رضا البطاوى
عضو فعال
- المشاركات
- 2,709
- الإقامة
- مصر
"قال الملك ائتونى به فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فسئله ما بال النسوة اللاتى قطعن أيديهن إن ربى بكيدهن عليم "المعنى قال الحاكم جيئونى به فلما أتاه المبعوث قال عد إلى ملكك فاستفهمه عن أمر النساء اللاتى جرحن أكفهن إن إلهى بمكرهن خبير ،يبين الله لنبيه(ص)أن الساقى لما ذهب فأخبر الملك قال الملك وهو الحاكم لمن حوله ائتونى به والمراد جيئونى بيوسف(ص) فلما جاءه الرسول والمراد فلما ذهب المبعوث الذى بعثه الملك لإخراج يوسف رفض يوسف(ص)الخروج فقال ارجع إلى ربك والمراد عد إلى حاكمك فسئله ما بال النسوة اللاتى قطعن أيديهن والمراد فاستفهم منه ما حكاية النساء اللاتى قطعن أيديهن أى جرحن أكفهن إن ربى بكيدهن عليم والمراد إن خالقى بمكرهن خبير وهذا يعنى أن يوسف(ص) أراد إثبات براءته وأنه دخل السجن مظلوما قبل أن يخرج منه
"قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين "المعنى قال ما أمركن إذ حدثتن يوسف عن شهوته قلن الصدق لله ما عرفنا عليه من فساد قالت زوجة العزيز الآن ظهر الحق أنا حدثته عن شهوته وإنه لمن العادلين يبين الله لنبيه(ص)أن يوسف لما رفض الخروج من السجن حقق الملك بنفسه فى القضية فطلب جمع النسوة فحضرن فسألهن ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه والمراد ما حقيقة أمركن حين حدثتن يوسف عن شهوته ؟فأتاه الجواب منهن حاش لله والمراد الصدق واجب لله ما علمنا عليه من سوء والمراد ما عرفنا منه من فاحشة وهذا يعنى أنه برىء فى رأيهن ،فقالت امرأة العزيز وهى زوجة الوزير :الآن حصحص الحق أى فى هذا الوقت ظهر الصدق أنا راودته عن نفسه والمراد أنا حدثته عن شهوته والمراد أنا طالبته بالزنى وإنه لمن الصادقين أى المحقين فى كلامهم.
"ذلك ليعلم إنى لم أخنه بالغيب وإن الله لا يهدى كيد الخائنين وما أبرىء نفسى إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربى إن ربى غفور رحيم "المعنى ذلك ليعرف إنى لم أكذبه بالغياب وإن الله لا يفلح مكر الكاذبين وما أزكى نفسى إن النفس لموصية بالشر إلا ما نفع إلهى إن إلهى عفو مفيد ،يبين الله لنبيه (ص)أن امرأة العزيز قالت أيضا للملك:ذلك ليعلم أنى لم أخنه بالغيب والمراد ذلك ليعرف يوسف(ص) أنى لم أكذبه فى غيابه وهذا يعنى أنها تريد أن يعرف يوسف(ص)أن غيابه لم يمنعها من أن تقول الحق وقالت وإن الله لا يهدى كيد الخائنين والمراد وإن الله لا ينجح مكر الكاذبين وهذا يعنى أن الله يفشل مكر الكفار وقالت وما أبرىء نفسى إن النفس لأمارة بالسوء والمراد وما أزكى نفسى والمراد ما أريد أن أشكر نفسى إن النفس لموصية بالشر إلا ما رحم ربى أى إلا من نفع إلهى إن ربى غفور رحيم والمراد إن إلهى عفو نافع ومن هذا القول يتضح لنا أن امرأة العزيز قد أسلمت فهذا هو كلام المسلمين .
"قال الملك ائتونى به أستخلصه لنفسى فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين "المعنى قال الحاكم جيئونى بيوسف(ص)أصطفيه لنفسى فلما حدثه قال إنك اليوم قادر مخلص ،يبين الله لنبيه(ص)أن الملك وهو حاكم مصر قال للحاشية :ائتونى به والمراد أحضروا لى يوسف (ص)استخلصه لنفسى أى أختاره لنفسى وهذا يعنى أنه طلب منهم إحضار يوسف(ص)حتى يتخذه صديق له وبلغة العصر مستشار خاص له وحده فلما حضر يوسف (ص) كلمه أى تحدث معه الملك فقال له :إنك اليوم لدينا مكين أمين والمراد إنك الآن عندنا آمر مخلص وهذا يعنى أن الملك عين يوسف(ص)أميرا وهو أمير مخلص لدى الملك .
"قال اجعلنى على خزائن الأرض إنى حفيظ عليم "المعنى قال حكمنى فى أرزاق البلاد إنى وكيل خبير،يبين الله لنبيه(ص)أن يوسف(ص)قال للملك:اجعلنى على خزائن الأرض والمراد حكمنى فى منافع البلاد وهذا يعنى أنه طلب منه أن يكون وزيرا للاقتصاد حتى ينظمه وقال إنى حفيظ أى أمين أى صائن لمال البلاد عليم أى خبير بهذه الموارد وكيفية الاستفادة بها.
"وكذلك مكنا ليوسف فى الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين "المعنى وهكذا مهدنا ليوسف (ص)فى البلاد ينزل منها حيث يريد نعطى رزقنا من نريد ولا نبخس ثواب المصلحين ،يبين الله لنبيه(ص)أنه كذلك أى بتلك الطريقة وهو تفسير الأحلام مكن أى مهد أى حكم يوسف(ص)فى الأرض وهى البلاد يتبوأ منها حيث يريد والمراد يذهب فيها حيث يحب ،ويبين له أنه يصيب برحمته من يشاء والمراد يعطى رزقه لمن يريد من العباد ولا نضيع أجر المحسنين والمراد لا يبخس حق المصلحين مصداق لقوله بسورة الأعراف"إنا لا نضيع أجر المصلحين "وهذا يعنى أنه لا يظلم المطيع لحكمه .
"ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون "المعنى ولثواب القيامة أفضل للذين صدقوا وكانوا يطيعون ،يبين الله لنبيه(ص)أن أجر الآخرة وهو ثواب القيامة من الله خير للذين آمنوا أى صدقوا حكم الله وكانوا يتقون أى يعملون الصالحات مصداق لقوله بسورة القصص"ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ".
"وجاء اخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون "المعنى وأتى اخوة يوسف (ص)فولجوا عليه فعلم بهم وهم به جاهلون ،يبين الله لنبيه(ص)أن اخوة يوسف (ص)العشرة جاءوا أى أتوا لمقر إقامته فدخلوا عليه والمراد فحضروا عنده فعرفهم أى فعلم أنهم اخوته والسبب أنهم كانوا كبارا لما فعلوا به المكر ولم تتغير وجوههم وأما هو فكانوا له منكرون أى كانوا به جاهلون وهذا يعنى أنهم لم يعرفوه لتغير شكله لأنه كان صغيرا ثم كبروالشكل يتغير من الصغر للكبر ولأنهم يظنون أنه لا يصل لهذه المكانة .
"ولما جهزهم بجهازهم قال ائتونى بأخ لكم من أبيكم ألا ترون أنى أوفى الكيل وأنا خير المنزلين فإن لم تأتونى به فلا كيل لكم عندى ولا تقربون "المعنى ولما أعدهم بأحمالهم قال جيئونى بأخ لكم من والدكم ألا تعلمون أنى أتم الوزن وأنا أحسن المعطين فإن لم تجيئونى به فلا وزن لكم لدى ولا تأتون ،يبين الله لنبيه(ص)أن يوسف (ص)جهز اخوته بجهازهم والمراد حمل لاخوته الأحمال على رحالهم ثم قال لهم ائتونى بأخ لكم من أبيكم والمراد أحضروا لى أخ لكم من والدكم ألا ترون أنى أوفى الكيل وأنا خير المنزلين أى ألا تعلمون أنى أحسن الوزن وأنا أفضل الوازنين فإن لم تأتونى به فلا كيل لكم عندى ولا تقربون والمراد فإن لم تحضروه عندى فلا وزن لكم لدى أى لا تحضرون عندى وهذا القول غريب فالبيع والشراء لا يستلزم وجود الأخ ولكن الواضح أن هذه التجارة كانت بنظام البطاقات المكتوب فيها أسماء العائلة وحضورهم لاستلام هذا الطعام فاستغل يوسف(ص)هذه النقطة لتدبير مكيدة لاخوته حتى يعرفوا أن الله حق وهذا يعنى أنه اشترط لأخذ الكيل حضور الأخ حتى يحصلوا على وزنهم وعدم إحضارهم يعنى أنهم كاذبون فيما كتب فى بطاقتهم ومن ثم فالأفضل ألا يحضروا لأخذ الوزن .
"قال سنرواد عنه أباه وإنا لفاعلون "المعنى قالوا سنحدث عن ذلك والده وإنا لصانعون،يبين الله لنبيه(ص)أن الاخوة قالوا ليوسف(ص)سنراود عنه أباه والمراد سنحدث عن إحضاره لك والده وإنا لفاعلون والمراد وإنا لجالبونه لك وهذا يعنى أنهم سيضغطون على الأب بشتى الوسائل لإحضار الأخ حتى يحصلوا على الطعام .
"وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم فى رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون "المعنى وقال لخدمه ضعوا تجارتهم فى متاعهم لعلهم يعلمون بها إذا عادوا إلى أسرهم لعلهم يعودون ،يبين الله لنبيه(ص)أن يوسف (ص)قال لفتيانه وهم خدمه العاملون معه :اجعلوا بضاعتهم فى رحالهم والمراد ضعوا سلعهم فى متاعهم وهو حقائبهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم والمراد لعلهم يعلمون بها إذا عادوا إلى أسرهم لعلهم يرجعون أى يعودون والغرض من وضع السلع فى الحقائب مرة أخرى هو إغراء الاخوة على العودة بسبب عدل العزيز الذى لم يرض أن يأخذ سلعهم دون مقابل وأعادها لهم .
"فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا منع منا الكيل فأرسل معنا أخانا نكتل وإنا له لحافظون "المعنى فلما عادوا إلى والدهم قالوا يا والدنا حرم علينا الوزن فابعث معنا أخانا نزن وإنا له لصائنون،يبين الله لنبيه(ص)أن الأبناء لما رجعوا إلى أبيهم أى لما عادوا إلى مكان وجود والدهم قالوا له :يا أبانا أى يا والدنا منع منا الكيل والمراد حرمنا الوزير من الطعام فأرسل أى فابعث معنا أخانا لأنه اشترط حضوره معنا نكتل أى نأخذ وزن الطعام منه وإنا له لحافظون أى لحامون من كل خطر وهذا يعنى أنهم بينوا لأبيهم السبب فى منع الطعام هو عدم وجود أخيهم معهم فى الرحلة السابقة وأن وجوده هو الذى سيجلب الطعام .
"قال هل أمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين"المعنى قال هل أحفظكم عليه إلا كما حفظتكم على أخيه من قبل فالله أفضل صائن وهو أفضل النافعين ،يبين الله لنبيه(ص)أن الأب قال لهم هل أمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل والمراد هل أحفظكم عليه إلا كما حفظتكم على يوسف (ص)من قبل ؟والغرض من السؤال هو إخبارهم أن يثق فيهم كما وثق فيهم فى يوسف(ص)من قبل وقال فالله خير حافظا والمراد أحسن حاميا وهو أرحم الراحمين أى خير النافعين للخلق.
"ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم قالوا يا أبانا ما نبغى هذه بضاعتنا ردت إلينا نمير أهلنا ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعير ذلك كيل يسير "المعنى ولما فتشوا حقائبهم لقوا سلعهم أعيدت لهم قالوا يا والدنا هذه سلعنا أعيدت لنا ونزود أسرنا ونحمى أخانا ونكثر وزن بعير هذا وزن هين،يبين الله لنبيه(ص)أن الأبناء لما فتحوا متاعهم والمراد لما فتشوا حقائبهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم والمراد لقوا سلعهم أعيدت لهم ففرحوا وتأكدوا من عدل الوزير فعزموا على العودة فقالوا لأبيهم :يا أبانا أى يا والدنا ما نبغى هذه بضاعتنا ردت إلينا والمراد هذا الذى نريد هذه سلعنا أعيدت لنا ونمير أهلنا أى نزود أسرنا بالطعام ونحفظ أخانا أى ونحمى أخانا من الخطر ونزداد كيل بعير أى ونضيف لنا وزن راحلة طعام ذلك كيل يسير أى حمل هين ومن هذا يتضح أن هدف الرحلة هو الحصول على الطعام .
"قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتتنى به إلا أن يحاط بكم فلما أتوه موثقهم قال الله على ما نقول وكيل "المعنى قال لن أبعثه معكم حتى تحلفون لى بالله لتجيئونى به إلا أن يلم بكم فلما أعطوه عهدهم قال الله على الذى نتحدث شهيد ،يبين الله لنبيه(ص)أن الأب(ص)قال لهم لن أرسله معكم والمراد لن أبعثه معكم حتى تؤتون موثقا من الله والمراد حتى تقولون عهدا بالله لتأتتنى به إلا أن يحاط بكم والمراد لتحضروه لى إلا يلم بكم هلاك وهذا يعنى أنه طلب منهم أن يحلفوا بالله أن يحضروا أخيهم مرة أخرى واستثنى من ذلك حالة واحدة هى نزول مصيبة عليهم كلهم تمنعهم من إحضاره ،فلما أتوه موثقهم أى لما حلفوا له حلفانهم على ما طلب قال الله على ما نقول وكيل والمراد الله على الذى نتكلم شهيد وهو بهذا القول يعنى أنه يكلهم إلى الله إذا حنثوا فى قسمهم .
"يا بنى لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغنى عنكم من شىء إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون "المعنى يا أولادى لا تلجوا من مدخل واحد ولجوا من مداخل متعددة وما أمنع عنكم من الله من ضرر إن القضاء إلا لله بطاعته احتميت وبطاعته فليحتمى المحتمون ،يبين الله لنبيه(ص)أن يعقوب(ص)قال لأولاده:يا بنى أى يا أولادى لا تدخلوا من باب واحد والمراد لا تلجوا البلد من مدخل واحد وادخلوا من أبواب متفرقة والمراد واذهبوا من منافذ متعددة وما أغنى عنكم من الله من شىء أى ولا أمنع عنكم من الله من ضرر ،وهذه النصيحة الغرض منها حماية الأولاد من الخطر فإذا أصاب البعض فإنه لا يصيب البعض الأخر بسبب تفرقهم وقد بين لهم أنه لا يقدر على منع ضرر الله لهم فى أى وقت وقال إن الحكم إلا لله والمراد إن القضاء إلا لله وحده عليه توكلت أى بطاعة حكمه احتميت من ضرره وعليه فليتوكل المتوكلون والمراد وبطاعة حكم الله فليحتمى المحتمون .
"ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغنى عنهم من الله من شىء إلا حاجة فى نفس يعقوب قضاها وإنه لذو علم لما علمناه ولكن أكثر الناس لا يعلمون "المعنى ولما ذهبوا من حيث أوصاهم والدهم ما كان يمنع عنهم من الله من ضرر إلا رغبة فى قلب يعقوب(ص)نفذها وإنه لصاحب معرفة بما عرفناه ولكن معظم الخلق لا يشكرون ،يبين الله لنبيه(ص) أن الأولاد دخلوا من حيث أمرهم أبوهم والمراد ولجوا البلد من حيث أوصاهم والدهم وهذا يعنى أنهم دخلوا من أبواب وهى مداخل البلدة المتعددة ،ويبين له أن والدهم ما كان يغنى أى يمنع عنهم من الله من شىء أى ضرر إلا حاجة فى نفس يعقوب قضاها أى إلا رغبة فى قلب يعقوب(ص)نفذها وهذا يعنى أن الرغبة وهى الخوف من فقد أولاده كلهم هى التى دفعته لتلك النصيحة وهو ذو علم أى صاحب حكمة والسبب ما علمه الله أى ما عرفه الله من حكمه ويبين له أن أكثر الناس لا يعلمون أى أن معظم الخلق لا يطيعون حكم الله أى لا يشكرون كما قال بنفس السورة .
"ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه قال إنى أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون "المعنى ولما ولجوا على يوسف(ص) ضم له أخاه قال إنى أنا أخوك فلا تحزن على ما كانوا يفعلون،يبين الله لنبيه(ص)أن الاخوة لما دخلوا أى لما حضروا فى مكان وجود يوسف(ص) أوى إليه أخاه والمراد ضم أى احتضن أخاه بعيدا عن أعينهم وهو يقول له إنى أنا أخوك أى أنا يوسف فلا تبتئس بما كانوا يعملون والمراد فلا تحزن على الذى كانوا يفعلون وهذا يعنى أنه يطمئن أخاه على أن زمن الحزن ولى .
"فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية فى رحل أخيه ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون " المعنى فلما حملهم بأحمالهم وضع الصواع فى حقيبة أخيه ثم نادى منادى أيها الركب إنكم لصوص،يبين الله لنبيه(ص)أن يوسف (ص)اتفق مع أخيه على مكيدة لإخوتهم فجهزهم بجهازهم أى فلما حمل أحمالهم على الرواحل جعل السقاية فى رحل أخيه والمراد وضع صواع الملك وهو إناء الكيل فى حقيبة أخيه وبعد أن ساروا قليلا بعث يوسف (ص)مؤذن أى منادى أذن أى نادى عليهم قائلا :أيتها العير إنكم لسارقون والمراد إنكم أيها الركب إنكم لصوص وهذا يعنى أنهم اتهموهم بأنهم لصوص
"قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم "المعنى قالوا ورجعوا إليهم ماذا تنقصون قالوا ننقص سقاية الحاكم ولمن أتى به وزن حمار وأنا له معطى ،يبين الله لنبيه(ص)أن الاخوة أقبلوا عليهم أى عادوا إلى مكان المنادى وقالوا للمؤذن ماذا تفقدون أى ماذا نقصتم؟قال:نفقد صواع الملك والمراد ننقص سقاية الحاكم وهو إناء الوزن ولمن جاء به حمل بعير والمراد ولمن أتى به وزن حمار من الطعام وأنا به زعيم أى معطى وهذا يعنى أن يوسف (ص)حبكا للمكيدة جعل جائزة لمن يأتى بالمكيال والجائزة تتمثل فى حمل بعير أى كيل طعام محمول على الحمار .
"قالوا تا الله لقد علمتم ما جئنا لنفسد فى الأرض وما كنا سارقين قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين قالوا جزاؤه من وجد فى رحله فهو جزاؤه كذلك نجزى الظالمين "المعنى قالوا والله لقد عرفتم ما أتينا لنخرب فى البلاد أى ما كنا لصوص قالوا فما عقابه إن كنتم مفترين قالوا استرقاق من لقى فى حقيبته فهو عقابه هكذا نعاقب اللصوص،يبين الله لنبيه(ص)أن الاخوة ردوا على المنادى:لقد علمتم ما جئنا لنفسد فى الأرض والمراد لقد عرفتم ما حضرنا لنظلم فى البلاد وفسروا قولهم بأنهم ما كانوا سارقين أى لصوص أى ظالمين ،فسألهم يوسف(ص)وهو يعرف العقاب ما جزاؤه إن كنتم كاذبين والمراد ما عقاب السارق إن كنتم مفترين فى قولكم ؟فردوا قائلين جزاؤه من وجد فى رحله فهو جزاؤه والمراد استعباده من لقى فى حقيبته فهو عقابه هكذا نجزى الظالمين والمراد بالاسترقاق نعاقب اللصوص وهذا يعنى أن عقوبة السارق فى شريعة إبراهيم(ص)هو استرقاقه لصالح المسروق منه .
"فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه فى دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذى علم عليم "المعنى فاستهل التفتيش بحقائبهم قبل حقيبة أخيه ثم استطلعها من حقيبة أخيه هكذا مكرنا ليوسف (ص)ما كان ليستعبد أخاه فى سقاية الحاكم إلا أن يريد الله نزيد عطايا من نريد وفوق كل صاحب معرفة عارف،يبين الله لنبيه(ص)أن يوسف (ص)بدأ بأوعيتهم والمراد استهل التفتيش بحقائب اخوته من أبيه فقط ثم استخرجها من وعاء أخيه والمراد ثم طلعها من حقيبة أخيه من أبيه وأمه وبذلك كاد الله ليوسف (ص)والمراد بإنجاح المكيدة انتقم الله ليوسف(ص)،ما كان ليأخذ أخاه فى دين الملك إلا أن يشاء الله والمراد ما كان ليعاقب أخاه بسبب سقاية الحاكم إلا أن يريد الله وهذا يعنى أن أمر العقاب كان صوريا فيوسف(ص)لم يستعبد أخاه كما قال لاخوته عندما أقروا بالعقوبة،ويبين الله له أنه يرفع درجات من نشاء والمراد يزيد من يريد من الخلق عطايا على الآخرين وفوق كل ذى علم عليم والمراد أن كل صاحب معرفة فوقه عارف أفضل منه هو الله .
"قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف فى نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانا والله أعلم بما تصنعون "المعنى قالوا إن ينهب فقد نهب أخ له من قبل فأخفاها فى قلبه ولم يظهرها لهم قال أنتم أسوأ مقاما والله أعرف بالذى تعملون ،يبين الله لنبيه(ص)أن الاخوة قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل والمراد إن يأخذ ما ليس حقه فقد أخذ أخ له ما ليس له بحق من قبل وهم بهذا يشيرون لحادثة كان يوسف طرف فيها ولم يكن سارقا وإن بدت سرقة ،فأسرها والمراد فأخفى يوسف (ص)أمر السرقة الكاذبة فى نفسه ولم يبدها لهم والمراد ولم يشرحها لهم حتى تتم مكيدته وقال فى نفسه أنتم شر مكانا والمراد أنتم أسوأ خلقا والله أعلم بما تصنعون والمراد والله أعرف بالذى تعملون وهذا يعنى أن الله يعرف أنه برىء من التهمة كأخيه .
"قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين "المعنى قالوا يا أيها الوزير إن له والدا عجوزا فأمسك أحدنا مقامه إنا نعرفك من الصالحين ،يبين الله لنبيه(ص)أن الاخوة تذكروا قسمهم لوالدهم فتمسكوا بتنفيذه حتى ولو عرضوا أحدهم للاسترقاق فقرروا أن يعرضوا على الوزير أمر أخذ واحد منهم كعبد بدلا من أخيهم الأخر فذهبوا وقالوا له يا أيها العزيز أى الوزير إن له أبا شيخا والمراد إن له والدا عجوزا فخذ أحدنا مكانه والمراد فاسترق أحدنا مقامه أى بدلا منه إنا نراك من المحسنين أى إنا نعرفك من الصالحين وهذا القول يعنى أنهم بينوا للعزيز سبب طلبهم وهو أن أبوه شيخ عجوز وهو يحبه ولن يقوى على فراقه واستعباده وأن الحل الوحيد هو استعباد أحدهم بدلا منه .
"قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين "المعنى قال ما أمركن إذ حدثتن يوسف عن شهوته قلن الصدق لله ما عرفنا عليه من فساد قالت زوجة العزيز الآن ظهر الحق أنا حدثته عن شهوته وإنه لمن العادلين يبين الله لنبيه(ص)أن يوسف لما رفض الخروج من السجن حقق الملك بنفسه فى القضية فطلب جمع النسوة فحضرن فسألهن ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه والمراد ما حقيقة أمركن حين حدثتن يوسف عن شهوته ؟فأتاه الجواب منهن حاش لله والمراد الصدق واجب لله ما علمنا عليه من سوء والمراد ما عرفنا منه من فاحشة وهذا يعنى أنه برىء فى رأيهن ،فقالت امرأة العزيز وهى زوجة الوزير :الآن حصحص الحق أى فى هذا الوقت ظهر الصدق أنا راودته عن نفسه والمراد أنا حدثته عن شهوته والمراد أنا طالبته بالزنى وإنه لمن الصادقين أى المحقين فى كلامهم.
"ذلك ليعلم إنى لم أخنه بالغيب وإن الله لا يهدى كيد الخائنين وما أبرىء نفسى إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربى إن ربى غفور رحيم "المعنى ذلك ليعرف إنى لم أكذبه بالغياب وإن الله لا يفلح مكر الكاذبين وما أزكى نفسى إن النفس لموصية بالشر إلا ما نفع إلهى إن إلهى عفو مفيد ،يبين الله لنبيه (ص)أن امرأة العزيز قالت أيضا للملك:ذلك ليعلم أنى لم أخنه بالغيب والمراد ذلك ليعرف يوسف(ص) أنى لم أكذبه فى غيابه وهذا يعنى أنها تريد أن يعرف يوسف(ص)أن غيابه لم يمنعها من أن تقول الحق وقالت وإن الله لا يهدى كيد الخائنين والمراد وإن الله لا ينجح مكر الكاذبين وهذا يعنى أن الله يفشل مكر الكفار وقالت وما أبرىء نفسى إن النفس لأمارة بالسوء والمراد وما أزكى نفسى والمراد ما أريد أن أشكر نفسى إن النفس لموصية بالشر إلا ما رحم ربى أى إلا من نفع إلهى إن ربى غفور رحيم والمراد إن إلهى عفو نافع ومن هذا القول يتضح لنا أن امرأة العزيز قد أسلمت فهذا هو كلام المسلمين .
"قال الملك ائتونى به أستخلصه لنفسى فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين "المعنى قال الحاكم جيئونى بيوسف(ص)أصطفيه لنفسى فلما حدثه قال إنك اليوم قادر مخلص ،يبين الله لنبيه(ص)أن الملك وهو حاكم مصر قال للحاشية :ائتونى به والمراد أحضروا لى يوسف (ص)استخلصه لنفسى أى أختاره لنفسى وهذا يعنى أنه طلب منهم إحضار يوسف(ص)حتى يتخذه صديق له وبلغة العصر مستشار خاص له وحده فلما حضر يوسف (ص) كلمه أى تحدث معه الملك فقال له :إنك اليوم لدينا مكين أمين والمراد إنك الآن عندنا آمر مخلص وهذا يعنى أن الملك عين يوسف(ص)أميرا وهو أمير مخلص لدى الملك .
"قال اجعلنى على خزائن الأرض إنى حفيظ عليم "المعنى قال حكمنى فى أرزاق البلاد إنى وكيل خبير،يبين الله لنبيه(ص)أن يوسف(ص)قال للملك:اجعلنى على خزائن الأرض والمراد حكمنى فى منافع البلاد وهذا يعنى أنه طلب منه أن يكون وزيرا للاقتصاد حتى ينظمه وقال إنى حفيظ أى أمين أى صائن لمال البلاد عليم أى خبير بهذه الموارد وكيفية الاستفادة بها.
"وكذلك مكنا ليوسف فى الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين "المعنى وهكذا مهدنا ليوسف (ص)فى البلاد ينزل منها حيث يريد نعطى رزقنا من نريد ولا نبخس ثواب المصلحين ،يبين الله لنبيه(ص)أنه كذلك أى بتلك الطريقة وهو تفسير الأحلام مكن أى مهد أى حكم يوسف(ص)فى الأرض وهى البلاد يتبوأ منها حيث يريد والمراد يذهب فيها حيث يحب ،ويبين له أنه يصيب برحمته من يشاء والمراد يعطى رزقه لمن يريد من العباد ولا نضيع أجر المحسنين والمراد لا يبخس حق المصلحين مصداق لقوله بسورة الأعراف"إنا لا نضيع أجر المصلحين "وهذا يعنى أنه لا يظلم المطيع لحكمه .
"ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون "المعنى ولثواب القيامة أفضل للذين صدقوا وكانوا يطيعون ،يبين الله لنبيه(ص)أن أجر الآخرة وهو ثواب القيامة من الله خير للذين آمنوا أى صدقوا حكم الله وكانوا يتقون أى يعملون الصالحات مصداق لقوله بسورة القصص"ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ".
