- المشاركات
- 82,633
- الإقامة
- قطر-الأردن
ليس من الحكمة القول بأن القمة الأوروبية كانت تكرارا مملا لمواقف طالما اتُخِذَت وظلّت على الورق !
ليس من الحكمة التصرف أيضا على أساس أن القمة حملت الترياق الناجع والحل النهائي القاطع !
ما حدث كان خطوة تاريخية، وإنجازا لخطوة أولى، في مسيرة ستستغرق سنوات - باعتراف العديد من المسؤولين الأوروبيين - من أجل خلق الإتحاد الأوروبي المالي، بعد البناء الناجح في بداية القرن الحالي للإتحاد السياسي والنقدي.
ألمريض الأوروبي خرج إذا نهاية الأسبوع الماضي من غرفة العناية المؤقتة بفضل الوصفات الطبيّة المكثفة للمستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" بعون فرنسي من مساعدها الحَذق " نيكولا ساركوزي" الذي أتقن اللعبة على أساس أن السياسة هي فن الممكن لا فن تسجيل النقاط. ليس من الصدفة أبدا الإعلان عن انضمام كرواتيا الى الإتحاد الأوروبي يوم الجمعة الماضي، كما لا يمكن التغاضي عن أهمية الإنقسام الذي أنتج عزلا لبريطانيا وتباعدا بينها وبين كل من ألمانيا وفرنسا...
أوروبا في طريقها للتحول الى اتحاد مالي صلب وعملاق، يُضاف الى الإتحادين السياسي والنقدي اللذين نشأت عليهما وبخطوة ناقصة كاد أن يودي بها. الخطوة الواثقة المطمئنة حدثت. هي قرّبت أوروبا جدا من الإتحاد النقدي المثالي الذي قال كبار اقتصاديي العالم إنه ضرورة ماسة من أجل إنجاح أي وحدة نقدية.. ألأسواق عامة رحبت يوم الجمعة بارتفاعات ملموسة في البورصات الأوروبية والأميركية، كما في أسعار النفط التي تجاوزت ال 108$ للبرميل لخام برنت وال 98$ للنفط الأميركي.
هل يعني ما تقدم أن خروج المريض الأوروبي من العناية الفائقة نهائي ومضمون؟
الكثير من الأمل في ذلك.. الكثير من التشكك أيضا.. ألإتحاد النقدي نجا بالمدى القريب من كارثة كانت تتهدده.. خريطة الطريق مطمئنة، خاصة بعد الإجماع الذي جعل من بريطانيا منعزلة تماما.. يبقى التنفيذ وإكمال الدرب في ترسيخ المركزية وإدخال التعديلات اللازمة على النواقص... الشهور القادمة تحمل الخبر اليقين عما إذا كان تأسيس الإتحاد المالي ميسورا...
ولكن ماذا عن اليورو؟ لماذا لم يرحب بالإتفاق؟ الترحيب غير مُبَرّر، أم تُراه مؤجل؟
اليورو حار في أمره. تقلّب وتقلّب. لكنه صمد صمودا رائعا في وجه ضغوط المزايدين والمضاربين. حتى ولو إنه تراجع - حتى ولو إنه سيتراجع - فلا يجوز اعتبار ذلك مؤشرا مقلقا أو تشككا بالاتفاق الأوروبي الجديد، لأن الخطوة الأولى باتجاه أوروبا حقيقية قد تم خطوها، ولو انه لا يزال هناك الكثير مما يجب عمله لإزالة العوائق من طريق اليورو...أبرز تعبير صادق وصحيح عما تقدم هو قول المستشارة الألمانية: " لقد اتفقنا على تجنب الحلول التوافقية الضعيفة في ما يتعلق باليورو، ونجحنا في ذلك. لقد تعلمنا من أخطاء الماضي، والمصداقية صارت الآن كبيرة".
العوائق المستمرة في طريق اليورو منطلقها بات واضحا بعد تصريحات رئيس البنك المركزي الاوروبي " ماريو دراجي " الخميس الماضي. موقفه تجاه شراء السندات الإيطالية لم يكن بما اشتهته الأسواق. أسعار السندات ردت بتراجع ملموس قابلها ارتفاع لأسعار الفوائد. هذه ستبقى شوكة في عين العملة الموحدة، وإلى أن تنتهي أوروبا من مد الخط المُقرر لقطارها وتمتينه، فيسير عليه بموثوقية تطمئن الأسواق.
تراجعات إضافية لليورو في الفترة الفاصلة عن بداية العام الجديد يجب النظر اليها بتحسب. حتى ال 1.2500 بلوغها ليس ممنوعا ولا مقفلا، بكلام احتمالي تقديري، هدفه التحسب لا الرهان الموثوق عليه، لأن مستجدات كثيرة لا زالت تنتظر العملة الموحدة في كل يومـ وتبقى لها التأثيرات الكبرى على مسيرتها...مرتكز هذا الكلام هو كون الاتفاق قد ارسى قاعدة صلبة لأوروبا المستقبل، ولكن أين نحن من الحل السريع للديون الخطرة التي ترزح تحتها ميزانيات دول رئيسية في منطقة اليورو؟
هذه الديون وتأثيراتها السلبية على العملة الموحدة سيتجاهلها السوق حتما في حال تعرض الدولار لحصار ما وتركيز الاسواق عليه سلبا. على هذا الصعيد لا بد من الإنتباه الى اجتماع الفدرالي الأميركي هذا الأسبوع وما سيصدر عنه من مواقف ومقررات..
وإن ننسى لا ننسى !
لا ننسى ما تمثله الآن وكالات التصنيف الإئتماني من مخاطر على إزاحة الإيجابيات عن مسرح الأحداث وإعادة السلبيات الى الواجهة. لا بد من تتبع مواقف الوكالات هذه في الأيام القادمة، فهي مؤثرة جدا، وراجحة جدا في تحديد وجهة سوق السندات. المواقف التي ستصدر عن مصادر المركزي الأوروبي لا تقل أهمية وتاثيرا أيضا.
يوم الثلاثاء ننظر باهتمام الى مؤشر ZEW ومواقف الخبراء الماليين في تقييمهم لوجهة الإقتصاد الأوروبي.
أيضا يوم الثلاثاء وقفة تأمل أمام بيان مبيعات التجزئة الأميركية، ولا ننسى مؤشرات التصنيع لولايتي فيلادلفيا ونيويورك المنتظرين يوم الخميس القادم.
أسبوع ناجح، وقرارات تداول موفقة نرجوها للجميع.