رضا البطاوى
عضو فعال
- المشاركات
- 2,709
- الإقامة
- مصر
المقاطعة الاقتصادية
المقاطعة الاقتصادية يقصد بها تحريم الشراء من دول محددة والبيع إليها
وعلماء السلطان كما هى العادة يصدرون فتاوى متناقضة وهم لا يصدرونها خفية عن الحكام لأن الحكام يأمرونهم بهذا فالحاكم عندما يجد هوى الناس فى المقاطعة يكون الأمر بإرضاء شعور العامة بفتوى تبيح المقاطعة الاقتصادية وفى نفس الوقت تصدر عن نفس الأسماء فتاوى تحرم المقاطعة ولكنها لا تصدر صريحة واضحة
استعرض نبيل العوضى فى مقال له تاريخ المقاطعة الاقتصادية فقال :
"المقاطعة الاقتصادية إحدى الوسائل التي استخدمها الناس عبر التاريخ ضد أعدائهم وخصومهم، كنوع من الضغط والإضعاف لهم، فالمشركون استخدموا هذه الوسيلة مع النبي (ص)في حصار الشعب، والمنافقون دعوا لهذه الوسيلة في المدينة "لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا"، واستخدمها النبي (ص)أيضاً مع يهود بني النضير وحاصرهم حتى استسلموا، واستخدمه النبي أيضاً مع أهل الطائف مدة من الزمن، واستخدمه الصحابي الجليل ثمامة بن أثال مع مشركي قريش فقطع عنهم كل البضائع والتجارة حتى يأذن النبي لهم، ولم ينقطع هذا الأسلوب الذي يعتبر من وسائل الحرب بين الخصوم على مر التاريخ، حتى في عصرنا هذا فإن الدول الكبرى مارسته ضد (ليبيا) و (سورية) و (إيران) و (حكومة طالبان) و (العراق) وغيرها من الدول غير الإسلامية أيضاً فأسلوب المقاطعة الاقتصادية ليس بالأمر الجديد بل هو معلوم يستخدمه الناس وقت الحاجة إذا ظنوا تحقق مصلحة من ورائه، ولهذا أفتى الكثير من العلماء بمشروعيته واعتبروه نوعا من الجهاد في سبيل الله"
بالقطع استشهاد العوضى أن النبي (ص) استخدم المقاطعة مع يهود بني النضير وحاصرهم حتى استسلموا، واستخدمه مع أهل الطائف مدة من الزمن هو استشهاد خاطىء فالحادثتين حرب أى قتال وليس مقاطعة فالحصار أسلوب قتالى
ومن الفتاوى التى استشهد بها العوضى فتوى أحمد شاكر والتى قال فيها:" فكرت في هذا كثيراً فما وجدتُ من طرق الجهاد السلمي الهادئ أجدى علينا من مقاطعة الملحدين لا أقصد بهذا أن لا نكلمهم فقط فذا أمر هين، ولكني أريد أن نقاطعهم في كل شيء، لا نأكل طعامهم، ولا نضيفهم، ولا نبايعهم، ولا نصاهرهم، ونقطع كلَّ صلة بأيِّ فرد منهم، ونعلمهم بحكم الله -تعالى- بأنهم خرجوا من الإسلام وحاربوه؛ فلا صلة بينهم وبين المسلمين إذا مات أحدهم لا يرثه وارثه المسلم، وإذا مات قريب لهم لا يرثونه، وإذا علمت المرأة أن زوجها منهم وجب عليها أن تفارقه؛ فإن نكاح الكافر للمسلمة نكاح باطل ومعاشرتها له حرام إذا كان للرجل ولد منهم حرم عليه إبقاؤه معه تحت سقف واحد ووجب عليه إخراجه، وأن لا ينفق عليه، وكل ما يعطيه فإنما ينفقه في إعانة من يحارب دينه وهو عليه حرام"
والفتوى بها كثير من الأمور الخاطئة التى تخالف كلام الله منها :
الأول أن الملحدين أقارب المسلمين لا يرثون المسلمون ولا يرثونهم وهو قوله " إذا مات أحدهم لا يرثه وارثه المسلم، وإذا مات قريب لهم لا يرثونه" وهو ما يخالف قوله تعالى" فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة" فهنا الأهل الكفار يرثون دية المسلم المقتول
الثانى تحريم نفقة الأب على ابنه الكافر وطرده من البيت بقوله" إذا كان للرجل ولد منهم حرم عليه إبقاؤه معه تحت سقف واحد ووجب عليه اخراجه، وأن لا ينفق عليه" وهو ما يتنافى مع وجوب الإنفاق على الأولاد "يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين"فالله لم يذكر كون الوالدين والأقربين كفارا او مسلمين فالنفقة واجبة
وقد قام مشهور بن حسن سلمان بجمع بعض الفتاوى المبيحة للمقاطعة فى مقال له بمجلة الأصالة وقد اختصرنا من الفتاوى الكلام الإنشائى وأبقينا على ما يخص الموضوع منها وهى:
"فتوى الشيخ عبد العزيز بن باز وصرَّح بمشروعية هذه الصورة: فضيلة العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز، واللجنة الدائمة للإفتاء ترى ذلك في فتاواها (فتوى رقم 21776) ( 4 ) فتوى الشيخ محبّ الدين الخطيب -رحمه الله-: ووجدت كلمة جيدة للعلامة السلفي محب الدين الخطيب، كتبها في افتتاحية العدد (175) من مجلته القيِّمة «الفتح» بتأريخ ( 26 جمادى الآخرة 1348هـ - الموافق 28 نوفمبر 1929)، وهي بعنوان (المقاطعة أمضى سلاح بأيدي عرب فلسطين)، ومما قال فيها: «المقاطعة عنوان الرجولة والحزم، والأمَّة التي تثبت على مقاطعة من يسيء إليها تشعر الأمم كلها بالحرمة لها، وفي مقدمة من يحترمها أعداؤها وبالمقاطعة تعرف الأمَّة مواطن ضعفها، وتنتبه إلى ما ينقصها في صناعاتها وتجاراتها، فالصنف من أصناف الحاجيات إذا كان لا يستحضره من مصادره غير اليهود؛ فإن العرب سيشعرون بحاجتهم إلى من يتقدَّم منهم لاستحضاره من مصادره، فيعظم إقبال الوطنيين على بطاعة أخيهم الوطني؛ الذي يأتيهم بما لا يوجد منه إلا عند أعدائهم، وبذلك يسد حاجتهم ويستفيد من إقبالهم على سلعته والمقاطعة ستنبه الأمَّة إلى ما هو أعظم من ذلك، فبعد أن يكون المتجرون بالكبريت -مثلاً- من اليهود دون غيرهم؛ يبادر إلى الاتجار بهذا الصنف تجار من العرب، ثمَّ تخطو الأمَّة خطوة أخرى فتؤسس مصنعاً وطنياً للكبريت، ومتى تقدَّمت الأمَّة خطوات متعددة في سبيل الاستقلال الاقتصادي؛ كان لها من ذلك شهود عدول على كفاءتها للاستقلال القومي والسياسي "
"فتوى الشيخ عبدالرحمن السعدي "ومن أعظم الجهاد وأنفعه: السعي في تسهيل اقتصاديات المسلمين والتوسعة عليهم في غذائياتهم الضرورية والكمالية، وتوسيع مكاسبهم وتجاراتهم وأعمالهم وعمالهم، كما أن من أنفع الجهاد وأعظمه مقاطعة الأعداء في الصادرات والواردات، فلا يسمح لوارداتهم وتجاراتهم، ولا تفتح لها أسواق المسلمين ولا يمكَّنون من جلبها على بلاد المسلمين بل يستغني المسلمون بما عندهم من منتوج بلادهم، ويوردون ما يحتاجونه من البلاد المسالمة، وكذلك لا تصدَّر لهم منتوجات بلاد المسلمين ولا بضائعهم، وخصوصاً ما فيه تقوية للأعداء: كالبترول، فإنه يتعيَّن منع تصديره إليهم وكيف يصدّر لهم من بلاد المسلمين ما به يستعينون على قتالهم؟؟! فإنَّ تصديره إلى المعتدين ضرر كبير، ومنعه من أكبر الجهاد، ونفعه عظيم فجهاد الأعداء بالمقاطعة العامة لهم من أعظم الجهاد في هذه الأوقات"
