رضا البطاوى
عضو فعال
- المشاركات
- 2,709
- الإقامة
- مصر
"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم أو أرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزى فى الدنيا ولهم فى الآخرة عذاب عظيم"المعنى إنما عقاب الذين يقاتلون الله ونبيه(ص)أى يفعلون فى البلاد ظلما أن يذبحوا أو يعلقوا أو تبتر أيديهم وأرجلهم من تضاد أو يبعدوا عن اليابسة ذلك لهم ذل فى الأولى ولهم فى القيامة عقاب كبير،يبين الله لنا أن جزاء وهو عقاب الذين يحاربون الله ورسوله (ص)أى يحادونهم مصداق لقوله بسورة المجادلة"إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك فى الأذلين"والمعنى أن عقاب الذين يعادون دين الله ونبيه(ص)وفسرهم بأنهم الذين يسعون فى الأرض فسادا والمراد الذين يعملون فى البلاد بالظلم وهو حكم غير الله هو أحد العقوبات التالية:
يقتلوا أى يذبحوا أى أن يصلبوا أى يعلقوا على المصلبة وفسر هذا بأن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف والمراد أن تبتر يد من اليدين والرجل المخالفة لها فى الجهة ويعلق حتى يموت على المصلبة أو أن ينفوا من الأرض والمراد أن يخرجوا من اليابسة أى يغرقوا فى الماء ،ويبين لنا أن ذلك خزى لهم فى الدنيا أى ذل أى عذاب لهم فى الحياة الأولى مصداق لقوله تعالى بسورة الرعد"لهم عذاب فى الحياة الدنيا" ولهم فى الأخرة وهى القيامة عذاب عظيم أى أليم مصداق لقوله تعالى بسورة النور"لهم عذاب أليم فى الدنيا والأخرة" والخطاب للمؤمنين وما بعده .
"إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم" المعنى إلا الذين عادوا للحق من قبل أن تعاقبوهم فاعرفوا أن الله عفو نافع ،يبين الله لنا أن المحاربين المفسدين يستثنى منهم من العقاب الذين تابوا قبل أن نقدر عليهم والمراد الذين عادوا لدين الله قبل أن نقبض عليهم فنعاقبهم فهؤلاء يجب علينا أن نعلم أن الله غفور رحيم أى عفو نافع لهم ومن ثم لا يجب معاقبتهم.
"يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا فى سبيله لعلكم تفلحون"المعنى يا أيها الذين صدقوا حكم الله أطيعوا حكم الله أى اعملوا من أجل جنته الطاعة لحكمه أى اعملوا فى نصره ،يخاطب الله الذين أمنوا وهم الذين صدقوا حكم الله طالبا منهم أن يتقوه أى يخافوا ناره فيطيعوا حكمه مصداق لقوله تعالى بسورة البقرة"فاتقوا النار"وفسر هذا بأن يبتغوا إليه الوسيلة والمراد أن يعملوا لجنته المطلوب منهم وهو طاعة حكم الله وفسر هذا بأن يجاهدوا فى سبيله أى يعملوا على نصر دينه بطاعتهم له والسبب حتى يفلحوا أى يفوزوا بجنة الله وهى رحمته مصداق لقوله تعالى بسورة آل عمران"وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون"فأطيعوا تعنى اتقوا تعنى ابتغوا تعنى جاهدوا وتفلحون تعنى ترحمون والخطاب للمؤمنين وما بعده.
"إن الذين كفروا لو أن لهم ما فى الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ولهم عذاب أليم يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم"المعنى إن الذين كذبوا لو أن لهم الذى فى الأرض كله وقدره معه ليبعدوا به عن عقاب يوم البعث ما أخذ منهم ولهم عقاب شديد يحبون أن يطلعوا من النار وما هم بباعدين عنها ولهم عقاب دائم، يبين الله لنا أن الذين كفروا أى كذبوا بحكم الله لو أن لهم أى لو أنهم يملكون ما فى الأرض جميعا ومثله معه أى وقدر ما فى الأرض معه من أجل أن يفتدوا من عذاب يوم القيامة والمراد من أجل أن ينجوا من عقاب يوم البعث ما تقبل منهم أى ما رضى الله أن ينقذهم من العذاب بسبب دفعهم له ملك الأرض ومثلها معها لأن الله حرم الفدية فقال بسورة الحديد"فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا"ويبين لنا أنهم لهم عذاب أليم أى عقاب عظيم مصداق لقوله تعالى بسورة البقرة"ولهم عذاب عظيم"وأنهم يريدون أن يخرجوا من النار والمراد أنهم يرغبون فى أن يبعدوا عن النار ولكن الحادث أنهم ليسوا بخارجين منها أى ليسوا بطالعين منها أى ليسوا بمبعدين عنها وفسر هذا بأن لهم عذاب مقيم أى عقاب خالد أى دائم مصداق لقوله بسورة المائدة"وفى العذاب هم خالدون ".
"والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم"المعنى واللص واللصة فافصلوا أكفهما عقاب لما عملا انتقاما من الله والله قوى قاضى فمن أناب من بعد سرقته أى أحسن العمل فإن الله يغفر له إن الله تواب نافع،يبين الله لنا أن السارق والسارقة وهما من أخذا مال الغير أيا كان نوعه جهرا أو سرا دون رضاه الواجب فيهم هو قطع أيديهم أى فصل أكفهما عن أذرعهما وهذا جزاء ما كسبا والمراد عقاب الذى صنعا وهو السرقة وهذا الجزاء نكال من الله أى انتقام فرضه الله منهم وهو العزيز أى القوى الحكيم أى القاضى بالحق ،ويبين لنا أن من تاب من بعد ظلمه أى من عاد للحق من بعد سرقته وفسره الله بأنه أصلح أى أناب للحق فالله يتوب عليه أى يغفر له أى يرحمه لأنه غفور رحيم أى نافع مفيد للتائب والخطاب للمؤمنين.
"ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء والله على كل شىء قدير"المعنى هل لم تعرف أن الله له ميراث السموات والأرض يعاقب من يريد ويرحم من يريد والله لكل أمر يريده فاعل؟يخبر الله رسوله(ص)أن له ملك أى ميراث السموات والأرض أى حكمهم مصداق لقوله تعالى بسورة آل عمران"ولله ميراث السموات والأرض"وهو يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء أى يعاقب من يريد وهو الكافر به ويرحم من يريد وهو المؤمن به مصداق لقوله تعالى بسورة العنكبوت"يرحم من يشاء"وهو على كل شىء قدير والمراد لكل أمر يريده فعال مصداق لقوله تعالى بسورة البروج"فعال لما يريد" والخطاب للنبى(ص) وما بعده.
"يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون فى الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم أخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم فى الدنيا خزى ولهم فى الآخرة عذاب عظيم"المعنى يا أيها المبعوث لا يغمك الذين يتسابقون فى تكذيب حكم الله من الذين قالوا صدقنا بألسنتهم ولم تصدق نفوسهم ومن الذين هادوا مطيعون للكفر مطيعون لناس أخرين لم يجيئوك يبعدون الأحكام عن مقاصدها يقولون إن أعطيتم هذا فأطيعوه وإن لم تبلغوه فابعدوا عنه ومن يحب الله عذابه فلن تمنع عنه من الله عذابا أولئك الذين لم يحب الله أن يزكى نفوسهم لهم فى الأولى ذل وفى القيامة عقاب شديد،يخاطب الله الرسول وهو محمد(ص) فينهاه عن الحزن على الذين يسارعون فى الكفر والمراد يزجره عن الأسى على الذين يتسابقون فى عمل أعمال التكذيب لحكم الله لأنهم لا يستحقون ذلك وهم الذين قالوا آمنا بأفواههم والمراد الذين قالوا صدقنا حكم الله بكلماتهم وهى ألسنتهم ولم تؤمن قلوبهم أى ولم تصدق نفوسهم بحكم الله أى لم يدخل الإيمان فى قلوبهم كما قال بسورة الحجرات "ولما يدخل الإيمان فى قلوبكم"،ويبين له أن من الذين هادوا وهم اليهود سماعون للكذب والمراد متبعون لحكم الكفر وفسرهم بأنهم سماعون لقوم أخرين لم يأتوه والمراد متبعون لحكم ناس سواهم لم يحضروا عند محمد(ص) وهم يحرفون الكلم من بعد مواضعه والمراد يبعدون أحكام الله وهى كتابه عن معانيها الحقيقية أى "يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب" كما قال بسورة آل عمران ويقولون لمتبعيهم :إن أوتيتم هذا فخذوه والمراد إن أبلغتم كلامنا هذا فاتبعوه وإن لم تؤتوه فاحذروا والمراد وإن لم تبلغوا به من محمد(ص) فلا تتبعوه،ويبين له أن من يرد الله فتنته والمراد من يشاء الله تعذيبه أى إضلاله مصداق لقوله تعالى بسورة الأنعام"ومن يرد الله أن يضله" فلن يملك له من الله شيئا والمراد فلن يمنع عنه من الله عذابا وبين له أن هؤلاء هم الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم والمراد الذين لم يشأ الله أن يزكى أى يرحم نفوسهم وعقابهم أنهم لهم خزى أى ذل أى عذاب فى الحياة الدنيا وهى الأولى مصداق لقوله تعالى بسورة الرعد"ولهم عذاب فى الحياة الدنيا " ولهم فى الأخرة وهى القيامة عذاب عظيم أى أليم مصداق لقوله تعالى بسورة المائة"ولهم عذاب أليم"والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"سماعون للكذب آكالون للسحت فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضرونك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين"المعنى متبعون للكفر آخذون للحرام فإن أتوك فاقض بينهم أو تولى عنهم وإن تتولى عنهم فلن يؤذوك بشىء وإن قضيت فاقض بينهم بالعدل إن الله يثيب العادلين ،يبين الله لنبيه(ص) أن أهل النفاق وأهل التحريف سماعون للكذب أى مطيعون لما يقال لهم من الباطل وهم آكالون للسحت أى آخذون للمتاع الحرام و الكفار المذكورين إن جاءوه أى حضروا عنده للتقاضى فله الحق فى أن يحكم بينهم أى يقضى بينهم أو يعرض عنهم أى يتولى عنهم والمراد يمتنع عن الحكم بينهم ويبين له أنه لو أعرض عن الحكم والمراد لو امتنع عن الحكم بين الكافرين فلن يضروه بشىء والمراد فلن يصيبوه بأذى مهما كان صغيرا ويطلب منه إن حكم أى قضى بينهم أى يحكم بالقسط وهو العدل أى ما أنزل الله مصداق لقوله تعالى بسورة المائدة"فاحكم بينهم بما أنزل الله"ويبين له أن الله يحب المقسطين والمراد أن الله يرحم العادلين وهم المتقين مصداق لقوله تعالى بسورة آل عمران"فإن الله يحب المتقين".
"وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين"المعنى وكيف يتقاضون عندك ولديهم التوراة بها قضاء الله ثم يعرضون من بعد حكمك وما أولئك بالمصدقين؟،يسأل الله رسوله (ص)كيف يجعلك اليهود قاضيا بينهم مع أن عندهم التوراة فيها حكم أى قضاء الله ثم يتولون أى يرفضون الحكم من بعد صدوره منك ؟والغرض من السؤال هو إخبار الرسول(ص)بأن غرض اليهود من التقاضى عنده خبيث لأنهم يعرفون حكم أى قضاء الله وهو الهدى أى النور فى التوراة مصداق لقوله تعالى بسورة المائدة"إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور" والغرض الخبيث هو أن يقولوا للناس أن حكم محمد(ص)ليس من عند الله بدليل أنهم تولوا أى أعرضوا عن تنفيذه لما وجدوه يخالف ما عندهم واليهود ليسوا مؤمنين أى غير مصدقين بحكم الله أى كافرين مصداق لقوله تعالى بسورة المائدة"فأولئك هم الكافرون"والخطاب للنبى.نزلنا التوراة فيها هدى ونور
"إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتى ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون"المعنى إنا أوحينا التوراة فيها علم أى حكم يقضى بها الرسل (ص)الذين أخلصوا للذين هادوا و أهل الرب أى العلماء بما علموا من حكم الله وكانوا به مصدقين فلا تخافوا الناس وخافون ولا تأخذوا بأحكامى متاعا فانيا ومن لم يقضى بالذى أوحى الله فأولئك هم الكافرون ،يبين الله لنبيه(ص)أنه أنزل أى أوحى التوراة فيها هدى أى نور والمراد أى قضاء أى حكم الله كما فى الآية السابقة"وعندهم التوراة فيها حكم الله"والتوراة يحكم أى يقضى بها النبيون الذين أسلموا والمراد الرسل(ص)الذين أطاعوا حكم الله ويحكم بها الربانيون أى أهل دين الله وهو الرب وهم الأحبار وهم العلماء بدين الله وهم يحكمون بها للذين هادوا وهو اليهود ،والرسل والربانيون أى الأحبار يحكمون بما استحفظوا من كتاب الله والمراد يقضون بالذى علموا من حكم الله وهم شهداء عليه أى مقرين بأن التوراة من عند الله ،ويطلب الله من المؤمنين ألا يخشوا الناس والمراد ألا يخافوا أذى الخلق ويخشوه أى ويخافوه من عذابه لهم إن كفروا به وفى هذا قال تعالى بسورة آل عمران"فلا تخافوهم وخافون"ويفسر الطلب بأن يطلب منهم ألا يشتروا بآياته ثمنا قليلا والمراد ألا يتركوا طاعة عهد الله مقابل طاعتهم لدين يمتعهم بمتاع قصير الأمد مصداق لقوله تعالى بسورة النحل"فلا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا" ويبين لنا أن من لم يحكم أى يقضى بما أنزل أى أوحى الله فأولئك هم الكافرون أى الظالمون أى الفاسقون مصداق لقوليه بنفس السورة "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون"و"ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون".والخطاب أوله للنبى(ص)وما بعده للمؤمنين وهذا يعنى أنه آيتين محذوف بعض من كل منهما وصلتا هكذا بدليل عودة الآية التالية لذكر ما فى التوراة إكمالا لما قيل للنبى(ص)فى أول القول
"وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون"المعنى وفرضنا عليهم فى التوراة أن قتل القاتل بقتله للقتيل وإصابة العين بإصابة العين وإصابة الأنف بإصابة الأنف وإصابة الأذن بإصابة الأذن وإصابة السن بإصابة السن والشقوق فى الجلد إتباع فمن عفا عنه فله دية له ومن لم يقضى بالذى أوحى الله فأولئك هم الكافرون،يبين الله لنا أنه كتب أى فرض أى أوجب على اليهود فى التوراة أن النفس بالنفس أى كما قال تعالى فى نفس البقرة"كتب عليكم القصاص فى القتلى"فالنفس بالنفس تعنى قتل الإنسان القاتل مقابل قتله للقتيل والعين بالعين والمراد إصابة العين بالأذى يقابله إصابة عين المصيب بنفس الأذى والأنف بالأنف والمراد وإصابة المنخار بالضرر يقابله إصابة منخار المصيب بنفس الضرر والأذن بالأذن والمراد وإصابة الأذن بضرر يقابله إصابة أذن المصيب بضرر مثله والسن بالسن تعنى إصابة الأسنان بضرر يقابله إصابة أسنان المصيب بنفس الضرر والجروح قصاص والمراد إحداث شقوق فى الجلد يقابله إحداث شقوق مثلها فى الجارح ،ويبين الله لنا أن من تصدق به أى من تنازل عن حقه فى القصاص فهو كفارة له والمراد له دية من المصيب مصداق لقوله بسورة البقرة"فمن عفى فله شىء من أخيه"ويبين لنا أن من يحكم أى يقضى بما أنزل أى أوحى الله فأولئك هم الظالمون أى الكافرون أى الفاسقون مصداق لقوليه بنفس السورة "فأولئك هم الكافرون"و"فأولئك هم الفاسقون".
"وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وأتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين"المعنى وأرسلنا على دينهم عيسى ابن مريم(ص) مؤمنا بالذى عنده من التوراة وأوحينا له الإنجيل فيه حكم أى علم ومؤمنا بالذى معه من التوراة ورشاد أى ذكر للمطيعين،يبين الله لنا أنه قفى على آثار الرسل والمراد أنه بعث على دين الرسل(ص)عيسى ابن مريم(ص)وهو مصدق بما بين يديه من التوراة والمراد مؤمن بما معه من التوراة أى مصدق بكل ما فى التوراة وأتاه الإنجيل والمراد وأعطاه كتاب الإنجيل فيه هدى أى نور والمراد حكم الله وهو الفرقان بين الحق والباطل والإنجيل يؤمن أى يطابق أى يشابه التوراة وهو هدى أى موعظة أى ذكر للمتقين مصداق لقوله بسورة الأنبياء"وذكرا للمتقين"والمراد حكم الله والخطاب للنبى(ص) وما بعده.
"وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون" المعنى وليقضى أصحاب الإنجيل بالذى أوحى الله فيه ومن لم يقضى بالذى أوحى الله فأولئك هم الكافرون،يطلب الله من أهل وهم أصحاب الإنجيل أى النصارى أن يحكموا بما أنزل الله فيه والمراد أن يقضوا بالذى حكم الله فى الإنجيل حتى يكونوا حقا مؤمنين به ووضح لهم أن من لم يحكم بما أنزل الله والمراد أن من لم يقضى بالحق الذى أوحى الله فأولئك هم الفاسقون أى الكافرون أى الظالمون مصداق لقوله بنفس السورة"فأولئك هم الكافرون"و"فأولئك هم الظالمون".
"وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهوائهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما أتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون"المعنى يا محمد(ص) وأوحينا لك القرآن بالعدل مشابها بالذى عنده من الوحى ومسلطا عليه فاقضى بينهم بالذى أوحى الله ولا تطع آلهتهم فتترك ما أتاك من العدل لكل شرعنا لكم حكما أى دينا ولو أراد الله لخلقكم طائفة واحدة ولكن ليختبركم فيما جاءكم فسارعوا للحسنات إلى الله عودتكم كلكم فيخبركم بالذى كنتم فيه تتنازعون،يبين الله لنبيه(ص)أنه أنزل إليه الكتاب بالحق أى إنه أوحى له الذكر وهو حكم الله بالعدل مصداق لقوله تعالى بسورة النحل"وأنزلنا إليك الذكر"وقوله بسورة فاطر"والذى أوحينا إليك"وهو مصدق لما بين يديه من الكتاب والمراد وهو مؤمن أى مشابه أى مطابق للذى عند الله فى الكتاب أى الوحى السابق كله وهو مهيمن عليه أى مسلط عليه والمراد أن القرآن ناسخ لكل ما سبقه فى النزول من كتب فى الأحكام التى تخالف أحكامه ،ويطلب الله من نبيه(ص)أن يحكم بين الناس بما أنزل الله والمراد أن يقضى بين الخلق بالذى أوحى الله وينهاه فيقول :ولا تتبع أهوائهم عما جاءك من الحق أى لا تطع حكم شهوات الغافلين مبتعدا عن الذى أوحى لك من العدل مصداق لقوله بسورة الكهف"ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا"،ويبين للناس أن لكل فرقة جعل شرعة أى منهاج والمراد أن لكل جماعة دين أى حكم يحكمون به سواء شرعه لهم أو شرعوه لأنفسهم ويبين الله للناس أنه لو شاء أى أراد لجعلهم أمة واحدة والمراد لخلقهم جماعة متفقة على دين واحد ولكنه لم يرد هذا والسبب أن يبلوكم فيما أتاكم والمراد أن يختبركم فى الذى أوحى لكم أتطيعونه أم تعصونه ويطلب منهم أن يستبقوا الخيرات أى يسارعوا لعمل الحسنات لينالوا رحمات الله مصداق لقوله تعالى بسورة الأنبياء"كانوا يسارعون فى الخيرات"ويبين لهم أن مرجعهم جميعا لله والمراد أن عودتهم هى لجزاء الله ثوابا أو عقابا وعند العودة ينبئهم بما كانوا فيه يختلفون والمراد يخبرهم عن الذى كانوا يعملون عن طريق إعطائهم الكتب المنشرة مصداق لقوله بسورة المائدة"فينبئكم بما كنتم تعملون"والخطاب للنبى(ص).