"وجاء اخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون "المعنى وأتى اخوة يوسف (ص)فولجوا عليه فعلم بهم وهم به جاهلون ،يبين الله لنبيه(ص)أن اخوة يوسف (ص)العشرة جاءوا أى أتوا لمقر إقامته فدخلوا عليه والمراد فحضروا عنده فعرفهم أى فعلم أنهم اخوته والسبب أنهم كانوا كبارا لما فعلوا به المكر ولم تتغير وجوههم وأما هو فكانوا له منكرون أى كانوا به جاهلون وهذا يعنى أنهم لم يعرفوه لتغير شكله لأنه كان صغيرا ثم كبروالشكل يتغير من الصغر للكبر ولأنهم يظنون أنه لا يصل لهذه المكانة .
"ولما جهزهم بجهازهم قال ائتونى بأخ لكم من أبيكم ألا ترون أنى أوفى الكيل وأنا خير المنزلين فإن لم تأتونى به فلا كيل لكم عندى ولا تقربون "المعنى ولما أعدهم بأحمالهم قال جيئونى بأخ لكم من والدكم ألا تعلمون أنى أتم الوزن وأنا أحسن المعطين فإن لم تجيئونى به فلا وزن لكم لدى ولا تأتون ،يبين الله لنبيه(ص)أن يوسف (ص)جهز اخوته بجهازهم والمراد حمل لاخوته الأحمال على رحالهم ثم قال لهم ائتونى بأخ لكم من أبيكم والمراد أحضروا لى أخ لكم من والدكم ألا ترون أنى أوفى الكيل وأنا خير المنزلين أى ألا تعلمون أنى أحسن الوزن وأنا أفضل الوازنين فإن لم تأتونى به فلا كيل لكم عندى ولا تقربون والمراد فإن لم تحضروه عندى فلا وزن لكم لدى أى لا تحضرون عندى وهذا القول غريب فالبيع والشراء لا يستلزم وجود الأخ ولكن الواضح أن هذه التجارة كانت بنظام البطاقات المكتوب فيها أسماء العائلة وحضورهم لاستلام هذا الطعام فاستغل يوسف(ص)هذه النقطة لتدبير مكيدة لاخوته حتى يعرفوا أن الله حق وهذا يعنى أنه اشترط لأخذ الكيل حضور الأخ حتى يحصلوا على وزنهم وعدم إحضارهم يعنى أنهم كاذبون فيما كتب فى بطاقتهم ومن ثم فالأفضل ألا يحضروا لأخذ الوزن .
"قال سنرواد عنه أباه وإنا لفاعلون "المعنى قالوا سنحدث عن ذلك والده وإنا لصانعون،يبين الله لنبيه(ص)أن الاخوة قالوا ليوسف(ص)سنراود عنه أباه والمراد سنحدث عن إحضاره لك والده وإنا لفاعلون والمراد وإنا لجالبونه لك وهذا يعنى أنهم سيضغطون على الأب بشتى الوسائل لإحضار الأخ حتى يحصلوا على الطعام .
"وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم فى رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون "المعنى وقال لخدمه ضعوا تجارتهم فى متاعهم لعلهم يعلمون بها إذا عادوا إلى أسرهم لعلهم يعودون ،يبين الله لنبيه(ص)أن يوسف (ص)قال لفتيانه وهم خدمه العاملون معه :اجعلوا بضاعتهم فى رحالهم والمراد ضعوا سلعهم فى متاعهم وهو حقائبهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم والمراد لعلهم يعلمون بها إذا عادوا إلى أسرهم لعلهم يرجعون أى يعودون والغرض من وضع السلع فى الحقائب مرة أخرى هو إغراء الاخوة على العودة بسبب عدل العزيز الذى لم يرض أن يأخذ سلعهم دون مقابل وأعادها لهم .
"فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا منع منا الكيل فأرسل معنا أخانا نكتل وإنا له لحافظون "المعنى فلما عادوا إلى والدهم قالوا يا والدنا حرم علينا الوزن فابعث معنا أخانا نزن وإنا له لصائنون،يبين الله لنبيه(ص)أن الأبناء لما رجعوا إلى أبيهم أى لما عادوا إلى مكان وجود والدهم قالوا له :يا أبانا أى يا والدنا منع منا الكيل والمراد حرمنا الوزير من الطعام فأرسل أى فابعث معنا أخانا لأنه اشترط حضوره معنا نكتل أى نأخذ وزن الطعام منه وإنا له لحافظون أى لحامون من كل خطر وهذا يعنى أنهم بينوا لأبيهم السبب فى منع الطعام هو عدم وجود أخيهم معهم فى الرحلة السابقة وأن وجوده هو الذى سيجلب الطعام .
"قال هل أمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين"المعنى قال هل أحفظكم عليه إلا كما حفظتكم على أخيه من قبل فالله أفضل صائن وهو أفضل النافعين ،يبين الله لنبيه(ص)أن الأب قال لهم هل أمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل والمراد هل أحفظكم عليه إلا كما حفظتكم على يوسف (ص)من قبل ؟والغرض من السؤال هو إخبارهم أن يثق فيهم كما وثق فيهم فى يوسف(ص)من قبل وقال فالله خير حافظا والمراد أحسن حاميا وهو أرحم الراحمين أى خير النافعين للخلق.
"ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم قالوا يا أبانا ما نبغى هذه بضاعتنا ردت إلينا نمير أهلنا ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعير ذلك كيل يسير "المعنى ولما فتشوا حقائبهم لقوا سلعهم أعيدت لهم قالوا يا والدنا هذه سلعنا أعيدت لنا ونزود أسرنا ونحمى أخانا ونكثر وزن بعير هذا وزن هين،يبين الله لنبيه(ص)أن الأبناء لما فتحوا متاعهم والمراد لما فتشوا حقائبهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم والمراد لقوا سلعهم أعيدت لهم ففرحوا وتأكدوا من عدل الوزير فعزموا على العودة فقالوا لأبيهم :يا أبانا أى يا والدنا ما نبغى هذه بضاعتنا ردت إلينا والمراد هذا الذى نريد هذه سلعنا أعيدت لنا ونمير أهلنا أى نزود أسرنا بالطعام ونحفظ أخانا أى ونحمى أخانا من الخطر ونزداد كيل بعير أى ونضيف لنا وزن راحلة طعام ذلك كيل يسير أى حمل هين ومن هذا يتضح أن هدف الرحلة هو الحصول على الطعام .
"قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتتنى به إلا أن يحاط بكم فلما أتوه موثقهم قال الله على ما نقول وكيل "المعنى قال لن أبعثه معكم حتى تحلفون لى بالله لتجيئونى به إلا أن يلم بكم فلما أعطوه عهدهم قال الله على الذى نتحدث شهيد ،يبين الله لنبيه(ص)أن الأب(ص)قال لهم لن أرسله معكم والمراد لن أبعثه معكم حتى تؤتون موثقا من الله والمراد حتى تقولون عهدا بالله لتأتتنى به إلا أن يحاط بكم والمراد لتحضروه لى إلا يلم بكم هلاك وهذا يعنى أنه طلب منهم أن يحلفوا بالله أن يحضروا أخيهم مرة أخرى واستثنى من ذلك حالة واحدة هى نزول مصيبة عليهم كلهم تمنعهم من إحضاره ،فلما أتوه موثقهم أى لما حلفوا له حلفانهم على ما طلب قال الله على ما نقول وكيل والمراد الله على الذى نتكلم شهيد وهو بهذا القول يعنى أنه يكلهم إلى الله إذا حنثوا فى قسمهم .
"يا بنى لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغنى عنكم من شىء إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون "المعنى يا أولادى لا تلجوا من مدخل واحد ولجوا من مداخل متعددة وما أمنع عنكم من الله من ضرر إن القضاء إلا لله بطاعته احتميت وبطاعته فليحتمى المحتمون ،يبين الله لنبيه(ص)أن يعقوب(ص)قال لأولاده:يا بنى أى يا أولادى لا تدخلوا من باب واحد والمراد لا تلجوا البلد من مدخل واحد وادخلوا من أبواب متفرقة والمراد واذهبوا من منافذ متعددة وما أغنى عنكم من الله من شىء أى ولا أمنع عنكم من الله من ضرر ،وهذه النصيحة الغرض منها حماية الأولاد من الخطر فإذا أصاب البعض فإنه لا يصيب البعض الأخر بسبب تفرقهم وقد بين لهم أنه لا يقدر على منع ضرر الله لهم فى أى وقت وقال إن الحكم إلا لله والمراد إن القضاء إلا لله وحده عليه توكلت أى بطاعة حكمه احتميت من ضرره وعليه فليتوكل المتوكلون والمراد وبطاعة حكم الله فليحتمى المحتمون .
"ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغنى عنهم من الله من شىء إلا حاجة فى نفس يعقوب قضاها وإنه لذو علم لما علمناه ولكن أكثر الناس لا يعلمون "المعنى ولما ذهبوا من حيث أوصاهم والدهم ما كان يمنع عنهم من الله من ضرر إلا رغبة فى قلب يعقوب(ص)نفذها وإنه لصاحب معرفة بما عرفناه ولكن معظم الخلق لا يشكرون ،يبين الله لنبيه(ص) أن الأولاد دخلوا من حيث أمرهم أبوهم والمراد ولجوا البلد من حيث أوصاهم والدهم وهذا يعنى أنهم دخلوا من أبواب وهى مداخل البلدة المتعددة ،ويبين له أن والدهم ما كان يغنى أى يمنع عنهم من الله من شىء أى ضرر إلا حاجة فى نفس يعقوب قضاها أى إلا رغبة فى قلب يعقوب(ص)نفذها وهذا يعنى أن الرغبة وهى الخوف من فقد أولاده كلهم هى التى دفعته لتلك النصيحة وهو ذو علم أى صاحب حكمة والسبب ما علمه الله أى ما عرفه الله من حكمه ويبين له أن أكثر الناس لا يعلمون أى أن معظم الخلق لا يطيعون حكم الله أى لا يشكرون كما قال بنفس السورة .
"ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه قال إنى أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون "المعنى ولما ولجوا على يوسف(ص) ضم له أخاه قال إنى أنا أخوك فلا تحزن على ما كانوا يفعلون،يبين الله لنبيه(ص)أن الاخوة لما دخلوا أى لما حضروا فى مكان وجود يوسف(ص) أوى إليه أخاه والمراد ضم أى احتضن أخاه بعيدا عن أعينهم وهو يقول له إنى أنا أخوك أى أنا يوسف فلا تبتئس بما كانوا يعملون والمراد فلا تحزن على الذى كانوا يفعلون وهذا يعنى أنه يطمئن أخاه على أن زمن الحزن ولى .
"فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية فى رحل أخيه ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون " المعنى فلما حملهم بأحمالهم وضع الصواع فى حقيبة أخيه ثم نادى منادى أيها الركب إنكم لصوص،يبين الله لنبيه(ص)أن يوسف (ص)اتفق مع أخيه على مكيدة لإخوتهم فجهزهم بجهازهم أى فلما حمل أحمالهم على الرواحل جعل السقاية فى رحل أخيه والمراد وضع صواع الملك وهو إناء الكيل فى حقيبة أخيه وبعد أن ساروا قليلا بعث يوسف (ص)مؤذن أى منادى أذن أى نادى عليهم قائلا :أيتها العير إنكم لسارقون والمراد إنكم أيها الركب إنكم لصوص وهذا يعنى أنهم اتهموهم بأنهم لصوص
"قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم "المعنى قالوا ورجعوا إليهم ماذا تنقصون قالوا ننقص سقاية الحاكم ولمن أتى به وزن حمار وأنا له معطى ،يبين الله لنبيه(ص)أن الاخوة أقبلوا عليهم أى عادوا إلى مكان المنادى وقالوا للمؤذن ماذا تفقدون أى ماذا نقصتم؟قال:نفقد صواع الملك والمراد ننقص سقاية الحاكم وهو إناء الوزن ولمن جاء به حمل بعير والمراد ولمن أتى به وزن حمار من الطعام وأنا به زعيم أى معطى وهذا يعنى أن يوسف (ص)حبكا للمكيدة جعل جائزة لمن يأتى بالمكيال والجائزة تتمثل فى حمل بعير أى كيل طعام محمول على الحمار .
"قالوا تا الله لقد علمتم ما جئنا لنفسد فى الأرض وما كنا سارقين قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين قالوا جزاؤه من وجد فى رحله فهو جزاؤه كذلك نجزى الظالمين "المعنى قالوا والله لقد عرفتم ما أتينا لنخرب فى البلاد أى ما كنا لصوص قالوا فما عقابه إن كنتم مفترين قالوا استرقاق من لقى فى حقيبته فهو عقابه هكذا نعاقب اللصوص،يبين الله لنبيه(ص)أن الاخوة ردوا على المنادى:لقد علمتم ما جئنا لنفسد فى الأرض والمراد لقد عرفتم ما حضرنا لنظلم فى البلاد وفسروا قولهم بأنهم ما كانوا سارقين أى لصوص أى ظالمين ،فسألهم يوسف(ص)وهو يعرف العقاب ما جزاؤه إن كنتم كاذبين والمراد ما عقاب السارق إن كنتم مفترين فى قولكم ؟فردوا قائلين جزاؤه من وجد فى رحله فهو جزاؤه والمراد استعباده من لقى فى حقيبته فهو عقابه هكذا نجزى الظالمين والمراد بالاسترقاق نعاقب اللصوص وهذا يعنى أن عقوبة السارق فى شريعة إبراهيم(ص)هو استرقاقه لصالح المسروق منه .
"فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه فى دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذى علم عليم "المعنى فاستهل التفتيش بحقائبهم قبل حقيبة أخيه ثم استطلعها من حقيبة أخيه هكذا مكرنا ليوسف (ص)ما كان ليستعبد أخاه فى سقاية الحاكم إلا أن يريد الله نزيد عطايا من نريد وفوق كل صاحب معرفة عارف،يبين الله لنبيه(ص)أن يوسف (ص)بدأ بأوعيتهم والمراد استهل التفتيش بحقائب اخوته من أبيه فقط ثم استخرجها من وعاء أخيه والمراد ثم طلعها من حقيبة أخيه من أبيه وأمه وبذلك كاد الله ليوسف (ص)والمراد بإنجاح المكيدة انتقم الله ليوسف(ص)،ما كان ليأخذ أخاه فى دين الملك إلا أن يشاء الله والمراد ما كان ليعاقب أخاه بسبب سقاية الحاكم إلا أن يريد الله وهذا يعنى أن أمر العقاب كان صوريا فيوسف(ص)لم يستعبد أخاه كما قال لاخوته عندما أقروا بالعقوبة،ويبين الله له أنه يرفع درجات من نشاء والمراد يزيد من يريد من الخلق عطايا على الآخرين وفوق كل ذى علم عليم والمراد أن كل صاحب معرفة فوقه عارف أفضل منه هو الله .
"قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف فى نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانا والله أعلم بما تصنعون "المعنى قالوا إن ينهب فقد نهب أخ له من قبل فأخفاها فى قلبه ولم يظهرها لهم قال أنتم أسوأ مقاما والله أعرف بالذى تعملون ،يبين الله لنبيه(ص)أن الاخوة قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل والمراد إن يأخذ ما ليس حقه فقد أخذ أخ له ما ليس له بحق من قبل وهم بهذا يشيرون لحادثة كان يوسف طرف فيها ولم يكن سارقا وإن بدت سرقة ،فأسرها والمراد فأخفى يوسف (ص)أمر السرقة الكاذبة فى نفسه ولم يبدها لهم والمراد ولم يشرحها لهم حتى تتم مكيدته وقال فى نفسه أنتم شر مكانا والمراد أنتم أسوأ خلقا والله أعلم بما تصنعون والمراد والله أعرف بالذى تعملون وهذا يعنى أن الله يعرف أنه برىء من التهمة كأخيه .
"قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين "المعنى قالوا يا أيها الوزير إن له والدا عجوزا فأمسك أحدنا مقامه إنا نعرفك من الصالحين ،يبين الله لنبيه(ص)أن الاخوة تذكروا قسمهم لوالدهم فتمسكوا بتنفيذه حتى ولو عرضوا أحدهم للاسترقاق فقرروا أن يعرضوا على الوزير أمر أخذ واحد منهم كعبد بدلا من أخيهم الأخر فذهبوا وقالوا له يا أيها العزيز أى الوزير إن له أبا شيخا والمراد إن له والدا عجوزا فخذ أحدنا مكانه والمراد فاسترق أحدنا مقامه أى بدلا منه إنا نراك من المحسنين أى إنا نعرفك من الصالحين وهذا القول يعنى أنهم بينوا للعزيز سبب طلبهم وهو أن أبوه شيخ عجوز وهو يحبه ولن يقوى على فراقه واستعباده وأن الحل الوحيد هو استعباد أحدهم بدلا منه .