رضا البطاوى
عضو فعال
- المشاركات
- 2,709
- الإقامة
- مصر
النبراس ببيان كذب التقاء النبى (ص)بإلياس
الكتاب بلا مؤلف فى مكتبة الإكسير وهو يبحث فى موضوع إلتقاء نبيين هما محمد(ص) وإلياس) فى عهد محمد(ص) وفى هذا قال المؤلف:
"وبعد فقد يلهج كثير من الخطباء والوعاظ، بذكر هذه القصص الواهية، التى ابتدعها الوضاعون من القصاص، وجهلة الزهاد والعباد، سيما قصص الأنبياء من بنى إسرائيل"
واستهل المؤلف الكتاب بالقول أن تاريخ رسل بنى إسرائيل وهو تاريخ ملىء بالخرافات والأباطيل وفى هذا قال:
"ولا يغيبن عنك أن تاريخ أنبياء بنى إسرائيل مفعم بالأمور العجائب، والأقاصيص الغرائب، مما جعله مرتعا خصبا لاختلاق الأحاديث وتلفيقها، ونسبة هذا الغثاء إلى الصادق المصدوق الذى لا ينطق عن الهوى
يقول محقق ((موضوعات ابن الجوزى)) (1/ 10): ((لم تكن حركة وضع الأحاديث المكذوبة على رسول الله (ص)حركة ارتجالية عفوية في كل الأحيان، إنما تطورت إلى حركة مدروسة هادفة، وخطة شاملة، لها خطرها وآثارها كان من نتائجها المباشرة على العديد من أجيال المسلمين في العديد من أقطارهم، شيوع ما لا يحصى من الآراء الغريبة، والقواعد الفقهية الشاذة، والعقائد الزائفة، والافتراضات النظرية المضحكة، التى أيدتها، وتعاملت بها، وروجت لها، فرق وطوائف معينة، لبست مسوح الدروشة والتصوف حينا، والفلسفة حينا، والعباد والزهاد أحيانا وجافت في غالب أحوالها السلوك السوى، والفكر والعقل السليم، فضلا عن مجافاتها الصارخة لكتاب الله العظيم، وهدى نبيه الكريم (ص)"
ثم ذكر المؤلف روايات إلتقاء النبيين(ص) المزعوم فقال:
"ومما أوردوا من الواهيات الموضوعات: قصة التقاء النبى (ص)بإلياس (ص) وذكروا حديثين:
[الأول] حديث أنس بن مالك
قال ابن أبى الدنيا (( الهواتف ))(102) : حدثنى إبراهيم بن سعيد الجوهري حدثنا يزيد بن يزيد الموصلى التيمى مولى لهم حدثنا أبو إسحاق الجرشى عن الأوزاعي عن مكحول عن أنس بن مالك قال : (( غزونا مع رسول الله (ص)، حتى إذا كنا بفج الناقة عند الحجر ، إذا نحن بصوت يقول : اللهم اجعلني من أمة محمد المرحومة ، المغفورة لها ، المتاب عليها ، المستجاب لها ، فقال رسول الله (ص): يا أنس انظر ما هذا الصوت ، فدخلت الجبل ، فإذا أنا برجل أبيض الرأس واللحية ، عليه ثياب بيض ، طوله أكثر من ثلاثمائة ذراع ، فلما نظر إلى قال : أنت رسول النبي (ص)؟ ، قلت : نعم ، قال : ارجع إليه فأقرئه منى السلام ، وقل له : هذا أخوك إلياس يريد يلقاك ، فجاء النبي (ص)وأنا معه ، حتى إذا كنا قريبا منه ، تقدم النبي (ص)وتأخرت فتحدثا طويلا ، فنزل عليهما من السماء شبه السفرة ، فدعواني ، فأكلت معهما ، فإذا فيه كمأة ورمان وكرفس ، فلما أكلت ، قمت فتنحيت ، وجاءت سحابة ، فاحتملته ، أنظر إلى بياض ثيابه فيها ، تهوى به قبل الشام ، فقلت للنبى (ص): بأبى أنت وأمى ، هذا الطعام الذى أكلنا من السماء نزل عليك ؟ ، فقال النبي (ص): سألته عنه ، فقال : أتانى به جبريل في كل أربعين يوما أكلة ، وفى كل حول شربة من ماء زمزم ، وربما رأيته على الجب يمد بالدلو ، فيشرب ، وربما سقاني ))
وأخرجه كذلك ابن الجوزى (( الموضوعات ))(1/200) من طريق ابن أبى الدنيا بسنده ومتنه سواء وأخرجه أبو الشيخ بن حيان (( العظمة ))(5/1530) قال : حدثنا محمد بن إبراهيم بن داود ثنا أحمد بن هاشم ثنا يزيد أبو خالد البلوي ثنا أبو إسحاق الجرشي به نحوه
وتابعهما عن يزيد بن يزيد : أحمد بن عبد الله البرقى ، إلا أنه خالفهما على سنده ، فقال (( أبو إسحاق الفزارى )) ، وأتى بمعان مغايرة فى وقت فطره ، ووصف المائدة ، ولم يذكر شربه من زمزم مرة كل عام
فقد أخرجه الحاكم (2/674) قال : حدثني أبو العباس أحمد بن سعيد المعداني ببخارا أنا عبد الله بن محمود نا عبدان بن سيار حدثني أحمد بن عبد الله البرقي ثنا يزيد بن يزيد البلوي ثنا أبو إسحاق الفزاري عن الأوزاعي عن مكحول عن أنس بن مالك قال : (( كنا مع رسول الله (ص)في سفر ، فنزلنا منزلا ، فإذا رجل في الوادي يقول : اللهم اجعلني من أمة محمد المرحومة ، المغفورة المتاب عليها ، قال : فأشرفت على الوادي ، فإذا رجل طوله أكثر من ثلاثمائة ذراع ، فقال لي : من أنت ؟ ، قلت : أنا أنس بن مالك خادم رسول الله (ص)، قال : فأين هو ؟ ، قلت : هو ذا يسمع كلامك ، قال : فائته فاقرئه السلام ، وقل له : أخوك إلياس يقرئك السلام ، قال : فأتيت النبي (ص)، فأخبرته ، فجاء حتى لقيه فعانقه وسلم ، ثم قعدا يتحدثان ، فقال له : يا رسول الله إني ما آكل في السنة إلا يوما ، وهذا يوم فطري ، فآكل أنا وأنت ، قال : فنزلت عليهما مائدة من السماء ، عليها خبز وحوت وكرفس ، فأكلا وأطعماني ، وصلينا العصر ، ثم ودعه ، فرأيته مر في السحاب نحو السماء ))
وأخرجه البيهقى (( دلائل النبوة ))(5/422:421) قال : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ بسنده ومتنه سواء وأخرجه ابن عساكر (( تاريخ دمشق ))(9/212) من طريق البيهقى به مثله وقال أبو عبد الله الحاكم : (( صحيح الإسناد ولم يخرجاه )) وقال أبو بكر البيهقي : (( إسناد هذا الحديث ضعيف بمرة )) وتعقبه الحافظ الذهبى بقوله : (( هذا موضوع ، قبح الله من وضعه وهذا مما افتراه يزيد البلوي )) "
وقد ذكر المؤلف لنتقاد النقاد لروايات فنقل التالى عن ابن الجوزى فقال:
"وقال أبو الفرج بن الجوزى : (( هذا حديث موضوع لا أصل له ويزيد الموصلي ، وأبو إسحاق الجرشي لا يعرفان وقد روى أبو بكر النقاش أن محمد بن إسماعيل البخاري سئل عن الخضر وإلياس هل هما في الاحياء ؟ ، فقال : كيف يكون هذا ، وقد قال النبي (ص): (( لا يبقى على رأس مائة سنة ممن هو على ظهر الأرض أحد )) قلت : وهو كما قال الحافظان ابن الجوزى والذهبى ، وقد افتضح واضع هذا الحديث بالجهل والسذاجة فأمارات الوضع لائحة عليه ، لا تخفى على من له أدنى معرفة بحقائق الشريعة ، ومن الدلائل على وضعه :
[ أولا ] قوله (( طوله أكثر من ثلاثمائة ذراع )) ، فهذا من أسمج الكلام وأبعده عن حقيقة خلق بنى آدم ، بله وخلق أبيهم آدم (ص)، فإنه لم يزد على ستين ذراعا ففى (( كتاب الأنبياء )) من (( صحيح البخارى ))(3079) قال : حدثني عبد الله بن محمد ثنا عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة عن النبي (ص)قال : (( خلق الله آدم ، وطوله ستون ذراعا ، ثم قال : اذهب ، فسلم على أولئك من الملائكة ، فاستمع ما يحيونك : تحيتك وتحية ذريتك ، فقال : السلام عليكم ، فقالوا : السلام عليك ورحمة الله ، فزادوه ورحمة الله ، فكل من يدخل الجنة على صورة آدم ، فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن ))
فهذا بين أن طول إلياس (ص) دون الستين ذراعا (( فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن ))
[ ثانيا ] أنه لو كان إلياس (ص) حيا زمن بعثة النبي (ص)؛ ما وسعه أن يجوب الفلوات ، ويسكن الكهوف والمغارات ، ويأوى مجاهل الشام ، ولا يأتى بين يدى رسول الله (ص)ليؤمن به ويؤازره وينصره ، ويندرج فى جملة أصحابه وأتباعه ، تصديقا لقول الله تعالى (( وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين ))
وقد قال الإمام أحمد (3/387) : حدثنا سريج بن النعمان ثنا هشيم أخبرنا مجالد عن الشعبي عن جابر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب أتى النبي (ص)بكتاب ، أصابه من بعض أهل الكتب ، فقرأه النبي (ص)، فغضب ، فقال : (( أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب ، والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية ، لا تسألوهم عن شيء ، فيخبروكم بحق فتكذبوا به ، أو بباطل فتصدقوا به ، والذي نفسي بيده لو أن موسى (ص)كان حيا ، ما وسعه إلا أن يتبعني ))
ولو كان باقيا بعد رسول الله (ص)، كما يدعيه غلاة الصوفية ، لكان تبليغه للبراهين القرآنية ، والأخبار المصطفوية ، وقتاله مع المسلمين فى الغزوات ، وشهوده للجمع والجماعات ، ومؤازرته للعلماء والحكام ، وبيانه لأصول وفروع الأحكام ، وإحياءه للسنة النبوية ، وإماتته للمذاهب البدعية ، أزكى وأنفع وأفضل له ولأمة محمد من كمونه بالمغارات ، وجوبه الصحارى والفلوات !! وهذا من أوضح الأدلة وأنصعها على كذب من ادعى حياته ، والتقاءه بسيد المرسلين ، واجتماعه بالخضر كل عام فى الحج ، فيحلق كل واحد منهما رأس صاحبه ، ويشربان من زمزم شربة تكفيهما إلى العام المقبل
[ ثالثا ] هذا الاضطراب فى وقت أكله وإفطاره ، ففى رواية الجوهرى (( في كل أربعين يوما أكلة )) ، وفى رواية البرقى (( ما آكل في السنة إلا يوما )) !! ، وقد ذكروا عن وهب بن منبه : أنه لما دعا إلياس ربه أن يقبضه إليه ، جعل له ريشا ، وألبسه النور ، وقطع عنه لذة المطعم والمشرب ، وصار ملكيا بشريا ، سماويا أرضيا وهذا من تناقض من يثبت وجوده وحياته وبقائه فهذه أوصاف متعارضة متضاربة ، ينقض بعضها بعضا ، ولا يصح منها شئ البتة !
