رضا البطاوى
عضو فعال
- المشاركات
- 2,709
- الإقامة
- مصر
الضمان فى الإسلام
الضمان المالى هو :
أن يتحمل طرف التبعات المالية لعمل طرف أخر إن عجز عن سداده أو القيام بها
والضمان هو غالبا فى الدين وأحيانا يكون فى أمور كالديات
وقد فهمت العامة معنى الضمان فأطلقوا المثل :
الضامن غارم
والمراد أنه خاسر لماله
المسألة واضحة لكل صاحب عقل وهى :
أن الضمان عمل باطل عمل غير شرعى لمخالفته قوله تعالى :
" ولا تزر وازرة وزر أخرى"
وقوله تعالى :
" كل نفس بما كسبت رهينة "
هنا كل نفس مسئولة عن عملها وحدها وليس عن عمل غيرها والضمان هو عكس لكلام الله حيث تكون مسئولية الغير عن عمل العامل نفسه
والضمان هو أكل لأموال الناس بالباطل والآكل إما المدين الذى عجز عن سداد الدين أو زعم عجزه وهو قادر على السداد وإما صاحب الدين الذى أخذ مال ليس له وقد حرم الله أكل أموال الناس بالباطل إلا بالتجارة التى تكون بتراضى الأطراف كما قال تعالى :
"يا أيها الذين أمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم"
الغريب فى أمر الفقهاء فى عصرنا أو ما قبله هو أن الكثيرين اباحوا عمليات الضمان المصرفى فى المصارف وهى البنوك وننقل هنا من احد الكتب التالى :
"خطاب الضمان
وفيه الفروع الآتية:
1- حقيقته:
خطاب الضمان المصرفي: هو تعهد قطعي مقيد بزمن محدد غير قابل للرجوع يصدر من البنك بناء على طلب طرف آخر (عميل له) بدفع مبلغ معين لأمر جهة أخرى مستفيدة من هذا العميل لقاء قيام العميل بالدخول في مناقصة أو تنفيذ مشروع بأداء حسن ليكون استيفاء المستفيد من هذا التعهد (خطاب الضمان) متى تأخر أو قصر العميل في تنفيذ ما التزم به للمستفيد في مناقصة أو تنفيذ مشروع ونحوهما، ويرجع البنك بعد على العميل بما دفعه عنه للمستفيد"
هذه الحقيقة المرة هى عملية زيادة الغنى غنى فبدلا من أن يقوم المصرف بدور " كى لا يكون دولة بين الأغنياء منكم" يقوم بإعطاء العملاء وهم دوما الأغنياء تلك الخطابات لكى يربحوا بالمشاركة فى تلك الأعمال المالية ويزدادوا غنى بينما لو طلب عميل مدين صغير أو ليس له أملاك ضامنة هذا الخطاب فمن المحال منحه هذا الحق
كما هى المقولة الشهيرة " من لا يملك أعطى من لا يستحق" فالمصرف المفترض أنه ملك للناس خص الأغنياء بالعطاء مع أنه هو أو موظفيه لا يملكون حق التصرف فى هذا المال لأن المال مال الله أى مال الشعب يكون تفريقه بالعدل بينهم وأما اختصاص فريق بالعطاء فهو فساد كامل
بهذه الطريقة فى مصر مثلا امتلك الكبار من رجال الحزب الوطنى شركات الشعب الكبرى والصغرى اشتروا بمال الشعب مال المصارف مال الشعب ممثلا فى الشركات وأصبحت ملكية خاصة وهم لم يدفعوا من مالهم دينار واحدا فمن أرباح الشركات سددوا القروض وبعضهم عليه المليارات وما زال لم يدفع القروض وقد فهم عامة الناس هذا من زمان بعيد من خلال المثل :
" من ذقنه وافتل له"
وقس على هذا كل البلاد التى كانت فيها ملكيات عامة وأصيبت بداء الخصخصة
ثم تحدث الرجل عن أركان الضمان الباطل فقال :
2- أركانه:
من هذا يتضح أن أركان خطاب الضمان أربعة وهي:
1- البنك: وهو الطرف (الضامن) والضامن هو من التزم ما على غيره
2- العميل: وهو الطرف (المضمون عنه)
3- المستفيد: وهو الطرف (المضمون له) وهو رب الحق الذي التزمه الضامن
4- قيمة الضمان: وهو (المبلغ المضمون) والمضمون به هو الحق الذي التزم الضامن فإذا أطلق خطاب الضمان حوى هذه الأركان"
الأركان هنا ناقصة ما يضمن حق المصرف أى حق الشعب فى حالة عدم قيام العميل بسداد ما أنفقه المصرف فالمفترض أن يكون العميل لديه غطاء مالى من الأملاك يغطى ما ينفقه المصرف ولكن هذا لا يطبق إلا على العملاء الصغار المدينين الذين لابد ان تكون مرتباتهم أو أوراق ملكياتهم الصغيرة موجودة وأما الكبار فغالبا ما يقتسم المدراء والموظفين الكبار معهم مال القرض المصرفى حتى يوقعوا على أنه يملك غطاء مالى كافى للسداد
وتحدث الكاتب عن المضمون عنه فقال:
3- الشخص العميل (المضمون عنه) :يكون شخصية حكمية (اعتبارية) كالشركة أو المؤسسة ممثلة في(مديرها المسؤول) ، ويكون شخصاً طبيعياً"
لا يوجد شىء فى الإسلام اسمه شخصية اعتبارية فالأشخاص لابد أن يكونون أفراد احياء لأن العمل وهو الوزر يكون على فاعله كما قال تعالى :
"ألا تزر وازرة وزر أخرى "
والشخصيات الاعتبارية المزعومة هى ثغرات قانونية فى القانون الوضعى لضياع الحقوق فملاك الشركات والمؤسسات قد يبيعون أملاكها ويحولون المال لأشخاص أخرين ثم يعلنون إفلاس الشخص الاعتبارى وساعتها لا يجد المصرف الغطاء المالى ويضطر لاجراءات عقيمة تضيع أموال الشعب مثل جدولة الديون أو خصم الفوائد أو فى النهاية تعتبر ديون ميتة
4- المستفيد: (المضمون له) :عادة لا يكون إلا شخصية اعتبارية كمصلحة حكومية أو مؤسسة أو شركة معروفة ومن النادر أن يكون شخصاً طبيعياً"
