهد الكفار إذ وقفوا على النار والمراد وقت أدخلوا فى الجحيم فقالوا :يا ليتنا نرد والمراد نرجع إلى الدنيا مصداق لقوله بسورة المؤمنون"حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون"ولا نكذب بآيات ربنا والمراد ولا نكفر بأحكام إلهنا وفسروا هذا بقولهم ونكون من المؤمنين أى ونصبح من المصدقين بأحكام الله ،وهذا يعنى أنهم يتمنون الرجوع للدنيا والإسلام فيها حتى لا يدخلوا النار ولكنها قولة قالوها خداعا للرب الذى يعرف نياتهم فقال عن قول الكافر بسورة المؤمنون"قال رب ارجعون لعلى اعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها "والخطاب وما بعده للنبى(ص)وما بعده.
"بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون "المعنى لقد ظهر لهم الذى كانوا يسرون من قبل ولو رجعوا للدنيا لرجعوا لما زجروا عنه وإنهم لمفترون،يبين الله لنبيه (ص)أن الكفار بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل والمراد ظهر لهم الذى كانوا يسرون من العمل فى الدنيا وهذا يعنى أنهم شاهدوا أعمالهم التى كانوا يكتمونها فى الدنيا مسجلة فى كتبهم المنشرة،ويبين له أنهم لو ردوا أى أعيدوا للحياة الدنيا لعادوا لما نهوا عنه والمراد لرجعوا للذى زجروا عنه وهو الكفر الذى نهاهم الله عنه ويبين له أنهم كاذبون أى مفترون والمراد لا يقولون الحقيقة فى قولهم "يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين ".
"وقالوا إن هى إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين "المعنى وقالوا إن هى إلا معيشتنا الأولى نتوفى ونعيش وما نحن بمصدقين ،يبين الله لنبيه (ص)أن الكفار قالوا ردا على البعث :إن هى إلا حياتنا الدنيا والمراد لا نعيش سوى معيشة واحدة هى معيشتنا الأولى أى نموت ونحيا والمراد نتوفى ونعيش الحياة الواحدة وما نحن بمبعوثين أى وما نحن براجعين للحياة مرة أخرى وهذا يعنى تكذيبهم بالبعث بعد الموت فى البرزخ وفى القيامة .
"ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون "المعنى ولو تشاهد حين عرضوا على نار خالقهم قال أليس العذاب بالصدق؟قالوا نعم وإلهنا قال فاعلموا الألم بالذى كنتم تكذبون ،يبين الله لنبيه (ص)أنه لو يرى أى لو يشاهد إذ وقفوا على ربهم فقال أليس هذا بالحق والمراد لو يشاهد وقت عرض الكفار على نار إلههم فقال لهم على لسان ملائكته :أليس هذا بالصدق؟وفى هذا قال بسورة الأحقاف"ويوم يعرض الذين كفروا على النار قال أليس هذا بالحق"فكان رد الكفار :بلى وربنا أى نعم العقاب حق وخالقنا وهذا يعنى اعترافهم بصدق البعث والعقاب فقال الله لهم على لسان ملائكته :فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون والمراد فاعلموا ألم العقاب على الذى كنتم تكسبون أى تعملون مصداق لقوله بسورة الزمر"ذوقوا ما كنتم تكسبون "والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون "المعنى قد هلك الذين كفروا بجزاء الله حتى إذا أتتهم القيامة فجأة قالوا يا هلاكنا بسبب ما عملنا فيها وهم يلاقون عقاب أعمالهم على أنفسهم ألا قبح الذى يعملون ،يبين الله لنبيه (ص)أن الذين كذبوا بلقاء الله والمراد أن الذين كفروا بجزاء الله بما يحمل من معانى البعث والعدل والجنة والنار قد خسروا أى هلكوا والمراد عذبوا فى الدنيا حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة والمراد حتى إذا حضرتهم القيامة فجأة قالوا :يا حسرتنا على ما فرطنا فيها والمراد يا هلاكنا بسبب ما خالفنا جنب وهو حكم الله فى حياتنا مصداق لقوله بسورة الزمر"أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت فى جنب الله "والكفار يحملون أوزارهم على ظهورهم والمراد يلاقون عقاب مخالفاتهم على أنفسهم وهذا يعنى أنهم يعاقبون على مخالفاتهم وقد ساء ما يزرون والمراد وقد قبح الذى يعملون مصداق لقوله بسورة المجادلة "إنهم ساء ما كانوا يعملون ".
"وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون "المعنى وما المعيشة الأولى إلا لهو أى شغل ولجنة القيامة أفضل للذين يطيعون الله أفلا تفهمون؟يبين الله للنبى(ص)أن الكفار قالوا من ضمن ما قالوا أن الحياة الدنيا وهى المعيشة الأولى فى رأيهم لعب أى لهو والمراد إنشغال بالأموال والأولاد مصداق لقوله بسورة الحديد" أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وتفاخر بينكم وتكاثر بينهم فى الأموال والأولاد "ويبين للكفار أن الدار الأخرة وهى جنة القيامة خير للذين يتقون والمراد أحسن للذين يطيعون حكم الله ويسألهم أفلا تعقلون والمراد أفلا تفقهون والغرض من السؤال هو إخبارهم أن واجبهم هو العقل وهو طاعة حكم الله والقول عبارة عن آيتين حذف من أولهم لأولهل وهى أقوال للكفار وأما بداية الآية الثانية فهى وللدار الأخرة وهى رد على قولهم .
"قد نعلم أنه ليحزنك الذى يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون "المعنى إنا نعرف أنه يضايقك الذى يزعمون فإنهم حقا يكذبونك أى الكافرين بأحكام الرب يكفرون،يبين الله لنبيه(ص)أنه يعلم أنه يحزنه الذى يقولون والمراد أن الله يعرف أنه يضايق الرسول(ص)الذى يزعم الكفار من أكاذيب ويبين له أنهم لا يكذبونه أى الحقيقة أنهم يكفرون برسالته ولا هنا تعنى الحقيقة كما معنى لا فى قوله تعالى بسورة النمل "لا يحطمنكم سليمان"فمعناها حقا يدمرنكم سليمان(ص) وفسر هذا بأن الظالمين وهم الكافرون بآيات الله يجحدون أى بأحكام الرب يكفرون مصداق لقوله بسورة العنكبوت"وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون "والخطاب للنبى(ص)وهو محذوف أوله.
"ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين "المعنى ولقد كفر بأنبياء(ص)من قبلك فأطاعوا رغم ما جحدوا وأضروا حتى جاءهم تأييدنا ولا مغير لإرادات الرب ولقد أتاك من خبر الأنبياء ،يبين الله لنبيه (ص) أن الرسل وهم الأنبياء(ص)قد كذبت أى كفرت بهم أقوامهم أى استهزءت بهم قبل وجوده فى الدنيا مصداق لقوله بسورة الأنعام"ولقد استهزىء برسل من قبلك" فكان رد فعل الرسل (ص)أن صبروا على ما كذبوا والمراد أن أطاعوا حكم الله رغم أن الكفار كفروا برسالاتهم وهم قد أوذوا أى أضروا فى دين الله حتى أتاهم نصر الله والمراد حتى جاء الرسل (ص)تأييد الرب لهم ،ويبين له أن لا مبدل لكلمات الله والمراد أن لا تغيير أى لا تحريف لأحكام أى لسنن الرب مصداق لقوله بسورة فاطر"ولن تجد لسنة الله تبديلا"وهذا يعنى أن ما حدث للرسل (ص)قبله سيحدث له ويبين له أنه قد جاءه من نبأ المرسلين والمراد أنه قد ألقى له من قصص الأنبياء مصداق لقوله بسورة النساء"ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل"وهذا يعنى أن واجبه أن يأخذ العبرة من هذه القصص حتى يستفيد منها فى دعوته وهو ألا يحزن بسبب تكذيب القوم له وأن يطيع حكم الله رغم ما يلاقيه فى حياته من مضايقات والخطاب وما بعده للنبى(ص) .
"وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغى نفقا فى الأرض أو سلما فى السماء فتأتيهم بآية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين "المعنى وإن كان عظم عليك تكذيبهم لك فإن قدرت أن تجد سردابا فى الأرض أو مصعدا إلى السماء فتجيئهم بمعجزة فافعل ولو أراد الرب لخلقهم على الإسلام فلا تصبحن من الكافرين ،يبين الله لنبيه (ص)أنه إن كان كبر عليك إعراضهم والمراد إن كان عظم على نفسك تكذيبهم لك فإن استطعت أن تبتغى نفقا فى الأرض أو سلما فى السماء والمراد فإن قدرت يا محمد (ص)أن تجد سردابا فى الأرض أو مصعدا إلى السماء فتأتيهم بآية والمراد فتجيئهم بمعجزة فافعل وهذا يعنى أنه لن يعطيه أى معجزة أى آية حتى يزيل ما فى نفسه من عظمة تكذيبهم له وفى هذا قال بسورة الإسراء"وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون" وإنما عليه أن يوقن أن الآيات لا تمنع التكذيب كما حدث مع السابقين الأولين ويبين له أنه لو شاء لجمعهم على الهدى والمراد لو أراد لوحد قلوبهم على الإسلام ولكنه لم يرد هذا ويطلب منه ألا يكونن من الجاهلين وهم المكذبين بآيات الله مصداق لقوله بسورة يونس"ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله "وهم الكافرين .
"إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون " المعنى إنما يطيع الذين يعقلون والكفار يحييهم الرب ثم إلى جزاءه يعودون ،يبين الله لنبيه (ص)أنه إنما يستجيب الذين يسمعون والمراد إنما يطيع حكم الله الذين يؤمنون به مصداق لقوله بسورة الشورى "ويستجيب الذين أمنوا "والموتى وهم الكفار الذين لا يسمعون أى لا يؤمنون بحكم الله مصداق لقوله بسورة النمل"إنك لا تسمع الموتى"يبعثهم الله والمراد يبقيهم الرب فى الدنيا حتى موعد موتهم ثم إليه يرجعون والمراد ثم إلى عقاب الرب يدخلون بعد الموت والخطاب وما بعده للنبى(ص) .
"وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه قل إن الله قادر على أن ينزل آية ولكن أكثرهم لا يعلمون "المعنى وقالوا هلا أتى معه معجزة من خالقه قل إن الرب مستطيع أن يعطى معجزة ولكن معظمهم لا يؤمنون ،يبين الله لنبيه(ص)أن الكفار قالوا:لولا نزل عليه آية من ربه والمراد هلا أتى معه معجزة من إلهه مصداق لقوله بسورة طه"قالوا لولا يأتينا بآية من ربه"وهذا يعنى أنهم يطلبون معجزة من الله مع محمد(ص)ويطلب الله منه أن يقول لهم الله قادر على أن ينزل آية والمراد الرب مستطيع أن يعطى معجزة ويبين له أن أكثرهم لا يعلمون والمراد أن أغلب الناس لا يؤمنون بها كما فعل الأولون مصداق لقوله بسورة الإسراء"وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون "وهذا يعنى أنه لن يعطيهم أى معجزة .
"وما من دابة فى الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا فى الكتاب من شىء ثم إلى ربهم يحشرون "المعنى وما من مخلوق فى الأرض ولا طائر يضرب بيديه إلا جماعات أشباهكم ،ما تركنا فى الوحى من قضية ثم إلى خالقهم يعودون ،يبين الله للناس أن كل دابة أى كل نوع من المخلوقات فى الأرض ولا طائر يطير بجناحيه والمراد ولا طائر يرفرف بيديه هم أمم أمثال الناس والمراد هم أقوام أشباه أقوام الناس لهم حكم يسيرون عليه ،ويبين لهم أنه ما فرط فى الكتاب من شىء والمراد ما ترك فى الوحى من حكم فى قضية إلا قاله فى الوحى وهو القرآن وتفسيره المحفوظ فى الكعبة الحقيقة أى بين كل شىء مصداق لقوله بسورة النحل"وأنزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء"وبعد هذا الكل إلى ربهم يحشرون والمراد كل أنواع المخلوقات تعود إلى جزاء الله فى الآخرة والخطاب للناس.
"والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم فى الظلمات من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم"المعنى والذين كفروا بأحكامنا عصاة مخالفين فى الضلالات من يرد الرب يعذبه ومن يرد يدخله فى جنة كبرى ،يبين الله لنبيه(ص)أن الذين كذبوا بآياتنا صم وبكم فى الظلمات والمراد أن الذين كفروا بأحكامنا عصاة مخالفين لأحكام الله فى جهنم مصداق لقوله بسورة البينة "إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين فى نار جهنم"،ويبين لهم أن من يشأ يضلله والمراد من يرد الرب يعذبه فى النار ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم والمراد ومن يرد يدخله فى رحمة مستمرة وهى الجنة وفى هذا قال بسورة الإسراء"إن يشأ يرحمكم وإن يشأ يعذبكم "وقوله بسورة العنكبوت "يعذب من يشاء ويرحم من يشاء"والخطاب للنبى(ص)وما بعده وما بعده.
"قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين "المعنى قل أخبرونى إن أصابكم ضرر من الرب أو حضرتكم القيامة أسوى الرب تنادون إن كنتم عادلين ؟يطلب الله من نبيه(ص)أن يقول للناس أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله والمراد اعلمونى إن جاءكم ضرر من الله فى الدنيا أو أتتكم الساعة والمراد أو حضرتكم القيامة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين والمراد أسوى الرب تنادون لينقذكم إن كنتم عادلين فى قولكم؟والغرض من السؤال هو إخبار الناس أنهم لا يؤمنون بالله إلا ساعة العذاب وهو الضرر ومن ثم يدعونه لينقذهم من العذاب .
"بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون "المعنى إنما الله تنادون فيزيل الذى تطلبون منه إن أراد وتتركون ما تعبدون من دونه ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للناس :بل إياه تدعون والمراد إنما الله تنادون ليكشف الضرر فيكشف ما تدعون إليه إن شاء والمراد فيزيل الذى تطلبون منه إزالته إن أراد وهذا يعنى أن الله يزيل ما يشاء من العذاب مثلما حدث مع قوم فرعون لما أزال عنهم الطوفان والدم والقمل والضفادع والجراد وهو الضرر ويترك ما يريد من العذاب نازل بأهله مثل عذاب الساعة ،وتنسون ما تشركون والمراد وتتركون دعوة ما تعبدون من غير الله .
"ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون "المعنى ولقد بعثنا إلى أقوام من قبل وجودك فعاملناهم بالأذى أى السوء لعلهم يتوبون ،يبين الله لنبيه (ص)أنه أرسل إلى أمم من قبله والمراد أنه بعث أنبياء إلى أهالى القرى قبل وجوده فى الدنيا فأخذهم أى فعاملهم بالبأساء وهى الضراء كما فسرها وهى أنواع الأذى مصداق لقوله بسورة الأعراف"وما أرسلنا فى قرية من نبى إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء"والسبب فى هذه المعاملة هو لعلهم يتضرعون أى "لعلهم يتذكرون"كما قال بسورة البقرة والمراد لعلهم يسلمون نتيجة معرفتهم قوة الله على العذاب والخطاب وما بعده للنبى(ص) وما بعده وما بعده.
"فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون "المعنى فهلا وقت أصابهم عذابنا أسلموا ولكن تحجرت أنفسهم أى حسن لهم الهوى الذى كانوا يسيئون ،يبين الله لنبيه (ص)أن الأمم لما جاءهم بأس الله لم يتضرعوا والمراد أن الأقوام لما أتاهم عقاب وهو عذاب الله لم يستكينوا أى لم يسلموا لله مصداق لقوله بسورة المؤمنون"لقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم "وفسر الله عدم تضرعهم بأنهم قست قلوبهم أى كفرت أنفسهم بحكم الله وفسره بأنه زين لهم الشيطان ما كانوا يعملون والمراد حسن لهم هوى النفس وهو الشهوات الذى كانوا يسيئون مصداق لقوله بسورة التوبة "زين لهم سوء أعمالهم "
"فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شىء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون "المعنى فلما عصوا ما أبلغوا به أعطينا لهم من أرزاق كل نوع حتى إذا سروا بالذى أعطوا أهلكناهم فجأة فإذا هم معذبون ،يبين الله لنبيه (ص)أن الأمم لما نسوا ما ذكروا والمراد لما خالفوا ما أبلغوا به من حكم الله مصداق لقوله بسورة التوبة "نسوا الله "رغم ما أصابهم من الضراء أى السيئة عاملهم الله معاملة مختلفة ففتح عليهم أبواب كل شىء والمراد فأعطى لهم من أرزاق كل صنف الكثير وهى المعاملة الحسنة مصداق لقوله بسورة الأعراف"ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا" أى حتى إذا فرحوا بما أوتوا والمراد حتى إذا سروا والمراد تصرفوا فى الذى أعطوا بحكم الكفر أخذناهم بغتة والمراد أهلكناهم فجأة فإذا هم مبلسون أى معذبون
سميت السورة بهذا الاسم لذكر حقيقة حيوانات الأنعام فيها فى قوله "ومن الأنعام حمولة وفرشا كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين ثمانية أزواج"وأيضا لوجود تشريعات للكفار وأحكام لله فى الأنعام.
"بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذى خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون"المعنى بحكم الرب النافع المفيد الطاعة لحكم الله الذى أنشأ السموات والأرض وعرف الضلالات والهدى ثم الذين كذبوا بحكم إلههم يكفرون،يبين الله لنا أن الله الرحمن الرحيم وهو الرب النافع المفيد باسمه وهم حكمه قد حكم أن الحمد لله والمراد أن الطاعة لحكم الله أى الإسلام واجبة على الجميع مصداق لقوله بسورة النحل"وله أسلم من فى السموات والأرض"وهو الذى خلق أى جعل أى أنشأ السموات والأرض مصداق لقوله بسورة غافر"الله الذى جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء"وهو الذى جعل الظلمات والنور والمراد الذى هدى الناس الضلالات والهدى مصداق لقوله بسورة البلد"وهديناه النجدين"فالنجدين هما الظلمات وهى أديان الكفر والنور هو الإسلام مصداق لقوله بسورة النساء"وأنزلنا إليكم نورا مبينا"وهذا يعنى أنه عرف الناس الكفر والإسلام ليتركوا الكفر ويتبعوا الإسلام فكانت النتيجة أن الذين كفروا بربهم يعدلون والمراد أن الذين كذبوا بحكم إلههم يشركون معه فى الطاعة حكم غيره مصداق لقوله بسورة النحل"إذا فريق منكم بربهم يشركون" والخطاب للمؤمنين.
"هو الذى خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده ثم أنتم تمترون"المعنى هو الذى أنشأكم من صلصال ثم حدد عمرا وعمر محدد لديه ثم أنتم تكفرون،يبين الله للناس أنه خلقهم من طين أى أنشأهم من تراب معجون بالماء مصداق لقوله بسورة فاطر"والله خلقكم من تراب"ويبين لهم أنه قضى أجلا والمراد وحدد لكل واحد منهم عمرا وهو أجل مسمى أى عمر معدود أى محدد عنده أى لديه لا يعرفه سواه ويبين لهم أنهم مع هذا يمترون أى يكفرون بحكم خالقهم والخطاب للناس.
"وهو الله فى السموات وفى الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون"المعنى وهو الإله فى السموات والإله فى الأرض يعرف خفيكم وعلنكم أى يعرف الذى تعملون ،يبين الله للناس أن الله فى السموات والأرض والمراد أن الله إله من فى السموات وإله من فى الأرض مصداق لقوله بسورة الزخرف"وهو الذى فى السماء إله وفى الأرض إله"وهذا يعنى أن الكل يعبده ما عدا كفرة الناس ،ويبين لهم أنه يعلم سرهم وجهرهم أى يعرف خفيهم وعلنهم أى ما يكتمون وما يبدون مصداق لقوله بسورة المائدة"ويعلم ما تبدون وما تكتمون" وفسر هذا بأنه يعلم ما يكسبون أى ما يفعلون مصداق لقوله بسورة النحل"إن الله يعلم ما تفعلون"وهذا يعنى معرفته بكل أعمالهم وسيحاسبهم عليها والخطاب للناس .
"وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين"المعنى وما يجيئهم من حكم من أحكام إلههم إلا كانوا به مكذبين،يبين الله لنا أن الناس ما تأتيهم من آية من آيات ربهم والمراد ما يبلغهم حكم من أحكام وحى خالقهم إلا كانوا عنه معرضين أى إلا كانوا به لا يؤمنون مصداق لقوله بسورة الأنعام"وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها"وهذا يعنى تكذيب القوم لكل أحكام الوحى والخطاب وما بعده للمؤمنين .