[ رابعا ] قوله عن جبريل (ص) (( وربما رأيته على الجب يمد بالدلو ، فيشرب ، وربما سقاني )) ، من الكذب المحال ، أيصدق مؤمن عاقل أن سيد الملائكة وأعظمهم ، الموكل بالوحى إلى رسل الله ، يقوم على بئر زمزم ، لينزع دلوا ، فيشرب منها ؟! أما علم هذا الوضاع المتهوك أن الملائكة لا يأكلون ولا بشربون ، غذاؤهم التسبيح والتقديس والتهليل ، ولا يفترون عن ذكر الله طرفة عين ، يلهمون الذكر كما يلهم أحدنا النفس والطرف
[ خامسا ] إن قول الله تعالى لنبيه (ص)(( وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون )) ، مما دل على أن إلياس (ص) ليس بحى إلى الآن ، ولا إلى زمن رسول الله (ص)، لأنه من جملة البشر ، يدركه الموت كما أدركهم ، فليس لواحد من البشر خلودا فى الدنيا ، (( كل من عليها فان )) ولله در الإمام الشافعى ، فقد كان يكثر يتمثل بهذين البيتين لطرفة بن العبد :
تمنى رجال أن أموت وإن أمت فتلك سبيل لست فيها بأوحد
فقل للذي يبغى خلاف الذي مضى تهيأ لأخرى مثلها بالحق "
فيما سبق أن ذكره المؤلف كلام كثير حسن فى انتقاد الرواية نزيد عليه التالى:
التناقض الأول اختلاف المأكول فى الروايتين ففى واحدة فيه كمأة ورمان وكرفس وفى الثانية خبز وحوت وكرفس فالمشترك هو الكرفس والمختلف كمأة ورمان خبز وحوت
التناقض الثانى أن النازل من السماء مائدة فى قول رواية " فنزلت عليهما مائدة من السماء"وفى قول شبه سفرة فى قول رواية" فنزل عليهما من السماء شبه السفرة" وهو تعارض ظاهر
التناقض الثالث ما حدث عن اللقاء ففى رواية تحدثا طويلا وهو قولهم "فجاء النبي (ص)وأنا معه ، حتى إذا كنا قريبا منه ، تقدم النبي (ص)وتأخرت فتحدثا طويلا" وفى الرواية الثانية تعانقا وتصافحا وقعدا يتحدثان وهو قولهم "فجاء حتى لقيه فعانقه وسلم ، ثم قعدا يتحدثان"
وهو تناقض فى الأحداث
التناقض الرابع وهو فى أمر أكل أنس ففى مرة دعواه أى طلبا منه المجىء للأكل وهو قول الرواية "فنزل عليهما من السماء شبه السفرة ، فدعواني ، فأكلت معهما" ومرة الثانية هما اللذين أطعما أنس فى فمه او أعطياه بعضا من الأكل دون أن يأكل معهما وهو قول الرواية " فأكلا وأطعماني"
وأما الأخطاء فهى حدوث معجزات نزول الأكل النازل من السماء والسحابة النى ركبها إلياس وهو ما يناقض منع الآيات وهى المعجزات عن النبى ألأخير(ص) بقوله تعالى "وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون"
والخطأ فى قول ابن الجوزى هو قول"من الكذب المحال ، أيصدق مؤمن عاقل أن سيد الملائكة وأعظمهم ، الموكل بالوحى إلى رسل الله ، يقوم على بئر زمزم ، لينزع دلوا ، فيشرب منها ؟ أما علم هذا الوضاع المتهوك أن الملائكة لا يأكلون ولا يشربون"
فالملائكة ليس فيها سيد لأنه يستلزم وجود عبيد والكلائكة مؤمنون وهم أخوة كما قال تعالى "إنما المؤمنون إخوة"
كما أن القول بأن الملائكة لا تأكل ولا تشرب هو كلام بلا دليل لأن كل المخلوقات تعيش على الأكل والشرب ولكن مواد الأكل والشرب تختلف من نوع إلى أخر
ثم ذكر المؤلف الرواية التالية:
الثانى : حديث واثلة بن الأسقع ، وسياقه أطول ، وكله غرائب وعجائب ومنكرات
قال ابن عساكر (( التاريخ ))(9/213) : أنبأناه أبو الكرم المبارك بن الحسن بن أحمد بن علي الشهروزي أنا عمي أبو البركات عبد الملك بن أحمد بن علي الشهرزوي سنة سبع وستين وأربعمائة أنا عبيد الله بن عمر بن أحمد الواعظ حدثني أبي حدثنا أحمد بن عبد العزيز بن منير الحراني بمصر ثنا أبو الطاهر خير بن عرفة الأنصاري ثنا هانيء بن المتوكل ثنا بقية عن الأوزاعي عن مكحول سمعت واثلة بن الأسقع قال : (( غزونا مع رسول الله غزوة تبوك ، حتى إذا كنا في بلاد جذام في أرض لهم يقال لها الحوزة ، وقد كان أصابنا عطش شديد ، فإذا بين أيدينا آثار غيث ، فسرنا مليا ، فإذا بغدير ، وإذا فيه جيفتان ، وإذا السباع قد وردت الماء ، فأكلت من الجيفتين ، وشربت من الماء ، قال : فقلت : يا رسول الله هذه جيفتان ، وآثار السباع قد أكلت منها ، فقال النبي : نعم هما طهوران ، اجتمعا من السماء والأرض ، لا ينجسهما شيء ، وللسباع ما شربت في بطنها ، ولنا ما بقي ، حتى إذا ذهب ثلث الليل ، إذا نحن بمنادي ينادي بصوت حزين : اللهم اجعلني من أمة محمد المرحومة ، المغفور لها ، المستجاب لها ، المبارك عليها فقال رسول الله : يا حذيفة ويا أنس ادخلا إلى هذا الشعب ، فانظرا ما هذا الصوت ، قال : فدخلنا ، فإذا نحن برجل عليه ثياب بياض أشد بياضا من الثلج ، وإذا وجهه ولحيته كذلك ، ما أدري أيهما أشد ضوءا : ثيابه أو وجهه ؟ ، فإذا هو أعلى جسما منا بذراعين أو ثلاثة ، قال : فسلمنا عليه ، فرد علينا السلام ، ثم قال : مرحبا أنتما رسولا رسول الله ، قالا : فقلنا : نعم ، قالا : فقلنا : من أنت رحمك الله ؟ ، قال : أنا إلياس النبي ، خرجت أريد مكة ، فرأيت عسكركم ، فقال لي جند من الملائكة على مقدمتهم جبريل وعلى ساقتهم ميكائيل : هذا أخوك رسول الله ، فسلم عليه وألقه ، ارجعا فاقرئاه السلام ، وقولا له : لم يمنعني من الدخول إلى عسكركم إلا أني أتخوف أن تذعر الإبل ، ويفزع المسلمون من طولي ، فإن خلقي ليس كخلقكم ، قولا له : يأتيني ، قال حذيفة وأنس : فصافحناه ، فقال لأنس خادم رسول الله : من هذا ؟ ، قال : حذيفة بن اليمان صاحب رسول الله ، قال : فرحب به ، ثم قال : والله إنه لفي السماء أشهر منه في الأرض ، يسميه أهل السماء صاحب رسول الله ، قال حذيفة : هل تلقى الملائكة ؟ ، قال : ما من يوم إلا وأنا ألقاهم ، ويسلمون علي ، وأسلم عليهم ، قالا : فأتينا النبي (ص)، فخرج النبي (ص)معنا ، حتى أتينا الشعب ، وهو يتلألأ وجهه نورا ، وإذا ضوء وجه إلياس وثيابه كالشمس ، قال رسول الله (ص): على رسلكما ، فتقدمنا النبي (ص)قدر خمسين ذراعا ، وعانقه مليا ، ثم قعدا ، قالا : فرأينا شيئا كهيئة الطير العظام بمنزلة الإبل ، قد أحدقت به ، وهي بيض ، وقد نثرت أجنحتها ، فحالت بيننا وبينهما ، ثم صرخ بنا النبي (ص)، فقال : يا حذيفة ، ويا أنس تقدما ، فتقدمنا ، فإذا بين أيديهم مائدة خضراء لم أر شيئا قط أحسن منها ، قد غلب خضرتها لبياضها ، فتقدمنا ، فإذا بين أيديهم مائدة خضراء ، وإذا عليها خبز ورمان وموز وعنب ورطب وبقل ما خلا الكراث ، قال النبي (ص): كلوا بسم الله ، فقلنا : يا رسول الله أمن طعام الدنيا هذا ؟ ، قال : لا ، هذا رزقي ، ولي في كل أربعين يوما وأربعين ليلة أكلة ، تأتيني بها الملائكة ، وهذا تمام الأربعين يوما والليالي ، وهو شيء يقول الله عز وجل له كن فيكون ، قال : فقلنا : من أين وجهك ؟ ، قال : وجهي من خلف رومية ، كنت في جيش من الملائكة مع جيش من المسلمين غزوا أمة من الكفار ، قال فقلنا : فكم يسار من ذلك الموضع الذي كنت فيه ؟ ، قال : أربعة أشهر ، وفارقته أنا منذ عشرة أيام ، وأنا أريد إلى مكة أشرب بها في كل سنة شربة ، وهي ريي وعصمتي إلى تمام الموسم من قابل ، قال : فقلنا : فأي المواطن أكبر معارك ؟ ، قال : الشام وبيت المقدس والمغرب واليمن ، وليس في مسجد من مساجد محمد إلا وأنا أدخله صغيرا كان أو كبيرا ، قال : الخضر متى عهدك به ؟ ، قال : منذ سنة ، كنت قد التقيت أنا وهو بالموسم ، وقد كان قال : إنك ستلقى محمدا قبلي ، فاقرئه مني السلام ، وعانقه وبكى ، قال : فإذا بين أيديهم مائدة خضراء لم أر شيئا قط أحسن منها ، قد غلب خضرتها لبياضها ، فتقدمنا ، فإذا بين أيديهم مائدة خضراء ، وإذا عليها خبز ورمان وموز وعنب ورطب وبقل ما خلا الكراث وقال أبو القاسم : (( هذا حديث منكر ، وإسناده ليس بالقوي ))
قلت : بل هو أشد سماجة وبرودة من سابقه ، فعلامات الكذب لائحة على كل فقرة من فقراته ولست بحانث لو أقسمت أنه : لم يروه واثلة ، ولا مكحول ، ولا الأوزاعى وإنما هو أفك تولى كبره دجال من هؤلاء الدجاجلة والمتهم به بهذا السند : بقية بن الوليد الشامى ، فقد سمعه من أحد الكذابين ، ثم دلسه عن الأوزاعى وقد قال أبو مسهر الدمشقى : أحاديث بقية ليست نقية فكن منها علي تقية وفى سياق هذه القصة المكذوبة ما ينبئك بشناعة الكذب على أنبياء الله ورسله :
[ أولا ] أفلو كان نبى الله إلياس حيا زمن رسول الله (ص)، أكان يتخلف عن المثول بين يديه إلى أن يلتقى به فى غزوة تبوك من العام التاسع ، بعيدا عن مهبط الوحى ومتنزل الملائكة !