» فتوى أبي الكلام جاء في ترجمته في «الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام» (3/1169" « وأيد أبو الكلام مبدأ ترك موالاة الحكومة الإنجليزيّة، ومقاطعة البضائع الأجنبيّة، ومبدأ «لا عنف ولا اعتداء» المبادئ التي دعا إليها «غاندي» فأقام عليها الدلائل الشرعيّة، وجال فيها وصال، فكان لها الرواج والقبول في الأوساط الإسلاميّة، واضطربت لها الحكومة الإنجليزيّة، وقام بجولات واسعة مع «غاندي» وزعماء الخلافة في أنحاء الهند، وألقى الخطب الرنانة في المحافل الكبيرة» وممن كان يؤيد حركة مقاطعة البضائع الأجنبيّة: عبدالباري الفرنكي محلي الكهنوي، كما في ترجمته في «الإعلام» (3/1259) -أيضاً- ووجدتُ العلامة تقي الدين يذكر قصصاً في مقاطعة الهندوس للبضائع البريطانيّة في الهند، ويثني على ذلك، فهي عنده مقبولة، إن آتت ثمارها وترتبت عليها نتائجها "
ومن الفتاوى الأخرى فى الموضوع فتوى أحمد الخليلي مفتى عمان لتفعيل سلاح مقاطعة الأعداء حيث سئل"أشرتم إلى القضية الاقتصادية ، وهو ما يشير إليه بعض المسلمين بالمعصية الاقتصادية للعالم الإسلامي بحيث لم يتنبه إلى تكثير ثرواته واستغلال ثروات الأرض ، الفرد المسلم بغض النظر عن الشركات الكبرى والدول والمنظمات والحكومات ماذا يمكنه أن يفعل في سبيل زيادة دخل المسلمين وتعبئتهم اقتصاديا حتى يتخلصوا من التبعية لأعدائهم ؟ وكان الجواب:
يقال : المرء قليل بنفسه كثير بأخيه ، فالفرد المسلم عليه قبل كل شيء أن يضع يده في يد الآخر ، وأن يكون هنالك تكامل ، من الله – سبحانه وتعالى - على بعض الناس بالمال ، ومن على الآخرين بالخبرة ، ومن على آخرين بالمادة التي يمكن أن تصنع وهكذا فإذن لا بد من التكامل ما بين هذه الفئات بأسرها حتى يمكن لأن يكون هذا التكامل بمشيئة الله حركة اقتصادية مؤثرة في حياة هذه الأمة بحيث تنقلها من الضعف إلى القوة "
فيما سبق من قتاوى الفتاوى مجرد كلام عام غالبه هو لإرضاء الناس وفى مقال وقفات مع من قال بالمقاطعة لسالم بن سعد الطويل استعرض الرجل فتاوى نفس العلماء تقريبا فى نفس الموضوع ولكن بصيغ أخرى حيث حرموا المقاطعة الاقتصادية فنقل الفتاوى التالية:
فقد ورد في فتاوى اللجنة الدائمة رقم (21776) بتاريخ 1421/12/25هـ السؤال التالي: يتردد الآن الدعوات لمقاطعة المنتجات الأمريكية مثل البيتزاهت وماكدونالدز إلخ فهل نستجيب لهذه الدعوات وهل معاملات البيع والشراء مع الكفار في دار الحرب جائزة؟ أم أنها جائزة مع المعاهدين والذميين والمستأمنين في بلادنا فقط؟
الجواب: يجوز شراء البضائع المباحة أياً كان مصدرها ما لم يأمر ولي الامر بمقاطعة شيء منها لمصلحة الاسلام والمسلمين لأن الاصل في البيع والشراء الحل كما قال تعالى واحل الله البيع (البقرة: 275) والنبي (ص)اشترى من اليهود
وسئل المفتي عبدالعزيز بن باز السؤال التالي: احسن الله اليك اذا علم ان هذا التاجر (رافضي) وان بضاعته معروفة هل يحذر منه على اساس انهم ما يشترون منه حتى انهم ما يدعمونه حتى ما يكون له دعم؟
الجواب: هذا محل نظر، الشراء من الكفرة جائز والنبي (ص)اشترى من اليهود، اشترى منهم ومات ودرعه مرهونة عند يهودي في طعام صلى الله عليه وسلم لكن يبين لهم عقيدتهم حتى لا يتخذهم اصحاب ولا رفقاء، اما كونه يشتري منهم شيئا اذا دعت الحاجة لشرائه الامر سهل، المقصود الحذر من الموالاة والمحبة أو التساهل معهم أو تمرير اعمالهم والتساهل فيها يبين للناس كفرهم وضلالهم الخ"
الاستشهاد بشراء النبى(ص) من يهودى ورهن درعه عند يهودع أمر لا يصلح للاستشهاد به فى المقاطعة لأن المقاطعة مرتبطة بدول خارجية والروايات تبين أن اليهودى ذمى داخل دولة المسلمين ومن ثم لا يكون هذا داخلا فى حرمة المقاطعة او إباحتها
ونقل الفتوى التالية:"وسئل محمد بن صالح العثيمين السؤال التالي: فضيلة الشيخ يوجد مشروب يسمى الكولا تنتجه شركة يهودية، فما حكم هذا المشروب؟ وما حكم بيعه وهل هو من التعاون على الاثم والعدوان؟
الجواب: "ألم يبلغك ان النبي (ص)اشترى من اليهودي طعاما لأهله ومات ودرعه مرهونة عند هذا اليهودي؟ ألم يبلغك ان الرسول عليه الصلاة والسلام قَبِلَ الهدية من اليهود؟ ولو اننا قلنا: لا، فات علينا شيء كبير من استعمال سيارات ما يصنعها اليهود واشياء نافعة اخرى لا يصنعها الا اليهود الخ"
نفس التعليق على الفتوى السابقة ومثلها التالية:
:وسئل صالح بن فوزان آل فوزان السؤال التالي: فضيلة الشيخ وفقكم الله، يكتب في الصحف هذه الايام الدعوة لمقاطعة البضائع الامريكية وعدم شرائها وعدم بيعها ومن ذلك ما كتب في هذا اليوم في احدى الصحف من أن علماء المسلمين يدعون الى المقاطعة وان هذا العمل فرض عين على كل مسلم وان الشراء لواحدة من هذه البضائع حرام، وان فاعلها فاعل لكبيرة ومعين لهؤلاء ولليهود على قتال المسلمين فارجو من فضيلتكم توضيح هذه المسألة للحاجة اليها وهل يثاب الشخص على هذا الفعل؟.... هذا غير صحيح، فالعلماء ما افتوا بتحريم الشراء من السلع الامريكية، والسلع الامريكية ما زالت تُورد وتباع في اسواق المسلمين. وليس بضار امريكا اذا انت اشتريت منها ومن سلعها وليس بضارها هذا. ما تقاطع السلع الا اذا اصدر ولي الامر، اذا اصدر ولي الامر منعا ومقاطعة لدولة من الدول، فيجب المقاطعة، اما مجرد افراد انهم يريدون عمل هذا ويفتون فهذا تحريم ما احل الله لا يجوز."