نفس الأمر وهو اعتبار المؤسسة أو الشركة شخصية اعتبارية هو وهم فالمؤسسات فى الإسلام كلها ملك للشعب ومن ثم فهى شخصيات حية موجودة
ثم تحدث الرجل عن أهداف خطاب الضمان فقال :
5- أهدافه:
لخطاب الضمان أهمية كبيرة في حماية المستفيد (المضمون له)حكومة أو شركة لضمان تنفيذ المشاريع أو تأمين المشتريات وفق شروطها ومواصفاتها وفي أوقاتها المحددة ففيها توفير الضمان للمستفيد عن أي تقصير تنفيذي أو زمني من الطرف العميل إضافة إلى أن البنك لا يقبل في استقبال خطاب الضمان، وأن يكون طرفاً مع العميل لصالح المستفيد إلا إذا توفرت لديه القناعة بكفاءة العميل المالية والمعنوية ففي هذا ضمان إضافي إلى سابقه أن لا يدخل في المشاريع والمناقصات إلا قادر على الوفاء بما التزم به"
كما سبق أن قلنا لا يجوز أن يعطى بعض مال الشعب بأفراد منه دون غيرهم فإذا كان المصرف أعطى فردا فلابد أن يعطى كل الأفراد نفس المبلغ فهذا هو العدل وهو ما تسميه الدساتير الوضعية المواطنون سواء فى الحقوق والواجبات ولكنه مبدأ دستورى لا ينفذ على الإطلاق لأن الكبار فى كل دولة لهم كل الحقوق وليس عليهم واجبات إلا ما شاءوا
ثم تحدث الكاتب عن طريقة صدور الخطاب فقال:
6- طريقة إصدار خطاب الضمان:
يقدم طالب خطاب الضمان طلباً للبنك يحدد فيه مبلغ الضمان ومدته والجهة المستفيدة والغرض من الضمان، ويجب أن تكون لدى البنك قبل إصداره الضمان المذكور القناعة بأن كفاءة العميل المالية والمعنوية كفيلة بالوفاء بالتزامه فيما إذا طلب منه دفع قيمة الضمان أو تمديده، وإذا كان مبلغ الضمان كبيراً فإن البنك يطلب عادة تأمينات لقاء ذلك إما أن تكون رهناً عقارياً مسجلاً أو رهن أسهم في شركات بإيداع أوراق مالية لدى البنك يسهل تحويلها إلى نقد فيما لو طلب من البنك دفع قيمة مبلغ الكفالة مع خطاب من مودعها ما يتنازل عنها إذا اقتضى الأمر أو كفالة بنك خارجي معروف، وإضافة إلى كل ذلك فإن البنك يحتفظ عادة بتأمينات نقدية يودعها العميل بنسبة حوالي 25% من قيمة الضمان وقد تزيد هذه النسبة أو تقل تبعاً لمركز العميل المالي والمعنوي ولطبيعة المشروع الذي قدم الضمان من أجله، وبعد كل هذه الإجراءات يقوم البنك بإصدار الضمان"
كما قلنا العملية هى مجرد خدمة للكبار فلا ضمان هنا إلا لربع المبلغ وكأن المصارف تقول لهم اسرقوا الباقى وحتى لو قدم العميل أوراق بامتلاكه أشياء تساوى أو تفوق المبلغ فهذا لا يعنى أنه يملك تلك الأشياء فكثيرا ما يكون الورق مجرد توقيعات حكومية ولكن من كتبوا تلك الأملاك أخذوا مقابلها أوراق أخرى تثبت لهم ملكيتهم ولو بعدها بيوم كما أن المصرف لا يملك أن يمنع العميل من بيع تلك الأملاك فور صدور الخطاب
أتكلم هنا عن القوانين الوضعية لأن العملية كلها برمنها تخالف كلام الله
ثم تحدث الكاتب عن أنواع خطاب الضمان فقال:
7- أنواع خطابات الضمان:
تجري المعاقدة عليها على أنواع:
أولاً: خطاب الضمان الابتدائي:
ويكون مقابل الدخول في مناقصات أو مشاريع ويكون مبلغ الضمان مساوياً لـ 1% من قيمة المناقصة أو أكثر، وساري المفعول لمدة معينة وعادة تكون لثلاثة أشهر، وهذا التعهد المصرفي (خطاب الضمان) يقدمه العميل للمستفيد من مصلحة حكومية أو غيرها ليسوغ له الدخول في المناقصة مثلاً فهو كتأمين ابتدائي يعطي المستفيد الاطمئنان على قدرة العميل على الدخول في المناقصة ولا يسوغ إلغاء هذا الخطاب إلا بإعادته بصفة رسمية من الجهة المقدم إليها (المستفيد)
ثانياً: خطاب الضمان النهائي:
وهذا يكون مقابل حسن التنفيذ وسلامة الأداء في العملية من مناقصة أو مشروع ونحو ذلك ويكون مبلغه بنسبة 5% من قيمة المشروع أو المناقصة وهو مغياً بمدة عام كامل مثلاً قابل للزيادة وهذا التعهد البنكي (خطاب الضمان النهائي) يقدمه العميل للمستفيد من مصلحة حكومية أو غيرها ليستحق المستفيد الاستيفاء منه عند تخلف العميل عن الوفاء بما التزم به فهو كتأمين نهائي عند الحاجة إليه، ولا يكون إلغاؤه إلا بخطاب رسمي من الطرف المستفيد
ثالثاً: خطاب الضمان مقابل غطاء كامل لنفقات المشروع أو المناقصة:
(أي مقابل سلفة يقدمها العميل إلى البنك على حساب المشروع مثلاً لصالح الطرف المستفيد والغاية منه كما في سابقه)
ثانياً: - الخطاب النهائي -
رابعاً: خطاب الضمان: (ضمان المستندات) :
وهناك نوع رابع من خطابات الضمان يقدمه المصرف لصالح شركات الشحن أو وكالات البواخر، في حالة وصول البضاعة المستوردة إلى الميناء المحدد وتأخر وصول مستندات الشحن الخاصة بالبضاعة إلى ذلك المصرف الذي جرى الاستيراد عن طريقه فخشية من أن يلحق بالبضاعة تلف من جراء تأخر بقائها في جمرك الميناء يكون الضمان المذكور تعهداً من المصرف بتسليم مستندات الشحن الخاصة بالبضاعة إلى وكلاء البواخر فور وصولها واستناداً إلى هذا الضمان يتم فسح البضاعة للمستورد ولإصدار مثل هذا الضمان يقدم العميل المستورد طلباً بذلك إلى المصرف ويسدد قيمة اعتماد الاستيراد بالكامل (وهي قيمة البضاعة المستوردة) ومن ثم يصدر المصرف خطاب الضمان ويسلمه إلى العميل فيقوم العميل بتسليمه إلى وكلاء الباخرة المعنيين"