[ ثانيا ] وأعجب لهذا العذر المانع من إتيانه لإمام المرسلين ، وقائد الغر المحجلين : إنه التخوف من ذعر الإبل ، وفزع المسلمين من رؤية نبى الله إلياس عليه السلام فأين هذا مما ذكره هذا الوضاع المتهوك بعد ذلك بقوله (( يتلألأ وجهه نورا ، وإذا ضوء وجهه وثيابه كالشمس )) !
[ ثالثا ] وإن تعجب ، فعجب زعم هذا المتهوك أن إلياس والخضر يلتقيان بالموسم كل عام ! فإن كانا كذلك ، فأين هما من حجة الوداع ، وكيف لم يلتقيا برسول الله (ص)فى أعظم حجة ، وأكرمها على الله ؟! ، بل أين هما من غزوات رسول الله (ص)ومشاهده ومواقفه ، سيما التى تنزلت لها الملائكة كغزوة بدر ؟! سبحان الله (( إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون ))
[ رابعا ] وعجب قوله على لسان نبى الله إلياس (( وليس في مسجد من مساجد محمد إلا وأنا أدخله صغيرا كان أو كبيرا )) أفلا يستحيى هذا الوضاع من الله وأنبيائه ، أم كان يجهل (( وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا )) !!
وفى ثنايا القصة كثير مما يستنكر ، ولا يخفى مثله على من له أدنى معرفة بحقائق الشريعة"
ونزيد على النقد السابق ما يلى:
الأول الأكل من الميتة فى قولهم:
فأكلت من الجيفتين ، وشربت من الماء ، قال : فقلت : يا رسول الله هذه جيفتان ، وآثار السباع قد أكلت منها ، فقال النبي : نعم هما طهوران ، اجتمعا من السماء والأرض ، لا ينجسهما شيء ، وللسباع ما شربت في بطنها ، ولنا ما بقي"
وهو ما يخالف قوله تعالى " حرمت عليكم الميتة" فالجيفة وهى الجثة ميتة والقول عن إباحة الميتة والماء طهوران وهما متجاوران يخالف حرمة ما فيه ضرر والجيق متحللة وينتج عن أكلها تسمم كما ان ما حولها من المياه تكون مشبعة بمواد ضارة
ونجد الرواية تتعارض مع الروايتين السابق ذكرهما فى التالى:
الأول أن فى الروايتين كان الرسول لإلياس(ص) واحد وهنا اثنين فى القول:
"يا حذيفة ويا أنس ادخلا إلى هذا الشعب "
الصانى أن طول إلياس(ص) كان فى الروايتين 300 ذراع وهنا أكبر من الناس بذراعين أو ثلاثة فى قولهم"" فإذا هو أعلى جسما منا بذراعين أو ثلاثة" وشتان ما بين300 و3 اذرع
الثالث أن المصافح فى الروايتين كان النبى(ص) بينما الثلاثة صافحوه وهو قولهم"قال حذيفة وأنس : فصافحناه يسميه أهل السماء صاحب رسول الله "
الرابع اختلاف المأكولات عن الروايتين حيث زادت موز وعنب ورطب وبقل فى قولهم "وإذا عليها خبز ورمان وموز وعنب ورطب وبقل ما خلا الكراث"
ونجد تناقض فى الرواية فمرة المائدة خضراء ومرة خضراء وبيضاء فى قولهم" فإذا بين أيديهم مائدة خضراء لم أر شيئا قط أحسن منها ، قد غلب خضرتها لبياضها "
ونجد الخطأ وهو نزول الملائكة الأرض معه كثيرا وهو ما يخالف ان الملائكة لا تنزل الأرض لعدم اطمئنانها فيها كما قال تعالى ""قل لو كان فى الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا"
ثم أضاف المؤلف بعض ما جاء عن التقاء الخضر بالنبى(ص) فقال:
"وشبيه بهذا ، ما يفترونه من سماع النبى النبي (ص)الخضر ، وبعثه أنس يسأله أن يدعو له ولأمته وهذا من أبشع الكذب والافتراء والجهل بمقام سيد المرسلين (ص) ومما أوردوا فيه من الواهيات الموضوعات حديثين :
[ الأول ] حديث أنس بن مالك ، وله ثلاث طرق
[ الطريق الأولى ] قال أبو الحسين بن المنادي كما فى (( الزهر النضر فى نبأ الخضر )) ( ص40) : أخبرني أبو جعفر أحمد بن النضر العسكري أن محمد بن سلام المنبجي حدثهم قال حدثنا وضاح بن عباد الكوفي حدثنا عاصم بن سليمان الأحول حدثني أنس بن مالك قال : (( خرجت ليلة من الليالي ، أحمل مع النبي (ص)الطهور ، فسمع مناديا ينادي ، فقال لي : يا أنس صه ، قال : فسكت ، فاستمع ، فإذا هو يقول : اللهم أعني على ما ينجيني مما خوفتني منه ، قال : فقال رسول الله (ص): لو قال أختها معها ، فكأن الرجل لقن ما أراد النبي (ص)، فقال : وارزقني شوق الصالحين إلى ما شوقتهم إليه ، فقال النبي (ص): يا أنس ضع الطهور ، وائت هذا المنادي ، فقل له : ادع لرسول الله أن يعينه الله على ما ابتعثه به ، وادع لأمته أن يأخذوا ما أتاهم به نبيهم بالحق ، قال : فأتيته ، فقلت : رحمك الله ! ادع الله لرسول الله أن يعينه على ما ابتعثه به ، وادع لأمته أن يأخذوا ما أتاهم به نبيهم بالحق ، فقال لي : ومن أرسلك ؟ ، فكرهت أن أخبره ولم استأمر رسول الله (ص)، فقلت له : رحمك الله ما يضرك من أرسلني ، ادع بما قلت لك ، فقال : لا أو تخبرني بمن أرسلك ، قال : فرجعت إلى رسول الله (ص)فقلت له : يا رسول الله أبى أن يدعو لك بما قلت له حتى أخبره بمن أرسلنى ، فقال : ارجع إليه ، فقل له : أنا رسول رسول الله ، فرجعت إليه ، فقلت له ، فقال لي : مرحبا برسول الله رسول الله ، أنا كنت أحق ان آتيه ، اقرأ على رسول الله (ص)مني السلام ، وقال له : يا رسول الله الخضر يقرأ عليك السلام ورحمة الله ، ويقول لك : يا رسول الله إن الله فضلك على النبيين كما فضل شهر رمضان على سائر الشهور ، وفضل أمتك على الأمم كما فضل يوم الجمعة على سائر الأيام ، قال : فلما وليت سمعته يقول : اللهم اجعلني من هذه الأمة المرشدة المرحومة ، المتوب عليها )) وأخرجه ابن الجوزى (( الموضوعات ))(1/194) تعليقا عن ابن المنادى به مثله وأخرجه الطبراني (( الأوسط ))(3071) عن بشر بن علي بن بشر العجلى ، وابن عساكر (( تاريخ دمشق ))(16/423:422) عن محمد بن الفضل بن جابر ، كلاهما عن محمد بن سلام المنبجى بنحو حديث ابن النضر العسكرى وقال أبو القاسم : (( لم يروه عن أنس إلا عاصم ، ولا عنه إلا وضاح ، تفرد به محمد بن سلام )) وقال أبو الحسين بن المنادى : (( هذا حديث واه بالوضاح وغيره ، وهو منكر الإسناد سقيم المتن ، ولم يراسل الخضر نبينا (ص)، ولم يلقه )) قلت : صدق أبو الحسين ما أسمجه وأبرده من خبر ! ، كيف جهل واضعه مقام رسول الله (ص)وكرامته على ربه ، ولم يستحيى منه حتى تجرأ عليه ، فوضع على لسانه هذا المقال (( ادع الله لرسول الله أن يعينه على ما ابتعثه به ، وادع لأمته أن يأخذوا ما أتاهم به نبيهم بالحق )) وقد قال إمام المحدثين (( كتاب العلم ))(106) : حدثنا مكي بن إبراهيم ثنا يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع سمعت النبي (ص)يقول : (( من يقل علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار )) ولا يستحل مثل هذا الإدعاء ، أعنى طلب رسول الله (ص)من الخضر أن يدعو له ولأمته ، إلا الزنادقة الذين يزعمون كذبا وافتراءا ؛ أن مقام الولاية أعلى من النبوة والرسالة !! فقد تزندق قائلهم ، وأعظم على الله الفرية حين قال :مقام النبوة في برزخ فويق الرسول ودون الولي
[ الطريق الثانية ] قال ابن عساكر (( التاريخ ))(16/424:423) : أخبرناه أبو عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم في كتابه أنا القاضي أبو الحسن علي بن عبيد الله بن محمد الهمداني بمصر أنا أبو الحسن علي بن محمد بن موسى التمار الحافظ نا أحمد بن محمد بن سعيد نا الحسين بن ربيع نا الحسين بن يزيد السلولي نا إسحاق بن منصور نا أبو خالد مؤذن بني مسلمة نا أبو داود عن أنس بن مالك قال : (( كان رسول الله يتوضأ من الليل إلى الليل ، فخرجت معه ذات ليلة في بعض طرق المدينة ، ومعي الطهور ، فسمع صوت رجل يدعو : اللهم أعني على ما ينجيني مما خوفتني ، )) فذكره بنحو حديث الوضاح السالف
قلت : والمتهم بهذا الحديث أبو داود ، وهو نفيع بن الحارث الهمدانى الكوفى القاص الأعمى ، مجمع على تركه ، وكذبه قتادة