"وأن أحكم بينهم بما أنزل الله إليك ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك وفإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون"المعنى وأن اقضى بينهم بالذى أوحى الله لك ولاتطع أقوالهم وابتعد عن أن يبعدونك عن بعض ما أوحى الله لك فإن عصوا فاعرف أنما يحب الله أن يعاقبهم ببعض سيئاتهم وإن معظم الخلق لكافرون،يطلب الله من نبيه(ص)أن يحكم بين الناس بما أنزل إليه والمراد أن يقضى بين الخلق بالذى أراه الله فى القرآن مصداق لقوله تعالى بسورة النساء"لتحكم بين الناس بما أراك الله"ويطلب منه ألا يتبع أهواءهم والمراد ألا يطيع أقوالهم وهى أحكام أنفسهم الكاذبة وفسر هذا بأن يحذر والمراد أن يبتعد عن أن يفتنوه عن بعض الوحى المنزل والمراد أن يبعدوه عن طاعة بعض ما أوحى الله ويبين له أنهم إن تولوا أى عصوا حكم الله فعليه أن يعلم أى يعرف أن الله يريد أى يشاء أى يحب أن يصيبهم ببعض ذنوبهم والمراد أن يعاقبهم على بعض جرائمهم ويبين له أن كثير من الناس فاسقون أى معظم الخلق كافرون لا يؤمنون مصداق لقوله تعالى بسورة الرعد"ولكن أكثر الناس لا يؤمنون" والخطاب للنبى(ص).
"أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون"المعنى أفدين الكفر يريدون ومن أفضل من الله دينا لناس يؤمنون،يسأل الله أفحكم الجاهلية يبغون أى هل غير حكم الله يريدون مصداق لقوله تعالى بسورة الأنعام"أفغير حكم الله أبتغى حكما"والغرض من السؤال هو إخبارنا أن القوم يريدون تحكيم أديان الكفر وليس دين الله ويسأل :ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون أى ومن أفضل من الله صبغة لقوم يؤمنون مصداق لقوله تعالى بسورة البقرة"ومن أحسن من الله صبغة"وقوله بسورة الأنعام "لقوم يؤمنون"والغرض من السؤال هو إخبارنا أن حكم الله هو أفضل حكم للمؤمنين به والخطاب للنبى(ص).
"يا أيها الذين أمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدى القوم الظالمين"المعنى يا أيها الذين صدقوا لا تجعلوا اليهود والنصارى أنصار لكم بعضهم أنصار بعض ومن يناصرهم منكم فإنه منهم إن الله يرحم القوم الكافرين ،يخاطب الله المؤمنين ناهيا إياهم عن إتخاذ اليهود والنصارى أولياء والمراد عن جعل اليهود والنصارى حلفاء أى أنصار لهم ويبين لهم سبب النهى وهو أن اليهود والنصارى أولياء بعض أى أنصار لبعضهم ومن ثم سيتفقون على المسلمين حتى يهزموهم ،ويبين لهم أن من يتولهم أى يناصر اليهود والنصارى فإنه منهم والمراد أنه على أديانهم والله لا يهدى القوم الظالمين والمراد لا يحب القوم الكافرين مصداق لقوله تعالى بسورة آل عمران "والله لا يحب الكافرين"والمراد أنه لا يرحم المكذبين بدينه والخطاب للمؤمنين.
"فترى الذين فى قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتى بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا فى أنفسهم نادمين"المعنى فتعرف أن الذين فى نفوسهم علة يتسابقون إليهم يقولون نخاف أن يمسنا سوء فعسى الرب أن يجىء بالنصر أو بعذاب لهم من لديه فيصبحوا بسبب ما أخفوا فى قلوبهم معذبين،يبين الله لنبيه(ص)أنه يرى أى يشاهد والمراد يعرف أن الذين فى قلوبهم مرض وهم الذين فى نفوسهم علة هى النفاق يسارعون أى يتسابقون فى تولى وهو مناصرة الكفار مصداق لقوله بنفس السورة"وترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا"والسبب فى توليهم كفار أهل الكتاب يدل عليه قولهم:نخشى أن تصيبنا دائرة والمراد نخاف أن يمسنا ضرر وهذا يبين لنا أن سبب مناصرتهم اليهود والنصارى هو خوفهم من أن يمسهم الأذى من الأخرين ،ويبين له أنه عسى أن يأتى بالفتح والمراد أنه سوف يحضر النصر للمسلمين أو أمر من عنده والمراد حكم من لديه هو العذاب الذى يستعجلونه مصداق لقوله بسورة النمل"عسى أن يكون ردف لكم بعض الذى تستعجلون "وساعتها سيصبح أهل النفاق نادمين على ما أسروا فى أنفسهم والمراد معذبين بسبب ما كتموه فى نفوسهم من النفاق والخطاب للنبى(ص)وما بعده .
"ويقول الذين أمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين"المعنى ويقول الذين صدقوا الوحى :أهؤلاء الذين حلفوا بالله قدر طاقاتهم إنهم لمنكم خسرت أفعالهم فأصبحوا معذبين،يبين الله لنبيه(ص)أن الذين أمنوا وهم الذين صدقوا حكم الله يقولون لليهود والنصارى فى الأخرة:أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم والمراد هل المنافقون الذين حلفوا بالله قدر استطاعتهم إنهم لمعكم أى إنهم ناصريكم ؟والغرض من السؤال إخبار اليهود والنصارى أن المنافقين لا يناصرون أحد سوى أنفسهم ويبينون لهم أن المنافقين حبطت أعمالهم أى ضلت مصداق لقوله بسورة محمد"وأضل أعمالهم "والمراد خسرت أفعالهم فأصبحوا خاسرين أى معذبين .
"يا أيها الذين أمنوا من يرتدد منكم عن دينه فسوف يأتى الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون فى سبيل الله ولا يخافون فى الله لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم"المعنى يا أيها الذين صدقوا وحى الله من يبعد منكم عن إسلامه فسوف يجىء الله بقوم يطيعونه ويرحمهم رحماء بالمصدقين أشداء على المكذبين يقاتلون فى نصر دين الله ولا يخشون فى الله قول قائل ذلك نفع الله يعطيه من يريد والله غنى خبير ،يبين الله للذين أمنوا وهم الذين صدقوا حكم الله أن من يرتدد منهم عن دينه والمراد من يرجع عن إسلامه إلى الكفر فإن الله سوف يأتى بقوم يحبهم ويحبونه أى كما قال بسورة محمد"إن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم"فعدم كونهم مثل الكفار هو حبهم لله والمراد فسوف يحضر الله ناس يرحمهم دنيا وأخرة ويحبونه أى ويطيعون حكمه وهم أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ويفسرها قوله بسورة الفتح"محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم"فأذلة تعنى رحماء وأعزة تعنى أشداء والمراد وهم رحماء بالمصدقين إخوانهم غليظين فى معاملتهم المكذبين بحكم الله وهم يجاهدون فى سبيل الله أى يقاتلون لنصر دين الله بكل الوسائل ولا يخافون فى الله لومة لائم والمراد لا يخشون فى دين الله قول قائل أى لا يهابون عتاب الناس لهم بسبب تمسكهم بدين الله ويبين لهم أن ذلك وهو أفعالهم السابقة الحسنة من فضل أى نفع أى رحمة الله يؤتيه من يشاء والمراد يختص به من يحب وهو من يطيع حكمه مصداق لقوله بسورة آل عمران"يختص برحمته من يشاء" وهو الواسع أى الغنى فى كل شىء العليم أى الخبير بكل شىء والخطاب للمؤمنين .
"إنما وليكم الله ورسوله والذين أمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون"المعنى إنما ناصركم الله ونبيه(ص)والذين صدقوا حكم الله الذين يطيعون الدين أى يتبعون الحق أى هم طائعون لحكم الله،يبين الله للمؤمنين أن وليهم وهو مولاهم أى ناصرهم هو الله والرسول(ص)والذين أمنوا أى صدقوا بحكم الله وفى هذا قال تعالى بسورة آل عمران"بل الله مولاكم وهو خير الناصرين"ويبين الله لنا أن إخواننا المناصرين لنا يقيمون الصلاة أى يتبعون الدين لقوله بسورة الشورى "أن أقيموا الدين"وفسرهم بأنهم يؤتون الزكاة أى يطيعون المطهر لهم من الذنوب وهو الحق وفسرهم بأنهم راكعون أى مطيعون لحكم الله والخطاب حتى ورسوله للمؤمنين وما بعده خطاب للنبى(ص)ولا صلة بينهما فهما جزءان من آيتين حذف من كل منهما بعضا .