الغريب فى تلك الفتاوى سواء كانت المحرمة أو المبيحة نجد أن الفريق يستند لروايات فى التحريم ويستند لروايات أخرى فى التحليل وهم لا ينقلون تأصيلا أى تأسيسا للفتوى بناء على كذا وكذا وإنما هم يحكون مجرد مضمون بعض الروايات
ومن الأمثلة القليلة التى بنت الفتوى على أسس وإن كانت واهية مقال دراسات في الشريعة مقاطعة بضائع الكفار نظرة شرعية لهاني بن عبد الله بن محمد بن جبير ومما جاء فى ذلك المقال :
"الأصل أنه يجوز معاملة الكفار بالبيع والشراء سواء كانوا أهل ذمّة أو عهد أو حرب إذا وقع العقد على ما يحل ، ولا يكون ذلك من موالاتهم عن عبد الرحمن بن أبي بكر قال : كنا مع النبي (ص)ثم جاء رجل مشرك مشعان طويل بغنم يسوقها فقال النبي (ص): أبيعاً أم عطيّة ؟ أو قال : أم هبة ؟ قال : لا ، بل بيع فاشترى منه شاةً وقد بوّب البخاري على هذا الحديث في صحيحه : باب البيع والشراء مع المشركين وأهل الحرب وقد أمر النبي (ص)سلمان الفارسي بأن يكاتب ، والمكاتبة أن يشتري العبد نفسه من سيده ، وكان سيده يهودياً وعن ابن عباس قال : قُبض رسول الله (ص)وإن درعه مرهونة عند رجل من يهود على ثلاثين صاعاً من شعير أخذها رزقاً لعياله وعن عائشة أن النبي (ص)اشترى من يهودي طعاماً إلى أجل"
كما سبق ان علقنا على روايات الشراء من اليهود والرهن عندهم نقول أن هذا ألمر هو داخل دولة المسلمين وأيضا حكاية المشرك الطويل وأما أمر سلمان فهو أمر وقع فى دولة كافرة فلم يكن للمسلمين دولة وإنما كانوا يعيشون مع الكفار ومن ثم فلا يصلح شىء من هذا الاستدلال على إباحة المقاطعة أو حرمتها لأن المقاطعة تكون بين دولة المسلمين والدول الكافرة
ثم نقل الرجل التالى:
"وقال :وسواء في ذلك أن يسافر المسلم لبلد الكفار وديار الحرب أو يجيء الكافر لبلاد الإسلام ليبيع أو يشتري قال شيخ الإسلام ابن تيمية : « وإذا سافر الرَّجل إلى دار الحرب ليشتري منها جاز عندنا كما دل عليه حديث تجارة أبي بكر في حياة رسول الله (ص)إلى أرض الشام ، وهي حينذاك دار حرب ، وغير ذلك من الأحاديث عن الحسن قال : كتب أبو موسى إلى عمر بن الخطاب أن تجار المسلمين إذا دخلوا دار الحرب أخذوا منهم العُشر قال فكتب إليه عمر : خذ منهم إذا دخلوا إلينا مثل ذلك : العشر "قال الحافظ ابن حجر : « تجوز معاملة الكفار فيما لم يتحقق تحريم على المتعامَل فيه ، وعدم الاعتبار بفساد معتقدهم ومعاملاتهم فيما بينهم » هذا هو الأصل العام في معاملة الكفار"
يوجد فيما علمنا من الروايات يقول أن أبا بكر تاجر مع الكفار بعد الهجرة فى الشام أو غيرها وإنما كان هذا قبل الهجرة والرواية المشهورة هى عن الرهان بسبب سورة الروم وانتصار الروم وهى رواية لم تقع ولا تصح لأن الرهان حرام والرواية الأخرى عن عبد الرحمن بن عوف وحليفه القريشى فى التجارة وهى روايات لم تقع ولا تصح
وأما فرض العشر على تجار الكفار لكونهم بفرض على تجار المسلمين فهو أمر لا يتعلق بالمقاطعة وإنما إباحة للتعامل بالمثل بين الدول
وقد بين هانى ما سماه المسائل المستثناة فقال :
وقال:"يستثنى من هذا الأصل مسائل ؛ منها:
أنه لا يجوز أن يبيع المسلم للكفار ما يستعينون به على قتال المسلمين لقوله تعالى " وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَان " قال ابن بطال : « معاملة الكفار جائزة ، إلا بيع ما يستعين به أهل الحرب على المسلمين » وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن معاملة التتار ، فأجاب : ( يجوز فيها ما يجوز في معاملة أمثالهم ، ويحرم فيها ما يحرم في معاملة أمثالهم فأما إن باعهم أو باع غيرهم ما يعينهم به على المحرمات كبيع الخيل والسلاح لمن يقاتل به قتالاً محرماً فهذا لا يجوز وسواء كان ذلك وقت الحرب بين المسلمين والكفار أو وقت الموادعة والهدنة بينهم
قال السرخسي : ولا يمنع التجار من حمل التجارات إليهم إلا الكراع والسلاح والحديد ؛ لأنهم أهل حرب ، وإن كانوا موادعين ؛ ألا ترى أنهم بعد مضي المدة يعودون حرباً للمسلمين ، ولا يمنع التجار من دخول دار الحرب بالتجارات ما خلا الكراع والسلاح ؛ فإنهم يتقوون بذلك على قتال المسلمين فيمنعون من حمله إليهم ، وكذلك الحديد ؛ فإنه أصل السلاح قال الله تعالى " وَأَنزَلْنَا الحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ " ..وهذه المسألة من معمولات سد الذرائع المفضية إلى المفاسد ، ومن أمثلة قاعدة الوسائل لها أحكام المقاصد من شواهد ذلك في موضوعنا ما جاء عن عمر بن الخطاب أنّه كان يأخذ من النبط من القِطْنيّة ( وهي الحبوب التي تطبخ ) العُشْر ، ومن الحنطة والزيت نصف العشر ؛ ليكثر الحَمْل إلى المدينة فقد خفف عمر ما يأخذه منهم للمصلحة في ذلك ؛ فإن في الحنطة معاش الناس ومن هذا نقول : إنّه يخفف في أمور الضرورات والحاجيات العامة ويراعى فيها ما لا يراعى في غيرها"
وهذا الكلام عن تحريم بيع ما يظن استعماله كسلاح ضد المسلمين هو ضرب من الخبل لأن الأسلحة عند من يقوم بالحرب قد لا يتخيلها البعض فمثلا الماء أصبح سلاحا يستخدم لإزالة الخطوط الدفاعية للعدو كما فى إزالة النقاط الحصينة فى خط بارليف وعمل فتحات فيه لعبور الدبابات والجنود ومثلا النفط يستخدم فى تشغيل المصانع سواء مصانع الطعام أو الملابس او السلاح ومثلا الحديد يستخدم فى البناء وفى إنتاج آلات ومعدات فى إنتاج سلع مختلفة وإنتاج سلاح ومثلا مواد تنظيف الملابس والمواعين يمكن استخدام كمفرقعات أى سلاح ومثلا المواد المهدرة التى تستخدم فى العمليات الجراحية تستخدم كسلاح فى قنابل او طلقات فى بعض العمليات التى يراد منها الاستخبار وما شاكل هذا
أما حكاية تعامل عمر مع النبط وهى لم تقع فمسألة خارج نطاق المقاطعة إباحة وتحريما لأنها تعامل داخل دولة المسلمين وليست بينها وبين دولة أخرى
وقال هانى :
"وقال فى الإضرار الاقتصادي طريق من طرق الجهاد المشروع
وقد استعمل النبي (ص)التضييق والضغط الاقتصادي بتلك السرايا والبعوث التي سيّرها لمهاجمة قوافل قريش التجارية ؛ فقد بعث النبي (ص)سعد بن أبي وقاص فقال : « اخرج يا سعد حتى تبلغ الخرّار ؛ فإن عيراً لقريش ستمر بك » وخرج النبي (ص)في مائتين من أصحابه يعترض عيراً لقريش في غزوة بواط كما خرج لغزوة العشيرة لاعتراض قافلة لقريش في طريقها إلى الشام ، ولما عادت خرج يريدها وغزوة بدر إنما كان سببها طلبه عير أبي سفيان وعن ابن عباس قال : لما سمع رسول الله (ص)بأبي سفيان مقبلاً من الشام ندب المسلمين إليهم ، وقال : « هذه عير قريش فيها أموالهم ؛ فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها » فانتدب الناس إلى غير ذلك من شواهد كثيرة ، وكما استعمل النبي (ص)هذا الأسلوب فقد استعمله أبو بصير لما خرج إلى سيف البحر ولحق به أبو جندل بعد صلح الحديبية ، واجتمع إليهما عصابة ممن أسلم من قريش لا يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشام إلا اعترضوا لها ، فقتلوهم وأخذوا أموالهم بل وأبلغ من ذلك أن النبي (ص)دعا على قريش أن تضيق عليهم معيشتهم"