وقال ابن حبان : كان ممن يروي عن الثقات الأشياء الموضوعات توهما ، لا يجوز الاحتجاج به ، ولا الرواية عنه إلا على جهة الاعتبار
[ الطريق الثالثة ] قال أبو حفص بن شاهين كما فى (( الزهر النضر فى نبأ الخضر ))( ص42) : حدثنا موسى بن أنس بن خالد بن عبد الله بن أبي طلحة بن موسى بن أنس بن مالك ثنا أبي ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ثنا حاتم بن أبي رواد عن معاذ بن عبيد الله بن أبي بكر عن أبيه عن أنس قال : (( خرج رسول الله (ص)ذات ليلة لحاجة ، فخرجت خلفه ، فسمعنا قائلا يقول : اللهم إني أسألك شوق الصادقين إلى ما شوقتهم إليه ، فقال رسول الله (ص): يا لها دعوة لو أضاف إليها أختها ، فسمعنا القائل وهو يقول : اللهم إني أسألك أن تعينني بما ينجيني مما خوفتني منه ، فقال رسول الله (ص): وجبت ورب الكعبة ، يا أنس ! ائت الرجل ، فاسأله أن يدعو لرسول الله (ص)أن يرزقه الله القبول من أمته ، والمعونة على ما جاء به من الحق والتصديق ، قال أنس : فأتيت الرجل ، فقلت : يا عبد الله ادع لرسول الله ، فقال لي : ومن أنت ، فكرهت أن أخبره ولم أستأذن ، وأبى أن يدعو حتى أخبره ، فرجعت إلى رسول الله (ص)، فأخبرته ، فقال لي : أخبره ، فرجعت ، فقلت له : أنا رسول الله إليك ، فقال مرحبا برسول الله وبرسول رسول الله ، فدعا له ، وقال : اقرأه مني السلام ، وقل له : أنا أخوك الخضر ، وأنا كنت أحق أن آتيك ، قال : فلما وليت سمعته يقول : اللهم اجعلني من هذه الأمة المرحومة المتاب عليها"
وأخرجه كذلك الدارقطنى (( الأفراد )) من طريق أنس بن خالد عن محمد بن عبد الله الأنصارى بمثله وقال الحافظ ابن حجر : (( ومحمد بن عبد الله الأنصارى ، هو أبو سلمة البصرى ، وهو واهى الحديث جدا ، وليس هو شيخ البخارى قاضى البصرة ، ذاك ثقة ، وهو أقدم من أبى سلمة ))
قلت : أبو سلمة هذا ممن يسرق الأحاديث ويركبه على أسانيد أهل البصرة ، ترجمه أبو جعفر العقيلى (( الضعفاء ))(4/95) قال : (( محمد بن عبد الله أبو سلمة الأنصاري عن مالك بن دينار منكر الحديث حدثنا محمد بن موسى بن حماد البربري ثنا محمد بن صالح بن النطاح ثنا أبو سلمة محمد بن عبد الله الأنصاري ثنا مالك بن دينار عن أنس بن مالك قال : (( كنت مع رسول الله (ص)، فجاء رجل من جبال مكة ، إذ أقبل شيخ متوكئا على عكازه ، فقال رسول الله (ص): مشية جني ونغمته ، فقال : أجل ، فقال : من أي الجن أنت ؟ ، قال : أنا هامة بن الهيم بن لاقيس بن إبليس )) فذكر حديثا طويلا باطلا ، لا يتابعه عليه إلا مثله أو أكذب منه
[ الثانى ] حديث عمرو بن عوف المزنى أخرجه ابن عدى (( الكامل ))(6/62) ، ومن طريقه البيهقى (( دلائل النبوة ))(5/423) ، وابن الجوزى (( الموضوعات ))(1/193) من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده : (( أن رسول الله (ص)كان في المسجد ، فسمع كلاما من ورائه ، فإذا هو بقائل يقول : اللهم أعني على ما ينجيني مما خوفتني ، فقال رسول الله (ص)حين سمع ذلك : ألا تضم إليها أختها ، فقال الرجل : اللهم ارزقني شوق الصالحين إلى ما شوقتهم إليه ، فقال النبي (ص)لأنس بن مالك : اذهب يا أنس إليه ، فقل له : يقول لك رسول الله (ص)تستغفر لي ، فجاءه أنس ، فبلغه ، فقال الرجل : يا أنس أنت رسول رسول الله إلي ، فارجع فاستثبته ، فقال النبي (ص): قل له : نعم ، فقال له : اذهب فقل له : إن الله فضلك على الأنبياء مثل ما فضل به رمضان على الشهور ، وفضل أمتك على الأمم مثل ما فضل يوم الجمعة على سائر الأيام ، فذهب ينظر إليه ، فإذا هو الخضر ))
قلت : والمتهم بهذا كثير بن عبد الله بن عمرو المزنى ، ركن من أركان الكذب ، قاله الإمام الشافعى وقال ابن حبان : منكر الحديث جدا ، يروى عن أبيه عن جده نسخة موضوعة ، لا يحل ذكرها فى الكتب ، ولا الرواية عنه وهذه المناكير والموضوعات مما يحتج بها غلاة الصوفية والشيعة على حياة إلياس والخضر ، وأنهما أعطيا الخلد فى الدنيا إلى الصيحة الأولى ، وأنهما يجتمعان كل عام بالموسم ، ويشربان من زمزم شربة تكفيهما إلى قابل ، وأن إلياس موكل بالفيافى ، والخضر موكل بالبحر ولله در من قال : ما ألقى هذا بين الناس إلا شيطان !(1)
وفى (( المنار المنيف ))(1/67) للحافظ الجهبذ ابن القيم : (( فصل : من الأحاديث الموضوعة أحاديث حياة الخضر عليه السلام ، وكلها كذب ولا يصح في حياته حديث واحد :
كحديث (( إن رسول الله (ص)كان في المسجد ، فسمع كلاما من ورائه فذهبوا ينظرون ، فإذا هو الخضر )) وحديث (( يلتقي الخضر وإلياس كل عام )) وحديث (( يجتمع بعرفة جبريل وميكائيل والخضر )) الحديث المفترى الطويل سئل إبراهيم الحربي عن تعمير الخضر ، وأنه باق ؟ ، فقال : من أحال على غائب لم ينتصف منه ، وما ألقى هذا بين الناس إلا الشيطان ))
ما ذكره المؤلف من روايات الخضر اكتفى بالنقل عن ضعف أسانيدهاولم يناقش مضمون الروايات
الأخطاء فى الروايات هى :
الأول كون النبى(ص) مفضل على كل الرسل فى قولهم:
"يا رسول الله إن الله فضلك على النبيين كما فضل شهر رمضان على سائر الشهور "
ولم يذكر الله هذا التفضيل صراحة وما قاله مبهم وهو " وفضلنا بعض النبيين على بعض"ومن ثم لا نقول شىء فكل الأنيساء عندنا واحد فى المكانة كما قال المسلمون كما قص الله علينا" لا نفرق بين أحد من رسله" وهذا القول يعنى أن التفضيل ليس فى المكانة وإنما هو العطايا الدنيوية وهى الآيات المعجزات
الثانى كون أمة محمد(ص) خير من كل الأمم فى قولهم" وفضل أمتك على الأمم كما فضل يوم الجمعة على سائر الأيام " وهو ما يخالف أن المسلمون كلهم أمة واحد عبر العصور كما قال تعالى " وأن أمتكم أمة واحدة"
ونجد التناقضات التالية فى الرواية :
الأول أن مكان لقاء النبيين مرة كان فى المدينة فى قولهم" كان رسول الله يتوضأ من الليل إلى الليل ، فخرجت معه ذات ليلة في بعض طرق المدينة ، ومعي الطهور" ومرة كان فى مكة فى قولهم"كنت مع رسول الله (ص)، فجاء رجل من جبال مكة "
الثانى أن النبى(ص ) مرة كان فى الطرق فى قولهم "فخرجت معه ذات ليلة في بعض طرق المدينة ، ومعي الطهور" ومرة كان فى المسجد فى قولهم"أن رسول الله (ص)كان في المسجد ، فسمع كلاما من ورائه"
وهو تناقض واضح
الكتاب بلا مؤلف فى مكتبة الإكسير وهو يبحث فى موضوع إلتقاء نبيين هما محمد(ص) وإلياس) فى عهد محمد(ص) وفى هذا قال المؤلف:
"وبعد فقد يلهج كثير من الخطباء والوعاظ، بذكر هذه القصص الواهية، التى ابتدعها الوضاعون من القصاص، وجهلة الزهاد والعباد، سيما قصص الأنبياء من بنى إسرائيل"
واستهل المؤلف الكتاب بالقول أن تاريخ رسل بنى إسرائيل وهو تاريخ ملىء بالخرافات والأباطيل وفى هذا قال:
"ولا يغيبن عنك أن تاريخ أنبياء بنى إسرائيل مفعم بالأمور العجائب، والأقاصيص الغرائب، مما جعله مرتعا خصبا لاختلاق الأحاديث وتلفيقها، ونسبة هذا الغثاء إلى الصادق المصدوق الذى لا ينطق عن الهوى
يقول محقق ((موضوعات ابن الجوزى)) (1/ 10): ((لم تكن حركة وضع الأحاديث المكذوبة على رسول الله (ص)حركة ارتجالية عفوية في كل الأحيان، إنما تطورت إلى حركة مدروسة هادفة، وخطة شاملة، لها خطرها وآثارها كان من نتائجها المباشرة على العديد من أجيال المسلمين في العديد من أقطارهم، شيوع ما لا يحصى من الآراء الغريبة، والقواعد الفقهية الشاذة، والعقائد الزائفة، والافتراضات النظرية المضحكة، التى أيدتها، وتعاملت بها، وروجت لها، فرق وطوائف معينة، لبست مسوح الدروشة والتصوف حينا، والفلسفة حينا، والعباد والزهاد أحيانا وجافت في غالب أحوالها السلوك السوى، والفكر والعقل السليم، فضلا عن مجافاتها الصارخة لكتاب الله العظيم، وهدى نبيه الكريم (ص)"