"ومن يتول الله ورسوله والذين أمنوا فإن حزب الله هم الغالبون" المعنى ومن يناصر الله ونبيه(ص)والذين صدقوا حكم الله فإن جند الله هم المنصورون ،يبين الله لنا أن من يتول أى يؤيد الله بطاعة حكمه والرسول(ص)بطاعة حكمه والذين أمنوا بالتعاون معهم على البر والتقوى فالنتيجة هى أن حزب الله وهم جنده مصداق لقوله بسورة الصافات"وإن جندنا لهم الغالبون"هم الغالبون أى المنصورون مصداق لقوله بنفس السورة"إنهم لهم المنصورون "وهذا يعنى انتصار المسلمين على عدوهم والخطاب للناس
"يا أيها الذين أمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين" المعنى يا أيها الذين صدقوا بحكم الله لا تجعلوا الذين جعلوا إسلامكم سخرية أى لهوا من الذين أعطوا الوحى ممن سبقكم والمكذبين بحكم الله أنصار وأطيعوا حكم الله إن كنتم مصدقين بحكمه،يخاطب الله الذين أمنوا أى صدقوا وحى الله ناهيا إياهم عن اتخاذ الذين أوتوا الكتاب وهم الذين أعطوا الوحى قبل نزول القرآن وفيهم قال بنفس السورة"لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء" والكفار وهم المشركين أولياء أى أنصار لهم وفيهم قال بسورة آل عمران"لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء"والسبب هنا هو أنهم اتخذوا دين المؤمنين وهو آيات الله هزوا أى لعبا مصداق لقوله تعالى بسورة الكهف"واتخذوا آياتى وما أنذروا هزوا"والمراد أنهم جعلوا إسلام المؤمنين مجال لسخريتهم أى لعبثهم أى للهوهم ،ويقول لهم اتقوا الله إن كنتم مؤمنين ويفسره قوله بسورة الأنفال"وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين"فاتقوا تعنى أطيعوا والمعنى أطيعوا حكم الله إن كنتم مصدقين به .
"وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ذلك بأنهم قوم لا يعقلون"المعنى وإذا دعيتم إلى طاعة الدين جعلوها عبثا أى سخرية والسبب أنهم ناس لا يفقهون ،يبين الله للمؤمنين أنهم إذا نادوا للصلاة والمراد إذا دعوا إلى اتباع حكم الله اتخذ الكفار الصلاة وهى آيات الله هزوا أى لعبا أى سخرية وفى هذا قال بسورة الجاثية"وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا"والسبب هو أنهم قوم لا يعقلون أى لا يفقهون مصداق لقوله بسورة الأنفال"بأنهم قوم لا يفقهون"والمراد أنهم ناس يكذبون بدين الله والخطاب وما قبله للمؤمنين.
"قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن أمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وإن أكثركم فاسقون"قل يا محمد يا أصحاب الوحى السابق هل تغضبون علينا بسبب أننا صدقنا بوحى الله أى الذى أوحى الله لنا والذى أوحى من قبل وإن معظمكم كافرون،يطلب الله من نبيه(ص)أن يسأل أهل الكتاب وهم أصحاب الوحى السابق هل تنقمون منا إلا والمراد هل تكرهوننا إلا بسبب أن أمنا أى صدقنا بالله والمراد بوحى الله وفسر هذا بأنه ما أنزل لنا والمراد الذى أوحى لنا وما أنزل من قبل والمراد والذى أوحى للرسل(ص)من قبل ؟والغرض من السؤال هو إخبارهم أن سبب كراهيتهم للمسلمين هو إيمانهم بالوحى كله ويقول وإن أكثركم فاسقون ويفسر قوله بسورة النحل"وأكثرهم الكافرون "فالفاسقون هم الكافرون والمراد أن معظم أهل الكتاب مكذبون بحكم الله والخطاب وما بعده للنبى (ص) وهو موجه لأهل الكتاب.
"قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل"المعنى هل أخبركم بأسوأ من ذلك جزاء لدى الله من عاقبه الله أى عذبه وخلق منهم القردة والخنازير أجساما ومتبع الشيطان أولئك أسوأ مقاما أى أبعد عن رحمة الجنة ؟يطلب الله من النبى(ص)أن يقول لأهل الكتاب:هل أنبئكم أى أعلمكم بشر من ذلك مثوبة والمراد بأسوأ من المؤمنين جزاء عند أى لدى الله ؟والغرض من السؤال هو أن يخبرهم بأصحاب الجزاء السيىء وهم كما قال مجيبا:من لعنه الله وفسره الله بأنه من غضب عليه أى عاقبه أى عذبه وجعل منهم القردة والخنازير والمراد وخلق منهم من له أجسام القردة والخنازير وفسرهم بأنهم عبد الطاغوت أى ومتبع الشيطان والمراد ومطيع حكم الكفر وهؤلاء هم شر مكانا أى أسوأ مقاما أى هم فى النار وهم أضل عن سواء السبيل والمراد أبعد عن متاع الجنة وهذا يعنى أنهم لا يدخلون الجنة ويدخلون النار.
"وإذا جاءوكم قالوا أمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به والله أعلم بما كانوا يكتمون"المعنى وإذا لقوكم قالوا صدقنا الوحى وقد أخفوا التكذيب وهم قد استمروا فيه والله أعرف بالذى كانوا يسرون ،يبين الله للمؤمنين أن المنافقين إذا جاءوهم أى لقوهم مصداق لقوله بسورة البقرة"وإذا لقوا الذين أمنوا قالوا أمنا"والمعنى قالوا صدقنا وحى الله وهم قد دخلوا بالكفر والمراد وهم قد أسروا التكذيب بحكم الله وهم قد خرجوا به والمراد وقد استمروا فى تكذيبهم لحكم الله بعد تركهم للمؤمنين ويبين لهم أنه أعلم بما كانوا يكتمون أى يسرون مصداق لقوله بسورة البقرة"إن الله يعلم ما يسرون"فالله أعرف بالذى كانوا يسرون وهو التكذيب وحى الله والخطاب للمؤمنين.
"وترى كثيرا منهم يسارعون فى الإثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون"المعنى وتعلم كثيرا منهم يتسابقون لعمل الكفر أى الظلم أى فعلهم الباطل فقبح الذى كانوا يفعلون ،يبين الله لنبيه(ص)أنه يرى والمراد يعرف أن كثير من المنافقين يسارعون فى الإثم وفسره بأنه العدوان أى يتسابقون فى عمل الظلم وفسر هذا بأكلهم السحت أى فعلهم للباطل ويبين له أن بئس ما كانوا يعملون أى قبح الذى كانوا يصنعون من الأعمال الفاسدة مصداق لقوله بسورة المائدة"لبئس ما كانوا يصنعون".
"لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون"المعنى لولا يزجرهم أهل الله أى العلماء عن قولهم الباطل وفعلهم الباطل فقبح الذى كانوا يعملون،يبين الله لنبيه(ص)أن كل من هو ربانى أى من أهل الرب وهو دين الله وفسرهم بأنهم الأحبار وهم العلماء بدين الله ينهى أى يزجر القوم عن قولهم الإثم وهو حديثهم الباطل وأكلهم السحت والمراد وعملهم الباطل ويبين له أنهم بئس ما كانوا يصنعون أى يعملون مصداق لقوله بسورة المائدة"لبئس ما كانوا يعملون"وهذا يعنى أن أفعالهم كلها سيئة قبيحة والخطاب وما قبله للنبى(ص).
"وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل من ربك طغيانا وكفرا وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون فى الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين"المعنى وقال اليهود عطاء الله ممنوع عجزت أنفسهم وعوقبوا بما زعموا بل قدرته مطلقة يصرف كيف يريد وليحرفن كثيرا منهم ما أوحى لك من إلهك وزرعنا بينهم المقت أى الكراهية إلى يوم البعث كلما أشعلوا وقودا للقتال أذهبه الله ويسيرون فى البلاد ظلما والله لا يرحم الكافرين،يبين الله لنبيه(ص)أن اليهود قالوا:يد الله مغلولة أى قدرة الله على الإنفاق عاجزة وهذا يعنى عدم قدرته على إعطاء الرزق للخلق وهو قوله فى سورة آل عمران"إن الله فقير ونحن أغنياء"ويرد الله قائلا:غلت أيديهم والمراد هلكت أنفسهم وفسر هذا بأنه لعنهم بما قالوا أى عاقبهم على الذى قالوا بالهلاك وهو العذاب،ويرد قائلا:بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء والمراد إن عطاؤه سليم يعطى كيف يريد ويفسر هذا قوله بسورة الإسراء"وما كان عطاء ربك محظورا"فعطاء الله مستمر وليس محظور أى ممنوع لأنه لو كان كذلك لكان معناه أن هناك من هو أقوى من الله وهو يتحكم فيه ،ويبين له أنهم يزيد كثير منهم ما أنزل من الله طغيانا أى كفرا والمراد أنهم يضع كثير منهم فى الذى أوحى الله باطلا أى كذبا أى يحرفون الوحى مصداق لقوله بسورة المائدة"يحرفون الكلم من بعد مواضعه"فيزيدون تعنى يحرفون والكلم هو ما أنزل الله،ويبين له أنه ألقى بينهم العداوة وهى البغضاء إلى يوم القيامة والمراد أغرى أى زرع بينهم بذرة الكراهية أى المقت إلى يوم البعث مصداق لقوله بسورة المائدة"وأغرينا بينهم العداوة والبغضاء"،ويبين له أن اليهود كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله والمراد كلما وضعوا وقود الخلاف بين الناس لكى يحدث القتال بينهم أذهب الله الخلاف فلا تقع الحرب وهم يسعون فى الأرض فسادا ويفسر هذا قوله بسورة الشورى"ويبغون فى الأرض بغير الحق"فالفساد هو غير الحق ويسعون تعنى يبغون والمراد أنهم يحكمون فى البلاد بالظلم والله لا يحب المفسدين أى الكافرين مصداق لقوله بسورة آل عمران"فإن الله لا يحب الكافرين "والمراد أن الله لا يرحم الحاكمين بغير الحق والخطاب وما بعده وما بعده للنبى(ص)
يقتلوا أى يذبحوا أى أن يصلبوا أى يعلقوا على المصلبة وفسر هذا بأن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف والمراد أن تبتر يد من اليدين والرجل المخالفة لها فى الجهة ويعلق حتى يموت على المصلبة أو أن ينفوا من الأرض والمراد أن يخرجوا من اليابسة أى يغرقوا فى الماء ،ويبين لنا أن ذلك خزى لهم فى الدنيا أى ذل أى عذاب لهم فى الحياة الأولى مصداق لقوله تعالى بسورة الرعد"لهم عذاب فى الحياة الدنيا" ولهم فى الأخرة وهى القيامة عذاب عظيم أى أليم مصداق لقوله تعالى بسورة النور"لهم عذاب أليم فى الدنيا والأخرة" والخطاب للمؤمنين وما بعده .
"إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم" المعنى إلا الذين عادوا للحق من قبل أن تعاقبوهم فاعرفوا أن الله عفو نافع ،يبين الله لنا أن المحاربين المفسدين يستثنى منهم من العقاب الذين تابوا قبل أن نقدر عليهم والمراد الذين عادوا لدين الله قبل أن نقبض عليهم فنعاقبهم فهؤلاء يجب علينا أن نعلم أن الله غفور رحيم أى عفو نافع لهم ومن ثم لا يجب معاقبتهم.
"يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا فى سبيله لعلكم تفلحون"المعنى يا أيها الذين صدقوا حكم الله أطيعوا حكم الله أى اعملوا من أجل جنته الطاعة لحكمه أى اعملوا فى نصره ،يخاطب الله الذين أمنوا وهم الذين صدقوا حكم الله طالبا منهم أن يتقوه أى يخافوا ناره فيطيعوا حكمه مصداق لقوله تعالى بسورة البقرة"فاتقوا النار"وفسر هذا بأن يبتغوا إليه الوسيلة والمراد أن يعملوا لجنته المطلوب منهم وهو طاعة حكم الله وفسر هذا بأن يجاهدوا فى سبيله أى يعملوا على نصر دينه بطاعتهم له والسبب حتى يفلحوا أى يفوزوا بجنة الله وهى رحمته مصداق لقوله تعالى بسورة آل عمران"وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون"فأطيعوا تعنى اتقوا تعنى ابتغوا تعنى جاهدوا وتفلحون تعنى ترحمون والخطاب للمؤمنين وما بعده.
"إن الذين كفروا لو أن لهم ما فى الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ولهم عذاب أليم يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم"المعنى إن الذين كذبوا لو أن لهم الذى فى الأرض كله وقدره معه ليبعدوا به عن عقاب يوم البعث ما أخذ منهم ولهم عقاب شديد يحبون أن يطلعوا من النار وما هم بباعدين عنها ولهم عقاب دائم، يبين الله لنا أن الذين كفروا أى كذبوا بحكم الله لو أن لهم أى لو أنهم يملكون ما فى الأرض جميعا ومثله معه أى وقدر ما فى الأرض معه من أجل أن يفتدوا من عذاب يوم القيامة والمراد من أجل أن ينجوا من عقاب يوم البعث ما تقبل منهم أى ما رضى الله أن ينقذهم من العذاب بسبب دفعهم له ملك الأرض ومثلها معها لأن الله حرم الفدية فقال بسورة الحديد"فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا"ويبين لنا أنهم لهم عذاب أليم أى عقاب عظيم مصداق لقوله تعالى بسورة البقرة"ولهم عذاب عظيم"وأنهم يريدون أن يخرجوا من النار والمراد أنهم يرغبون فى أن يبعدوا عن النار ولكن الحادث أنهم ليسوا بخارجين منها أى ليسوا بطالعين منها أى ليسوا بمبعدين عنها وفسر هذا بأن لهم عذاب مقيم أى عقاب خالد أى دائم مصداق لقوله بسورة المائدة"وفى العذاب هم خالدون ".
"والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم"المعنى واللص واللصة فافصلوا أكفهما عقاب لما عملا انتقاما من الله والله قوى قاضى فمن أناب من بعد سرقته أى أحسن العمل فإن الله يغفر له إن الله تواب نافع،يبين الله لنا أن السارق والسارقة وهما من أخذا مال الغير أيا كان نوعه جهرا أو سرا دون رضاه الواجب فيهم هو قطع أيديهم أى فصل أكفهما عن أذرعهما وهذا جزاء ما كسبا والمراد عقاب الذى صنعا وهو السرقة وهذا الجزاء نكال من الله أى انتقام فرضه الله منهم وهو العزيز أى القوى الحكيم أى القاضى بالحق ،ويبين لنا أن من تاب من بعد ظلمه أى من عاد للحق من بعد سرقته وفسره الله بأنه أصلح أى أناب للحق فالله يتوب عليه أى يغفر له أى يرحمه لأنه غفور رحيم أى نافع مفيد للتائب والخطاب للمؤمنين.
"ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء والله على كل شىء قدير"المعنى هل لم تعرف أن الله له ميراث السموات والأرض يعاقب من يريد ويرحم من يريد والله لكل أمر يريده فاعل؟يخبر الله رسوله(ص)أن له ملك أى ميراث السموات والأرض أى حكمهم مصداق لقوله تعالى بسورة آل عمران"ولله ميراث السموات والأرض"وهو يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء أى يعاقب من يريد وهو الكافر به ويرحم من يريد وهو المؤمن به مصداق لقوله تعالى بسورة العنكبوت"يرحم من يشاء"وهو على كل شىء قدير والمراد لكل أمر يريده فعال مصداق لقوله تعالى بسورة البروج"فعال لما يريد" والخطاب للنبى(ص) وما بعده.
"يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون فى الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم أخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم فى الدنيا خزى ولهم فى الآخرة عذاب عظيم"المعنى يا أيها المبعوث لا يغمك الذين يتسابقون فى تكذيب حكم الله من الذين قالوا صدقنا بألسنتهم ولم تصدق نفوسهم ومن الذين هادوا مطيعون للكفر مطيعون لناس أخرين لم يجيئوك يبعدون الأحكام عن مقاصدها يقولون إن أعطيتم هذا فأطيعوه وإن لم تبلغوه فابعدوا عنه ومن يحب الله عذابه فلن تمنع عنه من الله عذابا أولئك الذين لم يحب الله أن يزكى نفوسهم لهم فى الأولى ذل وفى القيامة عقاب شديد،يخاطب الله الرسول وهو محمد(ص) فينهاه عن الحزن على الذين يسارعون فى الكفر والمراد يزجره عن الأسى على الذين يتسابقون فى عمل أعمال التكذيب لحكم الله لأنهم لا يستحقون ذلك وهم الذين قالوا آمنا بأفواههم والمراد الذين قالوا صدقنا حكم الله بكلماتهم وهى ألسنتهم ولم تؤمن قلوبهم أى ولم تصدق نفوسهم بحكم الله أى لم يدخل الإيمان فى قلوبهم كما قال بسورة الحجرات "ولما يدخل الإيمان فى قلوبكم"،ويبين له أن من الذين هادوا وهم اليهود سماعون للكذب والمراد متبعون لحكم الكفر وفسرهم بأنهم سماعون لقوم أخرين لم يأتوه والمراد متبعون لحكم ناس سواهم لم يحضروا عند محمد(ص) وهم يحرفون الكلم من بعد مواضعه والمراد يبعدون أحكام الله وهى كتابه عن معانيها الحقيقية أى "يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب" كما قال بسورة آل عمران ويقولون لمتبعيهم :إن أوتيتم هذا فخذوه والمراد إن أبلغتم كلامنا هذا فاتبعوه وإن لم تؤتوه فاحذروا والمراد وإن لم تبلغوا به من محمد(ص) فلا تتبعوه،ويبين له أن من يرد الله فتنته والمراد من يشاء الله تعذيبه أى إضلاله مصداق لقوله تعالى بسورة الأنعام"ومن يرد الله أن يضله" فلن يملك له من الله شيئا والمراد فلن يمنع عنه من الله عذابا وبين له أن هؤلاء هم الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم والمراد الذين لم يشأ الله أن يزكى أى يرحم نفوسهم وعقابهم أنهم لهم خزى أى ذل أى عذاب فى الحياة الدنيا وهى الأولى مصداق لقوله تعالى بسورة الرعد"ولهم عذاب فى الحياة الدنيا " ولهم فى الأخرة وهى القيامة عذاب عظيم أى أليم مصداق لقوله تعالى بسورة المائة"ولهم عذاب أليم"والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"سماعون للكذب آكالون للسحت فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضرونك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين"المعنى متبعون للكفر آخذون للحرام فإن أتوك فاقض بينهم أو تولى عنهم وإن تتولى عنهم فلن يؤذوك بشىء وإن قضيت فاقض بينهم بالعدل إن الله يثيب العادلين ،يبين الله لنبيه(ص) أن أهل النفاق وأهل التحريف سماعون للكذب أى مطيعون لما يقال لهم من الباطل وهم آكالون للسحت أى آخذون للمتاع الحرام و الكفار المذكورين إن جاءوه أى حضروا عنده للتقاضى فله الحق فى أن يحكم بينهم أى يقضى بينهم أو يعرض عنهم أى يتولى عنهم والمراد يمتنع عن الحكم بينهم ويبين له أنه لو أعرض عن الحكم والمراد لو امتنع عن الحكم بين الكافرين فلن يضروه بشىء والمراد فلن يصيبوه بأذى مهما كان صغيرا ويطلب منه إن حكم أى قضى بينهم أى يحكم بالقسط وهو العدل أى ما أنزل الله مصداق لقوله تعالى بسورة المائدة"فاحكم بينهم بما أنزل الله"ويبين له أن الله يحب المقسطين والمراد أن الله يرحم العادلين وهم المتقين مصداق لقوله تعالى بسورة آل عمران"فإن الله يحب المتقين".
"وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين"المعنى وكيف يتقاضون عندك ولديهم التوراة بها قضاء الله ثم يعرضون من بعد حكمك وما أولئك بالمصدقين؟،يسأل الله رسوله (ص)كيف يجعلك اليهود قاضيا بينهم مع أن عندهم التوراة فيها حكم أى قضاء الله ثم يتولون أى يرفضون الحكم من بعد صدوره منك ؟والغرض من السؤال هو إخبار الرسول(ص)بأن غرض اليهود من التقاضى عنده خبيث لأنهم يعرفون حكم أى قضاء الله وهو الهدى أى النور فى التوراة مصداق لقوله تعالى بسورة المائدة"إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور" والغرض الخبيث هو أن يقولوا للناس أن حكم محمد(ص)ليس من عند الله بدليل أنهم تولوا أى أعرضوا عن تنفيذه لما وجدوه يخالف ما عندهم واليهود ليسوا مؤمنين أى غير مصدقين بحكم الله أى كافرين مصداق لقوله تعالى بسورة المائدة"فأولئك هم الكافرون"والخطاب للنبى.نزلنا التوراة فيها هدى ونور
"إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتى ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون"المعنى إنا أوحينا التوراة فيها علم أى حكم يقضى بها الرسل (ص)الذين أخلصوا للذين هادوا و أهل الرب أى العلماء بما علموا من حكم الله وكانوا به مصدقين فلا تخافوا الناس وخافون ولا تأخذوا بأحكامى متاعا فانيا ومن لم يقضى بالذى أوحى الله فأولئك هم الكافرون ،يبين الله لنبيه(ص)أنه أنزل أى أوحى التوراة فيها هدى أى نور والمراد أى قضاء أى حكم الله كما فى الآية السابقة"وعندهم التوراة فيها حكم الله"والتوراة يحكم أى يقضى بها النبيون الذين أسلموا والمراد الرسل(ص)الذين أطاعوا حكم الله ويحكم بها الربانيون أى أهل دين الله وهو الرب وهم الأحبار وهم العلماء بدين الله وهم يحكمون بها للذين هادوا وهو اليهود ،والرسل والربانيون أى الأحبار يحكمون بما استحفظوا من كتاب الله والمراد يقضون بالذى علموا من حكم الله وهم شهداء عليه أى مقرين بأن التوراة من عند الله ،ويطلب الله من المؤمنين ألا يخشوا الناس والمراد ألا يخافوا أذى الخلق ويخشوه أى ويخافوه من عذابه لهم إن كفروا به وفى هذا قال تعالى بسورة آل عمران"فلا تخافوهم وخافون"ويفسر الطلب بأن يطلب منهم ألا يشتروا بآياته ثمنا قليلا والمراد ألا يتركوا طاعة عهد الله مقابل طاعتهم لدين يمتعهم بمتاع قصير الأمد مصداق لقوله تعالى بسورة النحل"فلا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا" ويبين لنا أن من لم يحكم أى يقضى بما أنزل أى أوحى الله فأولئك هم الكافرون أى الظالمون أى الفاسقون مصداق لقوليه بنفس السورة "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون"و"ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون".والخطاب أوله للنبى(ص)وما بعده للمؤمنين وهذا يعنى أنه آيتين محذوف بعض من كل منهما وصلتا هكذا بدليل عودة الآية التالية لذكر ما فى التوراة إكمالا لما قيل للنبى(ص)فى أول القول
"وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون"المعنى وفرضنا عليهم فى التوراة أن قتل القاتل بقتله للقتيل وإصابة العين بإصابة العين وإصابة الأنف بإصابة الأنف وإصابة الأذن بإصابة الأذن وإصابة السن بإصابة السن والشقوق فى الجلد إتباع فمن عفا عنه فله دية له ومن لم يقضى بالذى أوحى الله فأولئك هم الكافرون،يبين الله لنا أنه كتب أى فرض أى أوجب على اليهود فى التوراة أن النفس بالنفس أى كما قال تعالى فى نفس البقرة"كتب عليكم القصاص فى القتلى"فالنفس بالنفس تعنى قتل الإنسان القاتل مقابل قتله للقتيل والعين بالعين والمراد إصابة العين بالأذى يقابله إصابة عين المصيب بنفس الأذى والأنف بالأنف والمراد وإصابة المنخار بالضرر يقابله إصابة منخار المصيب بنفس الضرر والأذن بالأذن والمراد وإصابة الأذن بضرر يقابله إصابة أذن المصيب بضرر مثله والسن بالسن تعنى إصابة الأسنان بضرر يقابله إصابة أسنان المصيب بنفس الضرر والجروح قصاص والمراد إحداث شقوق فى الجلد يقابله إحداث شقوق مثلها فى الجارح ،ويبين الله لنا أن من تصدق به أى من تنازل عن حقه فى القصاص فهو كفارة له والمراد له دية من المصيب مصداق لقوله بسورة البقرة"فمن عفى فله شىء من أخيه"ويبين لنا أن من يحكم أى يقضى بما أنزل أى أوحى الله فأولئك هم الظالمون أى الكافرون أى الفاسقون مصداق لقوليه بنفس السورة "فأولئك هم الكافرون"و"فأولئك هم الفاسقون".
"وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وأتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين"المعنى وأرسلنا على دينهم عيسى ابن مريم(ص) مؤمنا بالذى عنده من التوراة وأوحينا له الإنجيل فيه حكم أى علم ومؤمنا بالذى معه من التوراة ورشاد أى ذكر للمطيعين،يبين الله لنا أنه قفى على آثار الرسل والمراد أنه بعث على دين الرسل(ص)عيسى ابن مريم(ص)وهو مصدق بما بين يديه من التوراة والمراد مؤمن بما معه من التوراة أى مصدق بكل ما فى التوراة وأتاه الإنجيل والمراد وأعطاه كتاب الإنجيل فيه هدى أى نور والمراد حكم الله وهو الفرقان بين الحق والباطل والإنجيل يؤمن أى يطابق أى يشابه التوراة وهو هدى أى موعظة أى ذكر للمتقين مصداق لقوله بسورة الأنبياء"وذكرا للمتقين"والمراد حكم الله والخطاب للنبى(ص) وما بعده.
"وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون" المعنى وليقضى أصحاب الإنجيل بالذى أوحى الله فيه ومن لم يقضى بالذى أوحى الله فأولئك هم الكافرون،يطلب الله من أهل وهم أصحاب الإنجيل أى النصارى أن يحكموا بما أنزل الله فيه والمراد أن يقضوا بالذى حكم الله فى الإنجيل حتى يكونوا حقا مؤمنين به ووضح لهم أن من لم يحكم بما أنزل الله والمراد أن من لم يقضى بالحق الذى أوحى الله فأولئك هم الفاسقون أى الكافرون أى الظالمون مصداق لقوله بنفس السورة"فأولئك هم الكافرون"و"فأولئك هم الظالمون".
"وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهوائهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما أتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون"المعنى يا محمد(ص) وأوحينا لك القرآن بالعدل مشابها بالذى عنده من الوحى ومسلطا عليه فاقضى بينهم بالذى أوحى الله ولا تطع آلهتهم فتترك ما أتاك من العدل لكل شرعنا لكم حكما أى دينا ولو أراد الله لخلقكم طائفة واحدة ولكن ليختبركم فيما جاءكم فسارعوا للحسنات إلى الله عودتكم كلكم فيخبركم بالذى كنتم فيه تتنازعون،يبين الله لنبيه(ص)أنه أنزل إليه الكتاب بالحق أى إنه أوحى له الذكر وهو حكم الله بالعدل مصداق لقوله تعالى بسورة النحل"وأنزلنا إليك الذكر"وقوله بسورة فاطر"والذى أوحينا إليك"وهو مصدق لما بين يديه من الكتاب والمراد وهو مؤمن أى مشابه أى مطابق للذى عند الله فى الكتاب أى الوحى السابق كله وهو مهيمن عليه أى مسلط عليه والمراد أن القرآن ناسخ لكل ما سبقه فى النزول من كتب فى الأحكام التى تخالف أحكامه ،ويطلب الله من نبيه(ص)أن يحكم بين الناس بما أنزل الله والمراد أن يقضى بين الخلق بالذى أوحى الله وينهاه فيقول :ولا تتبع أهوائهم عما جاءك من الحق أى لا تطع حكم شهوات الغافلين مبتعدا عن الذى أوحى لك من العدل مصداق لقوله بسورة الكهف"ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا"،ويبين للناس أن لكل فرقة جعل شرعة أى منهاج والمراد أن لكل جماعة دين أى حكم يحكمون به سواء شرعه لهم أو شرعوه لأنفسهم ويبين الله للناس أنه لو شاء أى أراد لجعلهم أمة واحدة والمراد لخلقهم جماعة متفقة على دين واحد ولكنه لم يرد هذا والسبب أن يبلوكم فيما أتاكم والمراد أن يختبركم فى الذى أوحى لكم أتطيعونه أم تعصونه ويطلب منهم أن يستبقوا الخيرات أى يسارعوا لعمل الحسنات لينالوا رحمات الله مصداق لقوله تعالى بسورة الأنبياء"كانوا يسارعون فى الخيرات"ويبين لهم أن مرجعهم جميعا لله والمراد أن عودتهم هى لجزاء الله ثوابا أو عقابا وعند العودة ينبئهم بما كانوا فيه يختلفون والمراد يخبرهم عن الذى كانوا يعملون عن طريق إعطائهم الكتب المنشرة مصداق لقوله بسورة المائدة"فينبئكم بما كنتم تعملون"والخطاب للنبى(ص).