وهذا كلام عن الحرب وليس كلام عن المقاطعة فالله أمر المؤمنين الذين طردوا من بيوتهم وأخذت أموالهم أن يهاجموا الكفار للحصول على عدل أموالهم وبيوتهم وفى هذا قال تعالى " "أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله "فأين المقاطعة فى هذا الأمر ؟
ومن ثم لا يصلح أيا من هذا للاستشهاد به على عملية المقاطعة تحريما أو تحليلا
ثم ذكر روايات أخرى فقال :
"لا شك أن من الأصول المقررة عند أهل السنة والجماعة وجوب السمع والطاعة لولاة أمور المسلمين في المعروف وأعمال الرعيّة منها ما يشترط لفعله إذن الإمام ، ومنها ما لا يشترط له إذنه والمقاطعة بشكلها المعاصر مما لا يظهر لي ارتباطه بإذن ولي الأمر ؛ بدليل حديث ثمامة الآتي نصّه : عن أبي هريرة قال : « بعث رسول الله (ص)خيلاً قِبَلَ نجد ، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أُثال سيّد أهل اليمامة ، فربطوه بسارية من سواري المسجد ، فخرج إليه رسول الله (ص)فقال : ماذا عندك يا ثمامة ؟ فقال عندي خير : إن تقتل تقتل ذا دم ، وإن تنعم تنعم على شاكر ، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت فتركه رسول الله (ص)حتى كان بعد الغد فقال : ما عندك يا ثمامة ؟ فأعاد عليه مقالته ؛ حتى كان من الغد أعاد عليه مقالته ، فقال رسول الله (ص): أطلقوا ثمامة فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ، ثم دخل المسجد ، فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله يا محمد ! والله ما كان على الأرض وجه أبغض إليَّ من وجهك ؛ فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إليَّ ، والله ما كان من دين أبغضَ إليَّ من دينك ، فأصبح دينك أحب الدين كله إليّ ، وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة ؛ فماذا ترى ؟ فبشره رسول الله (ص)وأمره أن يعتمر ، فلما قدم مكة قال له قائل : أصبوت ؟ فقال : لا ، ولكني أسلمت مع رسول الله (ص)، ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبّة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله (ص)» زاد ابن هشام : « فانصرف إلى بلاده ومنع الحمل إلى مكة حتى جهدت قريش ، فكتبوا إلى رسول الله (ص)يسألونه بأرحامهم أن يكتب إلى ثمامة يُخَلّي إليهم حمل الطعام ففعل »
والشاهد من الحديث أن ثمامة منع الحمل إلى مكة وهو نوع من المقاطعة الاقتصادية لهم مع أنه لم يتقدمه إذن نبوي بذلك ، وإنما قاله حميّة لله ورسوله لما قالوا له : صبوت ، كما هو ظاهر الحديث "
الرواية لا تصح فالمسلمون هنا يغيرون بلا سبب وأتوا برجل كان يريد الاعتمار وهو كلام لا يصدق وقوعه فالنبى(ص) لا يغير على احد دون سبب شرعى وهو الاعتداء على المسلمين ولم يسبق أن تحارب مع بنى حنيفة فالوفد الذى آتاه ومعهم مسيلمة فى الرواية بعضهم أسلموا ولم يكن هناك حرب حتى تتم الإغارة؟
كما أن المقاطعة هنا مقاطعة فردية لأن بنو حنيفة لم يسلموا كلهم ومن ثم فكلام ثمامة المزعوم هو من باب الفخر وليس من باب القدرة كما أن نجد لم تكن حسب الرواية داخل حكم المسلمين
وقد قسم هانى الأحكام فى المقاطعة فى الفقرة التالية لأحكام عدة هى:
"والذي يظهر أن حكم المقاطعة يختلف باختلاف الأحوال ، وإليك التفصيل :
الأول : إذا أمر بها الإمام :
إذا أمر الإمام بمقاطعة سلعة معينة أو بضائع دولة من دول الكفر فإنه يجب على رعيته امتثال أمره ؛ قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ } وعن أنس بن مالك قال : قال رسول الله (ص): « اسمعوا وأطيعوا إن استعمل عليكم عبدٌ حبشي كأن رأسه زبيبة » ولعلَّ في قصة كعب بن مالك إذ نهى رسول الله (ص)المسلمين عن كلامه وصاحبيه شاهداً لأمر الإمام بالمقاطعة"
الخبل والذى سبق أن تكرر فى الفتاوى هو أن المقاطعة لا تتم إلا بأمر الإمام وفى دولة المسلمين كل المسلمين أئمة لقوله تعالى " واجعلنا للمتقين إماما"
والقرار فى دولة المسلمين ليس للإمام أى الحاكم وإنما هو للمسلمين جميعا كما قال تعالى " وأمرهم شورى بينهم "
وقال فى التقسيمات:
"الثاني : إذا لم يأمر بها الإمام :
إذا لم يأمر الإمام بالمقاطعة فلا يخلو الحال من أمرين:
-أن يعلم المسلم أنَّ قيمة ما يشتريه يعين الكفار على قتل المسلمين أو إقامة الكفر فهنا يحرم عليه أن يشتري منهم ؛ وذلك لأن الشراء منهم والحال ما ذكر مشمول بالنهي عن التعاون على الإثم والعدوان ،ومشمول بقاعدة سد الذرائع المفضية إلى الحرام هذا حكم ما لو علم ذلك يقيناً سواء باطلاع مباشر ، أو خبر موثوق به ، أو غير ذلك وغلبة الظن تجري مجرى العلم كما سبق
- أن لا يتيقن أن عين ما يشتري به منهم يستعان به على حرام من قتال المسلمين أو إقامة الكفر ؛ فهذا باق على الأصل العام وهو جواز البيع والشراء وسائر المعاملات فإن الأصل في البيوع الإباحة سواء منها ما كان مع المسلمين أو الكفار كما سبق وحيث لم يوجد ناقل عن هذا الأصل فلا يتغير الحكم ولكن يرتبط به الحالة الآتية :
-أن لا يتيقن أن عين ما يشتري به منهم يستعان به على حرام ؛ لكن في مقاطعتهم مصلحة ، ولعل هذه الحالة هي أكثر ما يكون الحديث عنه
ولبيان حكم هذه الحالة فإني أحتاج لتقسيمها إلى قسمين :
أ - أن يتم الشراء من الكافر مباشرة أو من خلال سمسار أو وكيل بعمولة وإذا أردت الوصول للحكم الشرعي في هذا القسم فإني بحاجة لتقرير مسلَّمات شرعيّة توصلنا للنتيجة فالأصل جواز التعامل مع الكفار ولو كانوا من أهل الحرب ، وأن وسائل الحرام حرام ولا يحكم على فعلٍ حتى يُنْظر في مآله وعاقبته ولا يباح مما يفضي إلى مفسدة إلا ما كانت مصلحته أرجح ولا يحرم مما يفضي إلى مصلحة إلا ما كانت مفسدته أرجح ولا مانع من استعمال الإضرار المالي جهاداً لأعداء الله ولو لم يأذن به الإمام وعليه فإن كان في المقاطعة والحال ما ذكر مصلحة فإنه يُنْدب إليها على أنه يراعى مدى الحاجة للبضائع كما سبق
ب - أن يتم الشراء من مسلم اشترى البضاعة أو صاحب امتياز ولبيان الحكم فإني مع تذكيري بما سبق من مسلَّمات فإني أذكر بأن المنتج الكافر يأخذ مقابل منحه امتياز التصنيع ، وهو يأخذه سواء قلَّ البيع أو كثر ، فالمقاطعة إضرار به وبعمالته وبالمساهمين معه في رأس ماله ، وكذا الحال بالنسبة لمن اشترى بضاعة من الكافر وصارت من ماله فالمقاطعة إضرار به ولذا فإن القول بندب المقاطعة فيه ثِقَل لوجود المفسدة والضرر الكبيرين ، ولا يقال فيها إن المفسدة خاصة والمصلحة عامة ؛ وذلك لأن المسلم سيكون هو المتضرر ، ولأنَّ نفع المقاطعة مظنون وتضرر الشركة مقطوع به ، والمقطوع يقدم على المظنون وعلى كلٍّ فاعتراض المفسدة قد يمنع القول بندب المقاطعة في هذا القسم "
وهذا الكلام هو على أفراد المسلمين الذين يعيشون فى مجتمع إمامه وهو حاكمه كافر يحكم بغير شرع الله والمجتمعات التى نحيا فيها الآن المقاطعة غير ذات جدوى فيها لأن الحكام فى الخفاء يتعاملون اقتصاديا مع أعداء الأمة وقد بدا من بعض الحكام الفجور حاليا فى تعاملهم مع الأعداء التاريخيين لناسهم حيث يفخرون بتعاملهم معهم ومن ثم فهو يستوردون منهم كثيرا ويبيعون لهم قليلا وهم يقللون من سلع الأخرين حتى يضطر الناس للشراء من المنتجات التى يراد مقاطعتها