ثم ذكر المؤلف روايات إلتقاء النبيين(ص) المزعوم فقال:
"ومما أوردوا من الواهيات الموضوعات: قصة التقاء النبى (ص)بإلياس (ص) وذكروا حديثين:
[الأول] حديث أنس بن مالك
قال ابن أبى الدنيا (( الهواتف ))(102) : حدثنى إبراهيم بن سعيد الجوهري حدثنا يزيد بن يزيد الموصلى التيمى مولى لهم حدثنا أبو إسحاق الجرشى عن الأوزاعي عن مكحول عن أنس بن مالك قال : (( غزونا مع رسول الله (ص)، حتى إذا كنا بفج الناقة عند الحجر ، إذا نحن بصوت يقول : اللهم اجعلني من أمة محمد المرحومة ، المغفورة لها ، المتاب عليها ، المستجاب لها ، فقال رسول الله (ص): يا أنس انظر ما هذا الصوت ، فدخلت الجبل ، فإذا أنا برجل أبيض الرأس واللحية ، عليه ثياب بيض ، طوله أكثر من ثلاثمائة ذراع ، فلما نظر إلى قال : أنت رسول النبي (ص)؟ ، قلت : نعم ، قال : ارجع إليه فأقرئه منى السلام ، وقل له : هذا أخوك إلياس يريد يلقاك ، فجاء النبي (ص)وأنا معه ، حتى إذا كنا قريبا منه ، تقدم النبي (ص)وتأخرت فتحدثا طويلا ، فنزل عليهما من السماء شبه السفرة ، فدعواني ، فأكلت معهما ، فإذا فيه كمأة ورمان وكرفس ، فلما أكلت ، قمت فتنحيت ، وجاءت سحابة ، فاحتملته ، أنظر إلى بياض ثيابه فيها ، تهوى به قبل الشام ، فقلت للنبى (ص): بأبى أنت وأمى ، هذا الطعام الذى أكلنا من السماء نزل عليك ؟ ، فقال النبي (ص): سألته عنه ، فقال : أتانى به جبريل في كل أربعين يوما أكلة ، وفى كل حول شربة من ماء زمزم ، وربما رأيته على الجب يمد بالدلو ، فيشرب ، وربما سقاني ))
وأخرجه كذلك ابن الجوزى (( الموضوعات ))(1/200) من طريق ابن أبى الدنيا بسنده ومتنه سواء وأخرجه أبو الشيخ بن حيان (( العظمة ))(5/1530) قال : حدثنا محمد بن إبراهيم بن داود ثنا أحمد بن هاشم ثنا يزيد أبو خالد البلوي ثنا أبو إسحاق الجرشي به نحوه
وتابعهما عن يزيد بن يزيد : أحمد بن عبد الله البرقى ، إلا أنه خالفهما على سنده ، فقال (( أبو إسحاق الفزارى )) ، وأتى بمعان مغايرة فى وقت فطره ، ووصف المائدة ، ولم يذكر شربه من زمزم مرة كل عام
فقد أخرجه الحاكم (2/674) قال : حدثني أبو العباس أحمد بن سعيد المعداني ببخارا أنا عبد الله بن محمود نا عبدان بن سيار حدثني أحمد بن عبد الله البرقي ثنا يزيد بن يزيد البلوي ثنا أبو إسحاق الفزاري عن الأوزاعي عن مكحول عن أنس بن مالك قال : (( كنا مع رسول الله (ص)في سفر ، فنزلنا منزلا ، فإذا رجل في الوادي يقول : اللهم اجعلني من أمة محمد المرحومة ، المغفورة المتاب عليها ، قال : فأشرفت على الوادي ، فإذا رجل طوله أكثر من ثلاثمائة ذراع ، فقال لي : من أنت ؟ ، قلت : أنا أنس بن مالك خادم رسول الله (ص)، قال : فأين هو ؟ ، قلت : هو ذا يسمع كلامك ، قال : فائته فاقرئه السلام ، وقل له : أخوك إلياس يقرئك السلام ، قال : فأتيت النبي (ص)، فأخبرته ، فجاء حتى لقيه فعانقه وسلم ، ثم قعدا يتحدثان ، فقال له : يا رسول الله إني ما آكل في السنة إلا يوما ، وهذا يوم فطري ، فآكل أنا وأنت ، قال : فنزلت عليهما مائدة من السماء ، عليها خبز وحوت وكرفس ، فأكلا وأطعماني ، وصلينا العصر ، ثم ودعه ، فرأيته مر في السحاب نحو السماء ))
وأخرجه البيهقى (( دلائل النبوة ))(5/422:421) قال : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ بسنده ومتنه سواء وأخرجه ابن عساكر (( تاريخ دمشق ))(9/212) من طريق البيهقى به مثله وقال أبو عبد الله الحاكم : (( صحيح الإسناد ولم يخرجاه )) وقال أبو بكر البيهقي : (( إسناد هذا الحديث ضعيف بمرة )) وتعقبه الحافظ الذهبى بقوله : (( هذا موضوع ، قبح الله من وضعه وهذا مما افتراه يزيد البلوي )) "
وقد ذكر المؤلف لنتقاد النقاد لروايات فنقل التالى عن ابن الجوزى فقال:
"وقال أبو الفرج بن الجوزى : (( هذا حديث موضوع لا أصل له ويزيد الموصلي ، وأبو إسحاق الجرشي لا يعرفان وقد روى أبو بكر النقاش أن محمد بن إسماعيل البخاري سئل عن الخضر وإلياس هل هما في الاحياء ؟ ، فقال : كيف يكون هذا ، وقد قال النبي (ص): (( لا يبقى على رأس مائة سنة ممن هو على ظهر الأرض أحد )) قلت : وهو كما قال الحافظان ابن الجوزى والذهبى ، وقد افتضح واضع هذا الحديث بالجهل والسذاجة فأمارات الوضع لائحة عليه ، لا تخفى على من له أدنى معرفة بحقائق الشريعة ، ومن الدلائل على وضعه :
[ أولا ] قوله (( طوله أكثر من ثلاثمائة ذراع )) ، فهذا من أسمج الكلام وأبعده عن حقيقة خلق بنى آدم ، بله وخلق أبيهم آدم (ص)، فإنه لم يزد على ستين ذراعا ففى (( كتاب الأنبياء )) من (( صحيح البخارى ))(3079) قال : حدثني عبد الله بن محمد ثنا عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة عن النبي (ص)قال : (( خلق الله آدم ، وطوله ستون ذراعا ، ثم قال : اذهب ، فسلم على أولئك من الملائكة ، فاستمع ما يحيونك : تحيتك وتحية ذريتك ، فقال : السلام عليكم ، فقالوا : السلام عليك ورحمة الله ، فزادوه ورحمة الله ، فكل من يدخل الجنة على صورة آدم ، فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن ))
فهذا بين أن طول إلياس (ص) دون الستين ذراعا (( فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن ))
[ ثانيا ] أنه لو كان إلياس (ص) حيا زمن بعثة النبي (ص)؛ ما وسعه أن يجوب الفلوات ، ويسكن الكهوف والمغارات ، ويأوى مجاهل الشام ، ولا يأتى بين يدى رسول الله (ص)ليؤمن به ويؤازره وينصره ، ويندرج فى جملة أصحابه وأتباعه ، تصديقا لقول الله تعالى (( وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين ))
وقد قال الإمام أحمد (3/387) : حدثنا سريج بن النعمان ثنا هشيم أخبرنا مجالد عن الشعبي عن جابر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب أتى النبي (ص)بكتاب ، أصابه من بعض أهل الكتب ، فقرأه النبي (ص)، فغضب ، فقال : (( أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب ، والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية ، لا تسألوهم عن شيء ، فيخبروكم بحق فتكذبوا به ، أو بباطل فتصدقوا به ، والذي نفسي بيده لو أن موسى (ص)كان حيا ، ما وسعه إلا أن يتبعني ))
ولو كان باقيا بعد رسول الله (ص)، كما يدعيه غلاة الصوفية ، لكان تبليغه للبراهين القرآنية ، والأخبار المصطفوية ، وقتاله مع المسلمين فى الغزوات ، وشهوده للجمع والجماعات ، ومؤازرته للعلماء والحكام ، وبيانه لأصول وفروع الأحكام ، وإحياءه للسنة النبوية ، وإماتته للمذاهب البدعية ، أزكى وأنفع وأفضل له ولأمة محمد من كمونه بالمغارات ، وجوبه الصحارى والفلوات !! وهذا من أوضح الأدلة وأنصعها على كذب من ادعى حياته ، والتقاءه بسيد المرسلين ، واجتماعه بالخضر كل عام فى الحج ، فيحلق كل واحد منهما رأس صاحبه ، ويشربان من زمزم شربة تكفيهما إلى العام المقبل
[ ثالثا ] هذا الاضطراب فى وقت أكله وإفطاره ، ففى رواية الجوهرى (( في كل أربعين يوما أكلة )) ، وفى رواية البرقى (( ما آكل في السنة إلا يوما )) !! ، وقد ذكروا عن وهب بن منبه : أنه لما دعا إلياس ربه أن يقبضه إليه ، جعل له ريشا ، وألبسه النور ، وقطع عنه لذة المطعم والمشرب ، وصار ملكيا بشريا ، سماويا أرضيا وهذا من تناقض من يثبت وجوده وحياته وبقائه فهذه أوصاف متعارضة متضاربة ، ينقض بعضها بعضا ، ولا يصح منها شئ البتة !