ثم تناول ما سماه استفادة المصرف من الخطاب فقال:
8- مدى استفادة البنك من خطاب الضمان:
هذا التعهد الذي ألزم البنك به نفسه مع العميل له بأن يدفع للطرف المستفيد من عميله المبلغ الصادر بموجبه خطاب الضمان ووفق ما فيه من شروط وإجراءات للبنك من وراء هذا مصلحة مادية وهي ما تسمى بالعمولة بمعنى أن البنك يستحق بالشرط على العميل نسبة مئوية معينة مقابل هذا التعهد وهذه الخدمة نحو 2% حسبما يتم الاتفاق عليه"
(وبهذا ينتهي المبحث الأول الذي يعطي التصور الكامل لخطابات الضمان الجارية في المصارف مع عملائها أمام المستفيدين منهم)
وما قاله هنا هو ضرب من الخبل فى المعاملات فالمصرف يأخذ فائدة على القروض بنسب كبيرة فكيف يمكن أن يفرق فى القروض بين العملاء فيعطى هذا بفائدة ويعطى هذا بعمولة أكبر
العامة تسمى هذا التعامل بذمتين أى ان المصرف منافق وفى قول اخر الذمة استك أى تتغير حتى أقصى حد ممكن للربح
المفترض هو المساواة حسب القانون الوضعى
ثم تناول الكاتب ما سماه الفقه الشرعى فقال:
" الفقه الشرعي لخطاب الضمان:
قد علم بأصل الشرع جواز الضمان وهو: ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون في التزام الحقوق المستحقة، بمعنى التزام دين على آخر، وهو عقد إرفاق وإحسان جاء به الشرع مع ما فيه من توثيق للحقوق وحفظ لها وخلاصة ما تقدم في المبحث الأول لطبيعة خطاب الضمان تنحصر
في الفقرتين الأخيرتين منه وهما:
1- أنواعه
2- عمولة البنك لقاءه
أما أنواعه الأربعة المتقدمة فلم يظهر في ماهيتها ما يخرج عن المنصوص عليه في أحكام الضمان شرعاً، وتوفر شروطه فالضامن البنك ممن يصح تبرعه، ولوجود رضى الضامن وكون الحق معلوماً حالاً أو مآلاً وأن أجله معلوم غير مجهول سوى ما جاء في النوع الأول وهو خطاب الضمان الابتدائي فإنه من باب ضمان ما سيجب وضمان ما لم يجب عقد معلق، وقد علم أن الضمان عقد التزام لازم فلا يعلق كغيره من العقود اللازمة، ولأن الضامن التزم ما لم يلزم الأصيل المضمون عنه وهو (العميل) بعد، لكن الجمهور من أهل العلم على جوازه وهو مذهب الأئمة الثلاثة
- أبي حنيفة، ومالك، وأحمد، والشافعي - في القديم والخلاف المذكور للشافعي في الجديد وما ذهب إليه الجمهور ألصق بأصول الشرع لا سيما إباحة التعامل في الأصل ما لم يعتوره مانع من غرر ونحوه ولا يظهر في ضمان ما لم يجب بعد ما يمنع فيبقى على الأصل والله أعلم، ولهذا قال الحنابلة في تعريف الضمان: هو التزام ما وجب أو يجب على غيره مع بقائه عليه أو: هو ضم الإنسان ذمته إلى ذمة غيره فيما يلزمه حالاً أو مآلاً وقالوا في ضمان ما يؤول إلى الوجوب (يصح الضمان بالحق الذي يؤول إلى الوجوب فيصح الضمان بما يثبت على فلان أو بما يقر به أو بما يخرج بعد الحساب عليه أو بما يداينه فلان) "
هنا الرجل يقول بوجود أصل شرعى للضمان وكما سبق أن قلنا الشرع يحرم الضمان لأن المسئولية فردية على من أخذ المال أو التزم بالقيام بعمل كما قال تعالى "
"ولا تزر وازرة وزر أخرى "
فالعمل مرهون بصاحبه فقط كما قال تعالى :
" كل نفس بما كسبت رهينة"
والغريب أن امور الضمان تخالف كتاب الله فالمدين لم يجعل الله له ضامن فى عقد الدين وعند عجزه عند السداد أعطى الله الدائن خيارين :
ألأول أن يعطيه مهلة إلى حين ميسرة كما قال تعالى :
"وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة "
الثانى أن يتنازل عن الدين وهو أن يعفو عن المدين بعدم أخذ المال منه وهو التصدق كما قال تعالى :
"وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون"
ومن ثم بطل القول بوجود ضمان فى الدين وهو الضمان المصرفى
والقول بوجود ضمان على من اسموه العاقلة وهى أهل القاتل إذا عجز عن دفع الدية يخالف كتاب الله أن القاتل وحده هو من يتحمل العقاب سواء كان قتلا كقصاص او دفع الدية إن كان له مال فإن لم يكن معه مال عفا أهل القتيل عن الدية أى تصدقوا عليه بها وصام هو شهرين متتاليين بديلا عن الدية وفى هذا قال تعالى :
"وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما"
وقال :
"يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم القصاص فى القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفى له من أخيه شىء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم"
ومن ثم لا يوجد شىء اسمه ضمان فى الإسلام فهذا ابتداع لعمل باطل لأكل أموال الناس
وتحدث الكاتب عن العمولة فقال:
أخذ العمولة عليه:
أي أخذ (الأجرة) لا (الجعالة) فإن الجعالة: أن يجعل جائز التصرف شيئاً معلوماً لمن يعمل له عملاً معلوماً أو مجهولاً من مدة معلومة أو مجهولة فلا يشترط العلم بالعمل ولا المدة ولا تعيين العامل للحاجة فهي إذن: التزام مال في مقابلة عمل لا على وجه الإجارة فليس ما هنا مما هنالك إضافة إلى أن الجعالة: عقد جائز من الطرفين لكل من العاقدين فسخها بخلاف الإجارة فهي عقد لازم ابتداء وإن كان وقع في عبارات بعضهم باسم الجعل على الضمان ففي هذا فالإجارة من باب أولى، وإن كانت الجعالة في معنى الإجارة لكن الجعالة أوسع من باب الإجارة فالجعالة كما علمت في تعريفها فلا يشترط العلم بالعمل ولا المدة ويجوز فسخها من الطرفين بخلاف الإجارة فهي عقد على منفعة أو عين لازم من الطرفين لا يملك أحدهما فسخها وعليه فإن جمهور أهل العلم على تقرير عدم الجواز لأخذ العوض على الضمان كما في مجمع الضمانات على مذهب الإمام أبي حنيفة وغيرها مصرحة بالمنع وعدم الجواز، وجماع تعليلهم للمنع فيما يلي:
1- إنه يؤول إلى قرض جر نفعاً وجه ذلك: إنه في حال أداء الضامن للمضمون له يكون العوض مقابل هذا الدفع الذي هو بمثابة قرض في ذمة المضمون عنه وفي خطاب الضمان: أقوى في بعض أحواله لأن المستفيد يستوفي عادة من البنك لا من العميل
2- إن هذا العقد مبناه على الإرفاق والتوسعة والإحسان ففي أخذ العوض لقاءه دفع لمقصد الشارع منه
3- إنه في بعض حالات الضمان يستوفي المضمون له من المضمون عنه فيكون أخذ الضامن للعوض بلا حق وهذا باطل، لأنه من أكل المال بالباطل وفي خطاب الضمان الابتدائي أو المستندي مثلاً يستوفي المضمون له المستفيد من العميل لا من البنك وههنا تنبيهان:
الأول: جرى في القواعد الفقهية قولهم: الأجر والضمان لا يجتمعان وهذه القاعدة ليست مما نحن فيه من أحكام الضمان، لأن الضمان هنا يقصد به (ضمان المتلفات)
الثاني: جرى في القواعد الفقهية لهم قولهم: (ليس كل ما جاز فعله جاز إعطاء العوض عليه) بل فيه ما يجوز كالجعالة على رد الآبق وما يمتنع كالعوض على الضمان واللهو المباح ونحو ذلك كما جاء في فتاوي
شيخ الإسلام ابن تيمية 30 / 215 – 216
النتيجة
مما تقدم تُعلم الحقيقتان الآتيتان:
الأولى: إن خطاب الضمان من حيث الغطاء له من قبل العميل ثلاثة أحوال:
1- خطاب ضمان ليس له غطاء البتة:
فهذا ينسحب عليه ما قرره جمهور العلماء من منع العوض على الضمان فهكذا في هذه الحالة من خطابات الضمان
2- خطاب ضمان له غطاء كامل من العميل:
فهذه الحالة والله أعلم لا يظهر في العوض عليها " أجرة المثل " ما يمنع في حق الضامن أو المضمون عنه، لأن هذا العوض (العمولة) مقابل الخدمات الإجرائية ففي حال دفع المصرف للمستفيد فهو من مال المضمون عنه، وفي حال عدم دفعه فهو مقابل حفظه لماله وخدماته لذلك
3- خطاب ضمان قد صار الغطاء لنسبة منه:
فهذه تنسحب عليها أحكام الحالتين قبلها فيجوز فيما قابل المغطى لا فيما لم يقابله - والله أعلم -
وأختم هذا المبحث برأي رشيد للعلامة الشيخ عمر بن عبد العزيز المترك في كتابه (الربا والمعاملات المصرفية) إذا قال - رحمه الله تعالى وغفر له آمين - ص / 309:
(والذي أرى أنه إذا كان الضمان مسبوقاً بتسليم جميع المبلغ المضمون للمصرف أو كان له غطاء كامل فلا يظهر في أخذ الجعالة عليه شيء، لأن العمولة التي يأخذها المصرف في هذه الحالة مقابل خدماته كالعمولة التي تؤخذ من قبله في عملية التحويل بالشيكات، لأن هذه العملية ليست مقابل عملية قرض ولا ما يؤول إلى قرض، لأن المصرف لا يدفع من ماله شيئاً، وإنما يدفع ما التزمه بموجب الضمان من مال المضمون عنه الموجود لديه، أما إذا كان خطاب الضمان غير مغطى فلا أرى جواز أخذ الجعالة عليه، لأن هذا الضمان قد يؤدي إلى قرض فيكون قرضاً جر فائدة، والربا أحق ما حميت مراتعه وسدت الطرائق المفضية إليه لذا فإني أرى أن على طالب الضمان أن يضع لدى الجهة الضامنة له مبلغاً يساوي المبلغ المضمون وهذا إجراء متفق مع الأصول الائتمانية المتبعة في بعض المصارف حيث تطلب من العميل المضمون أن يحجز لديه مبلغاً مساوياً لقيمة خطاب الضمان، وهو ما يسمى بالغطاء الكامل يكون رهناً لكي يسدد منه فيما لو اضطر المصرف إلى تنفيذ التزامه ويفرج عنه عندما يتحرر المصرف من ضمانه وفي هذا الإجراء من الفوائد مما لا يخفى منها:
1- عدم إفساح المجال لمن ليس لهم المقدرة على الوفاء بالتزاماتهم في الدخول في المناقصات والعطاءات
2- إن فيه حداً من التعامل الجشع والتوسع في الأعمال بما ليس في استطاعة الإنسان القيام به مما يعود عليه بالضرر وتنعكس عليه آثاره السيئة ذلك أن المناقص قد يقدم ضماناً مصرفياً بمبلغ ليس في استطاعته الوفاء به مما قد يضطره في النهاية إلى الخضوع لما تفرضه عليه المصارف من فوائد ربوية لقاء تسديده بمقتضى الضمان الذي التزمته) اهـ والله تعالى أعلم"
ومما سبق يتبين أن عمولة المصرف هى ربا على القرض حتى وإن كان صغيرا والربا محرم