مما سبق يتبين التالى :
-أن كل من شارك فى الفتاوى استبعد كلام الله القرآن كأساس وحيد يعتمد عليه
-أكثر الروايات المعتمدة فى التأسيس للفتاوى روايات لا علاقة لها بالموضوع والغريب أن حوادثها لم يشر الله لها فى القرآن
- الروايات المعتمدة للتحريم أو للتحليل معظمها لا يشير للتعامل مع كفار الخارج وإنما مع كفار أى ذميين داخل دولة المسلمين
-الروايات المعتمدة كلها لا تشير لكون السلع والبضائع المشتراة من الكفار منتجة فى بلاد الكفار وإنما هى تركز على كون الباعة أو المتعامل معم كفار
الآيات التى تشير لكيفية المقاطعة فى القرآن :
الأولى قوله تعالى:
"وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة "
فالجملة تطالب بالإعداد الاقتصادى الكامل للمسلمين مع المجالات الأخرى حتى لا يستورد المسلمون شيئا من دول الكفر ويقدرون على القتال دون وجود مانع يضغط عليهم كعدم وجود طعام للناس
الثانية قوله تعالى "يا أيها الذين أمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله "
هنا يبين الله ضرورة مقاطعة الكفار فى الحج بمنعهم من الحج لمكة حتى لو أدى منعهم لخسائر اقتصادية ومن ثم فالأمر ليس كما قال هانى فى المقاطعة أنها إذا أضرت بتاجر مسلم او عدة تجار حرمت ولكن الخسارة تباح طالما كانت طاعة لحكم من أحكام الله
الثالث قوله تعالى:
" وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به"
فهنا يعلمنا الله أن أى أمر يفعله الكفار فينا كمقاطعة سلعنا يقابل بنفس الأمر فلا تباع سلعنا لهم فى تلك الحالة وقد ضرب الله مثل بتلك المعاملة وهى هروب الزوجات فالمسلمة التى ترتد وتهرب مع مهرها إلى دولة كافرة على الدولة الكافرة أن ترد المهر لزوجها المسلم وإلا كان على دولة المسلمين ألا ترد لزوج كافرة من عندهم هاجرت للمسلمين مسلمة ومعها مهرها المهر وفى هذا قال :
"يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن وأتوهم ما أنفقوا ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا أتيتموهن أجورهن ولا تمسكوا بعصم الكوافر وسئلوا ما أنفقتم وليسئلوا ما أنفقوا ذلكم حكم الله يحكم بينكم"
المقاطعة الاقتصادية يقصد بها تحريم الشراء من دول محددة والبيع إليها
وعلماء السلطان كما هى العادة يصدرون فتاوى متناقضة وهم لا يصدرونها خفية عن الحكام لأن الحكام يأمرونهم بهذا فالحاكم عندما يجد هوى الناس فى المقاطعة يكون الأمر بإرضاء شعور العامة بفتوى تبيح المقاطعة الاقتصادية وفى نفس الوقت تصدر عن نفس الأسماء فتاوى تحرم المقاطعة ولكنها لا تصدر صريحة واضحة
استعرض نبيل العوضى فى مقال له تاريخ المقاطعة الاقتصادية فقال :
"المقاطعة الاقتصادية إحدى الوسائل التي استخدمها الناس عبر التاريخ ضد أعدائهم وخصومهم، كنوع من الضغط والإضعاف لهم، فالمشركون استخدموا هذه الوسيلة مع النبي (ص)في حصار الشعب، والمنافقون دعوا لهذه الوسيلة في المدينة "لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا"، واستخدمها النبي (ص)أيضاً مع يهود بني النضير وحاصرهم حتى استسلموا، واستخدمه النبي أيضاً مع أهل الطائف مدة من الزمن، واستخدمه الصحابي الجليل ثمامة بن أثال مع مشركي قريش فقطع عنهم كل البضائع والتجارة حتى يأذن النبي لهم، ولم ينقطع هذا الأسلوب الذي يعتبر من وسائل الحرب بين الخصوم على مر التاريخ، حتى في عصرنا هذا فإن الدول الكبرى مارسته ضد (ليبيا) و (سورية) و (إيران) و (حكومة طالبان) و (العراق) وغيرها من الدول غير الإسلامية أيضاً فأسلوب المقاطعة الاقتصادية ليس بالأمر الجديد بل هو معلوم يستخدمه الناس وقت الحاجة إذا ظنوا تحقق مصلحة من ورائه، ولهذا أفتى الكثير من العلماء بمشروعيته واعتبروه نوعا من الجهاد في سبيل الله"
بالقطع استشهاد العوضى أن النبي (ص) استخدم المقاطعة مع يهود بني النضير وحاصرهم حتى استسلموا، واستخدمه مع أهل الطائف مدة من الزمن هو استشهاد خاطىء فالحادثتين حرب أى قتال وليس مقاطعة فالحصار أسلوب قتالى
ومن الفتاوى التى استشهد بها العوضى فتوى أحمد شاكر والتى قال فيها:" فكرت في هذا كثيراً فما وجدتُ من طرق الجهاد السلمي الهادئ أجدى علينا من مقاطعة الملحدين لا أقصد بهذا أن لا نكلمهم فقط فذا أمر هين، ولكني أريد أن نقاطعهم في كل شيء، لا نأكل طعامهم، ولا نضيفهم، ولا نبايعهم، ولا نصاهرهم، ونقطع كلَّ صلة بأيِّ فرد منهم، ونعلمهم بحكم الله -تعالى- بأنهم خرجوا من الإسلام وحاربوه؛ فلا صلة بينهم وبين المسلمين إذا مات أحدهم لا يرثه وارثه المسلم، وإذا مات قريب لهم لا يرثونه، وإذا علمت المرأة أن زوجها منهم وجب عليها أن تفارقه؛ فإن نكاح الكافر للمسلمة نكاح باطل ومعاشرتها له حرام إذا كان للرجل ولد منهم حرم عليه إبقاؤه معه تحت سقف واحد ووجب عليه إخراجه، وأن لا ينفق عليه، وكل ما يعطيه فإنما ينفقه في إعانة من يحارب دينه وهو عليه حرام"
والفتوى بها كثير من الأمور الخاطئة التى تخالف كلام الله منها :
الأول أن الملحدين أقارب المسلمين لا يرثون المسلمون ولا يرثونهم وهو قوله " إذا مات أحدهم لا يرثه وارثه المسلم، وإذا مات قريب لهم لا يرثونه" وهو ما يخالف قوله تعالى" فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة" فهنا الأهل الكفار يرثون دية المسلم المقتول
الثانى تحريم نفقة الأب على ابنه الكافر وطرده من البيت بقوله" إذا كان للرجل ولد منهم حرم عليه إبقاؤه معه تحت سقف واحد ووجب عليه اخراجه، وأن لا ينفق عليه" وهو ما يتنافى مع وجوب الإنفاق على الأولاد "يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين"فالله لم يذكر كون الوالدين والأقربين كفارا او مسلمين فالنفقة واجبة
وقد قام مشهور بن حسن سلمان بجمع بعض الفتاوى المبيحة للمقاطعة فى مقال له بمجلة الأصالة وقد اختصرنا من الفتاوى الكلام الإنشائى وأبقينا على ما يخص الموضوع منها وهى:
"فتوى الشيخ عبد العزيز بن باز وصرَّح بمشروعية هذه الصورة: فضيلة العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز، واللجنة الدائمة للإفتاء ترى ذلك في فتاواها (فتوى رقم 21776) ( 4 ) فتوى الشيخ محبّ الدين الخطيب -رحمه الله-: ووجدت كلمة جيدة للعلامة السلفي محب الدين الخطيب، كتبها في افتتاحية العدد (175) من مجلته القيِّمة «الفتح» بتأريخ ( 26 جمادى الآخرة 1348هـ - الموافق 28 نوفمبر 1929)، وهي بعنوان (المقاطعة أمضى سلاح بأيدي عرب فلسطين)، ومما قال فيها: «المقاطعة عنوان الرجولة والحزم، والأمَّة التي تثبت على مقاطعة من يسيء إليها تشعر الأمم كلها بالحرمة لها، وفي مقدمة من يحترمها أعداؤها وبالمقاطعة تعرف الأمَّة مواطن ضعفها، وتنتبه إلى ما ينقصها في صناعاتها وتجاراتها، فالصنف من أصناف الحاجيات إذا كان لا يستحضره من مصادره غير اليهود؛ فإن العرب سيشعرون بحاجتهم إلى من يتقدَّم منهم لاستحضاره من مصادره، فيعظم إقبال الوطنيين على بطاعة أخيهم الوطني؛ الذي يأتيهم بما لا يوجد منه إلا عند أعدائهم، وبذلك يسد حاجتهم ويستفيد من إقبالهم على سلعته والمقاطعة ستنبه الأمَّة إلى ما هو أعظم من ذلك، فبعد أن يكون المتجرون بالكبريت -مثلاً- من اليهود دون غيرهم؛ يبادر إلى الاتجار بهذا الصنف تجار من العرب، ثمَّ تخطو الأمَّة خطوة أخرى فتؤسس مصنعاً وطنياً للكبريت، ومتى تقدَّمت الأمَّة خطوات متعددة في سبيل الاستقلال الاقتصادي؛ كان لها من ذلك شهود عدول على كفاءتها للاستقلال القومي والسياسي "