[ رابعا ] قوله عن جبريل (ص) (( وربما رأيته على الجب يمد بالدلو ، فيشرب ، وربما سقاني )) ، من الكذب المحال ، أيصدق مؤمن عاقل أن سيد الملائكة وأعظمهم ، الموكل بالوحى إلى رسل الله ، يقوم على بئر زمزم ، لينزع دلوا ، فيشرب منها ؟! أما علم هذا الوضاع المتهوك أن الملائكة لا يأكلون ولا بشربون ، غذاؤهم التسبيح والتقديس والتهليل ، ولا يفترون عن ذكر الله طرفة عين ، يلهمون الذكر كما يلهم أحدنا النفس والطرف
[ خامسا ] إن قول الله تعالى لنبيه (ص)(( وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون )) ، مما دل على أن إلياس (ص) ليس بحى إلى الآن ، ولا إلى زمن رسول الله (ص)، لأنه من جملة البشر ، يدركه الموت كما أدركهم ، فليس لواحد من البشر خلودا فى الدنيا ، (( كل من عليها فان )) ولله در الإمام الشافعى ، فقد كان يكثر يتمثل بهذين البيتين لطرفة بن العبد :
تمنى رجال أن أموت وإن أمت فتلك سبيل لست فيها بأوحد
فقل للذي يبغى خلاف الذي مضى تهيأ لأخرى مثلها بالحق "
فيما سبق أن ذكره المؤلف كلام كثير حسن فى انتقاد الرواية نزيد عليه التالى:
التناقض الأول اختلاف المأكول فى الروايتين ففى واحدة فيه كمأة ورمان وكرفس وفى الثانية خبز وحوت وكرفس فالمشترك هو الكرفس والمختلف كمأة ورمان خبز وحوت
التناقض الثانى أن النازل من السماء مائدة فى قول رواية " فنزلت عليهما مائدة من السماء"وفى قول شبه سفرة فى قول رواية" فنزل عليهما من السماء شبه السفرة" وهو تعارض ظاهر
التناقض الثالث ما حدث عن اللقاء ففى رواية تحدثا طويلا وهو قولهم "فجاء النبي (ص)وأنا معه ، حتى إذا كنا قريبا منه ، تقدم النبي (ص)وتأخرت فتحدثا طويلا" وفى الرواية الثانية تعانقا وتصافحا وقعدا يتحدثان وهو قولهم "فجاء حتى لقيه فعانقه وسلم ، ثم قعدا يتحدثان"
وهو تناقض فى الأحداث
التناقض الرابع وهو فى أمر أكل أنس ففى مرة دعواه أى طلبا منه المجىء للأكل وهو قول الرواية "فنزل عليهما من السماء شبه السفرة ، فدعواني ، فأكلت معهما" ومرة الثانية هما اللذين أطعما أنس فى فمه او أعطياه بعضا من الأكل دون أن يأكل معهما وهو قول الرواية " فأكلا وأطعماني"
وأما الأخطاء فهى حدوث معجزات نزول الأكل النازل من السماء والسحابة النى ركبها إلياس وهو ما يناقض منع الآيات وهى المعجزات عن النبى ألأخير(ص) بقوله تعالى "وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون"
والخطأ فى قول ابن الجوزى هو قول"من الكذب المحال ، أيصدق مؤمن عاقل أن سيد الملائكة وأعظمهم ، الموكل بالوحى إلى رسل الله ، يقوم على بئر زمزم ، لينزع دلوا ، فيشرب منها ؟ أما علم هذا الوضاع المتهوك أن الملائكة لا يأكلون ولا يشربون"
فالملائكة ليس فيها سيد لأنه يستلزم وجود عبيد والكلائكة مؤمنون وهم أخوة كما قال تعالى "إنما المؤمنون إخوة"
كما أن القول بأن الملائكة لا تأكل ولا تشرب هو كلام بلا دليل لأن كل المخلوقات تعيش على الأكل والشرب ولكن مواد الأكل والشرب تختلف من نوع إلى أخر
ثم ذكر المؤلف الرواية التالية:
الثانى : حديث واثلة بن الأسقع ، وسياقه أطول ، وكله غرائب وعجائب ومنكرات
قال ابن عساكر (( التاريخ ))(9/213) : أنبأناه أبو الكرم المبارك بن الحسن بن أحمد بن علي الشهروزي أنا عمي أبو البركات عبد الملك بن أحمد بن علي الشهرزوي سنة سبع وستين وأربعمائة أنا عبيد الله بن عمر بن أحمد الواعظ حدثني أبي حدثنا أحمد بن عبد العزيز بن منير الحراني بمصر ثنا أبو الطاهر خير بن عرفة الأنصاري ثنا هانيء بن المتوكل ثنا بقية عن الأوزاعي عن مكحول سمعت واثلة بن الأسقع قال : (( غزونا مع رسول الله غزوة تبوك ، حتى إذا كنا في بلاد جذام في أرض لهم يقال لها الحوزة ، وقد كان أصابنا عطش شديد ، فإذا بين أيدينا آثار غيث ، فسرنا مليا ، فإذا بغدير ، وإذا فيه جيفتان ، وإذا السباع قد وردت الماء ، فأكلت من الجيفتين ، وشربت من الماء ، قال : فقلت : يا رسول الله هذه جيفتان ، وآثار السباع قد أكلت منها ، فقال النبي : نعم هما طهوران ، اجتمعا من السماء والأرض ، لا ينجسهما شيء ، وللسباع ما شربت في بطنها ، ولنا ما بقي ، حتى إذا ذهب ثلث الليل ، إذا نحن بمنادي ينادي بصوت حزين : اللهم اجعلني من أمة محمد المرحومة ، المغفور لها ، المستجاب لها ، المبارك عليها فقال رسول الله : يا حذيفة ويا أنس ادخلا إلى هذا الشعب ، فانظرا ما هذا الصوت ، قال : فدخلنا ، فإذا نحن برجل عليه ثياب بياض أشد بياضا من الثلج ، وإذا وجهه ولحيته كذلك ، ما أدري أيهما أشد ضوءا : ثيابه أو وجهه ؟ ، فإذا هو أعلى جسما منا بذراعين أو ثلاثة ، قال : فسلمنا عليه ، فرد علينا السلام ، ثم قال : مرحبا أنتما رسولا رسول الله ، قالا : فقلنا : نعم ، قالا : فقلنا : من أنت رحمك الله ؟ ، قال : أنا إلياس النبي ، خرجت أريد مكة ، فرأيت عسكركم ، فقال لي جند من الملائكة على مقدمتهم جبريل وعلى ساقتهم ميكائيل : هذا أخوك رسول الله ، فسلم عليه وألقه ، ارجعا فاقرئاه السلام ، وقولا له : لم يمنعني من الدخول إلى عسكركم إلا أني أتخوف أن تذعر الإبل ، ويفزع المسلمون من طولي ، فإن خلقي ليس كخلقكم ، قولا له : يأتيني ، قال حذيفة وأنس : فصافحناه ، فقال لأنس خادم رسول الله : من هذا ؟ ، قال : حذيفة بن اليمان صاحب رسول الله ، قال : فرحب به ، ثم قال : والله إنه لفي السماء أشهر منه في الأرض ، يسميه أهل السماء صاحب رسول الله ، قال حذيفة : هل تلقى الملائكة ؟ ، قال : ما من يوم إلا وأنا ألقاهم ، ويسلمون علي ، وأسلم عليهم ، قالا : فأتينا النبي (ص)، فخرج النبي (ص)معنا ، حتى أتينا الشعب ، وهو يتلألأ وجهه نورا ، وإذا ضوء وجه إلياس وثيابه كالشمس ، قال رسول الله (ص): على رسلكما ، فتقدمنا النبي (ص)قدر خمسين ذراعا ، وعانقه مليا ، ثم قعدا ، قالا : فرأينا شيئا كهيئة الطير العظام بمنزلة الإبل ، قد أحدقت به ، وهي بيض ، وقد نثرت أجنحتها ، فحالت بيننا وبينهما ، ثم صرخ بنا النبي (ص)، فقال : يا حذيفة ، ويا أنس تقدما ، فتقدمنا ، فإذا بين أيديهم مائدة خضراء لم أر شيئا قط أحسن منها ، قد غلب خضرتها لبياضها ، فتقدمنا ، فإذا بين أيديهم مائدة خضراء ، وإذا عليها خبز ورمان وموز وعنب ورطب وبقل ما خلا الكراث ، قال النبي (ص): كلوا بسم الله ، فقلنا : يا رسول الله أمن طعام الدنيا هذا ؟ ، قال : لا ، هذا رزقي ، ولي في كل أربعين يوما وأربعين ليلة أكلة ، تأتيني بها الملائكة ، وهذا تمام الأربعين يوما والليالي ، وهو شيء يقول الله عز وجل له كن فيكون ، قال : فقلنا : من أين وجهك ؟ ، قال : وجهي من خلف رومية ، كنت في جيش من الملائكة مع جيش من المسلمين غزوا أمة من الكفار ، قال فقلنا : فكم يسار من ذلك الموضع الذي كنت فيه ؟ ، قال : أربعة أشهر ، وفارقته أنا منذ عشرة أيام ، وأنا أريد إلى مكة أشرب بها في كل سنة شربة ، وهي ريي وعصمتي إلى تمام الموسم من قابل ، قال : فقلنا : فأي المواطن أكبر معارك ؟ ، قال : الشام وبيت المقدس والمغرب واليمن ، وليس في مسجد من مساجد محمد إلا وأنا أدخله صغيرا كان أو كبيرا ، قال : الخضر متى عهدك به ؟ ، قال : منذ سنة ، كنت قد التقيت أنا وهو بالموسم ، وقد كان قال : إنك ستلقى محمدا قبلي ، فاقرئه مني السلام ، وعانقه وبكى ، قال : فإذا بين أيديهم مائدة خضراء لم أر شيئا قط أحسن منها ، قد غلب خضرتها لبياضها ، فتقدمنا ، فإذا بين أيديهم مائدة خضراء ، وإذا عليها خبز ورمان وموز وعنب ورطب وبقل ما خلا الكراث وقال أبو القاسم : (( هذا حديث منكر ، وإسناده ليس بالقوي ))
قلت : بل هو أشد سماجة وبرودة من سابقه ، فعلامات الكذب لائحة على كل فقرة من فقراته ولست بحانث لو أقسمت أنه : لم يروه واثلة ، ولا مكحول ، ولا الأوزاعى وإنما هو أفك تولى كبره دجال من هؤلاء الدجاجلة والمتهم به بهذا السند : بقية بن الوليد الشامى ، فقد سمعه من أحد الكذابين ، ثم دلسه عن الأوزاعى وقد قال أبو مسهر الدمشقى : أحاديث بقية ليست نقية فكن منها علي تقية وفى سياق هذه القصة المكذوبة ما ينبئك بشناعة الكذب على أنبياء الله ورسله :
[ أولا ] أفلو كان نبى الله إلياس حيا زمن رسول الله (ص)، أكان يتخلف عن المثول بين يديه إلى أن يلتقى به فى غزوة تبوك من العام التاسع ، بعيدا عن مهبط الوحى ومتنزل الملائكة !