الضمان المالى هو :
أن يتحمل طرف التبعات المالية لعمل طرف أخر إن عجز عن سداده أو القيام بها
والضمان هو غالبا فى الدين وأحيانا يكون فى أمور كالديات
وقد فهمت العامة معنى الضمان فأطلقوا المثل :
الضامن غارم
والمراد أنه خاسر لماله
المسألة واضحة لكل صاحب عقل وهى :
أن الضمان عمل باطل عمل غير شرعى لمخالفته قوله تعالى :
" ولا تزر وازرة وزر أخرى"
وقوله تعالى :
" كل نفس بما كسبت رهينة "
هنا كل نفس مسئولة عن عملها وحدها وليس عن عمل غيرها والضمان هو عكس لكلام الله حيث تكون مسئولية الغير عن عمل العامل نفسه
والضمان هو أكل لأموال الناس بالباطل والآكل إما المدين الذى عجز عن سداد الدين أو زعم عجزه وهو قادر على السداد وإما صاحب الدين الذى أخذ مال ليس له وقد حرم الله أكل أموال الناس بالباطل إلا بالتجارة التى تكون بتراضى الأطراف كما قال تعالى :
"يا أيها الذين أمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم"
الغريب فى أمر الفقهاء فى عصرنا أو ما قبله هو أن الكثيرين اباحوا عمليات الضمان المصرفى فى المصارف وهى البنوك وننقل هنا من احد الكتب التالى :
"خطاب الضمان
وفيه الفروع الآتية:
1- حقيقته:
خطاب الضمان المصرفي: هو تعهد قطعي مقيد بزمن محدد غير قابل للرجوع يصدر من البنك بناء على طلب طرف آخر (عميل له) بدفع مبلغ معين لأمر جهة أخرى مستفيدة من هذا العميل لقاء قيام العميل بالدخول في مناقصة أو تنفيذ مشروع بأداء حسن ليكون استيفاء المستفيد من هذا التعهد (خطاب الضمان) متى تأخر أو قصر العميل في تنفيذ ما التزم به للمستفيد في مناقصة أو تنفيذ مشروع ونحوهما، ويرجع البنك بعد على العميل بما دفعه عنه للمستفيد"
هذه الحقيقة المرة هى عملية زيادة الغنى غنى فبدلا من أن يقوم المصرف بدور " كى لا يكون دولة بين الأغنياء منكم" يقوم بإعطاء العملاء وهم دوما الأغنياء تلك الخطابات لكى يربحوا بالمشاركة فى تلك الأعمال المالية ويزدادوا غنى بينما لو طلب عميل مدين صغير أو ليس له أملاك ضامنة هذا الخطاب فمن المحال منحه هذا الحق
كما هى المقولة الشهيرة " من لا يملك أعطى من لا يستحق" فالمصرف المفترض أنه ملك للناس خص الأغنياء بالعطاء مع أنه هو أو موظفيه لا يملكون حق التصرف فى هذا المال لأن المال مال الله أى مال الشعب يكون تفريقه بالعدل بينهم وأما اختصاص فريق بالعطاء فهو فساد كامل
بهذه الطريقة فى مصر مثلا امتلك الكبار من رجال الحزب الوطنى شركات الشعب الكبرى والصغرى اشتروا بمال الشعب مال المصارف مال الشعب ممثلا فى الشركات وأصبحت ملكية خاصة وهم لم يدفعوا من مالهم دينار واحدا فمن أرباح الشركات سددوا القروض وبعضهم عليه المليارات وما زال لم يدفع القروض وقد فهم عامة الناس هذا من زمان بعيد من خلال المثل :
" من ذقنه وافتل له"
وقس على هذا كل البلاد التى كانت فيها ملكيات عامة وأصيبت بداء الخصخصة
ثم تحدث الرجل عن أركان الضمان الباطل فقال :
2- أركانه:
من هذا يتضح أن أركان خطاب الضمان أربعة وهي:
1- البنك: وهو الطرف (الضامن) والضامن هو من التزم ما على غيره
2- العميل: وهو الطرف (المضمون عنه)
3- المستفيد: وهو الطرف (المضمون له) وهو رب الحق الذي التزمه الضامن
4- قيمة الضمان: وهو (المبلغ المضمون) والمضمون به هو الحق الذي التزم الضامن فإذا أطلق خطاب الضمان حوى هذه الأركان"
الأركان هنا ناقصة ما يضمن حق المصرف أى حق الشعب فى حالة عدم قيام العميل بسداد ما أنفقه المصرف فالمفترض أن يكون العميل لديه غطاء مالى من الأملاك يغطى ما ينفقه المصرف ولكن هذا لا يطبق إلا على العملاء الصغار المدينين الذين لابد ان تكون مرتباتهم أو أوراق ملكياتهم الصغيرة موجودة وأما الكبار فغالبا ما يقتسم المدراء والموظفين الكبار معهم مال القرض المصرفى حتى يوقعوا على أنه يملك غطاء مالى كافى للسداد
وتحدث الكاتب عن المضمون عنه فقال:
3- الشخص العميل (المضمون عنه) :يكون شخصية حكمية (اعتبارية) كالشركة أو المؤسسة ممثلة في(مديرها المسؤول) ، ويكون شخصاً طبيعياً"
لا يوجد شىء فى الإسلام اسمه شخصية اعتبارية فالأشخاص لابد أن يكونون أفراد احياء لأن العمل وهو الوزر يكون على فاعله كما قال تعالى :
"ألا تزر وازرة وزر أخرى "
والشخصيات الاعتبارية المزعومة هى ثغرات قانونية فى القانون الوضعى لضياع الحقوق فملاك الشركات والمؤسسات قد يبيعون أملاكها ويحولون المال لأشخاص أخرين ثم يعلنون إفلاس الشخص الاعتبارى وساعتها لا يجد المصرف الغطاء المالى ويضطر لاجراءات عقيمة تضيع أموال الشعب مثل جدولة الديون أو خصم الفوائد أو فى النهاية تعتبر ديون ميتة
4- المستفيد: (المضمون له) :عادة لا يكون إلا شخصية اعتبارية كمصلحة حكومية أو مؤسسة أو شركة معروفة ومن النادر أن يكون شخصاً طبيعياً"