"فتوى الشيخ عبدالرحمن السعدي "ومن أعظم الجهاد وأنفعه: السعي في تسهيل اقتصاديات المسلمين والتوسعة عليهم في غذائياتهم الضرورية والكمالية، وتوسيع مكاسبهم وتجاراتهم وأعمالهم وعمالهم، كما أن من أنفع الجهاد وأعظمه مقاطعة الأعداء في الصادرات والواردات، فلا يسمح لوارداتهم وتجاراتهم، ولا تفتح لها أسواق المسلمين ولا يمكَّنون من جلبها على بلاد المسلمين بل يستغني المسلمون بما عندهم من منتوج بلادهم، ويوردون ما يحتاجونه من البلاد المسالمة، وكذلك لا تصدَّر لهم منتوجات بلاد المسلمين ولا بضائعهم، وخصوصاً ما فيه تقوية للأعداء: كالبترول، فإنه يتعيَّن منع تصديره إليهم وكيف يصدّر لهم من بلاد المسلمين ما به يستعينون على قتالهم؟؟! فإنَّ تصديره إلى المعتدين ضرر كبير، ومنعه من أكبر الجهاد، ونفعه عظيم فجهاد الأعداء بالمقاطعة العامة لهم من أعظم الجهاد في هذه الأوقات"
» فتوى أبي الكلام جاء في ترجمته في «الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام» (3/1169" « وأيد أبو الكلام مبدأ ترك موالاة الحكومة الإنجليزيّة، ومقاطعة البضائع الأجنبيّة، ومبدأ «لا عنف ولا اعتداء» المبادئ التي دعا إليها «غاندي» فأقام عليها الدلائل الشرعيّة، وجال فيها وصال، فكان لها الرواج والقبول في الأوساط الإسلاميّة، واضطربت لها الحكومة الإنجليزيّة، وقام بجولات واسعة مع «غاندي» وزعماء الخلافة في أنحاء الهند، وألقى الخطب الرنانة في المحافل الكبيرة» وممن كان يؤيد حركة مقاطعة البضائع الأجنبيّة: عبدالباري الفرنكي محلي الكهنوي، كما في ترجمته في «الإعلام» (3/1259) -أيضاً- ووجدتُ العلامة تقي الدين يذكر قصصاً في مقاطعة الهندوس للبضائع البريطانيّة في الهند، ويثني على ذلك، فهي عنده مقبولة، إن آتت ثمارها وترتبت عليها نتائجها "
ومن الفتاوى الأخرى فى الموضوع فتوى أحمد الخليلي مفتى عمان لتفعيل سلاح مقاطعة الأعداء حيث سئل"أشرتم إلى القضية الاقتصادية ، وهو ما يشير إليه بعض المسلمين بالمعصية الاقتصادية للعالم الإسلامي بحيث لم يتنبه إلى تكثير ثرواته واستغلال ثروات الأرض ، الفرد المسلم بغض النظر عن الشركات الكبرى والدول والمنظمات والحكومات ماذا يمكنه أن يفعل في سبيل زيادة دخل المسلمين وتعبئتهم اقتصاديا حتى يتخلصوا من التبعية لأعدائهم ؟ وكان الجواب:
يقال : المرء قليل بنفسه كثير بأخيه ، فالفرد المسلم عليه قبل كل شيء أن يضع يده في يد الآخر ، وأن يكون هنالك تكامل ، من الله – سبحانه وتعالى - على بعض الناس بالمال ، ومن على الآخرين بالخبرة ، ومن على آخرين بالمادة التي يمكن أن تصنع وهكذا فإذن لا بد من التكامل ما بين هذه الفئات بأسرها حتى يمكن لأن يكون هذا التكامل بمشيئة الله حركة اقتصادية مؤثرة في حياة هذه الأمة بحيث تنقلها من الضعف إلى القوة "
فيما سبق من قتاوى الفتاوى مجرد كلام عام غالبه هو لإرضاء الناس وفى مقال وقفات مع من قال بالمقاطعة لسالم بن سعد الطويل استعرض الرجل فتاوى نفس العلماء تقريبا فى نفس الموضوع ولكن بصيغ أخرى حيث حرموا المقاطعة الاقتصادية فنقل الفتاوى التالية:
فقد ورد في فتاوى اللجنة الدائمة رقم (21776) بتاريخ 1421/12/25هـ السؤال التالي: يتردد الآن الدعوات لمقاطعة المنتجات الأمريكية مثل البيتزاهت وماكدونالدز إلخ فهل نستجيب لهذه الدعوات وهل معاملات البيع والشراء مع الكفار في دار الحرب جائزة؟ أم أنها جائزة مع المعاهدين والذميين والمستأمنين في بلادنا فقط؟
الجواب: يجوز شراء البضائع المباحة أياً كان مصدرها ما لم يأمر ولي الامر بمقاطعة شيء منها لمصلحة الاسلام والمسلمين لأن الاصل في البيع والشراء الحل كما قال تعالى واحل الله البيع (البقرة: 275) والنبي (ص)اشترى من اليهود
وسئل المفتي عبدالعزيز بن باز السؤال التالي: احسن الله اليك اذا علم ان هذا التاجر (رافضي) وان بضاعته معروفة هل يحذر منه على اساس انهم ما يشترون منه حتى انهم ما يدعمونه حتى ما يكون له دعم؟
الجواب: هذا محل نظر، الشراء من الكفرة جائز والنبي (ص)اشترى من اليهود، اشترى منهم ومات ودرعه مرهونة عند يهودي في طعام صلى الله عليه وسلم لكن يبين لهم عقيدتهم حتى لا يتخذهم اصحاب ولا رفقاء، اما كونه يشتري منهم شيئا اذا دعت الحاجة لشرائه الامر سهل، المقصود الحذر من الموالاة والمحبة أو التساهل معهم أو تمرير اعمالهم والتساهل فيها يبين للناس كفرهم وضلالهم الخ"
الاستشهاد بشراء النبى(ص) من يهودى ورهن درعه عند يهودع أمر لا يصلح للاستشهاد به فى المقاطعة لأن المقاطعة مرتبطة بدول خارجية والروايات تبين أن اليهودى ذمى داخل دولة المسلمين ومن ثم لا يكون هذا داخلا فى حرمة المقاطعة او إباحتها
ونقل الفتوى التالية:"وسئل محمد بن صالح العثيمين السؤال التالي: فضيلة الشيخ يوجد مشروب يسمى الكولا تنتجه شركة يهودية، فما حكم هذا المشروب؟ وما حكم بيعه وهل هو من التعاون على الاثم والعدوان؟
الجواب: "ألم يبلغك ان النبي (ص)اشترى من اليهودي طعاما لأهله ومات ودرعه مرهونة عند هذا اليهودي؟ ألم يبلغك ان الرسول عليه الصلاة والسلام قَبِلَ الهدية من اليهود؟ ولو اننا قلنا: لا، فات علينا شيء كبير من استعمال سيارات ما يصنعها اليهود واشياء نافعة اخرى لا يصنعها الا اليهود الخ"
نفس التعليق على الفتوى السابقة ومثلها التالية:
:وسئل صالح بن فوزان آل فوزان السؤال التالي: فضيلة الشيخ وفقكم الله، يكتب في الصحف هذه الايام الدعوة لمقاطعة البضائع الامريكية وعدم شرائها وعدم بيعها ومن ذلك ما كتب في هذا اليوم في احدى الصحف من أن علماء المسلمين يدعون الى المقاطعة وان هذا العمل فرض عين على كل مسلم وان الشراء لواحدة من هذه البضائع حرام، وان فاعلها فاعل لكبيرة ومعين لهؤلاء ولليهود على قتال المسلمين فارجو من فضيلتكم توضيح هذه المسألة للحاجة اليها وهل يثاب الشخص على هذا الفعل؟.... هذا غير صحيح، فالعلماء ما افتوا بتحريم الشراء من السلع الامريكية، والسلع الامريكية ما زالت تُورد وتباع في اسواق المسلمين. وليس بضار امريكا اذا انت اشتريت منها ومن سلعها وليس بضارها هذا. ما تقاطع السلع الا اذا اصدر ولي الامر، اذا اصدر ولي الامر منعا ومقاطعة لدولة من الدول، فيجب المقاطعة، اما مجرد افراد انهم يريدون عمل هذا ويفتون فهذا تحريم ما احل الله لا يجوز."