"فقد كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون"المعنى فقد كفروا بالعدل لما أتاهم فسوف يجيئهم آلام الذى كانوا منه يسخرون،يبين الله لنا أن الكفار قد كذبوا الحق لما جاءهم والمراد خالفوا العدل وهو الكتاب لما أتاهم على لسان الرسول(ص)وفى هذا قال تعالى بسورة غافر"الذين كذبوا بالكتاب"ولذا سوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون والمراد سوف أى مستقبلا يحيق بهم ألام العذاب الذى كانوا منه يسخرون مصداق لقوله بسورة هود"وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون".
"ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم فى الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الأنهار تجرى من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا أخرين"المعنى هل لم يعلموا كم دمرنا من قبلهم من قرية حكمناهم فى البلاد الذى لم نحكمكم فيه وبعثنا السحاب لهم متتابعا وخلقنا العيون تسير فى أرضهم فدمرناهم بسيئاتهم وخلقنا من بعدهم ناسا أخرين،يسأل الله :ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرية والمراد هل لم يعلموا كم قصمنا أى دمرنا من قبلهم من قرية كانت ظالمة وفى هذا قال تعالى بسورة الأنبياء"وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة" والغرض من السؤال هو إخبار الناس أنه قادر على إهلاكهم كما أهلك من قبلهم وبين الله لهم أن الأقوام الهالكة مكنهم الله فى الأرض ما لم يمكن لهم والمراد أعطاهم فى البلاد الذى لم يعطه لكفار مكة فى عهد محمد(ص)ومنه أنه أرسل عليهم السماء مدرارا والمراد بعث لهم مطر السحاب متتابعا وجعل لهم الأنهار تجرى من تحتهم والمراد وخلق لهم مجارى المياه تسير فى أرضهم ولكنهم كفروا فأهلكهم الله بذنوبهم أى دمرهم بسبب جرائمهم وأنشأ من بعدهم قرنا آخرين والمراد وخلق من بعد هلاكهم ناسا مؤمنين والخطاب للمؤمنين.
"ولو نزلنا عليك كتابا فى قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين"المعنى ولو أوحينا لك حكما فى صحيفة فقرئوه بأنفسهم لقال الذين كذبوا إن هذا إلا خداع عظيم،يبين الله لنبيه(ص)أنه لو أنزل عليه كتابا فى قرطاس والمراد لو أوحى له وحيا مدونا فى صحيفة سقطت عليهم من السماء فلمسوه بأيديهم والمراد فقرئوه بأنفسهم لكان رد فعلهم هو قول الذين كفروا أى كذبوا الوحى:إن هذا إلا سحر مبين والمراد ما هذا القرطاس إلا خداع كبير،وهذا يعنى أنهم لن يؤمنوا مهما أتاهم من معجزات ومن ثم فلا داعى لإرسال أى معجزات لهم والخطاب للنبى(ص) وما بعده.
"وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضى الأمر ثم لا ينظرون"المعنى وقالوا لولا جاء معه ملاك ولو أرسلنا ملاك لإنتهى الحكم ثم لا يمهلون ،يبين الله لنبيه(ص)أن الكفار قالوا :لولا أنزل عليه ملك والمراد هلا أتى مع محمد ملاك يثبت نبوته،وهذا يعنى أنهم يطلبون رؤية الملائكة ويبين الله له أنه لو أنزل ملكا والمراد لو أرسل لهم ملاك لقضى الأمر والمراد لإنتهى الوجود الدنيوى لهم لأن الملائكة لا ترى إلا عند القيامة حيث العذاب وفى هذا قال بسورة الفرقان"يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين "ثم لا ينظرون أى لا ينصرون أى لا يرحمون وإنما يعذبون .
"ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون"المعنى ولو أرسلناه ملاكا لخلقناه ذكرا و لخلطنا عليهم ما يخلطون،يبين الله لنبيه(ص)أنه لو جعل أى بعث ملكا أى ملاكا رسولا لجعله رجلا والمراد لخلقه على صورة إنسان لسبب بسيط هو أن الملاك لا يرى من قبل الناس فى صورته الملائكية لأنها صورة خفية كما بين أنه سيلبس عليهم ما يلبسون أى سيخلط عليهم ما يخلطون والمراد أنه سيجعل أمره خفيا كما أن الناس يخفون الحق فى الباطل والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"ولقد استهزىء برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا ما كانوا به يستهزءون "المعنى ولقد كذب أنبياء من قبلك فأصاب الذين كذبوا الذى كانوا به يكذبون ،يبين الله لنبيه (ص)أن الرسل وهم الأنبياء(ص)قبل وجوده فى الحياة قد استهزىء بهم أى سخر منهم أى كذب برسالاتهم مصداق لقوله بسورة ص"إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب"فكانت النتيجة أن حاق بهم ما كانوا يستهزءون والمراد أن أصاب الكفار الذى كانوا به يكذبون وهو العقاب كما بآية سورة ص .
"قل سيروا فى الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين "المعنى قل امشوا فى البلاد فاعلموا كيف كان جزاء المجرمين ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للناس سيروا فى الأرض أى "نقبوا فى البلاد"كما قال بسورة ق والمراد سافروا فى بلاد الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين والمراد فاعرفوا كيف كان عذاب الكافرين وهم المجرمين كما قال بسورة النمل"فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين " والخطاب للنبى(ص) وما بعده.
"قل لمن ما فى السموات والأرض قل لله كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون"المعنى قل لمن الذى فى السموات والأرض قل للرب فرض على ذاته النفع ،ليحشرنكم فى يوم البعث لا ظلم فيه الذين أهلكوا ذواتهم فهم لا يصدقون ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يسأل الناس :لمن ما فى السموات والأرض والمراد من يملك الخلق فى السموات والأرض ؟ويطلب منه أن يجيب :لله أى ملك للرب ،كتب على نفسه الرحمة والمراد فرض على ذاته النفع لمن يطيع حكمه وهم الذين أمنوا مصداق لقوله بسورة الجاثية "فأما الذين أمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم فى رحمته" ،ليجمعنكم إلى يوم القيامة والمراد ليبعثنكم فى يوم البعث لاريب فيه أى "لا ظلم اليوم"كما قال بسورة غافر والمراد أن يوم البعث ليس فيه ظلم لأى مخلوق من الله ،ويبين لهم أن الذين لا يؤمنون وهم الذين لا يصدقون حكم الله هم الذين خسروا أنفسهم أى أهلكوا أنفسهم والمراد أدخلوها النار .
"وله ما سكن فى الليل والنهار وهو السميع العليم "المعنى وله ما نام فى الليل والنهار وهو الخبير المحيط ،يطلب الله من نبيه(ص)أن يقول للناس لله ما سكن أى ثبت أى نام فى الليل والنهار وهذا يعنى أن الله يملك كل المخلوقات التى تنام ليلا أو نهارا وهى كل المخلوقات فى الكون وهو السميع العليم أى الخبير المحيط بكل شىء فى الكون .
"قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السموات والأرض وهو يطعم ولا يطعم قل إنى أمرت أن أكون أول من أسلم ولا تكونن من المشركين "المعنى قل أسوى الرب أعبد إلها خالق السموات والأرض وهو يرزق ولا يرزق قل إنى أوصيت أن أصبح أسبق من أطاع ولا تصبحن من الكافرين ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يسأل :أغير الله أتخذ وليا أى "قل أغير الله أبغى ربا"كما قال بنفس السورة هل سوى الله أعبد إلها؟والغرض من السؤال هو استنكار عبادة غير الله وهو فاطر السموات والأرض أى"الله خالق كل شىء "كما قال بسورة الرعد والمراد وهو خالق السموات والأرض والذى فيهما كل المخلوقات وهو يطعم أى يعطى العباد الرزق ولا يطعم أى ولا يعطيه أحد رزق لأنه غير محتاج مصداق لقوله بسورة الذاريات"ما أريد منهم من رزق"ويطلب منه أن يقول :إنى أمرت أن أكون أول من أسلم والمراد إنى أوصيت فى الوحى المنزل أن أصبح أسبق من أطاع حكم الله ولا تكونن من المشركين أى ولا تصبحن من الكافرين أى الجاهلين مصداق لقوله بسورة الأنعام"فلا تكونن من الجاهلين "والخطاب وما قبله للنبى(ص) وما بعده.
"قل إنى أخاف إن عصيت ربى عذاب يوم عظيم من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه وذلك الفوز المبين "المعنى قل إنى أخشى إن خالفت حكم إلهى عقاب يوم كبير ،من يبعد عنه يومذاك فقد نفعه وذلك النصر الكبير ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للناس:إنى أخاف إن عصيت ربى عذاب يوم عظيم والمراد إنى أخشى إن خالفت وحى خالقى عقاب"يوم كبير"كما قال بسورة هود وهذا يعنى أن سبب طاعته لله هى خوفه من العذاب ،من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه والمراد من يزحزح عن العذاب وهو النار فقد نفعه أى فاز بالجنة مصداق لقوله بسورة آل عمران"فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز"وذلك وهو دخول الجنة الفوز المبين أى النصر الكبير مصداق لقوله بسورة البروج"ذلك الفوز الكبير".
"وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شىء قدير وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير "المعنى وإن يصيبك الرب بأذى فلا مزيل له إلا هو وإن يصيبك بنفع فهو لكل أمر يريده فاعل وهو الغالب لخلقه وهو القاضى العليم ،يبين الله لنبيه (ص)أن الله إن يمسسه بضر فلا كاشف له والمراد إن يرده بأذى مصداق لقوله بسورة الزمر"إن أرادنى الله بضر"فلا كاشف له إلا هو والمراد فلا مزيل للأذى سوى الله وإن يمسسه بخير والمراد وإن يرده برحمة مصداق لقوله بسورة فاطر"ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها"وهو على كل شىء قدير والمراد وهو لكل أمر يريده فاعل وهو القاهر فوق عباده والمراد وهو الغالب لعباده حيث يفعل بهم ما يريد وهو الحكيم الخبير والمراد القاضى بالحق العليم بكل شىء والخطاب للنبى(ص)وهو محذوف أوله لأن الواو لا يبدأ بها الكلام وإنما لابد من كلام قبلها .
"قل أى شىء أكبر شهادة قل الله شهيد بينى وبينكم وأوحى إلى هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ أإنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى قل لا أشهد قل إنما هو إله واحد وإننى برىء مما تشركون "المعنى قل أى موجود أعدل حكما قل الرب حاكم بينى وبينكم وأنزل إلى هذا الحكم لأخبركم به ومن عاش أإنكم لتقرون أن مع الرب أرباب أخرى قل لا أقر إنما هو رب واحد وإننى معتزل للذى تعبدون ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يسأل الناس :أى شىء أكبر شهادة والمراد أى موجود هو أفضل حكما ؟ويطلب منه أن يجيب على السؤال بقوله :الله شهيد بينى وبينكم والمراد الله حاكم بينى وبينكم وهذا يعنى أن الله هو الموجود الأكبر شهادة أى أعدل حكما ،وقال وأوحى إلى هذا القرآن لأنذركم به والمراد وأنزل لى هذا الحكم لأخبركم به ومن بلغ أى ومن عاش فيمن بعدكم ،ويسأل الناس أإنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى والمراد هل إنكم لتعترفون أن مع الله أرباب آخرين ؟ والغرض من السؤال هو إخبارنا وهم أنهم يقرون بغير الله أرباب ويطلب الله منه أن يقول لهم لا أشهد أى لا أعترف بأن مع الله أرباب أخرى إنما هو إله واحد والمراد إنما هو رب واحد لا ثانى له و إننى برىء مما تشركون والمراد وإننى معتزل لما تعبدون وهذا يعنى أنه لا يطيع أحكام آلهتهم المزعومة والخطاب للنبى(ص) ومنه للكفار.
"الذين أتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون "المعنى الذين أعطيناهم الوحى السابق يعلمون القرآن كما يعرفون أولادهم الذين أهلكوا ذواتهم فهم لا يصدقون الوحى ،يبين الله لنبيه (ص)أن الذين أتيناهم الكتاب والمراد أن الذين أعطينا لهم الوحى السابق يعرفونه كما يعرفون أبنائهم والمراد يعلمون أن القرآن هو الحق من ربهم كما يعلمون بعيالهم من أجسامهم وأنفسهم مصداق لقوله بسورة الأنعام"الذين أتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق"وهم الذين خسروا أنفسهم أى أهلكوا أنفسهم بإدخالها النار مصداق لقوله بنفس السورة "إن يهلكون إلا أنفسهم "والسبب أنهم لا يؤمنون أى لا يصدقون الوحى والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح الظالمون "المعنى ومن أكفر ممن نسب إلى الرب باطلا أى كفر بأحكامه إنه لا يرحم الكافرون ،يبين الله لنبيه (ص) أن الأظلم وهو الأضل مصداق لقوله بسورة الأحقاف"ومن أضل"هو الذى افترى على الله كذبا أى نسب إلى الله الباطل وهو ما لم يقله الله أو كذب بآياته والمراد وكفر بالصدق وهو أحكام الله مصداق لقوله بسورة الزمر"فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق لما جاءه "ويبين له أنه لا يفلح الظالمون والمراد لا يفوز الكافرون برحمة الرب مصداق لقوله بسورة القصص"ويكأنه لا يفلح الكافرون ".
"ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون"المعنى ويوم نبعثهم كلهم ثم نسأل الذين كفروا أين آلهتكم التى كنتم تعبدون ؟،يبين الله لنبيه(ص)أن يوم يحشرهم جميعا والمراد"يوم يبعثهم الله جميعا"كما قال بسورة المجادلة يقول للذين أشركوا والمراد يسأل الذين كفروا بحكمه :أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون والمراد أين أربابكم الذين "كنتم تعبدون"كما قال بسورة الشعراء وهذا يعنى أنه يخبرهم من خلال السؤال أن لا وجود لألوهية الشركاء المزعومين بدليل أنهم لم يمنعوا عنهم العذاب والخطاب وما بعده للنبى(ص) وما بعده وما بعده.
"ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين "المعنى ثم لم تكن سقطتهم إلا أن قالوا والله إلهنا ما كنا كافرين ،يبين الله لنبيه (ص)أن فتنة المشركين وهى سقطتهم أى كذبتهم هى أنهم قالوا لله :والله ربنا ما كنا مشركين والمراد والرب إلهنا ما كنا مكذبين بحكمك وهذا يعنى أنهم حلفوا كذبا على الله مصداق لقوله بسورة المجادلة "يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ".
"انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون"المعنى اعلم كيف افتروا على أنفسهم وبعد عنهم الذى كانوا يدعون ،يطلب الله من نبيه (ص)أن ينظر كيف كذبوا على أنفسهم والمراد أن يعلم كيف افتروا أى ضحكوا على ذواتهم وضل عنهم ما كانوا يفترون أى وتبرأ منهم الذى كانوا يدعون مصداق لقوله بسورة "وضل عنهم ما كانوا يدعون من قبل "أى ما كانوا يعبدون وهذا يعنى أن من زعموا أنهم يعبدونهم كذبوهم فى ادعاءهم أنهم طلبوا منهم عبادتهم .
"ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفى أذانهم وقر وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها حتى إذا جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين "المعنى ومنهم من ينصت لكلامك وخلقنا فى نفوسهم حواجز كى لا يطيعوه أى فى أسماعهم ثقل أى إن يعلموا كل حكم لا يصدقوا به حتى إذا أتوك يحاورونك يقول الذين كذبوا بحكمى إن هذا إلا تخاريف السابقين ،يبين الله لنبيه (ص)أن من الناس من يستمع إليه والمراد من ينصت لحديثه وقد جعل الله فى قولهم أكنة والمراد وقد خلق الله فى أنفسهم حواجز أى موانع أى شهوات أن يفقهوه والمراد حتى لا يطيعوا حديثك وفسر هذا بأنه جعل فى أذانهم وقر أى خلق فى قلوبهم ثقل يمنعهم من سمع الإيمان مصداق لقوله الأعراف"ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون"وفسر هذا بأنهم إن يروا كل آية لا يؤمنوا بها والمراد إن يعلموا كل حكم لله وهو سبيل الرشد لا يصدقوا به أى لا يتخذوه سبيلا أى دينا لهم مصداق لقوله بسورة الأعراف"وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا"ويبين له أنهم إذا جاءوه والمراد حضروا عنده يجادلونه أى يناقشونه والمراد يكذبونه بالحوار فيقول الذين كفروا أى كذبوا حكم الله:إن هذا وهو القرآن إلا أساطير الأولين والمراد تخاريف السابقين وهذا يعنى أنه خلق أى كذب السابقين مصداق لقوله بسورة الشعراء"إن هذا إلا خلق الأولين" .
"وهم ينهون عنه وينؤون عنه وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون"المعنى وهم يبتعدون عن القرآن أى يعرضون عن القرآن وإن يدمرون إلا ذواتهم وما يعلمون،يبين الله لنبيه (ص)أن الكفار ينهون عنه والمراد يبتعدون عن المعروف وهو حكم القرآن وفسر هذا بأنهم ينؤون عنه أى يعرضون عن تصديق القرآن وهم بهذا يهلكون أنفسهم وما يشعرون أى يخدعون ذواتهم وما يعلمون مصداق لقوله بسورة البقرة "وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون"وهذا يعنى أنهم بتكذيبهم يدخلون أنفسهم النار وهم لا يعلمون بذلك لأنهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا مصداق لقوله بسورة الكهف"الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا "والخطاب للنبى(ص).
"ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين"المعنى ولو تشاهد وقت دخلوا فى جهنم فقالوا يا ليتنا نعاد للدنيا ولا نكفر بأحكام خالقنا ونصبح من المصدقين بأحكامه ،يبين الله لنبيه (ص)أنه لو يرى والمراد لو يشاهد الكفار إذ وقفوا على النار والمراد وقت أدخلوا فى الجحيم فقالوا :يا ليتنا نرد والمراد نرجع إلى الدنيا مصداق لقوله بسورة المؤمنون"حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون"ولا نكذب بآيات ربنا والمراد ولا نكفر بأحكام إلهنا وفسروا هذا بقولهم ونكون من المؤمنين أى ونصبح من المصدقين بأحكام الله ،وهذا يعنى أنهم يتمنون الرجوع للدنيا والإسلام فيها حتى لا يدخلوا النار ولكنها قولة قالوها خداعا للرب الذى يعرف نياتهم فقال عن قول الكافر بسورة المؤمنون"قال رب ارجعون لعلى اعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها "والخطاب وما بعده للنبى(ص)وما بعده.
"بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون "المعنى لقد ظهر لهم الذى كانوا يسرون من قبل ولو رجعوا للدنيا لرجعوا لما زجروا عنه وإنهم لمفترون،يبين الله لنبيه (ص)أن الكفار بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل والمراد ظهر لهم الذى كانوا يسرون من العمل فى الدنيا وهذا يعنى أنهم شاهدوا أعمالهم التى كانوا يكتمونها فى الدنيا مسجلة فى كتبهم المنشرة،ويبين له أنهم لو ردوا أى أعيدوا للحياة الدنيا لعادوا لما نهوا عنه والمراد لرجعوا للذى زجروا عنه وهو الكفر الذى نهاهم الله عنه ويبين له أنهم كاذبون أى مفترون والمراد لا يقولون الحقيقة فى قولهم "يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين ".
"وقالوا إن هى إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين "المعنى وقالوا إن هى إلا معيشتنا الأولى نتوفى ونعيش وما نحن بمصدقين ،يبين الله لنبيه (ص)أن الكفار قالوا ردا على البعث :إن هى إلا حياتنا الدنيا والمراد لا نعيش سوى معيشة واحدة هى معيشتنا الأولى أى نموت ونحيا والمراد نتوفى ونعيش الحياة الواحدة وما نحن بمبعوثين أى وما نحن براجعين للحياة مرة أخرى وهذا يعنى تكذيبهم بالبعث بعد الموت فى البرزخ وفى القيامة .
"ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون "المعنى ولو تشاهد حين عرضوا على نار خالقهم قال أليس العذاب بالصدق؟قالوا نعم وإلهنا قال فاعلموا الألم بالذى كنتم تكذبون ،يبين الله لنبيه (ص)أنه لو يرى أى لو يشاهد إذ وقفوا على ربهم فقال أليس هذا بالحق والمراد لو يشاهد وقت عرض الكفار على نار إلههم فقال لهم على لسان ملائكته :أليس هذا بالصدق؟وفى هذا قال بسورة الأحقاف"ويوم يعرض الذين كفروا على النار قال أليس هذا بالحق"فكان رد الكفار :بلى وربنا أى نعم العقاب حق وخالقنا وهذا يعنى اعترافهم بصدق البعث والعقاب فقال الله لهم على لسان ملائكته :فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون والمراد فاعلموا ألم العقاب على الذى كنتم تكسبون أى تعملون مصداق لقوله بسورة الزمر"ذوقوا ما كنتم تكسبون "والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون "المعنى قد هلك الذين كفروا بجزاء الله حتى إذا أتتهم القيامة فجأة قالوا يا هلاكنا بسبب ما عملنا فيها وهم يلاقون عقاب أعمالهم على أنفسهم ألا قبح الذى يعملون ،يبين الله لنبيه (ص)أن الذين كذبوا بلقاء الله والمراد أن الذين كفروا بجزاء الله بما يحمل من معانى البعث والعدل والجنة والنار قد خسروا أى هلكوا والمراد عذبوا فى الدنيا حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة والمراد حتى إذا حضرتهم القيامة فجأة قالوا :يا حسرتنا على ما فرطنا فيها والمراد يا هلاكنا بسبب ما خالفنا جنب وهو حكم الله فى حياتنا مصداق لقوله بسورة الزمر"أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت فى جنب الله "والكفار يحملون أوزارهم على ظهورهم والمراد يلاقون عقاب مخالفاتهم على أنفسهم وهذا يعنى أنهم يعاقبون على مخالفاتهم وقد ساء ما يزرون والمراد وقد قبح الذى يعملون مصداق لقوله بسورة المجادلة "إنهم ساء ما كانوا يعملون ".
"وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون "المعنى وما المعيشة الأولى إلا لهو أى شغل ولجنة القيامة أفضل للذين يطيعون الله أفلا تفهمون؟يبين الله للنبى(ص)أن الكفار قالوا من ضمن ما قالوا أن الحياة الدنيا وهى المعيشة الأولى فى رأيهم لعب أى لهو والمراد إنشغال بالأموال والأولاد مصداق لقوله بسورة الحديد" أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وتفاخر بينكم وتكاثر بينهم فى الأموال والأولاد "ويبين للكفار أن الدار الأخرة وهى جنة القيامة خير للذين يتقون والمراد أحسن للذين يطيعون حكم الله ويسألهم أفلا تعقلون والمراد أفلا تفقهون والغرض من السؤال هو إخبارهم أن واجبهم هو العقل وهو طاعة حكم الله والقول عبارة عن آيتين حذف من أولهم لأولهل وهى أقوال للكفار وأما بداية الآية الثانية فهى وللدار الأخرة وهى رد على قولهم .
"قد نعلم أنه ليحزنك الذى يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون "المعنى إنا نعرف أنه يضايقك الذى يزعمون فإنهم حقا يكذبونك أى الكافرين بأحكام الرب يكفرون،يبين الله لنبيه(ص)أنه يعلم أنه يحزنه الذى يقولون والمراد أن الله يعرف أنه يضايق الرسول(ص)الذى يزعم الكفار من أكاذيب ويبين له أنهم لا يكذبونه أى الحقيقة أنهم يكفرون برسالته ولا هنا تعنى الحقيقة كما معنى لا فى قوله تعالى بسورة النمل "لا يحطمنكم سليمان"فمعناها حقا يدمرنكم سليمان(ص) وفسر هذا بأن الظالمين وهم الكافرون بآيات الله يجحدون أى بأحكام الرب يكفرون مصداق لقوله بسورة العنكبوت"وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون "والخطاب للنبى(ص)وهو محذوف أوله.
"ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين "المعنى ولقد كفر بأنبياء(ص)من قبلك فأطاعوا رغم ما جحدوا وأضروا حتى جاءهم تأييدنا ولا مغير لإرادات الرب ولقد أتاك من خبر الأنبياء ،يبين الله لنبيه (ص) أن الرسل وهم الأنبياء(ص)قد كذبت أى كفرت بهم أقوامهم أى استهزءت بهم قبل وجوده فى الدنيا مصداق لقوله بسورة الأنعام"ولقد استهزىء برسل من قبلك" فكان رد فعل الرسل (ص)أن صبروا على ما كذبوا والمراد أن أطاعوا حكم الله رغم أن الكفار كفروا برسالاتهم وهم قد أوذوا أى أضروا فى دين الله حتى أتاهم نصر الله والمراد حتى جاء الرسل (ص)تأييد الرب لهم ،ويبين له أن لا مبدل لكلمات الله والمراد أن لا تغيير أى لا تحريف لأحكام أى لسنن الرب مصداق لقوله بسورة فاطر"ولن تجد لسنة الله تبديلا"وهذا يعنى أن ما حدث للرسل (ص)قبله سيحدث له ويبين له أنه قد جاءه من نبأ المرسلين والمراد أنه قد ألقى له من قصص الأنبياء مصداق لقوله بسورة النساء"ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل"وهذا يعنى أن واجبه أن يأخذ العبرة من هذه القصص حتى يستفيد منها فى دعوته وهو ألا يحزن بسبب تكذيب القوم له وأن يطيع حكم الله رغم ما يلاقيه فى حياته من مضايقات والخطاب وما بعده للنبى(ص) .
"وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغى نفقا فى الأرض أو سلما فى السماء فتأتيهم بآية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين "المعنى وإن كان عظم عليك تكذيبهم لك فإن قدرت أن تجد سردابا فى الأرض أو مصعدا إلى السماء فتجيئهم بمعجزة فافعل ولو أراد الرب لخلقهم على الإسلام فلا تصبحن من الكافرين ،يبين الله لنبيه (ص)أنه إن كان كبر عليك إعراضهم والمراد إن كان عظم على نفسك تكذيبهم لك فإن استطعت أن تبتغى نفقا فى الأرض أو سلما فى السماء والمراد فإن قدرت يا محمد (ص)أن تجد سردابا فى الأرض أو مصعدا إلى السماء فتأتيهم بآية والمراد فتجيئهم بمعجزة فافعل وهذا يعنى أنه لن يعطيه أى معجزة أى آية حتى يزيل ما فى نفسه من عظمة تكذيبهم له وفى هذا قال بسورة الإسراء"وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون" وإنما عليه أن يوقن أن الآيات لا تمنع التكذيب كما حدث مع السابقين الأولين ويبين له أنه لو شاء لجمعهم على الهدى والمراد لو أراد لوحد قلوبهم على الإسلام ولكنه لم يرد هذا ويطلب منه ألا يكونن من الجاهلين وهم المكذبين بآيات الله مصداق لقوله بسورة يونس"ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله "وهم الكافرين .
"إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون " المعنى إنما يطيع الذين يعقلون والكفار يحييهم الرب ثم إلى جزاءه يعودون ،يبين الله لنبيه (ص)أنه إنما يستجيب الذين يسمعون والمراد إنما يطيع حكم الله الذين يؤمنون به مصداق لقوله بسورة الشورى "ويستجيب الذين أمنوا "والموتى وهم الكفار الذين لا يسمعون أى لا يؤمنون بحكم الله مصداق لقوله بسورة النمل"إنك لا تسمع الموتى"يبعثهم الله والمراد يبقيهم الرب فى الدنيا حتى موعد موتهم ثم إليه يرجعون والمراد ثم إلى عقاب الرب يدخلون بعد الموت والخطاب وما بعده للنبى(ص) .
"وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه قل إن الله قادر على أن ينزل آية ولكن أكثرهم لا يعلمون "المعنى وقالوا هلا أتى معه معجزة من خالقه قل إن الرب مستطيع أن يعطى معجزة ولكن معظمهم لا يؤمنون ،يبين الله لنبيه(ص)أن الكفار قالوا:لولا نزل عليه آية من ربه والمراد هلا أتى معه معجزة من إلهه مصداق لقوله بسورة طه"قالوا لولا يأتينا بآية من ربه"وهذا يعنى أنهم يطلبون معجزة من الله مع محمد(ص)ويطلب الله منه أن يقول لهم الله قادر على أن ينزل آية والمراد الرب مستطيع أن يعطى معجزة ويبين له أن أكثرهم لا يعلمون والمراد أن أغلب الناس لا يؤمنون بها كما فعل الأولون مصداق لقوله بسورة الإسراء"وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون "وهذا يعنى أنه لن يعطيهم أى معجزة .
"وما من دابة فى الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا فى الكتاب من شىء ثم إلى ربهم يحشرون "المعنى وما من مخلوق فى الأرض ولا طائر يضرب بيديه إلا جماعات أشباهكم ،ما تركنا فى الوحى من قضية ثم إلى خالقهم يعودون ،يبين الله للناس أن كل دابة أى كل نوع من المخلوقات فى الأرض ولا طائر يطير بجناحيه والمراد ولا طائر يرفرف بيديه هم أمم أمثال الناس والمراد هم أقوام أشباه أقوام الناس لهم حكم يسيرون عليه ،ويبين لهم أنه ما فرط فى الكتاب من شىء والمراد ما ترك فى الوحى من حكم فى قضية إلا قاله فى الوحى وهو القرآن وتفسيره المحفوظ فى الكعبة الحقيقة أى بين كل شىء مصداق لقوله بسورة النحل"وأنزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء"وبعد هذا الكل إلى ربهم يحشرون والمراد كل أنواع المخلوقات تعود إلى جزاء الله فى الآخرة والخطاب للناس.
"والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم فى الظلمات من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم"المعنى والذين كفروا بأحكامنا عصاة مخالفين فى الضلالات من يرد الرب يعذبه ومن يرد يدخله فى جنة كبرى ،يبين الله لنبيه(ص)أن الذين كذبوا بآياتنا صم وبكم فى الظلمات والمراد أن الذين كفروا بأحكامنا عصاة مخالفين لأحكام الله فى جهنم مصداق لقوله بسورة البينة "إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين فى نار جهنم"،ويبين لهم أن من يشأ يضلله والمراد من يرد الرب يعذبه فى النار ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم والمراد ومن يرد يدخله فى رحمة مستمرة وهى الجنة وفى هذا قال بسورة الإسراء"إن يشأ يرحمكم وإن يشأ يعذبكم "وقوله بسورة العنكبوت "يعذب من يشاء ويرحم من يشاء"والخطاب للنبى(ص)وما بعده وما بعده.
"قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين "المعنى قل أخبرونى إن أصابكم ضرر من الرب أو حضرتكم القيامة أسوى الرب تنادون إن كنتم عادلين ؟يطلب الله من نبيه(ص)أن يقول للناس أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله والمراد اعلمونى إن جاءكم ضرر من الله فى الدنيا أو أتتكم الساعة والمراد أو حضرتكم القيامة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين والمراد أسوى الرب تنادون لينقذكم إن كنتم عادلين فى قولكم؟والغرض من السؤال هو إخبار الناس أنهم لا يؤمنون بالله إلا ساعة العذاب وهو الضرر ومن ثم يدعونه لينقذهم من العذاب .
"بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون "المعنى إنما الله تنادون فيزيل الذى تطلبون منه إن أراد وتتركون ما تعبدون من دونه ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للناس :بل إياه تدعون والمراد إنما الله تنادون ليكشف الضرر فيكشف ما تدعون إليه إن شاء والمراد فيزيل الذى تطلبون منه إزالته إن أراد وهذا يعنى أن الله يزيل ما يشاء من العذاب مثلما حدث مع قوم فرعون لما أزال عنهم الطوفان والدم والقمل والضفادع والجراد وهو الضرر ويترك ما يريد من العذاب نازل بأهله مثل عذاب الساعة ،وتنسون ما تشركون والمراد وتتركون دعوة ما تعبدون من غير الله .
"ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون "المعنى ولقد بعثنا إلى أقوام من قبل وجودك فعاملناهم بالأذى أى السوء لعلهم يتوبون ،يبين الله لنبيه (ص)أنه أرسل إلى أمم من قبله والمراد أنه بعث أنبياء إلى أهالى القرى قبل وجوده فى الدنيا فأخذهم أى فعاملهم بالبأساء وهى الضراء كما فسرها وهى أنواع الأذى مصداق لقوله بسورة الأعراف"وما أرسلنا فى قرية من نبى إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء"والسبب فى هذه المعاملة هو لعلهم يتضرعون أى "لعلهم يتذكرون"كما قال بسورة البقرة والمراد لعلهم يسلمون نتيجة معرفتهم قوة الله على العذاب والخطاب وما بعده للنبى(ص) وما بعده وما بعده.
"فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون "المعنى فهلا وقت أصابهم عذابنا أسلموا ولكن تحجرت أنفسهم أى حسن لهم الهوى الذى كانوا يسيئون ،يبين الله لنبيه (ص)أن الأمم لما جاءهم بأس الله لم يتضرعوا والمراد أن الأقوام لما أتاهم عقاب وهو عذاب الله لم يستكينوا أى لم يسلموا لله مصداق لقوله بسورة المؤمنون"لقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم "وفسر الله عدم تضرعهم بأنهم قست قلوبهم أى كفرت أنفسهم بحكم الله وفسره بأنه زين لهم الشيطان ما كانوا يعملون والمراد حسن لهم هوى النفس وهو الشهوات الذى كانوا يسيئون مصداق لقوله بسورة التوبة "زين لهم سوء أعمالهم "
"فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شىء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون "المعنى فلما عصوا ما أبلغوا به أعطينا لهم من أرزاق كل نوع حتى إذا سروا بالذى أعطوا أهلكناهم فجأة فإذا هم معذبون ،يبين الله لنبيه (ص)أن الأمم لما نسوا ما ذكروا والمراد لما خالفوا ما أبلغوا به من حكم الله مصداق لقوله بسورة التوبة "نسوا الله "رغم ما أصابهم من الضراء أى السيئة عاملهم الله معاملة مختلفة ففتح عليهم أبواب كل شىء والمراد فأعطى لهم من أرزاق كل صنف الكثير وهى المعاملة الحسنة مصداق لقوله بسورة الأعراف"ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا" أى حتى إذا فرحوا بما أوتوا والمراد حتى إذا سروا والمراد تصرفوا فى الذى أعطوا بحكم الكفر أخذناهم بغتة والمراد أهلكناهم فجأة فإذا هم مبلسون أى معذبون