نفس الأمر وهو اعتبار المؤسسة أو الشركة شخصية اعتبارية هو وهم فالمؤسسات فى الإسلام كلها ملك للشعب ومن ثم فهى شخصيات حية موجودة
ثم تحدث الرجل عن أهداف خطاب الضمان فقال :
5- أهدافه:
لخطاب الضمان أهمية كبيرة في حماية المستفيد (المضمون له)حكومة أو شركة لضمان تنفيذ المشاريع أو تأمين المشتريات وفق شروطها ومواصفاتها وفي أوقاتها المحددة ففيها توفير الضمان للمستفيد عن أي تقصير تنفيذي أو زمني من الطرف العميل إضافة إلى أن البنك لا يقبل في استقبال خطاب الضمان، وأن يكون طرفاً مع العميل لصالح المستفيد إلا إذا توفرت لديه القناعة بكفاءة العميل المالية والمعنوية ففي هذا ضمان إضافي إلى سابقه أن لا يدخل في المشاريع والمناقصات إلا قادر على الوفاء بما التزم به"
كما سبق أن قلنا لا يجوز أن يعطى بعض مال الشعب بأفراد منه دون غيرهم فإذا كان المصرف أعطى فردا فلابد أن يعطى كل الأفراد نفس المبلغ فهذا هو العدل وهو ما تسميه الدساتير الوضعية المواطنون سواء فى الحقوق والواجبات ولكنه مبدأ دستورى لا ينفذ على الإطلاق لأن الكبار فى كل دولة لهم كل الحقوق وليس عليهم واجبات إلا ما شاءوا
ثم تحدث الكاتب عن طريقة صدور الخطاب فقال:
6- طريقة إصدار خطاب الضمان:
يقدم طالب خطاب الضمان طلباً للبنك يحدد فيه مبلغ الضمان ومدته والجهة المستفيدة والغرض من الضمان، ويجب أن تكون لدى البنك قبل إصداره الضمان المذكور القناعة بأن كفاءة العميل المالية والمعنوية كفيلة بالوفاء بالتزامه فيما إذا طلب منه دفع قيمة الضمان أو تمديده، وإذا كان مبلغ الضمان كبيراً فإن البنك يطلب عادة تأمينات لقاء ذلك إما أن تكون رهناً عقارياً مسجلاً أو رهن أسهم في شركات بإيداع أوراق مالية لدى البنك يسهل تحويلها إلى نقد فيما لو طلب من البنك دفع قيمة مبلغ الكفالة مع خطاب من مودعها ما يتنازل عنها إذا اقتضى الأمر أو كفالة بنك خارجي معروف، وإضافة إلى كل ذلك فإن البنك يحتفظ عادة بتأمينات نقدية يودعها العميل بنسبة حوالي 25% من قيمة الضمان وقد تزيد هذه النسبة أو تقل تبعاً لمركز العميل المالي والمعنوي ولطبيعة المشروع الذي قدم الضمان من أجله، وبعد كل هذه الإجراءات يقوم البنك بإصدار الضمان"
كما قلنا العملية هى مجرد خدمة للكبار فلا ضمان هنا إلا لربع المبلغ وكأن المصارف تقول لهم اسرقوا الباقى وحتى لو قدم العميل أوراق بامتلاكه أشياء تساوى أو تفوق المبلغ فهذا لا يعنى أنه يملك تلك الأشياء فكثيرا ما يكون الورق مجرد توقيعات حكومية ولكن من كتبوا تلك الأملاك أخذوا مقابلها أوراق أخرى تثبت لهم ملكيتهم ولو بعدها بيوم كما أن المصرف لا يملك أن يمنع العميل من بيع تلك الأملاك فور صدور الخطاب
أتكلم هنا عن القوانين الوضعية لأن العملية كلها برمنها تخالف كلام الله
ثم تحدث الكاتب عن أنواع خطاب الضمان فقال:
7- أنواع خطابات الضمان:
تجري المعاقدة عليها على أنواع:
أولاً: خطاب الضمان الابتدائي:
ويكون مقابل الدخول في مناقصات أو مشاريع ويكون مبلغ الضمان مساوياً لـ 1% من قيمة المناقصة أو أكثر، وساري المفعول لمدة معينة وعادة تكون لثلاثة أشهر، وهذا التعهد المصرفي (خطاب الضمان) يقدمه العميل للمستفيد من مصلحة حكومية أو غيرها ليسوغ له الدخول في المناقصة مثلاً فهو كتأمين ابتدائي يعطي المستفيد الاطمئنان على قدرة العميل على الدخول في المناقصة ولا يسوغ إلغاء هذا الخطاب إلا بإعادته بصفة رسمية من الجهة المقدم إليها (المستفيد)
ثانياً: خطاب الضمان النهائي:
وهذا يكون مقابل حسن التنفيذ وسلامة الأداء في العملية من مناقصة أو مشروع ونحو ذلك ويكون مبلغه بنسبة 5% من قيمة المشروع أو المناقصة وهو مغياً بمدة عام كامل مثلاً قابل للزيادة وهذا التعهد البنكي (خطاب الضمان النهائي) يقدمه العميل للمستفيد من مصلحة حكومية أو غيرها ليستحق المستفيد الاستيفاء منه عند تخلف العميل عن الوفاء بما التزم به فهو كتأمين نهائي عند الحاجة إليه، ولا يكون إلغاؤه إلا بخطاب رسمي من الطرف المستفيد
ثالثاً: خطاب الضمان مقابل غطاء كامل لنفقات المشروع أو المناقصة:
(أي مقابل سلفة يقدمها العميل إلى البنك على حساب المشروع مثلاً لصالح الطرف المستفيد والغاية منه كما في سابقه)
ثانياً: - الخطاب النهائي -
رابعاً: خطاب الضمان: (ضمان المستندات) :
وهناك نوع رابع من خطابات الضمان يقدمه المصرف لصالح شركات الشحن أو وكالات البواخر، في حالة وصول البضاعة المستوردة إلى الميناء المحدد وتأخر وصول مستندات الشحن الخاصة بالبضاعة إلى ذلك المصرف الذي جرى الاستيراد عن طريقه فخشية من أن يلحق بالبضاعة تلف من جراء تأخر بقائها في جمرك الميناء يكون الضمان المذكور تعهداً من المصرف بتسليم مستندات الشحن الخاصة بالبضاعة إلى وكلاء البواخر فور وصولها واستناداً إلى هذا الضمان يتم فسح البضاعة للمستورد ولإصدار مثل هذا الضمان يقدم العميل المستورد طلباً بذلك إلى المصرف ويسدد قيمة اعتماد الاستيراد بالكامل (وهي قيمة البضاعة المستوردة) ومن ثم يصدر المصرف خطاب الضمان ويسلمه إلى العميل فيقوم العميل بتسليمه إلى وكلاء الباخرة المعنيين"