الغريب فى تلك الفتاوى سواء كانت المحرمة أو المبيحة نجد أن الفريق يستند لروايات فى التحريم ويستند لروايات أخرى فى التحليل وهم لا ينقلون تأصيلا أى تأسيسا للفتوى بناء على كذا وكذا وإنما هم يحكون مجرد مضمون بعض الروايات
ومن الأمثلة القليلة التى بنت الفتوى على أسس وإن كانت واهية مقال دراسات في الشريعة مقاطعة بضائع الكفار نظرة شرعية لهاني بن عبد الله بن محمد بن جبير ومما جاء فى ذلك المقال :
"الأصل أنه يجوز معاملة الكفار بالبيع والشراء سواء كانوا أهل ذمّة أو عهد أو حرب إذا وقع العقد على ما يحل ، ولا يكون ذلك من موالاتهم عن عبد الرحمن بن أبي بكر قال : كنا مع النبي (ص)ثم جاء رجل مشرك مشعان طويل بغنم يسوقها فقال النبي (ص): أبيعاً أم عطيّة ؟ أو قال : أم هبة ؟ قال : لا ، بل بيع فاشترى منه شاةً وقد بوّب البخاري على هذا الحديث في صحيحه : باب البيع والشراء مع المشركين وأهل الحرب وقد أمر النبي (ص)سلمان الفارسي بأن يكاتب ، والمكاتبة أن يشتري العبد نفسه من سيده ، وكان سيده يهودياً وعن ابن عباس قال : قُبض رسول الله (ص)وإن درعه مرهونة عند رجل من يهود على ثلاثين صاعاً من شعير أخذها رزقاً لعياله وعن عائشة أن النبي (ص)اشترى من يهودي طعاماً إلى أجل"
كما سبق ان علقنا على روايات الشراء من اليهود والرهن عندهم نقول أن هذا ألمر هو داخل دولة المسلمين وأيضا حكاية المشرك الطويل وأما أمر سلمان فهو أمر وقع فى دولة كافرة فلم يكن للمسلمين دولة وإنما كانوا يعيشون مع الكفار ومن ثم فلا يصلح شىء من هذا الاستدلال على إباحة المقاطعة أو حرمتها لأن المقاطعة تكون بين دولة المسلمين والدول الكافرة
ثم نقل الرجل التالى:
"وقال :وسواء في ذلك أن يسافر المسلم لبلد الكفار وديار الحرب أو يجيء الكافر لبلاد الإسلام ليبيع أو يشتري قال شيخ الإسلام ابن تيمية : « وإذا سافر الرَّجل إلى دار الحرب ليشتري منها جاز عندنا كما دل عليه حديث تجارة أبي بكر في حياة رسول الله (ص)إلى أرض الشام ، وهي حينذاك دار حرب ، وغير ذلك من الأحاديث عن الحسن قال : كتب أبو موسى إلى عمر بن الخطاب أن تجار المسلمين إذا دخلوا دار الحرب أخذوا منهم العُشر قال فكتب إليه عمر : خذ منهم إذا دخلوا إلينا مثل ذلك : العشر "قال الحافظ ابن حجر : « تجوز معاملة الكفار فيما لم يتحقق تحريم على المتعامَل فيه ، وعدم الاعتبار بفساد معتقدهم ومعاملاتهم فيما بينهم » هذا هو الأصل العام في معاملة الكفار"
يوجد فيما علمنا من الروايات يقول أن أبا بكر تاجر مع الكفار بعد الهجرة فى الشام أو غيرها وإنما كان هذا قبل الهجرة والرواية المشهورة هى عن الرهان بسبب سورة الروم وانتصار الروم وهى رواية لم تقع ولا تصح لأن الرهان حرام والرواية الأخرى عن عبد الرحمن بن عوف وحليفه القريشى فى التجارة وهى روايات لم تقع ولا تصح
وأما فرض العشر على تجار الكفار لكونهم بفرض على تجار المسلمين فهو أمر لا يتعلق بالمقاطعة وإنما إباحة للتعامل بالمثل بين الدول
وقد بين هانى ما سماه المسائل المستثناة فقال :
وقال:"يستثنى من هذا الأصل مسائل ؛ منها:
أنه لا يجوز أن يبيع المسلم للكفار ما يستعينون به على قتال المسلمين لقوله تعالى " وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَان " قال ابن بطال : « معاملة الكفار جائزة ، إلا بيع ما يستعين به أهل الحرب على المسلمين » وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن معاملة التتار ، فأجاب : ( يجوز فيها ما يجوز في معاملة أمثالهم ، ويحرم فيها ما يحرم في معاملة أمثالهم فأما إن باعهم أو باع غيرهم ما يعينهم به على المحرمات كبيع الخيل والسلاح لمن يقاتل به قتالاً محرماً فهذا لا يجوز وسواء كان ذلك وقت الحرب بين المسلمين والكفار أو وقت الموادعة والهدنة بينهم
قال السرخسي : ولا يمنع التجار من حمل التجارات إليهم إلا الكراع والسلاح والحديد ؛ لأنهم أهل حرب ، وإن كانوا موادعين ؛ ألا ترى أنهم بعد مضي المدة يعودون حرباً للمسلمين ، ولا يمنع التجار من دخول دار الحرب بالتجارات ما خلا الكراع والسلاح ؛ فإنهم يتقوون بذلك على قتال المسلمين فيمنعون من حمله إليهم ، وكذلك الحديد ؛ فإنه أصل السلاح قال الله تعالى " وَأَنزَلْنَا الحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ " ..وهذه المسألة من معمولات سد الذرائع المفضية إلى المفاسد ، ومن أمثلة قاعدة الوسائل لها أحكام المقاصد من شواهد ذلك في موضوعنا ما جاء عن عمر بن الخطاب أنّه كان يأخذ من النبط من القِطْنيّة ( وهي الحبوب التي تطبخ ) العُشْر ، ومن الحنطة والزيت نصف العشر ؛ ليكثر الحَمْل إلى المدينة فقد خفف عمر ما يأخذه منهم للمصلحة في ذلك ؛ فإن في الحنطة معاش الناس ومن هذا نقول : إنّه يخفف في أمور الضرورات والحاجيات العامة ويراعى فيها ما لا يراعى في غيرها"
وهذا الكلام عن تحريم بيع ما يظن استعماله كسلاح ضد المسلمين هو ضرب من الخبل لأن الأسلحة عند من يقوم بالحرب قد لا يتخيلها البعض فمثلا الماء أصبح سلاحا يستخدم لإزالة الخطوط الدفاعية للعدو كما فى إزالة النقاط الحصينة فى خط بارليف وعمل فتحات فيه لعبور الدبابات والجنود ومثلا النفط يستخدم فى تشغيل المصانع سواء مصانع الطعام أو الملابس او السلاح ومثلا الحديد يستخدم فى البناء وفى إنتاج آلات ومعدات فى إنتاج سلع مختلفة وإنتاج سلاح ومثلا مواد تنظيف الملابس والمواعين يمكن استخدام كمفرقعات أى سلاح ومثلا المواد المهدرة التى تستخدم فى العمليات الجراحية تستخدم كسلاح فى قنابل او طلقات فى بعض العمليات التى يراد منها الاستخبار وما شاكل هذا
أما حكاية تعامل عمر مع النبط وهى لم تقع فمسألة خارج نطاق المقاطعة إباحة وتحريما لأنها تعامل داخل دولة المسلمين وليست بينها وبين دولة أخرى
وقال هانى :
"وقال فى الإضرار الاقتصادي طريق من طرق الجهاد المشروع
وقد استعمل النبي (ص)التضييق والضغط الاقتصادي بتلك السرايا والبعوث التي سيّرها لمهاجمة قوافل قريش التجارية ؛ فقد بعث النبي (ص)سعد بن أبي وقاص فقال : « اخرج يا سعد حتى تبلغ الخرّار ؛ فإن عيراً لقريش ستمر بك » وخرج النبي (ص)في مائتين من أصحابه يعترض عيراً لقريش في غزوة بواط كما خرج لغزوة العشيرة لاعتراض قافلة لقريش في طريقها إلى الشام ، ولما عادت خرج يريدها وغزوة بدر إنما كان سببها طلبه عير أبي سفيان وعن ابن عباس قال : لما سمع رسول الله (ص)بأبي سفيان مقبلاً من الشام ندب المسلمين إليهم ، وقال : « هذه عير قريش فيها أموالهم ؛ فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها » فانتدب الناس إلى غير ذلك من شواهد كثيرة ، وكما استعمل النبي (ص)هذا الأسلوب فقد استعمله أبو بصير لما خرج إلى سيف البحر ولحق به أبو جندل بعد صلح الحديبية ، واجتمع إليهما عصابة ممن أسلم من قريش لا يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشام إلا اعترضوا لها ، فقتلوهم وأخذوا أموالهم بل وأبلغ من ذلك أن النبي (ص)دعا على قريش أن تضيق عليهم معيشتهم"
وهذا كلام عن الحرب وليس كلام عن المقاطعة فالله أمر المؤمنين الذين طردوا من بيوتهم وأخذت أموالهم أن يهاجموا الكفار للحصول على عدل أموالهم وبيوتهم وفى هذا قال تعالى " "أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله "فأين المقاطعة فى هذا الأمر ؟
ومن ثم لا يصلح أيا من هذا للاستشهاد به على عملية المقاطعة تحريما أو تحليلا
ثم ذكر روايات أخرى فقال :