"وأن أحكم بينهم بما أنزل الله إليك ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك وفإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون"المعنى وأن اقضى بينهم بالذى أوحى الله لك ولاتطع أقوالهم وابتعد عن أن يبعدونك عن بعض ما أوحى الله لك فإن عصوا فاعرف أنما يحب الله أن يعاقبهم ببعض سيئاتهم وإن معظم الخلق لكافرون،يطلب الله من نبيه(ص)أن يحكم بين الناس بما أنزل إليه والمراد أن يقضى بين الخلق بالذى أراه الله فى القرآن مصداق لقوله تعالى بسورة النساء"لتحكم بين الناس بما أراك الله"ويطلب منه ألا يتبع أهواءهم والمراد ألا يطيع أقوالهم وهى أحكام أنفسهم الكاذبة وفسر هذا بأن يحذر والمراد أن يبتعد عن أن يفتنوه عن بعض الوحى المنزل والمراد أن يبعدوه عن طاعة بعض ما أوحى الله ويبين له أنهم إن تولوا أى عصوا حكم الله فعليه أن يعلم أى يعرف أن الله يريد أى يشاء أى يحب أن يصيبهم ببعض ذنوبهم والمراد أن يعاقبهم على بعض جرائمهم ويبين له أن كثير من الناس فاسقون أى معظم الخلق كافرون لا يؤمنون مصداق لقوله تعالى بسورة الرعد"ولكن أكثر الناس لا يؤمنون" والخطاب للنبى(ص).
"أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون"المعنى أفدين الكفر يريدون ومن أفضل من الله دينا لناس يؤمنون،يسأل الله أفحكم الجاهلية يبغون أى هل غير حكم الله يريدون مصداق لقوله تعالى بسورة الأنعام"أفغير حكم الله أبتغى حكما"والغرض من السؤال هو إخبارنا أن القوم يريدون تحكيم أديان الكفر وليس دين الله ويسأل :ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون أى ومن أفضل من الله صبغة لقوم يؤمنون مصداق لقوله تعالى بسورة البقرة"ومن أحسن من الله صبغة"وقوله بسورة الأنعام "لقوم يؤمنون"والغرض من السؤال هو إخبارنا أن حكم الله هو أفضل حكم للمؤمنين به والخطاب للنبى(ص).
"يا أيها الذين أمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدى القوم الظالمين"المعنى يا أيها الذين صدقوا لا تجعلوا اليهود والنصارى أنصار لكم بعضهم أنصار بعض ومن يناصرهم منكم فإنه منهم إن الله يرحم القوم الكافرين ،يخاطب الله المؤمنين ناهيا إياهم عن إتخاذ اليهود والنصارى أولياء والمراد عن جعل اليهود والنصارى حلفاء أى أنصار لهم ويبين لهم سبب النهى وهو أن اليهود والنصارى أولياء بعض أى أنصار لبعضهم ومن ثم سيتفقون على المسلمين حتى يهزموهم ،ويبين لهم أن من يتولهم أى يناصر اليهود والنصارى فإنه منهم والمراد أنه على أديانهم والله لا يهدى القوم الظالمين والمراد لا يحب القوم الكافرين مصداق لقوله تعالى بسورة آل عمران "والله لا يحب الكافرين"والمراد أنه لا يرحم المكذبين بدينه والخطاب للمؤمنين.
"فترى الذين فى قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتى بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا فى أنفسهم نادمين"المعنى فتعرف أن الذين فى نفوسهم علة يتسابقون إليهم يقولون نخاف أن يمسنا سوء فعسى الرب أن يجىء بالنصر أو بعذاب لهم من لديه فيصبحوا بسبب ما أخفوا فى قلوبهم معذبين،يبين الله لنبيه(ص)أنه يرى أى يشاهد والمراد يعرف أن الذين فى قلوبهم مرض وهم الذين فى نفوسهم علة هى النفاق يسارعون أى يتسابقون فى تولى وهو مناصرة الكفار مصداق لقوله بنفس السورة"وترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا"والسبب فى توليهم كفار أهل الكتاب يدل عليه قولهم:نخشى أن تصيبنا دائرة والمراد نخاف أن يمسنا ضرر وهذا يبين لنا أن سبب مناصرتهم اليهود والنصارى هو خوفهم من أن يمسهم الأذى من الأخرين ،ويبين له أنه عسى أن يأتى بالفتح والمراد أنه سوف يحضر النصر للمسلمين أو أمر من عنده والمراد حكم من لديه هو العذاب الذى يستعجلونه مصداق لقوله بسورة النمل"عسى أن يكون ردف لكم بعض الذى تستعجلون "وساعتها سيصبح أهل النفاق نادمين على ما أسروا فى أنفسهم والمراد معذبين بسبب ما كتموه فى نفوسهم من النفاق والخطاب للنبى(ص)وما بعده .
"ويقول الذين أمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين"المعنى ويقول الذين صدقوا الوحى :أهؤلاء الذين حلفوا بالله قدر طاقاتهم إنهم لمنكم خسرت أفعالهم فأصبحوا معذبين،يبين الله لنبيه(ص)أن الذين أمنوا وهم الذين صدقوا حكم الله يقولون لليهود والنصارى فى الأخرة:أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم والمراد هل المنافقون الذين حلفوا بالله قدر استطاعتهم إنهم لمعكم أى إنهم ناصريكم ؟والغرض من السؤال إخبار اليهود والنصارى أن المنافقين لا يناصرون أحد سوى أنفسهم ويبينون لهم أن المنافقين حبطت أعمالهم أى ضلت مصداق لقوله بسورة محمد"وأضل أعمالهم "والمراد خسرت أفعالهم فأصبحوا خاسرين أى معذبين .
"يا أيها الذين أمنوا من يرتدد منكم عن دينه فسوف يأتى الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون فى سبيل الله ولا يخافون فى الله لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم"المعنى يا أيها الذين صدقوا وحى الله من يبعد منكم عن إسلامه فسوف يجىء الله بقوم يطيعونه ويرحمهم رحماء بالمصدقين أشداء على المكذبين يقاتلون فى نصر دين الله ولا يخشون فى الله قول قائل ذلك نفع الله يعطيه من يريد والله غنى خبير ،يبين الله للذين أمنوا وهم الذين صدقوا حكم الله أن من يرتدد منهم عن دينه والمراد من يرجع عن إسلامه إلى الكفر فإن الله سوف يأتى بقوم يحبهم ويحبونه أى كما قال بسورة محمد"إن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم"فعدم كونهم مثل الكفار هو حبهم لله والمراد فسوف يحضر الله ناس يرحمهم دنيا وأخرة ويحبونه أى ويطيعون حكمه وهم أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ويفسرها قوله بسورة الفتح"محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم"فأذلة تعنى رحماء وأعزة تعنى أشداء والمراد وهم رحماء بالمصدقين إخوانهم غليظين فى معاملتهم المكذبين بحكم الله وهم يجاهدون فى سبيل الله أى يقاتلون لنصر دين الله بكل الوسائل ولا يخافون فى الله لومة لائم والمراد لا يخشون فى دين الله قول قائل أى لا يهابون عتاب الناس لهم بسبب تمسكهم بدين الله ويبين لهم أن ذلك وهو أفعالهم السابقة الحسنة من فضل أى نفع أى رحمة الله يؤتيه من يشاء والمراد يختص به من يحب وهو من يطيع حكمه مصداق لقوله بسورة آل عمران"يختص برحمته من يشاء" وهو الواسع أى الغنى فى كل شىء العليم أى الخبير بكل شىء والخطاب للمؤمنين .
"إنما وليكم الله ورسوله والذين أمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون"المعنى إنما ناصركم الله ونبيه(ص)والذين صدقوا حكم الله الذين يطيعون الدين أى يتبعون الحق أى هم طائعون لحكم الله،يبين الله للمؤمنين أن وليهم وهو مولاهم أى ناصرهم هو الله والرسول(ص)والذين أمنوا أى صدقوا بحكم الله وفى هذا قال تعالى بسورة آل عمران"بل الله مولاكم وهو خير الناصرين"ويبين الله لنا أن إخواننا المناصرين لنا يقيمون الصلاة أى يتبعون الدين لقوله بسورة الشورى "أن أقيموا الدين"وفسرهم بأنهم يؤتون الزكاة أى يطيعون المطهر لهم من الذنوب وهو الحق وفسرهم بأنهم راكعون أى مطيعون لحكم الله والخطاب حتى ورسوله للمؤمنين وما بعده خطاب للنبى(ص)ولا صلة بينهما فهما جزءان من آيتين حذف من كل منهما بعضا .