[ ثانيا ] وأعجب لهذا العذر المانع من إتيانه لإمام المرسلين ، وقائد الغر المحجلين : إنه التخوف من ذعر الإبل ، وفزع المسلمين من رؤية نبى الله إلياس عليه السلام فأين هذا مما ذكره هذا الوضاع المتهوك بعد ذلك بقوله (( يتلألأ وجهه نورا ، وإذا ضوء وجهه وثيابه كالشمس )) !
[ ثالثا ] وإن تعجب ، فعجب زعم هذا المتهوك أن إلياس والخضر يلتقيان بالموسم كل عام ! فإن كانا كذلك ، فأين هما من حجة الوداع ، وكيف لم يلتقيا برسول الله (ص)فى أعظم حجة ، وأكرمها على الله ؟! ، بل أين هما من غزوات رسول الله (ص)ومشاهده ومواقفه ، سيما التى تنزلت لها الملائكة كغزوة بدر ؟! سبحان الله (( إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون ))
[ رابعا ] وعجب قوله على لسان نبى الله إلياس (( وليس في مسجد من مساجد محمد إلا وأنا أدخله صغيرا كان أو كبيرا )) أفلا يستحيى هذا الوضاع من الله وأنبيائه ، أم كان يجهل (( وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا )) !!
وفى ثنايا القصة كثير مما يستنكر ، ولا يخفى مثله على من له أدنى معرفة بحقائق الشريعة"
ونزيد على النقد السابق ما يلى:
الأول الأكل من الميتة فى قولهم:
فأكلت من الجيفتين ، وشربت من الماء ، قال : فقلت : يا رسول الله هذه جيفتان ، وآثار السباع قد أكلت منها ، فقال النبي : نعم هما طهوران ، اجتمعا من السماء والأرض ، لا ينجسهما شيء ، وللسباع ما شربت في بطنها ، ولنا ما بقي"
وهو ما يخالف قوله تعالى " حرمت عليكم الميتة" فالجيفة وهى الجثة ميتة والقول عن إباحة الميتة والماء طهوران وهما متجاوران يخالف حرمة ما فيه ضرر والجيق متحللة وينتج عن أكلها تسمم كما ان ما حولها من المياه تكون مشبعة بمواد ضارة
ونجد الرواية تتعارض مع الروايتين السابق ذكرهما فى التالى:
الأول أن فى الروايتين كان الرسول لإلياس(ص) واحد وهنا اثنين فى القول:
"يا حذيفة ويا أنس ادخلا إلى هذا الشعب "
الصانى أن طول إلياس(ص) كان فى الروايتين 300 ذراع وهنا أكبر من الناس بذراعين أو ثلاثة فى قولهم"" فإذا هو أعلى جسما منا بذراعين أو ثلاثة" وشتان ما بين300 و3 اذرع
الثالث أن المصافح فى الروايتين كان النبى(ص) بينما الثلاثة صافحوه وهو قولهم"قال حذيفة وأنس : فصافحناه يسميه أهل السماء صاحب رسول الله "
الرابع اختلاف المأكولات عن الروايتين حيث زادت موز وعنب ورطب وبقل فى قولهم "وإذا عليها خبز ورمان وموز وعنب ورطب وبقل ما خلا الكراث"
ونجد تناقض فى الرواية فمرة المائدة خضراء ومرة خضراء وبيضاء فى قولهم" فإذا بين أيديهم مائدة خضراء لم أر شيئا قط أحسن منها ، قد غلب خضرتها لبياضها "
ونجد الخطأ وهو نزول الملائكة الأرض معه كثيرا وهو ما يخالف ان الملائكة لا تنزل الأرض لعدم اطمئنانها فيها كما قال تعالى ""قل لو كان فى الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا"
ثم أضاف المؤلف بعض ما جاء عن التقاء الخضر بالنبى(ص) فقال:
"وشبيه بهذا ، ما يفترونه من سماع النبى النبي (ص)الخضر ، وبعثه أنس يسأله أن يدعو له ولأمته وهذا من أبشع الكذب والافتراء والجهل بمقام سيد المرسلين (ص) ومما أوردوا فيه من الواهيات الموضوعات حديثين :
[ الأول ] حديث أنس بن مالك ، وله ثلاث طرق
[ الطريق الأولى ] قال أبو الحسين بن المنادي كما فى (( الزهر النضر فى نبأ الخضر )) ( ص40) : أخبرني أبو جعفر أحمد بن النضر العسكري أن محمد بن سلام المنبجي حدثهم قال حدثنا وضاح بن عباد الكوفي حدثنا عاصم بن سليمان الأحول حدثني أنس بن مالك قال : (( خرجت ليلة من الليالي ، أحمل مع النبي (ص)الطهور ، فسمع مناديا ينادي ، فقال لي : يا أنس صه ، قال : فسكت ، فاستمع ، فإذا هو يقول : اللهم أعني على ما ينجيني مما خوفتني منه ، قال : فقال رسول الله (ص): لو قال أختها معها ، فكأن الرجل لقن ما أراد النبي (ص)، فقال : وارزقني شوق الصالحين إلى ما شوقتهم إليه ، فقال النبي (ص): يا أنس ضع الطهور ، وائت هذا المنادي ، فقل له : ادع لرسول الله أن يعينه الله على ما ابتعثه به ، وادع لأمته أن يأخذوا ما أتاهم به نبيهم بالحق ، قال : فأتيته ، فقلت : رحمك الله ! ادع الله لرسول الله أن يعينه على ما ابتعثه به ، وادع لأمته أن يأخذوا ما أتاهم به نبيهم بالحق ، فقال لي : ومن أرسلك ؟ ، فكرهت أن أخبره ولم استأمر رسول الله (ص)، فقلت له : رحمك الله ما يضرك من أرسلني ، ادع بما قلت لك ، فقال : لا أو تخبرني بمن أرسلك ، قال : فرجعت إلى رسول الله (ص)فقلت له : يا رسول الله أبى أن يدعو لك بما قلت له حتى أخبره بمن أرسلنى ، فقال : ارجع إليه ، فقل له : أنا رسول رسول الله ، فرجعت إليه ، فقلت له ، فقال لي : مرحبا برسول الله رسول الله ، أنا كنت أحق ان آتيه ، اقرأ على رسول الله (ص)مني السلام ، وقال له : يا رسول الله الخضر يقرأ عليك السلام ورحمة الله ، ويقول لك : يا رسول الله إن الله فضلك على النبيين كما فضل شهر رمضان على سائر الشهور ، وفضل أمتك على الأمم كما فضل يوم الجمعة على سائر الأيام ، قال : فلما وليت سمعته يقول : اللهم اجعلني من هذه الأمة المرشدة المرحومة ، المتوب عليها )) وأخرجه ابن الجوزى (( الموضوعات ))(1/194) تعليقا عن ابن المنادى به مثله وأخرجه الطبراني (( الأوسط ))(3071) عن بشر بن علي بن بشر العجلى ، وابن عساكر (( تاريخ دمشق ))(16/423:422) عن محمد بن الفضل بن جابر ، كلاهما عن محمد بن سلام المنبجى بنحو حديث ابن النضر العسكرى وقال أبو القاسم : (( لم يروه عن أنس إلا عاصم ، ولا عنه إلا وضاح ، تفرد به محمد بن سلام )) وقال أبو الحسين بن المنادى : (( هذا حديث واه بالوضاح وغيره ، وهو منكر الإسناد سقيم المتن ، ولم يراسل الخضر نبينا (ص)، ولم يلقه )) قلت : صدق أبو الحسين ما أسمجه وأبرده من خبر ! ، كيف جهل واضعه مقام رسول الله (ص)وكرامته على ربه ، ولم يستحيى منه حتى تجرأ عليه ، فوضع على لسانه هذا المقال (( ادع الله لرسول الله أن يعينه على ما ابتعثه به ، وادع لأمته أن يأخذوا ما أتاهم به نبيهم بالحق )) وقد قال إمام المحدثين (( كتاب العلم ))(106) : حدثنا مكي بن إبراهيم ثنا يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع سمعت النبي (ص)يقول : (( من يقل علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار )) ولا يستحل مثل هذا الإدعاء ، أعنى طلب رسول الله (ص)من الخضر أن يدعو له ولأمته ، إلا الزنادقة الذين يزعمون كذبا وافتراءا ؛ أن مقام الولاية أعلى من النبوة والرسالة !! فقد تزندق قائلهم ، وأعظم على الله الفرية حين قال :مقام النبوة في برزخ فويق الرسول ودون الولي