"لا شك أن من الأصول المقررة عند أهل السنة والجماعة وجوب السمع والطاعة لولاة أمور المسلمين في المعروف وأعمال الرعيّة منها ما يشترط لفعله إذن الإمام ، ومنها ما لا يشترط له إذنه والمقاطعة بشكلها المعاصر مما لا يظهر لي ارتباطه بإذن ولي الأمر ؛ بدليل حديث ثمامة الآتي نصّه : عن أبي هريرة قال : « بعث رسول الله (ص)خيلاً قِبَلَ نجد ، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أُثال سيّد أهل اليمامة ، فربطوه بسارية من سواري المسجد ، فخرج إليه رسول الله (ص)فقال : ماذا عندك يا ثمامة ؟ فقال عندي خير : إن تقتل تقتل ذا دم ، وإن تنعم تنعم على شاكر ، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت فتركه رسول الله (ص)حتى كان بعد الغد فقال : ما عندك يا ثمامة ؟ فأعاد عليه مقالته ؛ حتى كان من الغد أعاد عليه مقالته ، فقال رسول الله (ص): أطلقوا ثمامة فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ، ثم دخل المسجد ، فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله يا محمد ! والله ما كان على الأرض وجه أبغض إليَّ من وجهك ؛ فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إليَّ ، والله ما كان من دين أبغضَ إليَّ من دينك ، فأصبح دينك أحب الدين كله إليّ ، وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة ؛ فماذا ترى ؟ فبشره رسول الله (ص)وأمره أن يعتمر ، فلما قدم مكة قال له قائل : أصبوت ؟ فقال : لا ، ولكني أسلمت مع رسول الله (ص)، ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبّة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله (ص)» زاد ابن هشام : « فانصرف إلى بلاده ومنع الحمل إلى مكة حتى جهدت قريش ، فكتبوا إلى رسول الله (ص)يسألونه بأرحامهم أن يكتب إلى ثمامة يُخَلّي إليهم حمل الطعام ففعل »
والشاهد من الحديث أن ثمامة منع الحمل إلى مكة وهو نوع من المقاطعة الاقتصادية لهم مع أنه لم يتقدمه إذن نبوي بذلك ، وإنما قاله حميّة لله ورسوله لما قالوا له : صبوت ، كما هو ظاهر الحديث "
الرواية لا تصح فالمسلمون هنا يغيرون بلا سبب وأتوا برجل كان يريد الاعتمار وهو كلام لا يصدق وقوعه فالنبى(ص) لا يغير على احد دون سبب شرعى وهو الاعتداء على المسلمين ولم يسبق أن تحارب مع بنى حنيفة فالوفد الذى آتاه ومعهم مسيلمة فى الرواية بعضهم أسلموا ولم يكن هناك حرب حتى تتم الإغارة؟
كما أن المقاطعة هنا مقاطعة فردية لأن بنو حنيفة لم يسلموا كلهم ومن ثم فكلام ثمامة المزعوم هو من باب الفخر وليس من باب القدرة كما أن نجد لم تكن حسب الرواية داخل حكم المسلمين
وقد قسم هانى الأحكام فى المقاطعة فى الفقرة التالية لأحكام عدة هى:
"والذي يظهر أن حكم المقاطعة يختلف باختلاف الأحوال ، وإليك التفصيل :
الأول : إذا أمر بها الإمام :
إذا أمر الإمام بمقاطعة سلعة معينة أو بضائع دولة من دول الكفر فإنه يجب على رعيته امتثال أمره ؛ قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ } وعن أنس بن مالك قال : قال رسول الله (ص): « اسمعوا وأطيعوا إن استعمل عليكم عبدٌ حبشي كأن رأسه زبيبة » ولعلَّ في قصة كعب بن مالك إذ نهى رسول الله (ص)المسلمين عن كلامه وصاحبيه شاهداً لأمر الإمام بالمقاطعة"
الخبل والذى سبق أن تكرر فى الفتاوى هو أن المقاطعة لا تتم إلا بأمر الإمام وفى دولة المسلمين كل المسلمين أئمة لقوله تعالى " واجعلنا للمتقين إماما"
والقرار فى دولة المسلمين ليس للإمام أى الحاكم وإنما هو للمسلمين جميعا كما قال تعالى " وأمرهم شورى بينهم "
وقال فى التقسيمات:
"الثاني : إذا لم يأمر بها الإمام :
إذا لم يأمر الإمام بالمقاطعة فلا يخلو الحال من أمرين:
-أن يعلم المسلم أنَّ قيمة ما يشتريه يعين الكفار على قتل المسلمين أو إقامة الكفر فهنا يحرم عليه أن يشتري منهم ؛ وذلك لأن الشراء منهم والحال ما ذكر مشمول بالنهي عن التعاون على الإثم والعدوان ،ومشمول بقاعدة سد الذرائع المفضية إلى الحرام هذا حكم ما لو علم ذلك يقيناً سواء باطلاع مباشر ، أو خبر موثوق به ، أو غير ذلك وغلبة الظن تجري مجرى العلم كما سبق
- أن لا يتيقن أن عين ما يشتري به منهم يستعان به على حرام من قتال المسلمين أو إقامة الكفر ؛ فهذا باق على الأصل العام وهو جواز البيع والشراء وسائر المعاملات فإن الأصل في البيوع الإباحة سواء منها ما كان مع المسلمين أو الكفار كما سبق وحيث لم يوجد ناقل عن هذا الأصل فلا يتغير الحكم ولكن يرتبط به الحالة الآتية :
-أن لا يتيقن أن عين ما يشتري به منهم يستعان به على حرام ؛ لكن في مقاطعتهم مصلحة ، ولعل هذه الحالة هي أكثر ما يكون الحديث عنه
ولبيان حكم هذه الحالة فإني أحتاج لتقسيمها إلى قسمين :
أ - أن يتم الشراء من الكافر مباشرة أو من خلال سمسار أو وكيل بعمولة وإذا أردت الوصول للحكم الشرعي في هذا القسم فإني بحاجة لتقرير مسلَّمات شرعيّة توصلنا للنتيجة فالأصل جواز التعامل مع الكفار ولو كانوا من أهل الحرب ، وأن وسائل الحرام حرام ولا يحكم على فعلٍ حتى يُنْظر في مآله وعاقبته ولا يباح مما يفضي إلى مفسدة إلا ما كانت مصلحته أرجح ولا يحرم مما يفضي إلى مصلحة إلا ما كانت مفسدته أرجح ولا مانع من استعمال الإضرار المالي جهاداً لأعداء الله ولو لم يأذن به الإمام وعليه فإن كان في المقاطعة والحال ما ذكر مصلحة فإنه يُنْدب إليها على أنه يراعى مدى الحاجة للبضائع كما سبق
ب - أن يتم الشراء من مسلم اشترى البضاعة أو صاحب امتياز ولبيان الحكم فإني مع تذكيري بما سبق من مسلَّمات فإني أذكر بأن المنتج الكافر يأخذ مقابل منحه امتياز التصنيع ، وهو يأخذه سواء قلَّ البيع أو كثر ، فالمقاطعة إضرار به وبعمالته وبالمساهمين معه في رأس ماله ، وكذا الحال بالنسبة لمن اشترى بضاعة من الكافر وصارت من ماله فالمقاطعة إضرار به ولذا فإن القول بندب المقاطعة فيه ثِقَل لوجود المفسدة والضرر الكبيرين ، ولا يقال فيها إن المفسدة خاصة والمصلحة عامة ؛ وذلك لأن المسلم سيكون هو المتضرر ، ولأنَّ نفع المقاطعة مظنون وتضرر الشركة مقطوع به ، والمقطوع يقدم على المظنون وعلى كلٍّ فاعتراض المفسدة قد يمنع القول بندب المقاطعة في هذا القسم "
وهذا الكلام هو على أفراد المسلمين الذين يعيشون فى مجتمع إمامه وهو حاكمه كافر يحكم بغير شرع الله والمجتمعات التى نحيا فيها الآن المقاطعة غير ذات جدوى فيها لأن الحكام فى الخفاء يتعاملون اقتصاديا مع أعداء الأمة وقد بدا من بعض الحكام الفجور حاليا فى تعاملهم مع الأعداء التاريخيين لناسهم حيث يفخرون بتعاملهم معهم ومن ثم فهو يستوردون منهم كثيرا ويبيعون لهم قليلا وهم يقللون من سلع الأخرين حتى يضطر الناس للشراء من المنتجات التى يراد مقاطعتها
مما سبق يتبين التالى :
-أن كل من شارك فى الفتاوى استبعد كلام الله القرآن كأساس وحيد يعتمد عليه
-أكثر الروايات المعتمدة فى التأسيس للفتاوى روايات لا علاقة لها بالموضوع والغريب أن حوادثها لم يشر الله لها فى القرآن
- الروايات المعتمدة للتحريم أو للتحليل معظمها لا يشير للتعامل مع كفار الخارج وإنما مع كفار أى ذميين داخل دولة المسلمين
-الروايات المعتمدة كلها لا تشير لكون السلع والبضائع المشتراة من الكفار منتجة فى بلاد الكفار وإنما هى تركز على كون الباعة أو المتعامل معم كفار
الآيات التى تشير لكيفية المقاطعة فى القرآن :
الأولى قوله تعالى:
"وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة "
فالجملة تطالب بالإعداد الاقتصادى الكامل للمسلمين مع المجالات الأخرى حتى لا يستورد المسلمون شيئا من دول الكفر ويقدرون على القتال دون وجود مانع يضغط عليهم كعدم وجود طعام للناس
الثانية قوله تعالى "يا أيها الذين أمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله "
هنا يبين الله ضرورة مقاطعة الكفار فى الحج بمنعهم من الحج لمكة حتى لو أدى منعهم لخسائر اقتصادية ومن ثم فالأمر ليس كما قال هانى فى المقاطعة أنها إذا أضرت بتاجر مسلم او عدة تجار حرمت ولكن الخسارة تباح طالما كانت طاعة لحكم من أحكام الله
الثالث قوله تعالى:
" وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به"
فهنا يعلمنا الله أن أى أمر يفعله الكفار فينا كمقاطعة سلعنا يقابل بنفس الأمر فلا تباع سلعنا لهم فى تلك الحالة وقد ضرب الله مثل بتلك المعاملة وهى هروب الزوجات فالمسلمة التى ترتد وتهرب مع مهرها إلى دولة كافرة على الدولة الكافرة أن ترد المهر لزوجها المسلم وإلا كان على دولة المسلمين ألا ترد لزوج كافرة من عندهم هاجرت للمسلمين مسلمة ومعها مهرها المهر وفى هذا قال :
"يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن وأتوهم ما أنفقوا ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا أتيتموهن أجورهن ولا تمسكوا بعصم الكوافر وسئلوا ما أنفقتم وليسئلوا ما أنفقوا ذلكم حكم الله يحكم بينكم"