"ومن يتول الله ورسوله والذين أمنوا فإن حزب الله هم الغالبون" المعنى ومن يناصر الله ونبيه(ص)والذين صدقوا حكم الله فإن جند الله هم المنصورون ،يبين الله لنا أن من يتول أى يؤيد الله بطاعة حكمه والرسول(ص)بطاعة حكمه والذين أمنوا بالتعاون معهم على البر والتقوى فالنتيجة هى أن حزب الله وهم جنده مصداق لقوله بسورة الصافات"وإن جندنا لهم الغالبون"هم الغالبون أى المنصورون مصداق لقوله بنفس السورة"إنهم لهم المنصورون "وهذا يعنى انتصار المسلمين على عدوهم والخطاب للناس
"يا أيها الذين أمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين" المعنى يا أيها الذين صدقوا بحكم الله لا تجعلوا الذين جعلوا إسلامكم سخرية أى لهوا من الذين أعطوا الوحى ممن سبقكم والمكذبين بحكم الله أنصار وأطيعوا حكم الله إن كنتم مصدقين بحكمه،يخاطب الله الذين أمنوا أى صدقوا وحى الله ناهيا إياهم عن اتخاذ الذين أوتوا الكتاب وهم الذين أعطوا الوحى قبل نزول القرآن وفيهم قال بنفس السورة"لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء" والكفار وهم المشركين أولياء أى أنصار لهم وفيهم قال بسورة آل عمران"لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء"والسبب هنا هو أنهم اتخذوا دين المؤمنين وهو آيات الله هزوا أى لعبا مصداق لقوله تعالى بسورة الكهف"واتخذوا آياتى وما أنذروا هزوا"والمراد أنهم جعلوا إسلام المؤمنين مجال لسخريتهم أى لعبثهم أى للهوهم ،ويقول لهم اتقوا الله إن كنتم مؤمنين ويفسره قوله بسورة الأنفال"وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين"فاتقوا تعنى أطيعوا والمعنى أطيعوا حكم الله إن كنتم مصدقين به .
"وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ذلك بأنهم قوم لا يعقلون"المعنى وإذا دعيتم إلى طاعة الدين جعلوها عبثا أى سخرية والسبب أنهم ناس لا يفقهون ،يبين الله للمؤمنين أنهم إذا نادوا للصلاة والمراد إذا دعوا إلى اتباع حكم الله اتخذ الكفار الصلاة وهى آيات الله هزوا أى لعبا أى سخرية وفى هذا قال بسورة الجاثية"وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا"والسبب هو أنهم قوم لا يعقلون أى لا يفقهون مصداق لقوله بسورة الأنفال"بأنهم قوم لا يفقهون"والمراد أنهم ناس يكذبون بدين الله والخطاب وما قبله للمؤمنين.
"قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن أمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وإن أكثركم فاسقون"قل يا محمد يا أصحاب الوحى السابق هل تغضبون علينا بسبب أننا صدقنا بوحى الله أى الذى أوحى الله لنا والذى أوحى من قبل وإن معظمكم كافرون،يطلب الله من نبيه(ص)أن يسأل أهل الكتاب وهم أصحاب الوحى السابق هل تنقمون منا إلا والمراد هل تكرهوننا إلا بسبب أن أمنا أى صدقنا بالله والمراد بوحى الله وفسر هذا بأنه ما أنزل لنا والمراد الذى أوحى لنا وما أنزل من قبل والمراد والذى أوحى للرسل(ص)من قبل ؟والغرض من السؤال هو إخبارهم أن سبب كراهيتهم للمسلمين هو إيمانهم بالوحى كله ويقول وإن أكثركم فاسقون ويفسر قوله بسورة النحل"وأكثرهم الكافرون "فالفاسقون هم الكافرون والمراد أن معظم أهل الكتاب مكذبون بحكم الله والخطاب وما بعده للنبى (ص) وهو موجه لأهل الكتاب.
"قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل"المعنى هل أخبركم بأسوأ من ذلك جزاء لدى الله من عاقبه الله أى عذبه وخلق منهم القردة والخنازير أجساما ومتبع الشيطان أولئك أسوأ مقاما أى أبعد عن رحمة الجنة ؟يطلب الله من النبى(ص)أن يقول لأهل الكتاب:هل أنبئكم أى أعلمكم بشر من ذلك مثوبة والمراد بأسوأ من المؤمنين جزاء عند أى لدى الله ؟والغرض من السؤال هو أن يخبرهم بأصحاب الجزاء السيىء وهم كما قال مجيبا:من لعنه الله وفسره الله بأنه من غضب عليه أى عاقبه أى عذبه وجعل منهم القردة والخنازير والمراد وخلق منهم من له أجسام القردة والخنازير وفسرهم بأنهم عبد الطاغوت أى ومتبع الشيطان والمراد ومطيع حكم الكفر وهؤلاء هم شر مكانا أى أسوأ مقاما أى هم فى النار وهم أضل عن سواء السبيل والمراد أبعد عن متاع الجنة وهذا يعنى أنهم لا يدخلون الجنة ويدخلون النار.
"وإذا جاءوكم قالوا أمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به والله أعلم بما كانوا يكتمون"المعنى وإذا لقوكم قالوا صدقنا الوحى وقد أخفوا التكذيب وهم قد استمروا فيه والله أعرف بالذى كانوا يسرون ،يبين الله للمؤمنين أن المنافقين إذا جاءوهم أى لقوهم مصداق لقوله بسورة البقرة"وإذا لقوا الذين أمنوا قالوا أمنا"والمعنى قالوا صدقنا وحى الله وهم قد دخلوا بالكفر والمراد وهم قد أسروا التكذيب بحكم الله وهم قد خرجوا به والمراد وقد استمروا فى تكذيبهم لحكم الله بعد تركهم للمؤمنين ويبين لهم أنه أعلم بما كانوا يكتمون أى يسرون مصداق لقوله بسورة البقرة"إن الله يعلم ما يسرون"فالله أعرف بالذى كانوا يسرون وهو التكذيب وحى الله والخطاب للمؤمنين.
"وترى كثيرا منهم يسارعون فى الإثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون"المعنى وتعلم كثيرا منهم يتسابقون لعمل الكفر أى الظلم أى فعلهم الباطل فقبح الذى كانوا يفعلون ،يبين الله لنبيه(ص)أنه يرى والمراد يعرف أن كثير من المنافقين يسارعون فى الإثم وفسره بأنه العدوان أى يتسابقون فى عمل الظلم وفسر هذا بأكلهم السحت أى فعلهم للباطل ويبين له أن بئس ما كانوا يعملون أى قبح الذى كانوا يصنعون من الأعمال الفاسدة مصداق لقوله بسورة المائدة"لبئس ما كانوا يصنعون".
"لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون"المعنى لولا يزجرهم أهل الله أى العلماء عن قولهم الباطل وفعلهم الباطل فقبح الذى كانوا يعملون،يبين الله لنبيه(ص)أن كل من هو ربانى أى من أهل الرب وهو دين الله وفسرهم بأنهم الأحبار وهم العلماء بدين الله ينهى أى يزجر القوم عن قولهم الإثم وهو حديثهم الباطل وأكلهم السحت والمراد وعملهم الباطل ويبين له أنهم بئس ما كانوا يصنعون أى يعملون مصداق لقوله بسورة المائدة"لبئس ما كانوا يعملون"وهذا يعنى أن أفعالهم كلها سيئة قبيحة والخطاب وما قبله للنبى(ص).
"وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل من ربك طغيانا وكفرا وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون فى الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين"المعنى وقال اليهود عطاء الله ممنوع عجزت أنفسهم وعوقبوا بما زعموا بل قدرته مطلقة يصرف كيف يريد وليحرفن كثيرا منهم ما أوحى لك من إلهك وزرعنا بينهم المقت أى الكراهية إلى يوم البعث كلما أشعلوا وقودا للقتال أذهبه الله ويسيرون فى البلاد ظلما والله لا يرحم الكافرين،يبين الله لنبيه(ص)أن اليهود قالوا:يد الله مغلولة أى قدرة الله على الإنفاق عاجزة وهذا يعنى عدم قدرته على إعطاء الرزق للخلق وهو قوله فى سورة آل عمران"إن الله فقير ونحن أغنياء"ويرد الله قائلا:غلت أيديهم والمراد هلكت أنفسهم وفسر هذا بأنه لعنهم بما قالوا أى عاقبهم على الذى قالوا بالهلاك وهو العذاب،ويرد قائلا:بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء والمراد إن عطاؤه سليم يعطى كيف يريد ويفسر هذا قوله بسورة الإسراء"وما كان عطاء ربك محظورا"فعطاء الله مستمر وليس محظور أى ممنوع لأنه لو كان كذلك لكان معناه أن هناك من هو أقوى من الله وهو يتحكم فيه ،ويبين له أنهم يزيد كثير منهم ما أنزل من الله طغيانا أى كفرا والمراد أنهم يضع كثير منهم فى الذى أوحى الله باطلا أى كذبا أى يحرفون الوحى مصداق لقوله بسورة المائدة"يحرفون الكلم من بعد مواضعه"فيزيدون تعنى يحرفون والكلم هو ما أنزل الله،ويبين له أنه ألقى بينهم العداوة وهى البغضاء إلى يوم القيامة والمراد أغرى أى زرع بينهم بذرة الكراهية أى المقت إلى يوم البعث مصداق لقوله بسورة المائدة"وأغرينا بينهم العداوة والبغضاء"،ويبين له أن اليهود كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله والمراد كلما وضعوا وقود الخلاف بين الناس لكى يحدث القتال بينهم أذهب الله الخلاف فلا تقع الحرب وهم يسعون فى الأرض فسادا ويفسر هذا قوله بسورة الشورى"ويبغون فى الأرض بغير الحق"فالفساد هو غير الحق ويسعون تعنى يبغون والمراد أنهم يحكمون فى البلاد بالظلم والله لا يحب المفسدين أى الكافرين مصداق لقوله بسورة آل عمران"فإن الله لا يحب الكافرين "والمراد أن الله لا يرحم الحاكمين بغير الحق والخطاب وما بعده وما بعده للنبى(ص)