ثم تناول ما سماه استفادة المصرف من الخطاب فقال:
8- مدى استفادة البنك من خطاب الضمان:
هذا التعهد الذي ألزم البنك به نفسه مع العميل له بأن يدفع للطرف المستفيد من عميله المبلغ الصادر بموجبه خطاب الضمان ووفق ما فيه من شروط وإجراءات للبنك من وراء هذا مصلحة مادية وهي ما تسمى بالعمولة بمعنى أن البنك يستحق بالشرط على العميل نسبة مئوية معينة مقابل هذا التعهد وهذه الخدمة نحو 2% حسبما يتم الاتفاق عليه"
(وبهذا ينتهي المبحث الأول الذي يعطي التصور الكامل لخطابات الضمان الجارية في المصارف مع عملائها أمام المستفيدين منهم)
وما قاله هنا هو ضرب من الخبل فى المعاملات فالمصرف يأخذ فائدة على القروض بنسب كبيرة فكيف يمكن أن يفرق فى القروض بين العملاء فيعطى هذا بفائدة ويعطى هذا بعمولة أكبر
العامة تسمى هذا التعامل بذمتين أى ان المصرف منافق وفى قول اخر الذمة استك أى تتغير حتى أقصى حد ممكن للربح
المفترض هو المساواة حسب القانون الوضعى
ثم تناول الكاتب ما سماه الفقه الشرعى فقال:
" الفقه الشرعي لخطاب الضمان:
قد علم بأصل الشرع جواز الضمان وهو: ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون في التزام الحقوق المستحقة، بمعنى التزام دين على آخر، وهو عقد إرفاق وإحسان جاء به الشرع مع ما فيه من توثيق للحقوق وحفظ لها وخلاصة ما تقدم في المبحث الأول لطبيعة خطاب الضمان تنحصر
في الفقرتين الأخيرتين منه وهما:
1- أنواعه
2- عمولة البنك لقاءه
أما أنواعه الأربعة المتقدمة فلم يظهر في ماهيتها ما يخرج عن المنصوص عليه في أحكام الضمان شرعاً، وتوفر شروطه فالضامن البنك ممن يصح تبرعه، ولوجود رضى الضامن وكون الحق معلوماً حالاً أو مآلاً وأن أجله معلوم غير مجهول سوى ما جاء في النوع الأول وهو خطاب الضمان الابتدائي فإنه من باب ضمان ما سيجب وضمان ما لم يجب عقد معلق، وقد علم أن الضمان عقد التزام لازم فلا يعلق كغيره من العقود اللازمة، ولأن الضامن التزم ما لم يلزم الأصيل المضمون عنه وهو (العميل) بعد، لكن الجمهور من أهل العلم على جوازه وهو مذهب الأئمة الثلاثة
- أبي حنيفة، ومالك، وأحمد، والشافعي - في القديم والخلاف المذكور للشافعي في الجديد وما ذهب إليه الجمهور ألصق بأصول الشرع لا سيما إباحة التعامل في الأصل ما لم يعتوره مانع من غرر ونحوه ولا يظهر في ضمان ما لم يجب بعد ما يمنع فيبقى على الأصل والله أعلم، ولهذا قال الحنابلة في تعريف الضمان: هو التزام ما وجب أو يجب على غيره مع بقائه عليه أو: هو ضم الإنسان ذمته إلى ذمة غيره فيما يلزمه حالاً أو مآلاً وقالوا في ضمان ما يؤول إلى الوجوب (يصح الضمان بالحق الذي يؤول إلى الوجوب فيصح الضمان بما يثبت على فلان أو بما يقر به أو بما يخرج بعد الحساب عليه أو بما يداينه فلان) "
هنا الرجل يقول بوجود أصل شرعى للضمان وكما سبق أن قلنا الشرع يحرم الضمان لأن المسئولية فردية على من أخذ المال أو التزم بالقيام بعمل كما قال تعالى "
"ولا تزر وازرة وزر أخرى "
فالعمل مرهون بصاحبه فقط كما قال تعالى :
" كل نفس بما كسبت رهينة"
والغريب أن امور الضمان تخالف كتاب الله فالمدين لم يجعل الله له ضامن فى عقد الدين وعند عجزه عند السداد أعطى الله الدائن خيارين :
ألأول أن يعطيه مهلة إلى حين ميسرة كما قال تعالى :
"وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة "
الثانى أن يتنازل عن الدين وهو أن يعفو عن المدين بعدم أخذ المال منه وهو التصدق كما قال تعالى :
"وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون"
ومن ثم بطل القول بوجود ضمان فى الدين وهو الضمان المصرفى
والقول بوجود ضمان على من اسموه العاقلة وهى أهل القاتل إذا عجز عن دفع الدية يخالف كتاب الله أن القاتل وحده هو من يتحمل العقاب سواء كان قتلا كقصاص او دفع الدية إن كان له مال فإن لم يكن معه مال عفا أهل القتيل عن الدية أى تصدقوا عليه بها وصام هو شهرين متتاليين بديلا عن الدية وفى هذا قال تعالى :
"وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما"
وقال :
"يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم القصاص فى القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفى له من أخيه شىء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم"
ومن ثم لا يوجد شىء اسمه ضمان فى الإسلام فهذا ابتداع لعمل باطل لأكل أموال الناس
وتحدث الكاتب عن العمولة فقال:
أخذ العمولة عليه:
أي أخذ (الأجرة) لا (الجعالة) فإن الجعالة: أن يجعل جائز التصرف شيئاً معلوماً لمن يعمل له عملاً معلوماً أو مجهولاً من مدة معلومة أو مجهولة فلا يشترط العلم بالعمل ولا المدة ولا تعيين العامل للحاجة فهي إذن: التزام مال في مقابلة عمل لا على وجه الإجارة فليس ما هنا مما هنالك إضافة إلى أن الجعالة: عقد جائز من الطرفين لكل من العاقدين فسخها بخلاف الإجارة فهي عقد لازم ابتداء وإن كان وقع في عبارات بعضهم باسم الجعل على الضمان ففي هذا فالإجارة من باب أولى، وإن كانت الجعالة في معنى الإجارة لكن الجعالة أوسع من باب الإجارة فالجعالة كما علمت في تعريفها فلا يشترط العلم بالعمل ولا المدة ويجوز فسخها من الطرفين بخلاف الإجارة فهي عقد على منفعة أو عين لازم من الطرفين لا يملك أحدهما فسخها وعليه فإن جمهور أهل العلم على تقرير عدم الجواز لأخذ العوض على الضمان كما في مجمع الضمانات على مذهب الإمام أبي حنيفة وغيرها مصرحة بالمنع وعدم الجواز، وجماع تعليلهم للمنع فيما يلي:
1- إنه يؤول إلى قرض جر نفعاً وجه ذلك: إنه في حال أداء الضامن للمضمون له يكون العوض مقابل هذا الدفع الذي هو بمثابة قرض في ذمة المضمون عنه وفي خطاب الضمان: أقوى في بعض أحواله لأن المستفيد يستوفي عادة من البنك لا من العميل
2- إن هذا العقد مبناه على الإرفاق والتوسعة والإحسان ففي أخذ العوض لقاءه دفع لمقصد الشارع منه
3- إنه في بعض حالات الضمان يستوفي المضمون له من المضمون عنه فيكون أخذ الضامن للعوض بلا حق وهذا باطل، لأنه من أكل المال بالباطل وفي خطاب الضمان الابتدائي أو المستندي مثلاً يستوفي المضمون له المستفيد من العميل لا من البنك وههنا تنبيهان:
الأول: جرى في القواعد الفقهية قولهم: الأجر والضمان لا يجتمعان وهذه القاعدة ليست مما نحن فيه من أحكام الضمان، لأن الضمان هنا يقصد به (ضمان المتلفات)
الثاني: جرى في القواعد الفقهية لهم قولهم: (ليس كل ما جاز فعله جاز إعطاء العوض عليه) بل فيه ما يجوز كالجعالة على رد الآبق وما يمتنع كالعوض على الضمان واللهو المباح ونحو ذلك كما جاء في فتاوي
شيخ الإسلام ابن تيمية 30 / 215 – 216
النتيجة
مما تقدم تُعلم الحقيقتان الآتيتان:
الأولى: إن خطاب الضمان من حيث الغطاء له من قبل العميل ثلاثة أحوال:
1- خطاب ضمان ليس له غطاء البتة:
فهذا ينسحب عليه ما قرره جمهور العلماء من منع العوض على الضمان فهكذا في هذه الحالة من خطابات الضمان
2- خطاب ضمان له غطاء كامل من العميل:
فهذه الحالة والله أعلم لا يظهر في العوض عليها " أجرة المثل " ما يمنع في حق الضامن أو المضمون عنه، لأن هذا العوض (العمولة) مقابل الخدمات الإجرائية ففي حال دفع المصرف للمستفيد فهو من مال المضمون عنه، وفي حال عدم دفعه فهو مقابل حفظه لماله وخدماته لذلك
3- خطاب ضمان قد صار الغطاء لنسبة منه:
فهذه تنسحب عليها أحكام الحالتين قبلها فيجوز فيما قابل المغطى لا فيما لم يقابله - والله أعلم -
وأختم هذا المبحث برأي رشيد للعلامة الشيخ عمر بن عبد العزيز المترك في كتابه (الربا والمعاملات المصرفية) إذا قال - رحمه الله تعالى وغفر له آمين - ص / 309:
(والذي أرى أنه إذا كان الضمان مسبوقاً بتسليم جميع المبلغ المضمون للمصرف أو كان له غطاء كامل فلا يظهر في أخذ الجعالة عليه شيء، لأن العمولة التي يأخذها المصرف في هذه الحالة مقابل خدماته كالعمولة التي تؤخذ من قبله في عملية التحويل بالشيكات، لأن هذه العملية ليست مقابل عملية قرض ولا ما يؤول إلى قرض، لأن المصرف لا يدفع من ماله شيئاً، وإنما يدفع ما التزمه بموجب الضمان من مال المضمون عنه الموجود لديه، أما إذا كان خطاب الضمان غير مغطى فلا أرى جواز أخذ الجعالة عليه، لأن هذا الضمان قد يؤدي إلى قرض فيكون قرضاً جر فائدة، والربا أحق ما حميت مراتعه وسدت الطرائق المفضية إليه لذا فإني أرى أن على طالب الضمان أن يضع لدى الجهة الضامنة له مبلغاً يساوي المبلغ المضمون وهذا إجراء متفق مع الأصول الائتمانية المتبعة في بعض المصارف حيث تطلب من العميل المضمون أن يحجز لديه مبلغاً مساوياً لقيمة خطاب الضمان، وهو ما يسمى بالغطاء الكامل يكون رهناً لكي يسدد منه فيما لو اضطر المصرف إلى تنفيذ التزامه ويفرج عنه عندما يتحرر المصرف من ضمانه وفي هذا الإجراء من الفوائد مما لا يخفى منها:
1- عدم إفساح المجال لمن ليس لهم المقدرة على الوفاء بالتزاماتهم في الدخول في المناقصات والعطاءات
2- إن فيه حداً من التعامل الجشع والتوسع في الأعمال بما ليس في استطاعة الإنسان القيام به مما يعود عليه بالضرر وتنعكس عليه آثاره السيئة ذلك أن المناقص قد يقدم ضماناً مصرفياً بمبلغ ليس في استطاعته الوفاء به مما قد يضطره في النهاية إلى الخضوع لما تفرضه عليه المصارف من فوائد ربوية لقاء تسديده بمقتضى الضمان الذي التزمته) اهـ والله تعالى أعلم"
ومما سبق يتبين أن عمولة المصرف هى ربا على القرض حتى وإن كان صغيرا والربا محرم