[ الطريق الثانية ] قال ابن عساكر (( التاريخ ))(16/424:423) : أخبرناه أبو عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم في كتابه أنا القاضي أبو الحسن علي بن عبيد الله بن محمد الهمداني بمصر أنا أبو الحسن علي بن محمد بن موسى التمار الحافظ نا أحمد بن محمد بن سعيد نا الحسين بن ربيع نا الحسين بن يزيد السلولي نا إسحاق بن منصور نا أبو خالد مؤذن بني مسلمة نا أبو داود عن أنس بن مالك قال : (( كان رسول الله يتوضأ من الليل إلى الليل ، فخرجت معه ذات ليلة في بعض طرق المدينة ، ومعي الطهور ، فسمع صوت رجل يدعو : اللهم أعني على ما ينجيني مما خوفتني ، )) فذكره بنحو حديث الوضاح السالف
قلت : والمتهم بهذا الحديث أبو داود ، وهو نفيع بن الحارث الهمدانى الكوفى القاص الأعمى ، مجمع على تركه ، وكذبه قتادة
وقال ابن حبان : كان ممن يروي عن الثقات الأشياء الموضوعات توهما ، لا يجوز الاحتجاج به ، ولا الرواية عنه إلا على جهة الاعتبار
[ الطريق الثالثة ] قال أبو حفص بن شاهين كما فى (( الزهر النضر فى نبأ الخضر ))( ص42) : حدثنا موسى بن أنس بن خالد بن عبد الله بن أبي طلحة بن موسى بن أنس بن مالك ثنا أبي ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ثنا حاتم بن أبي رواد عن معاذ بن عبيد الله بن أبي بكر عن أبيه عن أنس قال : (( خرج رسول الله (ص)ذات ليلة لحاجة ، فخرجت خلفه ، فسمعنا قائلا يقول : اللهم إني أسألك شوق الصادقين إلى ما شوقتهم إليه ، فقال رسول الله (ص): يا لها دعوة لو أضاف إليها أختها ، فسمعنا القائل وهو يقول : اللهم إني أسألك أن تعينني بما ينجيني مما خوفتني منه ، فقال رسول الله (ص): وجبت ورب الكعبة ، يا أنس ! ائت الرجل ، فاسأله أن يدعو لرسول الله (ص)أن يرزقه الله القبول من أمته ، والمعونة على ما جاء به من الحق والتصديق ، قال أنس : فأتيت الرجل ، فقلت : يا عبد الله ادع لرسول الله ، فقال لي : ومن أنت ، فكرهت أن أخبره ولم أستأذن ، وأبى أن يدعو حتى أخبره ، فرجعت إلى رسول الله (ص)، فأخبرته ، فقال لي : أخبره ، فرجعت ، فقلت له : أنا رسول الله إليك ، فقال مرحبا برسول الله وبرسول رسول الله ، فدعا له ، وقال : اقرأه مني السلام ، وقل له : أنا أخوك الخضر ، وأنا كنت أحق أن آتيك ، قال : فلما وليت سمعته يقول : اللهم اجعلني من هذه الأمة المرحومة المتاب عليها"
وأخرجه كذلك الدارقطنى (( الأفراد )) من طريق أنس بن خالد عن محمد بن عبد الله الأنصارى بمثله وقال الحافظ ابن حجر : (( ومحمد بن عبد الله الأنصارى ، هو أبو سلمة البصرى ، وهو واهى الحديث جدا ، وليس هو شيخ البخارى قاضى البصرة ، ذاك ثقة ، وهو أقدم من أبى سلمة ))
قلت : أبو سلمة هذا ممن يسرق الأحاديث ويركبه على أسانيد أهل البصرة ، ترجمه أبو جعفر العقيلى (( الضعفاء ))(4/95) قال : (( محمد بن عبد الله أبو سلمة الأنصاري عن مالك بن دينار منكر الحديث حدثنا محمد بن موسى بن حماد البربري ثنا محمد بن صالح بن النطاح ثنا أبو سلمة محمد بن عبد الله الأنصاري ثنا مالك بن دينار عن أنس بن مالك قال : (( كنت مع رسول الله (ص)، فجاء رجل من جبال مكة ، إذ أقبل شيخ متوكئا على عكازه ، فقال رسول الله (ص): مشية جني ونغمته ، فقال : أجل ، فقال : من أي الجن أنت ؟ ، قال : أنا هامة بن الهيم بن لاقيس بن إبليس )) فذكر حديثا طويلا باطلا ، لا يتابعه عليه إلا مثله أو أكذب منه
[ الثانى ] حديث عمرو بن عوف المزنى أخرجه ابن عدى (( الكامل ))(6/62) ، ومن طريقه البيهقى (( دلائل النبوة ))(5/423) ، وابن الجوزى (( الموضوعات ))(1/193) من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده : (( أن رسول الله (ص)كان في المسجد ، فسمع كلاما من ورائه ، فإذا هو بقائل يقول : اللهم أعني على ما ينجيني مما خوفتني ، فقال رسول الله (ص)حين سمع ذلك : ألا تضم إليها أختها ، فقال الرجل : اللهم ارزقني شوق الصالحين إلى ما شوقتهم إليه ، فقال النبي (ص)لأنس بن مالك : اذهب يا أنس إليه ، فقل له : يقول لك رسول الله (ص)تستغفر لي ، فجاءه أنس ، فبلغه ، فقال الرجل : يا أنس أنت رسول رسول الله إلي ، فارجع فاستثبته ، فقال النبي (ص): قل له : نعم ، فقال له : اذهب فقل له : إن الله فضلك على الأنبياء مثل ما فضل به رمضان على الشهور ، وفضل أمتك على الأمم مثل ما فضل يوم الجمعة على سائر الأيام ، فذهب ينظر إليه ، فإذا هو الخضر ))
قلت : والمتهم بهذا كثير بن عبد الله بن عمرو المزنى ، ركن من أركان الكذب ، قاله الإمام الشافعى وقال ابن حبان : منكر الحديث جدا ، يروى عن أبيه عن جده نسخة موضوعة ، لا يحل ذكرها فى الكتب ، ولا الرواية عنه وهذه المناكير والموضوعات مما يحتج بها غلاة الصوفية والشيعة على حياة إلياس والخضر ، وأنهما أعطيا الخلد فى الدنيا إلى الصيحة الأولى ، وأنهما يجتمعان كل عام بالموسم ، ويشربان من زمزم شربة تكفيهما إلى قابل ، وأن إلياس موكل بالفيافى ، والخضر موكل بالبحر ولله در من قال : ما ألقى هذا بين الناس إلا شيطان !(1)
وفى (( المنار المنيف ))(1/67) للحافظ الجهبذ ابن القيم : (( فصل : من الأحاديث الموضوعة أحاديث حياة الخضر عليه السلام ، وكلها كذب ولا يصح في حياته حديث واحد :
كحديث (( إن رسول الله (ص)كان في المسجد ، فسمع كلاما من ورائه فذهبوا ينظرون ، فإذا هو الخضر )) وحديث (( يلتقي الخضر وإلياس كل عام )) وحديث (( يجتمع بعرفة جبريل وميكائيل والخضر )) الحديث المفترى الطويل سئل إبراهيم الحربي عن تعمير الخضر ، وأنه باق ؟ ، فقال : من أحال على غائب لم ينتصف منه ، وما ألقى هذا بين الناس إلا الشيطان ))
ما ذكره المؤلف من روايات الخضر اكتفى بالنقل عن ضعف أسانيدهاولم يناقش مضمون الروايات
الأخطاء فى الروايات هى :
الأول كون النبى(ص) مفضل على كل الرسل فى قولهم:
"يا رسول الله إن الله فضلك على النبيين كما فضل شهر رمضان على سائر الشهور "
ولم يذكر الله هذا التفضيل صراحة وما قاله مبهم وهو " وفضلنا بعض النبيين على بعض"ومن ثم لا نقول شىء فكل الأنيساء عندنا واحد فى المكانة كما قال المسلمون كما قص الله علينا" لا نفرق بين أحد من رسله" وهذا القول يعنى أن التفضيل ليس فى المكانة وإنما هو العطايا الدنيوية وهى الآيات المعجزات
الثانى كون أمة محمد(ص) خير من كل الأمم فى قولهم" وفضل أمتك على الأمم كما فضل يوم الجمعة على سائر الأيام " وهو ما يخالف أن المسلمون كلهم أمة واحد عبر العصور كما قال تعالى " وأن أمتكم أمة واحدة"
ونجد التناقضات التالية فى الرواية :
الأول أن مكان لقاء النبيين مرة كان فى المدينة فى قولهم" كان رسول الله يتوضأ من الليل إلى الليل ، فخرجت معه ذات ليلة في بعض طرق المدينة ، ومعي الطهور" ومرة كان فى مكة فى قولهم"كنت مع رسول الله (ص)، فجاء رجل من جبال مكة "
الثانى أن النبى(ص ) مرة كان فى الطرق فى قولهم "فخرجت معه ذات ليلة في بعض طرق المدينة ، ومعي الطهور" ومرة كان فى المسجد فى قولهم"أن رسول الله (ص)كان في المسجد ، فسمع كلاما من ورائه"
وهو تناقض واضح